تحولات ترمب... هل تترجم إلى دعم أميركي لأوكرانيا؟

تحولات ترمب... هل تترجم إلى دعم أميركي لأوكرانيا؟

استمع إلى المقال دقيقة

قد يشكّل التحول الدراماتيكي في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الصراع في أوكرانيا، بعدما أعلن صراحة أن كييف قادرة على تحقيق النصر، خبرا سارا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على المستوى الشخصي. لكن لا توجد ضمانات بأن هذا التغيير سينعكس فعليا على الجهد الحربي الأوكراني.

ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني، اتسم نهج ترمب تجاه أوكرانيا بعدم الاستقرار. فعلى مدى معظم العام الماضي، أبدى الزعيم الأميركي فتورا واضحا وبرودا في دعمه لأوكرانيا في صراعها الطويل مع روسيا، وهو موقف ظهر جليا خلال لقائه الشهير بزيلينسكي في البيت الأبيض في فبراير/شباط، حين وبّخه علنا بسبب طريقة تعامله مع النزاع.

ورغم أن العلاقات بين الزعيمين تحسنت لاحقا، خصوصا بعد إبداء زيلينسكي استعدادا للتعاون مع جهود إدارة ترمب لإنهاء الصراع، فإن الشكوك ما زالت قائمة بشأن حجم الدعم الذي قد يقدمه الرئيس الأميركي للقضية الأوكرانية. وزاد من هذه المخاوف محاولات ترمب فتح قنوات مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب، في مسعى انتهى بقمة غير حاسمة بينهما في ولاية ألاسكا خلال أغسطس/آب.

ومنذ ذلك الحين، بدا واضحا تغير موقف ترمب من بوتين، إذ أخذ يتساءل علنا عما إذا كان الرئيس الروسي يسعى فعلا إلى تسوية سلمية. وبرز هذا التشكيك في نوايا بوتين خلال زيارة ترمب الرسمية الثانية إلى المملكة المتحدة هذا الشهر، عندما أقرّ في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر أن بوتين " خذلني".

وقد أدى انهيار علاقة ترمب مع بوتين إلى تحوّل جذري في موقفه من دعم أوكرانيا. فبعد أن دعا سابقا كييف إلى تقديم تنازلات عن أراض في شرق البلاد وشبه جزيرة القرم من أجل السلام، أصبح يؤكد اليوم أن أوكرانيا قادرة على "استعادة كل أراضيها كاملة كما كانت".

وفي منشور على منصته "تروث سوشيال،" شدد ترمب على أن أوكرانيا تستطيع استعادة "الحدود الأصلية التي بدأت منها هذه الحرب" بدعم من أوروبا وحلف شمال الأطلسي، مستندا في ذلك إلى الضغوط الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد الروسي. وجاءت تعليقاته عقب محادثات مع زيلينسكي بعد خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث أوضح أن موقفه تغيّر "بعد أن تعرّف بشكل كامل على الوضعين العسكري والاقتصادي في أوكرانيا وروسيا".

وأضاف قائلا: "بوتين وروسيا في ورطة اقتصادية كبيرة، وهذا هو الوقت المناسب لتتحرك فيه أوكرانيا"، ووصف روسيا بأنها "نمر من ورق".

من جهته، أقرّ زيلينسكي في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" بأن تصريحات ترمب على "تروث سوشيال" فاجأته، لكنه وصفها بأنها "إشارة إيجابية" تدل على أن الولايات المتحدة "ستبقى معنا حتى نهاية الحرب". وقال: "أعتقد أن حقيقة أن بوتين كان يكذب على الرئيس ترمب مرارا أحدثت فرقا بيننا أيضا".

في المقابل، اعتبر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن تغيير موقف ترمب جاء نتيجة مباشرة للقاء زيلينسكي. وقال للصحافيين إن تصريحات الرئيس الأميركي صدرت "على ما يبدو تحت تأثير الرؤية التي طرحها زيلينسكي... وهي رؤية تتناقض تماما مع فهمنا لواقع الأمور".

كما انعكس الموقف الأكثر تشددا لترمب تجاه الصراع في أوكرانيا في تعليقاته على التوغلات العسكرية الروسية الأخيرة في المجال الجوي الأوروبي، إذ أكد أن دول حلف شمال الأطلسي لها كامل الحق في إسقاط الطائرات الروسية التي تنتهك أجواءها. ورد وزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي برسالة مقتضبة مؤيدة: "مفهوم".

وقد أظهرت روسيا مؤخرا استعدادها لتحدي دفاعات الحلف، إذ أعلنت كل من إستونيا وبولندا أن طائرات روسية اخترقت مجالهما الجوي، فيما قالت رومانيا إن طائرات مسيّرة روسية دخلت أجواءها. ورأى مراقبون أن هذه الأفعال تهدف إلى تحذير أوروبا من مواصلة دعمها لأوكرانيا، ما استدعى ردا صارما من حلف "الناتو" الذي أكد في بيان أنه سيستخدم "جميع الأدوات العسكرية وغير العسكرية اللازمة" للدفاع عن نفسه.

يسود شعور قوي في واشنطن بأن الأوروبيين قادرون على تقديم المزيد، سواء عبر تزويد كييف بأسلحة متقدمة أو عبر رفع القيود التي تمنعها من استهداف مواقع داخل روسيا

ورغم نبرة ترمب الأكثر دعما لأوكرانيا، لا يزال الغموض حول ما إذا كان هذا الموقف سيترجم إلى زيادة ملموسة في المساعدات الأميركية، أم إنه سيؤدي إلى دفع واشنطن حلفاءها الأوروبيين لتحمل العبء الأكبر. وتفاقمت التوترات بين الطرفين بسبب استمرار بعض الدول الأوروبية في الاعتماد على الطاقة الروسية، وهو ما دفع ترمب إلى القول في خطابه أمام الأمم المتحدة إن هذه الدول "تموّل حربا ضد نفسها". كما أعربت واشنطن عن إحباطها من تباطؤ أوروبا في الإفراج عن نحو 350 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة التي تراها الإدارة الأميركية مصدرا رئيسا لتمويل المجهود الحربي الأوكراني وإعادة الإعمار.
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، التي اجتمعت بترمب على هامش لقاءات الأمم المتحدة، أكدت أن الاتحاد الأوروبي يزيد ضغوطه على صادرات الطاقة الروسية. وقالت في منشور على منصة "إكس": "بحلول عام 2027، ستكون أوروبا قد طوت صفحة الوقود الأحفوري الروسي إلى الأبد".
ومع ذلك، يسود شعور قوي في واشنطن بأن الأوروبيين قادرون على تقديم المزيد، سواء عبر تزويد كييف بأسلحة متقدمة أو عبر رفع القيود التي تمنعها من استهداف مواقع داخل روسيا، وهو ما قد يلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد الروسي. على سبيل المثال، سبق أن اقترح زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني فريدريش ميرتس تزويد أوكرانيا بصواريخ كروز من طراز "تاوروس". لكن هذه الشحنة لم تُسلّم حتى الآن.
وإذا كان ترمب مقتنعا فعلا بأن أوكرانيا قادرة على تحقيق النصر، فإن أي دعم إضافي من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين قد يشكّل عاملا حاسما لإنهاء هذا الصراع المأساوي بصورة نهائية.

font change