صراعات داخلية وتعثر خارجي في صورة بانورامية لليمن "غير السعيد"

رويترز
رويترز
يمنيون قرب انقاض خلفها القصف الاسرائيلي في صنعاء في 26 سبتمبر

صراعات داخلية وتعثر خارجي في صورة بانورامية لليمن "غير السعيد"

مع نهاية الأسبوع الماضي، بلغت الأزمة اليمنية ذروتها، شمالا وجنوبا، وعلى أكثر من صعيد عسكري وأمني وسياسي، خرجت معه الأمور عن سيطرة كل أطراف النزاع الداخلي تقريبا.

ووسط كل ذلك، تعج الصحف والمواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي بالمئات من التقارير والتحليلات التي تعرض لوجهات نظر وآراء متباينة تعكس في الأغلب مواقف الجهات المنخرطة في الصراع المحتدم على الساحتين العسكرية والسياسية، ولكن دون تقديم أفكار واضحة أو حلول واقعية قابلة للأخذ بها والبناء عليها، ما يزيد المشهد ضبابية وتضاربا، ويحمل على الكثير من التشاؤم بشأن مستقبل البلاد التي تعاني حالة من الفوضى والاضطرابات تفوق قدرة شعبها على تحملها إلى أجل لا يزال غامضا ومجهولا، إذ لا يبدو أن هناك ضوءا في آخر النفق بل لا يوجد نفق أصلا.

أحزان الشمال

أدت آخر الغارات الإسرائيلية الاثنتي عشرة العنيفة إلى تدمير أكبر رصيف للحاويات في ميناء الحديدة وتحطيم آخر رافعاته التي تم الإبقاء عليها بطلب من برنامج الغذاء العالمي لضمان وصول ما أمكن من شحنات الغذاء والدواء لأكثر من سبعة ملايين إنسان يعيشون بشظف في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين في شمال غرب البلاد، الأمر الذي يهدد بتفاقم الوضع الإنساني في تلك المناطق.

وليس غريبا أن لا تعير الجماعة الموالية لإيران اهتماما بأي قدر، إذ تأكد أن ما يهمها هو إطلاق صواريخ إيران العنقودية المتعددة الرؤوس إلى أي مكان تستطيع الوصول إليه في إسرائيل بزعم "نصرة غزة" دون أن يحقق ذلك أي مستوى من تخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي على سكان هذا القطاع المنكوب والمحاصر.

الموقف الدولي مما يحدث

ما يؤخذ بعين الاعتبار في هذا السياق هو الموقف البريطاني، ليس فقط بوصف المملكة المتحدة أنها هي من يمسك بالملف اليمني في مجلس الأمن الدولي، ولكن لأنها، في نظر كثيرين، هي من حالت دون إخراج الحديدة وموانئها من دائرة سيطرة الحوثيين بعد أن كانت القوات الحكومية اليمنية قاب قوسين أو أدنى من هذا، وذلك لما جرى الترويج له على أنه تم لأسباب "إنسانية" وذلك خلال فترة عمل المبعوث الدولي السابق، البريطاني، مارتن غريفيث، ليخلو الأمر بعد ذلك للحوثيين في إساءة استخدام هذه الموانئ في تهريب السلاح واستعمالها لأغراض عسكرية وتمويلية لمجهودهم الحربي، على أنه لا يجب الفصل هنا بين هذا واستهداف الولايات المتحدة وإسرائيل لهذه الموانئ بزعم "قطع أي موارد للحوثيين تمكنهم من زعزعة أمن البحر الأحمر" واستهداف إسرائيل، فلطالما تم استهداف بنى تحتية مدنية لا علاقة لها بالتمويل ولكن بقصد توجيه ضربات "موجعة" للحوثيين تضرر منها السكان المدنيون أكثر من هؤلاء.

مع هذا قال زعيم الجماعة في خطاب له مساء الخميس: "لن ينجح أي طرف يجند نفسه مع العدو الإسرائيلي في حماية السفن الإسرائيلية" على حد زعمه.

في المقابل، ضربت الانقسامات وحدة مجلس القيادة الرئاسي المكون من ثمانية أعضاء إلى حد ينذر بانهيار منظومة الشرعية اليمنية الهشة، وربما تحول المواجهة الحادة بين مكوناتها إلى صراع أمني وحتى عسكري ما لم يبادر التحالف العربي إلى احتواء هذه الأزمة قبل فوات الأوان.

أدت الانقسامات إلى تعثر محاولات رئيس الوزراء السابق أحمد عوض بن مبارك لإجراء بعض الإصلاحات وتصحيح الوضع الاقتصادي المتدهور مما اضطره في نهاية المطاف إلى تقديم استقالته

فقد أقدم رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، العضو في مجلس القيادة الرئاسي على اتخاذ قرارات مثيرة للجدل، وذلك بإجراء تعيينات لنواب وزراء ومسؤولين آخرين وإعلان ترقيات عسكرية عالية، فيما اعتبر تجاوزا لصلاحيات رئيس المجلس، رشاد العليمي، بل وللمجلس الذي يفترض أن يكون إصدار كل القرارات من اختصاصاته وبالتوافق بين جميع أعضائه بموجب اتفاق الرياض الموقع في 7 أبريل/نيسان عام 2022 عقب مشاورات موسعة في العاصمة السعودية حيث قرر بعدها الرئيس اليمني السابق، عبد ربه منصور هادي، نقل صلاحياته الدستورية إلى مجلس القيادة الرئاسي الذي يتكون من مجموعة غير متجانسة وأذرع عسكرية متنافسة سرعان ما ظهرت التباينات بينها، ولم يترجم مبدأ المسؤولية الجماعية في الوصول إلى التوافق المطلوب بين الأعضاء الثمانية، وبالتالي إخفاق اللجنة العسكرية المشتركة التي نص عليها اتفاق الرياض في إنهاء الانقسام ووضع نهاية لجميع النزاعات المسلحة وبناء عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية في مواجهة انقلاب الحوثيين.

قوى خفية


البعض في مجلس القيادة الرئاسي من القيادات الجنوبية لم يعلق بالرفض أو القبول بقرارات الزبيدي، لكنه ألمح إلى انفراد رئيس المجلس، رشاد العليمي بالقرار دون توافق مع بقية الأعضاء، حيث قال فرج البحسني العضو في المجلس ونائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إنه "منذ تأسيس مجلس القيادة الرئاسي كان إقرار لائحة عمل تنظيم مهامه أولوية عاجلة، لكن ما برز هو تهرّب واضح من إشراك كافة الأعضاء، فتحوّل المسار إلى تسويف ومماطلة لازمت عمل المجلس طوال السنوات الماضية، وخلّفت فراغا أدارته قوى خفية وفق مصالحها" كما قال.
ومن جانبه، قال العضو الآخر في مجلس القيادة عبدالرحمن المحرمي (أبو زرعة) إنه "لا يخفى على أحد أن القرارات الفردية التي اتُّخذت خلال السنوات الماضية كانت سببا رئيسا في الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي".

أ ف ب
الدخان يتصاعد فوق صنعاء بعد غارة اسرائيلية في 25 سبتمبر

وفيما لا يزال العليمي يلتزم الصمت وسط توقعات بأن يُضطر إلى تمرير قرارات الزبيدي، قال النائب في مجلس النواب عن حزب "الإصلاح"، علي عشال إنه "لا خيار أمام مجلس القيادة الرئاسي سوى إعلان بطلان تلك القرارات، والسعي لمعالجة أي إشكالات داخلية عبر إصدار اللائحة المنظمة لعمل المجلس وفقا لمضامين إعلان نقل السلطة، الذي يمثل المرجعية الدستورية الناظمة لعمل مؤسسات الدولة في هذه المرحلة".

المعضلة الاقتصادية


‏كانت تلك الانقسامات قد أدت إلى تعثر محاولات رئيس الوزراء السابق أحمد عوض بن مبارك لإجراء بعض الإصلاحات المالية والإدارية وتصحيح الوضع الاقتصادي المتدهور للبلاد مما اضطره في نهاية المطاف إلى تقديم استقالته، ثم تم تعيين وزير المالية السابق سالم بن بريك رئيسا للوزراء، حيث نجح الرجل وقيادة البنك المركزي في ضبط سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، ولكن على ما يبدو فإن بعض إصلاحاته وخطته الاقتصادية واجهت ذات الصعوبات التي عانى منها سلفه بسبب استمرار وتصاعد التنازع داخل مجلس القيادة الرئاسي، وراجت تكهنات وشائعات بشأن احتمال تقديم الرجل استقالته أيضا.

ما لم تتم هزيمة الحوثيين على أيدي اليمنيين أنفسهم فلا يمكن لقوة إقليمية أو دولية القيام بذلك نيابة عنهم، ودون هذا فلا يمكن التفاؤل بإمكان إحلال السلام واستعادة الدولة اليمنية بأي حال

تحذيرات من خارج الحدود


السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، علقت في تصريحات لافتة ضمن حديث مطول لجريدة "الشرق الأوسط" على القرارات الأخيرة التي أصدرها عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، قائلة: "أعتقد أن الأمر يعتمد بدرجة كبيرة على كيفية استجابة المجلس الرئاسي كله. ومن وجهة نظرنا، أي خطوة تضعف وحدة القيادة أو تفتتها تصبُّ في مصلحة من يعمل ضد استقرار اليمن ووحدته".
وكررت السفيرة شريف التأكيد على دعم لندن للحكومة الشرعية، معتبرة أن الوحدة السياسية والانسجام بين مكوناتها "ضرورة لا غنى عنها" وحذرت من أن أي انقسام "لن يخدم سوى الحوثيين".

 أ ف ب
يمني يحمل مجسم صاروخ اثناء تجمع لادانة الغارات الاسرائيلية على اليمن وتضامنا مع الفلسطينيين في صنعاء في 26 سبتمبر

بريطانيا لا تزال تعتقد أن التسوية السياسية هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار المستدام والسلام الطويل في اليمن، لكنها ترى أن ممارسات الحوثيين "أثبتت فشلهم في وضع استقرار البلاد ورفاهية الشعب في المقام الأول".
أساس هذا الاعتقاد في نظر الدبلوماسية البريطانية هو أن الحوثيين واصلوا التهديد والهجمات، بما فيها استهداف الملاحة في البحر الأحمر، "بل يتباهون عبر وسائل التواصل بامتلاك أسلحة جديدة" وهذا يحدث! بينما يزداد تدهور الاقتصاد، ويتفاقم انعدام الأمن الغذائي، حتى بات اليمن، في نظر لندن، ثالث أكثر بلد معاناة بعد غزة والسودان، وسط تحذيرات أممية من بؤر مجاعة، لكن الحوثيين ردوا على ذلك بمزيد من اعتقال ومضايقة موظفي الأمم المتحدة الذين يساعدون الفئات الأضعف؛ لذا آمل أن يعيدوا النظر من أجل استقرار البلد ورفاهية شعبه.
ومن جانبه حذر رئيس الوزراء اليمني الأسبق، سفير اليمن الحالي لدى المملكة المتحدة، ياسين سعيد نعمان، من خطورة ذلك، وتوجه إلى قادة البلاد بقوله: "اضبطوا البوصلة نحو الهدف الأساسي، وواجهوا ما يعترض الإبحار نحوه من تحديات وصعوبات وأخطاء بمزيد من فهم واستيعاب أن الإبحار في مثل هذه الأجواء الملبدة بالغيوم والأعاصير يحتاج إلى التمسك بهدف الوصول إلى بر الأمان أكثر من أي شيء آخر. وهو ما يحتاج إلى إرادة تتجاوز التفاصيل بنجاح دون أن تنهكها وتمكنها من نفسها ، وهنا مكمن الخطر".

ما الحل؟


تُطرح تصورات وسيناريوهات مختلفة للخروج من هذه الأزمة، لكن الأمر يظل رهينا بأمرين، أحدهما توافق عربي على حل واقعي وإن لم يكن مثاليا بالدرجة المطلوبة، وذلك لإعادة هيكلة منظومة القيادة الشرعية، وثانيهما توحيد القوى والأذرع العسكرية اليمنية والدفع بها قُدُما وبشكل موحد لمواجهة الحوثيين باعتبارهم الخطر الأكبر على مستقبل البلاد ووحدة أراضيها، ذلك أنه ما لم تتم هزيمتهم على أيدي اليمنيين أنفسهم فلا يمكن لقوة إقليمية أو دولية القيام بذلك نيابة عنهم، ودون هذا فلا يمكن التفاؤل بإمكان إحلال السلام واستعادة الدولة اليمنية بأي حال.

font change