مع نهاية الأسبوع الماضي، بلغت الأزمة اليمنية ذروتها، شمالا وجنوبا، وعلى أكثر من صعيد عسكري وأمني وسياسي، خرجت معه الأمور عن سيطرة كل أطراف النزاع الداخلي تقريبا.
ووسط كل ذلك، تعج الصحف والمواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي بالمئات من التقارير والتحليلات التي تعرض لوجهات نظر وآراء متباينة تعكس في الأغلب مواقف الجهات المنخرطة في الصراع المحتدم على الساحتين العسكرية والسياسية، ولكن دون تقديم أفكار واضحة أو حلول واقعية قابلة للأخذ بها والبناء عليها، ما يزيد المشهد ضبابية وتضاربا، ويحمل على الكثير من التشاؤم بشأن مستقبل البلاد التي تعاني حالة من الفوضى والاضطرابات تفوق قدرة شعبها على تحملها إلى أجل لا يزال غامضا ومجهولا، إذ لا يبدو أن هناك ضوءا في آخر النفق بل لا يوجد نفق أصلا.
أحزان الشمال
أدت آخر الغارات الإسرائيلية الاثنتي عشرة العنيفة إلى تدمير أكبر رصيف للحاويات في ميناء الحديدة وتحطيم آخر رافعاته التي تم الإبقاء عليها بطلب من برنامج الغذاء العالمي لضمان وصول ما أمكن من شحنات الغذاء والدواء لأكثر من سبعة ملايين إنسان يعيشون بشظف في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين في شمال غرب البلاد، الأمر الذي يهدد بتفاقم الوضع الإنساني في تلك المناطق.
وليس غريبا أن لا تعير الجماعة الموالية لإيران اهتماما بأي قدر، إذ تأكد أن ما يهمها هو إطلاق صواريخ إيران العنقودية المتعددة الرؤوس إلى أي مكان تستطيع الوصول إليه في إسرائيل بزعم "نصرة غزة" دون أن يحقق ذلك أي مستوى من تخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي على سكان هذا القطاع المنكوب والمحاصر.
الموقف الدولي مما يحدث
ما يؤخذ بعين الاعتبار في هذا السياق هو الموقف البريطاني، ليس فقط بوصف المملكة المتحدة أنها هي من يمسك بالملف اليمني في مجلس الأمن الدولي، ولكن لأنها، في نظر كثيرين، هي من حالت دون إخراج الحديدة وموانئها من دائرة سيطرة الحوثيين بعد أن كانت القوات الحكومية اليمنية قاب قوسين أو أدنى من هذا، وذلك لما جرى الترويج له على أنه تم لأسباب "إنسانية" وذلك خلال فترة عمل المبعوث الدولي السابق، البريطاني، مارتن غريفيث، ليخلو الأمر بعد ذلك للحوثيين في إساءة استخدام هذه الموانئ في تهريب السلاح واستعمالها لأغراض عسكرية وتمويلية لمجهودهم الحربي، على أنه لا يجب الفصل هنا بين هذا واستهداف الولايات المتحدة وإسرائيل لهذه الموانئ بزعم "قطع أي موارد للحوثيين تمكنهم من زعزعة أمن البحر الأحمر" واستهداف إسرائيل، فلطالما تم استهداف بنى تحتية مدنية لا علاقة لها بالتمويل ولكن بقصد توجيه ضربات "موجعة" للحوثيين تضرر منها السكان المدنيون أكثر من هؤلاء.
مع هذا قال زعيم الجماعة في خطاب له مساء الخميس: "لن ينجح أي طرف يجند نفسه مع العدو الإسرائيلي في حماية السفن الإسرائيلية" على حد زعمه.
في المقابل، ضربت الانقسامات وحدة مجلس القيادة الرئاسي المكون من ثمانية أعضاء إلى حد ينذر بانهيار منظومة الشرعية اليمنية الهشة، وربما تحول المواجهة الحادة بين مكوناتها إلى صراع أمني وحتى عسكري ما لم يبادر التحالف العربي إلى احتواء هذه الأزمة قبل فوات الأوان.