مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل كل أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.

الكتاب: معاوية المؤرخين – صورة معاوية في المصادر الإسلامية المبكرة

الكاتب: خالد كشك

ترجمة: محمد خضر

الناشر: مركز نماء للبحوث والدراسات – لبنان

يروي كتاب "معاوية المؤرخين – صور معاوية في المصادر الإسلامية المبكرة" للكاتب خالد كشك الذي ترجمه محمد خضر، سيرة معاوية بن أبي سفيان على نحو غير تقليدي، من حيث أنها سيرة تخضع لظروف كل مرحلة من المراحل التاريخية التي مر بها أو أسس لها معاوية، وكيف أن صورته كانت تتبدل حسب معطيات المرحلة وحسب توجهات المؤرخين السياسية والانحيازية.

إذ ثمة صور عدة لمعاوية، قبل الفتنة ظهر فيها بوصفه كاتبا للوحي وواليا مفوها للشام، وخلال الفتنة ظهر محايداً ضعيف الحجة، ثم بعد الفتنة ظهر في سياق مقتل حجر الشيخ العربي، وكحاكم مستبد وفي سياق توريث الحكم ليزيد. هذه التطورات من كونه كاتبا للوحي وواليا ثم مؤسسا للدولة الأموية، لا تعكس "تطورا أو تراجعا للشخصية، بل إن الفترة التي وجدت فيها هذه الشخصية نفسها هي التي تنسج معالم صورتها". فلقد كشف الكتاب "عن النماذج التي استخدمها المؤرخون الأوائل في تصويرهم لمعاوية. كما يُظهر أنه على الرغم من أن شخصيات معاوية مختلفة في المصادر الإسلامية المبكرة، إلا أن اللبنات الأساسية لتاريخه تظل موحدة في جميع المصادر حتى في أكثرها عدائية تجاهه".

يقول المترجم محمد خضر في مقدمته "إن معاوية بن أبي سفيان من أعظم الشخصيات في التاريخ الإسلامي إذا ما وُزنت بميزان السياسة وشؤون الحكم. وإن هذه الشخصية سقطت في سجلات المؤرخين ضحية لخصومتها مع علي بن أبي طالب الذي يُعد أحد أهم الرموز الدينية والروحية عند المسلمين". ويرى أن معاوية "أكثر الشخصيات الإسلامية إثارة للجدل على الإطلاق".

يحاول الكتاب فهم التعليقات التي قدمها المؤرخون المسلمون الأوائل على الخليفة الأموي بشكل صحيح، ليمنح القارئ والمهتم فرصة لإعادة النظر في صورة معاوية

يحاول الكتاب فهم التعليقات التي قدمها المؤرخون المسلمون الأوائل على الخليفة الأموي بشكل صحيح، ليمنح القارئ والمهتم فرصة لإعادة النظر في صورة معاوية الراسخة عنده بعيدا من الانطباعات المسبقة الكثيرة التي قد تكون متناقضة، مستندا إلى تحليل الروايات التاريخية المبكرة، ثم مقاربتها نقديا، ليعيد فتح ملف شخصية بقيت على الدوام مثار جدل بين التاريخ والسياسة والذاكرة الجمعية.

غلاف كتاب "معاوية المؤرخين – صورة معاوية في المصادر الإسلامية المبكرة"

يوجز المترجم الكتاب على نحو متقابل بقوله إن معاوية "وجد نفسه على الجانب الصحيح من التاريخ دون إرادة منه، إلا أنه وقع في الجانب الخطأ من المؤرخين".

الكتاب: أديب الشيشكلي 1909 – 1964 – الحقيقة المغيبة

الكاتب: بسام برازي – سعد فنصة

الناشر: رياض الريس للكتب والنشر – لبنان

يتضح من عنوان الكتاب، "أديب الشيشكلي - الحقيقة المغيبة"، أنه يهدف إلى إظهار حقيقة الرئيس السوري السابق أديب الشيشكلي (حكم سوريا على مراحل، أهمها وأبرزها الحقبة 1951 – 1954) الغائبة، والمغيبة، وذلك عبر تفنيد الكثير مما هو متداول ومحفوظ في الأرشيف والكتب والذاكرة السورية الذي شكل صورة مغلوطة ومتجنية -بحسب الكتاب- على صاحب ثالث الانقلابات السورية (1949) بعد استقلال سوريا عن الانتداب الفرنسي (1946).

صدر الكتاب للمرة الأولى في 2022، لكن الكاتبين بسام برازي وسعد فنصة لاحظا أن الطبعة الأولى كانت ناقصة، خاصة ما يتعلق بالفصل الأخير من حياة الشيشكلي المتضمن حادثة اغتياله (1964)، فأصدرا هذه الطبعة وقد كُتب على غلافها "طبعة جديدة مزيدة ومنقحة"، ومن خلال الكتاب يعرف القارئ أن الجديد مهم فعلا، وهو ملف محاكمة قاتل الشيشكلي والمشتركين معه في البرازيل.

يوضح المؤلف بسام برازي في تقديم الطبعة الجديدة، ملابسات القضية، والرحلة الشاقة التي قطعها المؤلفان للحصول على ذلك الملف المهمل الذي كاد أن يُتلف، لقدمه، ولعدم معرفة المحاكم البرازيلية والناس هناك من هو الشيشكلي، ولم يسمعوا باسمه أصلا، حيث يقول: "حين فرغت من كتابة 'الحقيقة المغيبة' مع سعد فنصة، كنت أظن أننا وثّقنا كل ما يحتاج إلى توثيق في السرد حول حقبة الشيشكلي، وأننا جمعنا لذلك كل ما أمكننا جمعه من الوثائق والشهادات والبيانات. ثم إننا بعد أن صدرت الطبعة الأولى من الكتاب وأثارت ما أثارت من الجدل والنقاش، المثمر منه وغير المثمر، وجدنا أننا أغفلنا توثيق الحادثة الأهم في سيرة الشيشكلي، وهي ببساطة حادثة اغتياله. كانت هناك محاكمة جرت للقاتل والذين شاركوه في التخطيط للجريمة، ولكن الكتاب لم يكن يتضمن أي وثيقة من وثائق تلك المحاكمة أو دفاعات المحامين أو مرافعات الادعاء أو شهادات الشهود، وهكذا لم نعد نجد في أنفسنا ذلك الرضا التام عن الكتاب الذي كنا نطمع في أن نجده، لذا ابتدأنا جهودا شاقة  للحصول على وثائق تلك المحاكمة.

عبر ملف المحاكمة يتطلع الكاتبان إلى إظهار الأحداث التي أدت في نهاية المطاف الى مقتل الشيشكلي في إطارها الحقيقي والصحيح

عبر ملف المحاكمة يتطلع الكاتبان إلى إظهار الأحداث التي أدت في نهاية المطاف الى مقتل الشيشكلي في إطارها الحقيقي والصحيح "من دون مبالغات إعلامية فجة تسعى للإثارة".

أثار الكتاب الكثير من الجدل إبان صدور طبعته الأولى، بين من يرى أن الكاتبين يسعيان إلى تلميع صورة الرئيس السوري السابق، ومن يرى أنهما أنصفاه عبر الاعتماد على وثائق جيدة تُقدر بألفي وثيقة لم تُنشر من قبل، وقد حصل عليها برازي وفنصة من الأرشيف الأميركي والفرنسي والبريطاني. وربما ينتظر القارئ ما ستسفر عنه الطبعة الجديدة من جدل.

غلاف كتاب "أديب الشيشكلي 1909 – 1964 – الحقيقة المغيبة"

الكتاب: مذكرات تسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684

الكاتب: نيكولا بيرانجي

ترجمة: محمد العربي السنوسي

الناشر: المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون – بيت الحكمة – تونس

هذه ترجمة عربية لمذكرات التاجر الفرنسي نيكولا بيرانجي (1631-1707) وقد صدرت بعنوان "مذكرات تسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684" ترجمها محمد العربي السنوسي. تغطي فترة مهمة من تاريخ تونس ممتدة عبر الأعوام 1684- 1706، وهي فترة حكم ثلاثة من بايات تونس محمد باي (1686-1696) ورمضان باي (1696 - 1699) ومراد الثالث (1699 -1702). فقد عايش التاجر الفرنسي، مؤلف الكتاب، الحياة السياسية عن قرب ونقل لقاءاته مع البايات والدايات والسكان والتجار والدبلوماسيين، وبهذا يغطي مرحلة شديدة الحساسية لأنها انتهت بقيام الدولة الحسينية في تونس، أو مهدت فعليا لقيامها.

يذكر المترجم في مقدمته أن هذه المذكرات لم تنشر في حياة صاحبها، بل نشرت على دفعتين: في المرة الأولى سنة 1712 على يد الرحالة بول لوكاس مع العديد من الوثائق الأخرى التي تتحدث عن المشرق الإسلامي دون أن يذكر اسم الكاتب، حيث منحها له القنصل الفرنسي أوجي دو سور هايند، ثم في المرة الثانية على يد الباحث بول صباغ سنة 1993 وقد أرفقها بمقدمة توضيحية. تتألف الترجمة العربية الحالية من 26 مقالا، بالإضافة إلى مقدمة المترجم محمد العربي السنوسي، الذي يوضح فيها سياق المذكرات التاريخي وأهمية ترجمتها وقيمتها االتاريخية.

نافذة جديدة للقراء والباحثين على تاريخ تونس في القرن السابع عشر، في لحظة انتقالية فارقة بين مرحلتين مهمتين

تمثل المذكرات مصدرا تاريخيا نادرا ومباشرا يضيء فترة حساسة من تاريخ تونس (أواخر المراديين وبداية الحسينيين)، وتكشف نظرة تاجر أجنبي عاش الأحداث عن قرب، إن كان على المستوى السياسي أو على المستوى الاجتماعي. ويفتح هذا العمل نافذة جديدة للقراء والباحثين على تاريخ تونس في القرن السابع عشر، في لحظة انتقالية فارقة بين مرحلتين مهمتين.

غلاف كتاب "مذكرات تسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684"

الكتاب: هوس الترسل – رسائل منتخبة (1930 – 1991)

الكاتب: سيوران

ترجمة: أشرف القرقني

تقديم: آدم فتحي

الناشر: دار كابصا للنشر والتوزيع – تونس

يمكن أن يسمى الكتاب هوس المراسلة. يضم العديد من الرسائل التي كتبها الفيلسوف الروماني إميل سيوران على مدى أكثر من ستين عاما. يضيء الكتاب المعنون "هوس الترسل" الذي ترجمه  أشرف القرقني، عوالم حميمية لسيوران الذي أغدق الكثير من الأفكار والتأملات العميقة على العالم، وبقي عالمه الداخلي، الخاص موضع ترقب واهتمام من قرائه، إلى أن ظهر هذا الكتاب الذي حرره نيكولا كفاياس وجمع رسائله واختارها، بحسب ما ورد في المقدمة التي كتبها آدم فتحي، ليرضي فضول القارئ بمعرفة ما هو لصيق بسيوران وحميم. وقد تساءل آدم فتحي في تقديمه إزاء دور المحرر في اختيار الرسائل، وهل اعتبرها جزءا من أدب سيوران أم قناعا آخر من أقنعته، وذلك للتأني في كتابتها وكأنها نص أدبي، حيث قال: إنه "اختيار يثير جملة من الأسئلة: لماذا هذه الرسائل؟ وما الغرض من نشر ما نشر تحديدا؟ وما مقاييس استبعاد ما استبعد منها؟ أسئلة تستمد أهميتها من كونها تحد 'أبوة' هذا الأثر. هل تُنسب هذه الرسائل إلى كاتبها سيوران، أم أنها تنتسب إلى 'كافاياس'، الذي انتقى ما انتقى منها وأخرجها في كتاب؟".

يرى فتحي أن هذه المراسلات "توثق بشكل ما تطور فكر الرجل، وتضيء جوانب من شخصيته، وتقف عند بعض محطاته العائلية وبعض الشخصيات التي ربطته بها علاقات فكرية ووجدانية عميقة"، ويخاطب القارئ بأنه "أمام شهادة على حياة الرجل وعذاباته، تكشف عمق شروخه وتناقضاته وأخطائه وحتى "خطاياه"، وتمنحه "صورة عن الإنسان خلف المفكر "العوّاء" -بتعبير فتحي- كما تطرح أسئلته الكبرى التي صاحبته طيلة حياته وطبعت أعماله كلها، الهوية والإيمان والشك والقيم، إلخ".

كتاب يفتح على عوالم سيوران الخاصة بقدر ما يثير جدالا حول أهمية المراسلة، وتساؤلات إزاء التقنع وحدود الصدق في الكتابة الأدبية

وعن المراسلات بوصفها فنا، يقول إن "فن الترسل وجد في هذا الكتاب واحدا من نماذجه الجميلة، كجنس أدبي مخصوص. وإذا كان سيوران استكثر صفة الفن على الترسل، كي يجنبه شبهة 'القناع'، فإنه قد انتصر لفنيته حين كتب رسائله. يتجلى ذلك بوضوح من خلال صبره على نحت جملته الترسلية تماما مثلما ينحت شذراته في سائر كتبه".

غلاف كتاب "هوس الترسل – رسائل منتخبة"

حافظت الترجمة التي أنجزها أشرف القرقني على روح سيوران، على سخريته ولغته التي تنطوي على كثافة عميقة، ونقلت حميمية الخطاب وتوتره الفكري في آن واحد.

كتاب يفتح على عوالم سيوران الخاصة بقدر ما يثير جدالا حول أهمية المراسلة، وتساؤلات إزاء التقنع وحدود الصدق في الكتابة الأدبية.

الكتاب: الأرض المكلومة

الكاتب: جميل سلوم شقير

الناشر: دار العوام للطباعة والنشر والتوزيع – سوريا

يتعرف القارئ في رواية الكاتب السوري جميل سلوم شقير المعنونة "الأرض المكلومة" الى طبيب نفسي كان يعمل في أحد المسنشفيات السورية، ونتيجة وقوع مجزرة فيه ارتكبها عناصر النظام الأسدي تمثلت في إعدام جرحى، انشق، ثم التحق بمستشفى ميداني في مدينة حمص، واضطر أن يعمل جراحا فيه. عبر عمله يتعرف القارئ الى ما حدث في سوريا طيلة فترة الثورة بين الأعوام 2011 – 2020، من مجازر الحولة مرورا بالكيميائي الذي أطلقه النظام على الغوطة وانتشار القناصين والإعدامات الميدانية والكثير من التفاصيل الدموية.

تتشابك الأحداث مع حكاية زوجة أخيه التي تمتلك قصة غريبة ومثيرة، إذ كانت سابقا تعمل ممرضة في أحد المستشفيات، ثم التحقت بالعمل لدى أحد أجهزة المخابرات السورية التابعة لنظام الأسد، وإذاك شاهدت الفظائع التي تحدث في أجهزة الأمن، وكانت قد اختلفت خلافا عميقا مع زوجها المؤيد للنظام والمدافع الشرس عنه، فتركت عملها وزوجها، وانطلقت في رحلة بحث مضنية عن شقيق زوجها الطبيب، وعلمت أنه يعمل في مستشفى ميداني، فتمكنت بكثير من الصعوبة من الالتحاق به هناك. تلاحقها المخابرات وتعتقل ابنها الذي تركته مع والده، كرهينة لتسلم نفسها إليهم، وفيما تهم بتسليم نفسها تعرف أنهم قتلوه تحت التعذيب، فتبقى حيث هي. وخلال وجودها في المستشفى يواصل القارئ تعرفه الى جرائم النظام التي قد تبدو خيالية لفظاعتها.

شهادة على مأساة السوريين وخوفهم من أن عدم تحقيق العدالة يفتح أبواب الانتقام ويجعل ألمهم أبديا

خلال عرض تلك الأحداث يخشى الراوي من وقوغ جريمة يعتبرها أسوأ من الموت قد تحدث بعد سقوط النظام، وهي الانتقام والانتقام المضاد، حيث تكتب الممرضة: "كم أتمنى أن يطول عمري فقط كي أنتقم ممن قتل موشومي (ابني) الصغير، ترى هل يحقق الله أمنيتي؟ أم أنه سيسمح للمجرمين بالإفلات من العقاب؟ وسيكون هذا الأمر إن حصل أسوأ من الموت ذاته، لقد تمكن هذا المأفون الغاطس بالدم حتى أذنيه الطويلتين، أن يوسع ساحة الجريمة، وأن يكثر ممن تلطخت جباههم بدم الوطن وأبناء الوطن، حتى يصير من المستحيل محاسبتهم جميعا أمام محاكم العدالة؟".

غلاف كتاب "الأرض المكلومة"

رواية تنطوي على الكثير من الشخصيات والأحداث، تختصر ألم السوري وإصراره على تحقيق حلمه مهما كانت النتائج، وقد عرف العالم أنها كانت كبيرة الى درجة يصعب وصفها. إنها شهادة على مأساة السوريين وخوفهم من أن عدم تحقيق العدالة يفتح أبواب الانتقام ويجعل ألمهم أبديا.

font change