الاعتراف بالدولة الفلسطينية

الاعتراف بالدولة الفلسطينية

استمع إلى المقال دقيقة

مع غياب المؤشرات على قيام إسرائيل بوضع حد لهجومها العسكري على غزة، تستعد عدة حكومات غربية للاعتراف رسميا بدولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة، في خطوة ترمي إلى طمأنة الفلسطينيين بأن قضيتهم ما زالت حاضرة في الأجندة الدولية.

إلا أن السؤال يبقى مطروحا: هل يمكن لمثل هذا الاعتراف أن يدفع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتشددة إلى إنهاء حملتها العسكرية المستمرة ضد مقاتلي "حماس" في غزة؟

يُعد رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر من بين عدد من قادة دول مجموعة السبع الذين أعلنوا عزمهم الاعتراف بفلسطين خلال الاجتماع السنوي لقادة الأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل.

وكان ستارمر قد أعلن للمرة الأولى عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية في يوليو/تموز، بعد تعرضه لضغوط من وزراء حزب "العمال" لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.

وأكد ستارمر أن الحكومة البريطانية ستعترف رسميا بالدولة الفلسطينية ما لم تقدم إسرائيل على "خطوات ملموسة لإنهاء الوضع المروّع في غزة". كما شدد على ضرورة التزام إسرائيل بشروط أخرى، من بينها الموافقة على وقف إطلاق النار، والسعي إلى سلام مستدام طويل الأمد يقوم على حل الدولتين، والسماح للأمم المتحدة باستئناف إيصال المساعدات الإنسانية.

وردّ نتنياهو على خطوة ستارمر قائلا إنها "تكافئ الإرهاب الوحشي الذي تمارسه (حماس)". ومنذ ذلك الحين صعّدت إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة، ليجد ستارمر نفسه أمام خيار واحد فقط هو المضي في هذا الاعتراف.

ويُعد هذا الموقف تحولا عن النهج الدبلوماسي التقليدي لبريطانيا في التعاطي مع القضية، إذ ارتبط الاعتراف بفلسطين دوما بتوقيت استراتيجي يضمن تحقيق أقصى قدر من التأثير ضمن إطار عملية السلام الشاملة.

أكد المبعوث الأميركي أن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بدعم إسرائيل، محذرا من أن الاعتراف الرسمي بفلسطين كدولة سيجعل تحقيق السلام أكثر تعقيدا

وعلاوة على ذلك، جاء قرار الزعيم البريطاني بالمضي في الاعتراف بلحظة حساسة بالنسبة للعلاقات الأميركية البريطانية، إذ تزامن مع قيام الرئيس الأميركي دونالد ترمب بزيارته الرسمية الثانية إلى المملكة المتحدة في إطار مساعٍ لتحسين العلاقات بين واشنطن ولندن. ومن هذا المنطلق، آثر ستارمر تأجيل الإعلان عن الاعتراف بفلسطين إلى ما بعد انتهاء زيارة ترمب الرسمية.

ومع ذلك برزت خلافات واضحة بين لندن وواشنطن حول هذه القضية، إذ أدانت وزيرة الخارجية البريطانية الجديدة، إيفيت كوبر، الهجوم العسكري الإسرائيلي الأخير على مدينة غزة واصفة إياه بأنه "متهور ومروع تماما". وأضافت: "لن يؤدي ذلك إلا إلى المزيد من إراقة الدماء، وقتل مدنيين أبرياء آخرين، وتعريض الرهائن المتبقين للخطر".

وجاءت تصريحاتها على النقيض تماما من الموقف الذي تبناه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي أنهى مؤخرا جولة في الشرق الأوسط شملت محادثات مع نتنياهو قبل أن يتوجه إلى قطر.

وفي تصريح أدلى به من لندن، حيث شارك مع ترمب في مأدبة رسمية أقامها الملك تشارلز في قصر وندسور، أكد المبعوث الأميركي أن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بدعم إسرائيل، محذرا من أن الاعتراف الرسمي بفلسطين كدولة سيجعل تحقيق السلام أكثر تعقيدا.

وقال: "سيجعل ذلك من التفاوض أمرا أكثر صعوبة"، مضيفا: "لأنه يوفر حافزا لتلك الجماعات (في إشارة إلى حماس)". وأشار كذلك إلى احتمال ظهور "رد فعل إسرائيلي مضاد" على مثل هذه الخطوات، في تلميح فُسر على أنه إشارة إلى إمكانية سعي إسرائيل لضم أراضٍ محتلة من الضفة الغربية.

ورغم تحفظ إدارة ترمب على الاعتراف بفلسطين، تستعد عدة دول أخرى للانضمام إلى المملكة المتحدة في إعلانها خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، من بينها فرنسا، إذ كان الرئيس إيمانويل ماكرون أول زعيم من مجموعة السبع يعلن عزمه الاعتراف بدولة فلسطينية.

وكان ماكرون قد أعلن عن قراره في يوليو/تموز عبر منشور على منصة "إكس"، قال فيه: "الحاجة الملحة اليوم هي إنهاء الحرب في غزة وإنقاذ السكان المدنيين. السلام ممكن. نحن بحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وتقديم مساعدات إنسانية ضخمة لسكان غزة". وقد دفعت هذه الخطوة عددا من الدول، من بينها كندا وأستراليا، إلى السير على خطاه.

رغم آمال عدد من القادة الغربيين في أن يسهم الاعتراف بفلسطين في تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين، فمن غير المرجح أن يكون لهذه الخطوة تأثير على الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة

وأثار إعلان ماكرون رد فعل غاضبا من ترمب، الذي اتهم الرئيس الفرنسي بأنه "يسعى وراء الدعاية"، مضيفا في منشور على منصته "تروث سوشيال": "سواء عن قصد أو لا، فإن إيمانويل دائما ما يخطئ".

ومع استبعاد حدوث تحول في موقف إدارة ترمب الرافض لمبدأ الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الوقت الراهن، يظل السؤال قائما: هل يمكن لتحرك هذا العدد الكبير من القوى الكبرى لإعلان دعمها لفلسطين أن يحدث فارقا ملموسا في الحملة العسكرية الإسرائيلية الهادفة إلى القضاء على "حماس"؟

وكان ترمب قد تبنّى في السابق موقفا متذبذبا من مسألة إقامة الدولة الفلسطينية. فخلال ولايته الأولى، حين ركز على التفاوض بشأن اتفاقات إبراهام، تجنّب الخوض في تعقيدات القضية الفلسطينية، ووجّه جهوده نحو إقناع الحكومات العربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

وظهر تردده في الملف الفلسطيني بوضوح أيضا عندما سُئل مباشرة عن إمكانية تحقيق حل الدولتين بعد لقائه نتنياهو في الصيف، فاكتفى بالقول: "لا أعرف".

وفي الأثناء، أقرّت حكومة نتنياهو العام الماضي قرارا يرفض بأغلبية ساحقة إقامة دولة فلسطينية، مركزة بدلا من ذلك على تصعيد حملتها العسكرية في غزة.

وفي الأيام الأخيرة اضطر آلاف الفلسطينيين إلى النزوح عن مدينة غزة مع تكثيف الجيش الإسرائيلي عملياته للسيطرة على المنطقة التي يزعم أنها آخر معقل لـ"حماس" في القطاع، حيث يُعتقد أن الرهائن الإسرائيليين المتبقين محتجزون هناك.

وبالتالي، ورغم آمال عدد من القادة الغربيين في أن يسهم الاعتراف بفلسطين في الأمم المتحدة في تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، فإنه من غير المرجح أن يكون لهذه الخطوة تأثير مباشر على الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.

font change