هل يغادر قادة "حماس" الدوحة كما غادروا عواصم أخرى؟

... بعد أن استقروا فيها لنحو 13 عاما منذ 2012

أندريه كوجوكارو
أندريه كوجوكارو

هل يغادر قادة "حماس" الدوحة كما غادروا عواصم أخرى؟

أعاد الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، الثلاثاء الماضي، والذي استهدف قيادات الصف الأول في حركة "حماس" خلال مناقشة مقترح الرئيس دونالد ترمب المتعلق بغزة، السؤال القديم الجديد حول مستقبل وجود قيادات الحركة الفلسطينية في الدولة الخليجية، وما إذا كان هذا الهجوم الذي أسفر عن مقتل خمسة فلسطينيين ورجل أمن قطري شيعوا الخميس بحضور أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، سيدفع قطر إلى ترحيل قيادة "حماس" عن أراضيها؟ هذا السؤال على أهميته لا يمكن العثور على جواب عليه، أو تقدير هذا الجواب، كما لو أنه سؤال منفصل عن كيفية تعامل قطر مع الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق ضدها والذي يطرح أسئلة جدية عن استراتيجية الدوحة المستقبلية لناحية استمرارها في أداء أدوار الوساطة في حروب ونزاعات إقليمية سواء في الشرق الأوسط أو حتى في أفغانستان حيث كانت تستضيف مفاوضات الأميركيين مع حركة طالبان.

لا شك أن حضور أمير قطر مراسم تشييع الفلسطينيين الخمسة الذين سقطوا في الهجوم، يعطي إشارة إلى أن الإمارة الخليجية ليست في وارد اتخاذ إجراء إقصائي ضد الحركة الفلسطينية.

وحتى الآن لم تنسحب قطر من الوساطة بين إسرائيل و"حماس" للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بل علقتها، وهو ما يترك الأبواب مفتوحة حول إمكان استئنافها في المدى المنظور. لكن ذلك يتوقف بطبيعة الحال على الموقف الأميركي المعني بهذه المفاوضات عن قرب، إزاء دور قطر فيها. وهو موقف لا يمكن أن يتبلور خارج موقف واشنطن من الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، والضمانات التي يمكن أن توفرها الولايات المتحدة لقطر بعدم استهدافها مرة ثانية. علما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كرر دعوته قطر لطرد "الإرهابيين" من أراضيها وإلا فهو سيفعل ذلك، ما يعني أنه مستعد للهجوم ضد قطر مرة جديدة في حال بقيت قيادات "حماس" فيها. وبالتالي فإن الموقف هنا أصبح بين الولايات المتحدة وإسرائيل بالدرجة الأولى، من حيث قدرة واشنطن على ثني تل أبيب عن تكرار الهجوم ضد الدوحة وهو ما وعد به ترمب القطريين.

والحال فإن قطر وإن لاقت تضامنا عربيا وإقليميا واسعا معها، فإنها تنتظر "رد الاعتبار" من واشنطن التي تقيم على الأراضي القطرية أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة. ولذلك فإنه لا يمكن توقع أن تكون قطر بصدد إعادة النظر في تموضعها وسياساتها على المدى القصير وإلا فهي ستظهر كما لو أنها خضعت للضغوط الإسرائيلية، وهي بذلك تستند على الموقف العربي والإقليمي حولها، ولكنها تراهن بالدرجة الأولى على موقف أميركي "منصف" لها. بيد أن قطر يمكن أن تراجع على المدى البعيد سياساتها الراهنة، بحيث إن أدوارها في الوساطة لم تحمها، لا من الهجوم الإيراني الذي استهدف قاعدة العديد الأميركية في يونيو/حزيران الماضي بينما كانت تتوسط لوقف الحرب بين إسرائيل وإيران، ولا من الهجوم الإسرائيلي الثلاثاء الماضي بينما كانت تؤدي دور الوساطة بين إسرائيل و"حماس". ولذلك فإنه من المستبعد جدا أن تأخذ الدوحة أي إجراء ضد "حماس" في المدى القريب، وإن كان هذا الموقف قابلا للتبدّل على المدى البعيد إذا وجدت قطر مصلحة في إعادة النظر في تموضعها واستراتيجية الوساطة التي تتبعها.

أ ف ب
تُظهر هذه اللقطة المأخوذة من لقطات بثها تلفزيون قطر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وهو يحضر جنازة ضحايا غارة إسرائيلية استهدفت شخصيات من حركة "حماس" الفلسطينية الثلاثاء، في مسجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالدوحة في 11 سبتمبر

وكانت "رويترز" نقلت عن مسؤول أميركي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن واشنطن طالبت قطر بطرد قيادة "حماس" بعدما رفضت الحركة الفلسطينية اقتراح صفقة مع إسرائيل، بينما ردت قطر بأن مكتب "حماس" في الدوحة أنشئ لتسهيل الوساطة.

هذا وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية قد ذكرت في 20 أبريل/نيسان 2024، نقلا عن مسؤولين عرب، أن "حماس" تواصلت مع دولتين على الأقل في المنطقة بشأن انتقال مكتبها السياسي إليهما، في ظل "ضغوط المشرعين الأميركيين على الدولة الخليجية للمضي قدما في مفاوضات وقف إطلاق النار (بين "حماس" وإسرائيل) التي يبدو من المرجح أنها ستفشل"، بحسب الصحيفة. وقال مسؤول عربي إن "عُمان هي إحدى الدول التي تم الاتصال بها".

من جهتها، نفت "حماس" من خلال مسؤولين اثنين فيها، في اليوم نفسه، "تفكيرها في مغادرة قطر إلى دولة مضيفة أخرى"، في وقت التقى فيه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، في اليوم نفسه، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول.

وأضاف المسؤولان أن الحركة تريد تعزيز العلاقات مع تركيا، بما في ذلك تلقي المساعدات منها مباشرة، بحسب ما ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كانت تركيا الدولة الثانية التي تفكر "حماس" في الانتقال إليها، بحسب ما ورد في "وول ستريت جورنال".

تعود "المجلة" إلى تاريخ تنقلات "حماس" منذ التسعينات، من الأردن إلى قطر ومنها إلى سوريا، ثم العودة إلى قطر.

الإقامة المشحونة في الأردن

ارتبطت حركة "حماس" منذ تأسيسها بُعيد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 بعلاقات وثيقة بجماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن، التي قدَّمت لـ"حماس" جميع أشكال الدعم العقيدي والسياسي والمعنوي والمادي.

والجدير بالذكر أن تنظيم "الإخوان المسلمين" الفلسطيني كان قد أصبح من الناحية التنظيمية منذ منتصف السبعينات جزءا من "الإخوان المسلمين" في الأردن.

بيد أن العلاقات بين الحكومة الأردنية وحركة "حماس" مرت بمحطات عديدة تراوحت بين التقارب والتوتر والتباعد والجفاء. ففي عام 1991 افتتح مكتب لـ"حماس" في الأردن وعيّن محمد نزال ممثلا للحركة في الأردن. ثم بعد نحو عام بدأ حضور "حماس" يتوسع في المملكة الأردنية إذ سمحت عمان بفتح مكاتب عدة للحركة على أراضيها، وانتقل المكتب السياسي لـ"حماس" برئاسة موسى أبو مرزوق إلى العاصمة الأردنية، وذلك رغم مشاركة الأردن في مؤتمر مدريد عام 1991 والذي وقفت "حماس" ضده. كذلك حصل انتقال الحركة إلى الأردن بالتزامن مع حملة إسرائيلية لإبعاد معظم قيادات الصف الأول في "حماس" و"الإخوان المسلمين" الأم من الأراضي الفلسطينية.

أ ف ب
صورة نشرتها وزارة الخارجية الإيرانية في 31 أكتوبر 2023 وتظهر خالد مشعل (يسار) وموسى أبو مرزوق خلال اجتماع بين وزير الخارجية الإيراني وقيادات من "حماس" في الدوحة

لكن سرعان ما بدأ التوتر والريبة يشوبان العلاقات بين الأردن و"حماس"، وخصوصا بعد سلسلة العمليات التي نفذتها "حماس" في الداخل الإسرائيلي، وهو ما تسبب في ضغط إسرائيلي ودولي على الأردن خاصة في أعقاب توقيع اتفاق وادي عربة بين إسرائيل والأردن في أكتوبر/تشرين الأول 1994.

وفي مايو/أيار 1995 طلب الأردن من رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" موسى أبو مرزوق وعضو المكتب عماد العلمي مغادرة أراضيه، فانتقل أبو مرزوق إلى الولايات المتحدة التي يحمل إقامة فيها، إلا أنه اعتقل هناك لنحو عامين قبل أن يفرج عنه ويسمح له الملك الراحل حسين بالعودة إلى الأردن عام 1997، بينما استمر التوتر في العلاقة بين الحركة والمملكة الهاشمية إذ اعتقلت سلطاتها في العام نفسه عددا من أعضاء الحركة.

انتقال المكتب السياسي لـ"حماس" إلى دمشق كان قد مهد له تطور تدريجي للعلاقات بين النظام الحاكم في سوريا والحركة الفلسطينية

وفي 25 سبتمبر/أيلول 1997 تعرض خالد مشعل الذي كان قد خلف أبو مرزوق في رئاسة المكتب السياسي لـ"حماس"، لمحاولة اغتيال في عمان، من خلال جهاز إشعاعي، على يد عنصرين من جهاز "الموساد" الإسرائيلي، تمكن الحارس الشخصي لمشعل من القبض عليهما وسلما إلى السلطات الأردنية.
ثم- وفي العام نفسه- أبرم الأردن وإسرائيل صفقة قضت بإنقاذ حياة مشعل عبر الحصول على الدواء المضاد للإشعاع المستخدم في محاولة الاغتيال، مقابل إفراج السلطات الأردنية عن عنصري "الموساد"، وفي المقابل أفرجت إسرائيل عن مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، وعدد من السجناء الفلسطينيين، وعاد ياسين بعد رحلة علاج في الأردن إلى قطاع غزة.
ثم وفي صيف عام 1999 أبلغ الأردن مشعل وأعضاء المكتب السياسي لـ"حماس" بضرورة مغادرتهم البلاد. وبعدها أغلقت السلطات الأردنية مكاتب "حماس" في الأردن، وأصدرت مذكرة اعتقال بحق ستة من قادتها بتهمة الانتماء إلى تنظيم "غير أردني"، هم خالد مشعل، وموسى أبو مرزوق، وإبراهيم غوشة، وعزت الرشق، وسامي خاطر، ومحمد نزال.

رويترز
مقاتلو "حماس" خلال مسيرة لمناسبة الذكرى الـ31 لتأسيس الحركة في مدينة غزة، 16 ديسمبر 2018

وكان ثلاثة من قادة "حماس" المطلوبين موجودين في طهران حين صدر القرار، وهم مشعل وأبو مرزوق وإبراهيم غوشة، وفور عوتهم إلى الأردن أبعدت سلطاته أبو مرزوق، واعتقلت مشعل وغوشة إضافة إلى الرشق وخاطر اللذين سبق اعتقالهما، بينما غاب نزال عن الأنظار.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1999 أبعد أربعة من أعضاء المكتب السياسي لـ"حماس" هم  مشعل وغوشة والرشق وخاطر إلى قطر. ولم تطل إقامة قيادة "حماس" في قطر، إذ سرعان ما انتقلت إلى العاصمة السورية دمشق، لأسباب بررتها الحركة وقتذاك بأنها جغرافية وديموغرافية متصلة بمجاورة سوريا لفلسطين ولوجود مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين فيها.

الانتقال إلى دمشق

انتقال المكتب السياسي لـ"حماس" إلى دمشق كان قد مهد له تطور تدريجي للعلاقات بين النظام الحاكم في سوريا والحركة الفلسطينية منذ أن بدأت بالصعود في المشهد الفلسطيني في التسعينات- وخصوصا بعد توقيع "اتفاق أوسلو" عام 1993 والذي عارضته كل من "حماس" ودمشق- وذلك رغم أنها تنتمي إلى منظومة "الإخوان المسلمين" التي يناصبها "حزب البعث العربي الإشتراكي" الحاكم في سوريا العداء، ولديه قانون يحكم بالإعدام على المنتمين لـ"الاخوان" بعد مواجهات بداية الثمانينات.
وفي عام 1998 زار الشيخ أحمد ياسين دمشق، فاستقبل رسميا في مطارها ثم أجرى لقاءات مع مسؤولين سوريين ومع الرئيس الراحل حافظ الأسد وأعطي الضوء الأخضر لبدء الحركة نشاطها السياسي والعسكري في سوريا، وفتحت المخيمات الفلسطينية أمام نشاطات "حماس" الاجتماعية.

في عام 2012 قررت "حماس" مغادرة سوريا والانتقال مجددا إلى الدوحة، كما عززت حضورها في تركيا حليفة قطر

كل ذلك أوجد ظروفا مناسبة لانتقال مشعل وأعضاء المكتب السياسي لـ"حماس"، الذين أبعدوا في خريف عام 1999 من الأردن إلى قطر، إلى دمشق بعدما رحب النظام الحاكم فيها بوجودهم.
ومنذ عام 2000 وحتى اندلاع الاحتجاجات السورية في مارس/آذار 2011 شهدت العلاقات بين دمشق و"حماس" تطورات مضطردة في ظل مناخ سياسي إقليمي مؤات ولا سيما بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وانسحاب القوات السورية من لبنان، وحرب يوليو/تموز 2006، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008. وكل ذلك في وقت كانت فيه علاقة "حماس" مع "حزب الله" وإيران حليفي النظام في سوريا علاقة وطيدة، وهو ما جعل الجميع في بوتقة ما يسمى "محور المقاومة".

أ ف ب
(الثاني من اليسار) الأمين العام لـ"الجهاد الإسلامي" رمضان عبد الله شلح، رئيس "حماس" خالد مشعل، الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة"، أحمد جبريل، خلال الذكرى العشرين لتأسيس "حماس" في دمشق، 4 يناير 2008

وقد سارت الأمور على هذا النحو بين دمشق و"حماس" إلى أن اندلعت الحرب السورية فوقع الافتراق بل والعداء بين الجانبين بعدما وقفت "حماس" إلى جانب المعارضة السورية، واتهمت بتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لها وحتى المشاركة في القتال ضد القوات الحكومية من خلال تشكيلات عسكرية أبرزها "أكناف بيت المقدس" بقيادة أحد مساعدي مشعل.

...  والعودة إلى الدوحة

وفي مطلع عام 2012 قررت القيادة السياسية لـ"حماس" مغادرة سوريا والانتقال مجددا إلى الدوحة والمكوث فيها، كما عززت حضورها في تركيا حليفة قطر.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022، عقد لقاء مصالحة بين وفد من "حماس" والرئيس السوري بشار الأسد في دمشق بمشاركة وفد من ممثلي الفصائل في سوريا، وهي مصالحة سعت إليها إيران و"حزب الله" في إطار مساعيهما لترميم "محور المقاومة"، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن حضور "حماس" في سوريا لم يشهد تطورا ملحوظا، بينما عززت الحركة حضورها في لبنان بدعم من "حزب الله". كما أن هذه المصالحة تزامنت مع "إبعاد" تركيا لعدد من قيادات الحركة في إطار مساعيها لتحسين علاقتها مع إسرائيل، بينما ربط البعض بين هذا "الإبعاد" وتصالح "حماس" مع دمشق، أما قطر التي كانت من أشد المعارضين للتطبيع مع نظام الأسد فلم تبادر إلى التضييق على الحركة على أراضيها. وكان بين هؤلاء صالح العاروري، مسؤول الحركة في الضفة، الذي اغتالته إسرائيل في بيروت مطلع العام 2024.
أما الآن والأسئلة تدور حول مستقبل "حماس" غزة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية ضدها تحت شعار "لا حماستان ولا فتحستان" في غزة، يتجدد السؤال عن مستقبل وجود قيادات "حماس" في الدوحة، وهو سؤال سيتأخر جوابه إلى حين تبلور "اليوم التالي" ليس في غزة وحسب بل في المنطقة ككل.

* تم تحديث هذا المقال بتاريخ 11 سبتمبر 2025

font change

مقالات ذات صلة