في أواخر سبتمبر/أيلول 2025، نشرت بريندا بيا، ابنة رئيس الكاميرون المخضرم بول بيا، البالغة من العمر27 عاما، مقطع فيديو صادم على وسائل التواصل الاجتماعي تحث فيه المواطنين على عدم التصويت لوالدها في الانتخابات المزمع إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول 2025. وقالت بريندا، بانفعال واضح: "لقد تسبب في معاناة شديدة لكثير من الناس". في غضون ساعات، انتشر المقطع على نطاق واسع، مثيرا حالة من عدم التصديق في بلد يكاد يكون فيه الاختلاف السياسي- ناهيك عن الشقاق داخل العائلة الرئاسية- أمرا لا يُصدق.
وأثارت تصريحات بريندا ضجة سياسية على نطاق واسع، فإنها إلى جانب حياتها في الخارج ونمط حياتها الغربي فتحت نقاشات اجتماعية حول الانفصال بين الأجيال داخل النخبة الحاكمة وغياب أي خطة لانتقال السلطة في أروقة العاصمة الكاميرونية ياوندي. وعلى الرغم من أن بريندا أصدرت لاحقا اعتذارا فاترا، إلا أن التمزق الرمزي ظهر جليا، فقد تصدعت واجهة الوحدة الأسرية، كاشفة عن الإرهاق السياسي للنظام الذي حكم لأكثر من أربعة عقود.
تُجسد هذه الحادثة مفارقة الكاميرون في عهد بول بيا، ونظامه الذي يعتمد على منظومة معقدة ومتداخلة مع بقايا الإرث الاستعماري المعروف باسم الفرانسافريكانية.
وُلِد الرئيس الكاميروني (بول بارتيليمي بيا بي مفوندو) في13 فبراير/شباط1933 في قرية مفوميكا جنوب الكاميرون، لعائلة كاثوليكية متواضعة من جماعة "البولو" العرقية، إحدى الجماعات الفرعية لشعب "البيتي" والتي شكلت لاحقا العمود الفقري الاجتماعي والسياسي لنظام حكمه. تلقى بيا تعليمه في المدارس الاستعمارية الفرنسية، ونشأ في ظل الاستيعاب التقليدي للإدارة الاستعمارية الفرنسية، الذي كان يُقدّر الولاء والتسلسل الهرمي والدقة البيروقراطية. وأكسبه بروزه الأكاديمي المبكر منحة دراسية إلى فرنسا، حيث درس القانون والعلوم السياسية في جامعة السوربون، ثم التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة، وهي مركز تدريب نخبة موظفي البيروقراطية الفرنسية.
وعند عودته إلى الكاميرون مطلع ستينات القرن الماضي، التحق بيا بسلك الخدمة العامة في الدولة التي نالت استقلالها في الأول من يناير/كانون الثاني 1960، تحت قيادة أول رؤسائها أحمدو أهيدجو. وسرعان ما أصبح بيا شخصية مفضلة لدى الدوائر الداخلية للنظام بفضل تعليمه وسلوكه الإداري المنضبط. وبحلول منتصف سبعينات القرن الماضي، ارتقى بيا إلى منصب رئيس الوزراء (1975-1982)، ليكون أول مواطن من جنوب الكاميرون يتولى هذا المنصب في دولة كانت لا تزال تُهيمن عليها النخب الشمالية الموالية لأهيدجو.
عندما استقال أهيدجو بشكل مفاجئ في نوفمبر/تشرين الثاني 1982، مُتعللا بأسباب صحية، خلفه بيا في رئاسة الدولة بموجب الدستور، وهو انتقال تم تصويره في البداية على أنه سلس ومنظم. لكن في غضون أشهر، اندلعت التوترات بين الرجلين، وبلغت ذروتها بمحاولة انقلابية فاشلة في أبريل/نيسان 1984 نُسبت إلى العناصر الموالية لأهيدجو في الحرس الجمهوري. مثّل هذا الحدث ترسيخا نهائيا لسلطة بيا. ومنذ ذلك الحين، اتسم حكمه بالسيطرة الشاملة.
في عقده التاسع وعامه الثالث والأربعين في السلطة، تحتل عائلة بيا مكانة رمزية لكنها مؤثرة في الحياة العامة الكاميرونية، وأبرزهم زوجته، شانتال بيا، المعروفة بأسلوبها الجريء وحضورها البارز في وظائف الدولة، على النقيض من الرئيس بيا الذي ازدادت عزلته واختفاؤه عن الأضواء العامة بشكل متزايد في السنوات الاخيرة.


