أعاد الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، الثلاثاء الماضي، والذي استهدف قيادات الصف الأول في حركة "حماس" خلال مناقشة مقترح الرئيس دونالد ترمب المتعلق بغزة، السؤال القديم الجديد حول مستقبل وجود قيادات الحركة الفلسطينية في الدولة الخليجية، وما إذا كان هذا الهجوم الذي أسفر عن مقتل خمسة فلسطينيين ورجل أمن قطري شيعوا الخميس بحضور أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، سيدفع قطر إلى ترحيل قيادة "حماس" عن أراضيها؟ هذا السؤال على أهميته لا يمكن العثور على جواب عليه، أو تقدير هذا الجواب، كما لو أنه سؤال منفصل عن كيفية تعامل قطر مع الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق ضدها والذي يطرح أسئلة جدية عن استراتيجية الدوحة المستقبلية لناحية استمرارها في أداء أدوار الوساطة في حروب ونزاعات إقليمية سواء في الشرق الأوسط أو حتى في أفغانستان حيث كانت تستضيف مفاوضات الأميركيين مع حركة طالبان.
لا شك أن حضور أمير قطر مراسم تشييع الفلسطينيين الخمسة الذين سقطوا في الهجوم، يعطي إشارة إلى أن الإمارة الخليجية ليست في وارد اتخاذ إجراء إقصائي ضد الحركة الفلسطينية.
وحتى الآن لم تنسحب قطر من الوساطة بين إسرائيل و"حماس" للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بل علقتها، وهو ما يترك الأبواب مفتوحة حول إمكان استئنافها في المدى المنظور. لكن ذلك يتوقف بطبيعة الحال على الموقف الأميركي المعني بهذه المفاوضات عن قرب، إزاء دور قطر فيها. وهو موقف لا يمكن أن يتبلور خارج موقف واشنطن من الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، والضمانات التي يمكن أن توفرها الولايات المتحدة لقطر بعدم استهدافها مرة ثانية. علما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كرر دعوته قطر لطرد "الإرهابيين" من أراضيها وإلا فهو سيفعل ذلك، ما يعني أنه مستعد للهجوم ضد قطر مرة جديدة في حال بقيت قيادات "حماس" فيها. وبالتالي فإن الموقف هنا أصبح بين الولايات المتحدة وإسرائيل بالدرجة الأولى، من حيث قدرة واشنطن على ثني تل أبيب عن تكرار الهجوم ضد الدوحة وهو ما وعد به ترمب القطريين.
والحال فإن قطر وإن لاقت تضامنا عربيا وإقليميا واسعا معها، فإنها تنتظر "رد الاعتبار" من واشنطن التي تقيم على الأراضي القطرية أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة. ولذلك فإنه لا يمكن توقع أن تكون قطر بصدد إعادة النظر في تموضعها وسياساتها على المدى القصير وإلا فهي ستظهر كما لو أنها خضعت للضغوط الإسرائيلية، وهي بذلك تستند على الموقف العربي والإقليمي حولها، ولكنها تراهن بالدرجة الأولى على موقف أميركي "منصف" لها. بيد أن قطر يمكن أن تراجع على المدى البعيد سياساتها الراهنة، بحيث إن أدوارها في الوساطة لم تحمها، لا من الهجوم الإيراني الذي استهدف قاعدة العديد الأميركية في يونيو/حزيران الماضي بينما كانت تتوسط لوقف الحرب بين إسرائيل وإيران، ولا من الهجوم الإسرائيلي الثلاثاء الماضي بينما كانت تؤدي دور الوساطة بين إسرائيل و"حماس". ولذلك فإنه من المستبعد جدا أن تأخذ الدوحة أي إجراء ضد "حماس" في المدى القريب، وإن كان هذا الموقف قابلا للتبدّل على المدى البعيد إذا وجدت قطر مصلحة في إعادة النظر في تموضعها واستراتيجية الوساطة التي تتبعها.

وكانت "رويترز" نقلت عن مسؤول أميركي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن واشنطن طالبت قطر بطرد قيادة "حماس" بعدما رفضت الحركة الفلسطينية اقتراح صفقة مع إسرائيل، بينما ردت قطر بأن مكتب "حماس" في الدوحة أنشئ لتسهيل الوساطة.
هذا وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية قد ذكرت في 20 أبريل/نيسان 2024، نقلا عن مسؤولين عرب، أن "حماس" تواصلت مع دولتين على الأقل في المنطقة بشأن انتقال مكتبها السياسي إليهما، في ظل "ضغوط المشرعين الأميركيين على الدولة الخليجية للمضي قدما في مفاوضات وقف إطلاق النار (بين "حماس" وإسرائيل) التي يبدو من المرجح أنها ستفشل"، بحسب الصحيفة. وقال مسؤول عربي إن "عُمان هي إحدى الدول التي تم الاتصال بها".
من جهتها، نفت "حماس" من خلال مسؤولين اثنين فيها، في اليوم نفسه، "تفكيرها في مغادرة قطر إلى دولة مضيفة أخرى"، في وقت التقى فيه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، في اليوم نفسه، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول.
وأضاف المسؤولان أن الحركة تريد تعزيز العلاقات مع تركيا، بما في ذلك تلقي المساعدات منها مباشرة، بحسب ما ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كانت تركيا الدولة الثانية التي تفكر "حماس" في الانتقال إليها، بحسب ما ورد في "وول ستريت جورنال".
تعود "المجلة" إلى تاريخ تنقلات "حماس" منذ التسعينات، من الأردن إلى قطر ومنها إلى سوريا، ثم العودة إلى قطر.
الإقامة المشحونة في الأردن
ارتبطت حركة "حماس" منذ تأسيسها بُعيد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 بعلاقات وثيقة بجماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن، التي قدَّمت لـ"حماس" جميع أشكال الدعم العقيدي والسياسي والمعنوي والمادي.
والجدير بالذكر أن تنظيم "الإخوان المسلمين" الفلسطيني كان قد أصبح من الناحية التنظيمية منذ منتصف السبعينات جزءا من "الإخوان المسلمين" في الأردن.
بيد أن العلاقات بين الحكومة الأردنية وحركة "حماس" مرت بمحطات عديدة تراوحت بين التقارب والتوتر والتباعد والجفاء. ففي عام 1991 افتتح مكتب لـ"حماس" في الأردن وعيّن محمد نزال ممثلا للحركة في الأردن. ثم بعد نحو عام بدأ حضور "حماس" يتوسع في المملكة الأردنية إذ سمحت عمان بفتح مكاتب عدة للحركة على أراضيها، وانتقل المكتب السياسي لـ"حماس" برئاسة موسى أبو مرزوق إلى العاصمة الأردنية، وذلك رغم مشاركة الأردن في مؤتمر مدريد عام 1991 والذي وقفت "حماس" ضده. كذلك حصل انتقال الحركة إلى الأردن بالتزامن مع حملة إسرائيلية لإبعاد معظم قيادات الصف الأول في "حماس" و"الإخوان المسلمين" الأم من الأراضي الفلسطينية.

لكن سرعان ما بدأ التوتر والريبة يشوبان العلاقات بين الأردن و"حماس"، وخصوصا بعد سلسلة العمليات التي نفذتها "حماس" في الداخل الإسرائيلي، وهو ما تسبب في ضغط إسرائيلي ودولي على الأردن خاصة في أعقاب توقيع اتفاق وادي عربة بين إسرائيل والأردن في أكتوبر/تشرين الأول 1994.
وفي مايو/أيار 1995 طلب الأردن من رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" موسى أبو مرزوق وعضو المكتب عماد العلمي مغادرة أراضيه، فانتقل أبو مرزوق إلى الولايات المتحدة التي يحمل إقامة فيها، إلا أنه اعتقل هناك لنحو عامين قبل أن يفرج عنه ويسمح له الملك الراحل حسين بالعودة إلى الأردن عام 1997، بينما استمر التوتر في العلاقة بين الحركة والمملكة الهاشمية إذ اعتقلت سلطاتها في العام نفسه عددا من أعضاء الحركة.