هجوم "داعش" في تدمر... ما تداعياته على التعاون السوري - الأميركي؟

يسلّط الضوء على ضعف القدرة الاستخباراتية للحكومة السورية

أ ف ب
أ ف ب
رجال يركبون دراجة نارية بجوار الرواق الكبير (Decumanus Maximus) في الآثار القديمة لمدينة تدمر في وسط سوريا في 7 فبراير 2025

هجوم "داعش" في تدمر... ما تداعياته على التعاون السوري - الأميركي؟

نفّذ تنظيم "داعش" هجوما من النقطة صفر على قوات مشتركة أميركية–سورية، السبت 13 ديسمبر/كانون الأول، عند "فرع البادية السورية 221" في تدمر. وأسفر الهجوم، بحسب بيان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، عن مقتل جنديين ومدني أميركي، وإصابة ثلاثة عسكريين.

وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن عنصرين من قوات الأمن الداخلي أُصيبا جراء الهجوم. وأوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أن المهاجم "يملك أفكارا تكفيرية أو متطرفة"، وأنه كان هناك قرار "سيصدر يوم الأحد"، أي بعد الهجوم بيوم، بحقه، لافتا إلى تحقيقات تجري للتأكد من علاقته بتنظيم "داعش".

وتعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بردٍّ انتقامي شديد ضد "داعش"، لكنه في الوقت نفسه لم يحمّل الحكومة السورية مسؤولية ما حدث، واكتفى بالإشارة إلى أن الرئيس السوري أحمد الشرع "غاضب للغاية" بسبب هذا الهجوم.

يأتي هذا الهجوم في وقت حرج وحساس، إذ إن خطوات إلغاء "قانون قيصر" الأميركي في مراحلها الأخيرة، والحكومة السورية تبذل جهدا كبيرا لبناء جسور الثقة بينها وبين قوات التحالف الدولي، إضافة إلى أن دمشق تحاول إثبات قدرتها على أن تكون الشريك البديل لـ"قسد" في عمليات مكافحة "داعش" والإرهاب. ليأتي هذا الهجوم كضربة للجهود السورية الهادفة إلى برهنة قدرتها على بناء تحالفات عسكرية وأمنية متينة مع القوى الفاعلة في مكافحة الإرهاب في سوريا.

ماذا يعني هجوم "داعش" في تدمر؟

الهجوم الذي نفذه "داعش" عبر عنصر تسلّل إلى صفوف الحكومة الجديدة، سيلقي بظلاله على عدة جوانب، منها ما هو داخلي يتعلق بالحكومة السورية، ومنها ما هو خارجي على مستوى التنسيق مع التحالف وطبيعته، وكذلك على مستوى الصورة العامة التي تحاول الحكومة السورية تصديرها للعالم. كما يشير الهجوم إلى انتقال "داعش" إلى مرحلة المبادرة بدل بقائه في حالة الكمون التخطيطي.

تحتاج الحكومة السورية إلى بذل جهد أكبر لإعادة ترتيب أوراقها الداخلية، بما لا يسبب لها إشكاليات في مساعي كسب الثقة وتعزيز جسور العمليات المشتركة مع التحالف الدولي

على المستوى الداخلي، يسلّط الهجوم الضوء على ضعف القدرة الاستخباراتية للحكومة السورية، وهو ضعف ليس مفاجئا في ظل نقص الكوادر والإمكانات، ووجود حالة عدم استقرار جغرافي تواجهها الحكومة. إذ إن وصول قدرة التنظيم على الاختراق إلى حد وجود عناصر له ضمن القوى التي ترافق وفدا للتحالف الدولي يعدّ أمرا بالغ الخطورة، ويحتاج إلى مراجعة مكثفة لآليات قبول المنتسبين الجدد إلى صفوف وزارتي الداخلية والدفاع في سوريا، وإلى دراسة أعمق لملفات المنتسبين فعليا والمتقدمين للانضمام إلى الوزارتين.

وعلى الرغم من أن امتداد هذا الضعف إلى حقل التنسيق بين جهاز الاستخبارات– الذي لا يملك ذراعا تنفيذية– ووزارة الداخلية بجناحيها المتمثلين في الأمن الداخلي وقوات مكافحة الإرهاب لا يمكن الجزم به، فإن وجود مثل هذا الخلل قد يقوّض وتيرة التسارع الحاصلة في تقوية العلاقة بين التحالف الدولي والحكومة السورية، خصوصا أن الجانب الأميركي حصر العلاقة بينه وبين وزارة الداخلية دون وزارة الدفاع، نظرا لعدم اكتمال هيكلية الأخيرة، وما زالت قوات التحالف ترى فيها شريكا غير مقنع، وسط مخاوف من تسرّب المعلومات منها.

أ ف ب
تظهر في الخلفية قلعة تدمر التي بناها المماليك في القرن الثالث عشر، وهي تطل على شابين يعبران شارعاً في مدينة تدمر الحديثة بوسط سوريا في 7 فبراير 2025

داخليا أيضا، ستستغل أطراف كثيرة هذا الهجوم لتعزيز أوراقها التفاوضية مع الحكومة السورية، ولا سيما في سياق المفاوضات المستمرة بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك بين الحكومة السورية وفصائل السويداء. ومن المرجح أن يُستخدم هذا الهجوم لمحاولة إقناع المجتمع الدولي بأن الحكومة السورية مخترقة وغير قادرة على أن تكون شريكا فعليا في ملفات كثيرة، أبرزها مكافحة الإرهاب.

على المستوى الخارجي، تحتاج الحكومة السورية إلى بذل جهد أكبر لإعادة ترتيب أوراقها الداخلية، بما لا يسبب لها إشكاليات في مساعي كسب الثقة وتعزيز جسور العمليات المشتركة مع التحالف الدولي. فحتى اللحظة، ما زالت هناك مخاوف لدى عدد من دول التحالف من عدم قدرة الحكومة السورية على التشاركية الفاعلة في العمليات العسكرية، وترى هذه الدول أن الحكومة تواجه تحديات عديدة تشتت انتباهها، وتعاني من هشاشة في البنية العسكرية والاستخباراتية تسمح لعناصر من "داعش" بالتسلل إلى منظومتي الدفاع والداخلية، ما قد يؤدي إلى تسرّب معلومات حول العمليات المجدولة أو المنسقة بين الطرفين.

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، في تصريح عقب الهجوم بساعات، إن عدد المنتسبين الجدد إلى صفوف الأمن الداخلي السوري في منطقة البادية تجاوز خمسة آلاف عنصر، وإن الوزارة تقوم بتقييم أسبوعي للأفراد. ويعكس هذا التصريح نوعا من الشفافية في التعاطي مع الحدث، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن الوزارة لا تزال في طور التقييم الداخلي وإعادة ترتيب الصفوف، وهو ما قد يعزز مخاوف الأطراف المتشككة من جاهزية الحكومة السورية للعمل الوثيق مع التحالف الدولي.

لطالما شكّلت البادية السورية نقطة ارتكاز لتنظيم "داعش"، فهي منطقة وعرة يصعب تمشيطها عسكريا، ومفتوحة على معاقل التنظيم زمن قوته

وفي الوقت نفسه، وبحسب معلومات "المجلة"، ترى واشنطن ودول أخرى فاعلة في التحالف الدولي أن مشاركة الدولة السورية مع التحالف مسألة جوهرية، وأن على دول التحالف بذل جهود لتمكين الحكومة السورية والأمن الداخلي بالإمكانات التدريبية والعسكرية والمعلوماتية اللازمة، لا سيما أن الحكومة السورية الجديدة حكومة ناشئة، وبنيتها العسكرية ومواردها البشرية تحتاج إلى دعم فاعل وحقيقي.

"داعش" يُظهر مرحلته الجديدة في سوريا

يشير الهجوم إلى أن "داعش" بدأ المرحلة الثانية من استراتيجيته في تقويض وزعزعة الثقة بالحكومة السورية الجديدة، وهي مرحلة الهجوم. فالتنظيم خلال الأشهر الماضية كان ينفذ عمليات فردية صغيرة، وتركّزت جهوده على شيطنة الحكومة، وتجنيد ومحاولة تجنيد عناصر جديدة، ونقل الخلايا ومخازن السلاح من مناطق تقليدية إلى أخرى جديدة. كما أن الخلية التي أُلقي القبض عليها من قبل الأمن الداخلي في أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في اللاذقية تعد مؤشرا على أن "داعش" بات يتموضع في مناطق متوترة أصلا، ما يمنحه فرصة لزعزعة جهود الاستقرار. ويبدو أن التنظيم دخل مرحلة الهجوم نتيجة التسارع غير المتوقع في مسار التوافق بين الحكومة السورية والغرب، بما في ذلك التحالف الدولي، وهو تسارع يشكل تهديدا وجوديا للتنظيم.

أ ف ب
تقوم القوات الأميركية بدوريات في حقول النفط بالقرب من الحدود الشمالية الشرقية لسوريا مع تركيا في ريف القحطانية في أقصى الركن الشمالي الشرقي من محافظة الحسكة في 3 سبتمبر 2024

لطالما شكّلت البادية السورية نقطة ارتكاز لتنظيم "داعش"، فهي منطقة وعرة يصعب تمشيطها عسكريا، ومفتوحة على معاقل التنظيم زمن قوته، مثل دير الزور والميادين والبوكمال والحدود السورية–العراقية ومنطقة الحماد وتدمر، وصولا إلى تلول الصفا المطلة على السويداء. ويدرك التحالف الدولي أن السيطرة الكاملة على هذه المنطقة ومنع نشاط التنظيم فيها خلال عام واحد ليس أمرا سهلا على الحكومة السورية، لذلك ليس مستبعدا أن تؤدي أي هجمات ينفذها التنظيم ضد قوات الأمن الداخلي أو دوريات التحالف إلى إشكاليات جوهرية في العلاقة بين الطرفين، لا سيما أن الحكومة السورية عززت وجودها العسكري في تلك المنطقة ونفذت عدة عمليات قرب تلول الصفا لمنع التنظيم من استغلال التوتر القائم في السويداء.

"داعش" يرى في الحكومة عدوا تقليديا يفهم منطقه واستراتيجياته، كما أن الفجوة الأمنية ونقص الكوادر يمثلان عاملين يمكن للتنظيم استغلالهما للتسلل إلى صفوف الحكومة واختراقها

تدرك الحكومة السورية التهديد الحقيقي الذي يشكله التنظيم عليها لعدة أسباب، فـ"داعش" يرى في الحكومة عدوا تقليديا يفهم منطقه واستراتيجياته، كما أن الفجوة الأمنية ونقص الكوادر يمثلان عاملين يمكن للتنظيم استغلالهما للتسلل إلى صفوف الحكومة واختراقها. وبحسب معلومات "المجلة"، تضع الحكومة السورية التنظيم على رأس قائمة الأطراف المعادية، وقد خصصت موارد بشرية استخباراتية وأمنية كبيرة لملاحقة خلاياه، كما ترى في الانضمام إلى التحالف الدولي ومشاركته عامل قوة لتعزيز قدراتها في مواجهة التنظيم.

سانا
الأمن الداخلي السوري يفكك خلايا لتنظيم "داعش" في ريف دمشق يوم 9 نوفمبر 2025

إن الهجوم الذي نفذه تنظيم "داعش" من النقطة صفر على اجتماع كان يناقش آليات التنسيق للقضاء عليه، يمثل مؤشرا واضحا على حجم الخطر الذي يشكله التنظيم على مستقبل سوريا، وعلى جهود الحكومة السورية والمجتمع الدولي لترسيخ الاستقرار فيها. كما يشير إلى حاجة دمشق لبذل جهود أكبر في مراجعة سريعة وحقيقية لملفات المنتسبين إلى وزارتي الدفاع والداخلية، ووضع استراتيجيات وآليات انتساب مدروسة وصارمة لمنع تسلل عناصر التنظيم، إلى جانب تكثيف برامج التدريب للكوادر البشرية بالتعاون مع الدول الحليفة والتحالف الدولي، والتركيز في المرحلة الحالية على العناصر الكفؤة والمؤكد ولاؤها في قوات مكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية، دون إشراك عناصر جديدة إلى حين التحقق الكامل من خلفياتهم وعدم انتمائهم إلى التنظيم أو تعاطفهم معه.

font change

مقالات ذات صلة