مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل كل أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.

الكتاب: الجمهور القاتل – ذاك الحشد الذي لا يُرى

الكاتب: نبيل الملحم

الناشر: إصدار خاص

هذا كتاب من نوع خاص، يعتمد في طرح الأفكار ومناقشتها على التداعي وليس على منهج أكاديمي، ليس فيه أقسام أو فصول أو فهرس، بل بناء فكرته جملة جملة، وفقرة فقرة، حتى لما ينتهي القارئ من القراءة تكون قد اتضحت فكرته المركزية: كيف يتحول الناس إلى جمهور، ومن ثم إلى جمهور قاتل. كلمة "قاتل" هنا ليست مجازية، وليست رمزا عن أي نوع من أنواع القتل المعنوي أو النفسي وما إلى هنالك، بل القتل الفعلي، القتل الجسدي بالرصاص أو بالسكين أو بالحرق وما إلى ذلك. فهل القاتل هو جمهور أم فرد.

من خلال كتاب "الجمهور القاتل – ذاك الحشد الذي لا يُرى" للكاتب السوري نبيل الملحم يتوصل القارئ إلى أن العملية كلها تكمن في هذه الثنائية: جمور – فرد. حيث لا توجد فردانية في الجمهور، وبالتالي لا يوجد فرد، بل يرى الشخص نفسه ضمن الجمهور بوصفه جماعة، وهوية، بل أكثر، يجد نفسه ممثلا هوياتيا للكل. الفرد ينتمي إلى الشعب، والجمهور ليس شعبا، ومن هنا فالكاتب -كما يمكن الاعتقاد- لم يذكر في سياق الكلام عن الجمهور القاتل ولا مرة مفردة "شعب" بل استخدم طوال الكتاب مفردة "جمهور".

لرسم الفكرة يبدأ برواية "القلعة" لكافكا، ويؤولها على نحو يضع من خلاله الأساس القوي لفكرته في كيفية تحول الناس إلى جمهور وكيفية تحول الجمهور إلى أن يكون قاتلا! فيرى أن السلطة لا تظهر في هذه الرواية في صورة العرش، بل في غيابه، هي ليست بناء ماديا، بل تمثيل للمركز الغائب، للسلطة التي تتجلى عبر مؤسساتها الغامضة ووكلائها الذين لا يعرفون هم أنفسهم طبيعة المهمة التي ينفذونها. فالقلعة ليست نظاما بيروقراطيا عبثيا كما شاع في قراءات الرواية، بل هي، وفق الكاتب، منظومة تنتج الطاعة، وهذه تنتج بدورها قطيعا يخدم القلعة، ليس لأنه مرغم فحسب، بل لأن وجوده ذاته ارتبط بفكرة الطاعة لمركز لا يُرى ولا يُفهم ولا يُناقش.

يصبح القطيع منفذا غير واع يلتزم التعلميات دون أن يعرف سياقاتها، ولكنه يخضع لها بدافع "البقاء"، وبدافع اعتقاده بـ"ضرورة" ذلك

ويتساءل الكاتب سؤالا مركزيا: لماذا يبقى القطيع قطيعا حتى دون سوط؟ أي يبقى قطيعيا بإرادته، وكأنه هو يسعى إلى ذلك. يرى الملحم أن السلطة هنا هي مركز غير مرئي، لكنه يفرض وجوده بقوة، ليس من خلال الحضور المادي، بل عبر منظومة علاقات معقدة من التحكم والتوجيه، وعبر طبقة من الوسطاء والوكلاء، ومن هنا يصبح القطيع منفذا غير واع يلتزم التعلميات دون أن يعرف سياقاتها، ولكنه يخضع لها بدافع "البقاء"، وبدافع اعتقاده بـ"ضرورة" ذلك. هذه الطاعة العمياء ليست بالضرورة نقيض الحرية، بل هي نوع من استراتيجيا البقاء، فالخضوع هو شرط البقاء، والتماهي مع القطيع هو طوق النجاة وهو نوع من الحماية النفسية والاجتماعية. السلطة تضع في أذهان أتباعها هذه الفكرة الوجودية: أنا شرط بقائكم.

غلاف كتاب "الجمهور القاتل – ذاك الحشد الذي لا يُرى"

ينتقل لتوضيح فكرته إلى نظم الفاشية والنازية وفكرة الابقاء عبر تصنيع العدو الذي يهدد الحياة وجوديا أيضا، ويركز على آلية الدعاية الإعلامية مستشهدا بغوبلز: مهندس الإعلام النازي، وفكرته في الكذب المتكرر حتى يعتقد الناس أن الكذب ما هو إلا عين الحقيقة. وينتقل إلى ديكتاتوريات عريبة مثل صدام حسين وحافظ الأسد، وممارسة الآلية نفسها التي مارستها السلطة في رواية "القلعة" إنما بأشكال مختلفة لتحويل الناس إلى قطيع خائف ومطيع. ثم يتنقل إلى ظاهرة الإسلام السياسي حيث بدت أكثر شبها بسلطة "القلعة" من حيث أن ظهورها في غيابها، وقدرتها على تحويل الجمهور إلى جمهور قاتل من خلال أكثر أفكارها تأثيرا وهي فكرة "الولاء والبراء" الشهيرة في عالم الإسلام السياسي. ويقيم مقارنة بين الزعيم الجهادي والزعيم القومي يمكن تلخيصها بالنقاط الآتية: الزعيم الجهادي يعتمد على سلطة العقيدة، فيما الزعيم القومي على سلطة الدولة، ويعتمد الجهادي على خلايا عقائدية، فيما القومي على جهاز أمني، والجهادي ينشر انتماء عقائديا أمميا، فيما القومي ينشر انتماء وطنيا، ويظهر الجمهور لدى الزعيم العقائدي كمنفذ لواجب إلهي، فيما لدى الزعيم القومي يظهر الشعب كقطيع.

ثمة انتقالات كثيرة يلجأ إليها الكاتب لبناء فكرته بين الأدب والفلسفة وعلم الاجتماع ويتوقف كثيرا عند فكرة الشر وتفاهته التي قالت بها حنه آرندت لدى تعقيبها على محاكمة أيخمان.

كتاب يجيب بكثير من الأناة عن ذلك السؤال الخطير: لماذا يقتل الجمهور، الجمهور هنا هو الجار والصديق وزميل العمل والقريب... كما يحدث في الحروب الأهلية على سبيل المثل.

الكتاب: ملعون بالشهرة – حياة سامويل بيكيت

الكاتب: جيمس نولسون

الناشر: دار نابو للنشر والتوزيع – العراق

صدرت أخيرا الترجمة العربية لسيرة سامويل بيكيت، أحد أشهر مسرحيي العصر الحديث، في جزأين. تتابع السيرة حياة الكاتب منذ ولادته وسنواته الأولى في دبلن، مرورا بصداقته مع جيمس جويس وتجواله بين باريس ولندن وألمانيا، وصولا إلى انخراطه في المقاومة الفرنسية، وتجربته مع العزلة والاكتئاب، كاشفا عن أهم المفاصل التي مر بها الكاتب وشكلت حياته الشخصية والأدبية. يكشف كتاب "ملعون بالشهرة – حياة سامويل بيكيت" لمؤلفه جيمس نولسون الذي ترجمه كل من أحمد عزيز سامي وسارة أزهر الجوهر، عن مسارات حياة معقدة شكلت شخصية سامويل بيكيت. مع العلم أن المؤلف هو مدير "مؤسسة بيكيت الدولية" وهو صديقه وتلميذه في آن، وله كتب حول بيكيت، من ضمنها كتابه المشترك "تذكّر بيكيت/ بيكيت يتذكر: احتفال بمائويته"، مما يعني أن الكاتب مختص ومتابع لصيق لحياة المسرحي الشهير صاحب "في انتظار غودو".

هذه السيرة بكل ما فيها من دقة وعمق تكشف أن أدبه لم يكن إلا امتدادا عضويا لحياته، وإن ما يبدو عبثا لم يكن إلا صدى لما عاشه

يقول المترجم أحمد عزيز سامي إن المترجمين ترجما الكتاب "كما لو كنا نترجم سيرة صديق خجول لا يحب الأضواء، ويمقت الشهرة، لكنه يحب الشطرنج والكريكيت"، ثم ينبه القارئ إلى أن "هذه السيره لا تضيء أعماله الأدبية فقط، بل تكشف عن منبعها، الحياه نفسها كما عاشها".

غلاف كتاب ملعون بالشهرة

استغرقت ترجمة هذه السيرة ثلاث سنوات، "كنا خلالها -يقول المترجم- كأننا ضيوف نزلوا عليه، وبدافع من كرمه وسخائه المعروفين عنه، فتح لنا أبواب ذاكرته الموصدة، وأنار لنا دروب حياته المعتمه. إن هذه السيرة المترجمة لم تكن مشروعا أدبيا فحسب، بل وثيقه حياة، عمل آمنا به وآمنا بضرورته. إنها ثمرة شراكة فكرية وعاطفية نأمل أن تفتح نافذة جديدة على "بيكيت العربي"، على حياة هذا الرجل الصموت الذي آثر الصمت واختار العزلة، فكانت أعماله هي من تتكلم، بل تتكلم نيابه عنه".

يكشف الناشر أن بعض المراجعات لهذا الكتاب تعتبره بأنه السيرة المسموح بها رسميا، لما فيها من تفاصيل دقيقة للغاية عن حياة بيكيت منذ الطفولة وحتى المقاومة الفرنسية. وأن الكتاب نجح في توثيق نشاطه السياسي والفكري بشكل أعمق من أي عمل سابق. قام نلسون بهذا الجهد عبر مواد أرشيفية وأحاديث لشهود عيان وخمس من أشهر المقابلات الشخصية مع بيكيت.

يشير المترجم إلى نقطة مهمة حيث يرى أن "صموئيل بيكيت بقي رغم شهرته العالية كاتبا غير مقروء كما ينبغي باللغة العربية، وربما يتساءل سائل إن ترجمة أعمال المؤلف أولى من حياته، فلماذا يبذل هذا الجهد في ترجمة هذه السيرة الضخمة؟ ان قراءة سطحية لبيكيت تجعلنا نعتقد أنه مجرد كاتب عبثي، مؤلف آخر في قائمة الكتاب الذين يكتبون بغموض ويشيرون لجراحنا ومآسينا ويقولون هذا هو الانسان! لكن هذه السيرة بكل ما فيها من دقة وعمق تكشف أن أدبه لم يكن إلا امتدادا عضويا لحياته، وإن ما يبدو عبثا لم يكن إلا صدى لما عاشه. حقا لقد بنى بيكيت أعماله على أطلال حياته".

الكتاب: بخلاف ما سبق (رواية)

الكاتب: عزت القمحاوي

الناشر: الدار المصرية اللبنانية – مصر

رواية "بخلاف ما سبق" للروائي المصري عزت القمحاوي هي الجزء الثاني من روايته "ما رأه سامي يعقوب"، إلا أنها يمكن أن تُقرأ بشكل منفصل، فهي تنطوي على بنية روائية مستقلة من حيث الزمان والمكان وحركة الشخصيات، ابتداؤها ومصائرها وما إلى هنالك، الأمر الذي يعني أن القارئ سيدخل عالما روائيا غير مرتبط بذاكرته وبقراءته للرواية السابقة الموصوفة كجزء أول.

يكتشف القارئ عالما غريبا فيها، ثمة من يقرأ المستقبل لكنه يفشل في قراءة مسار حياته الشخصية ومصيره. ثمة أموات على علاقة مع الأحياء يتحاورون ويختفون ويظهرون، وثمة علاقة خاصة مع الحيوانات أيضا. وهي تشكل جميعها حبكة متماسكة إلى الحد الذي تبدو الأشياء التي ذكرناها كلها عادية، وكأنها من طبيعة الحياة.

بحث أدبي في الهوية المصرية، ومحاولة لفك الاشتباك بين حاضر مصر وماضيها

في تقديم الرواية نقرأ: "في شتاء تبدأ هذه الرواية وفي شتاء تنتهي. وبين البداية والنهاية فصول تتوالى، لم يدرك سامي يعقوب ما تخفيه له، رغم ما يتمتع به من قدرة على رؤية المستقبل. كان قد أكمل شهرين وعشرة أيام مختبئا في شقته، لا يفتح بابه لأحد، لكن طرقا خفيفا على بابه تكرر عند الفجر يوما بعد يوم، فاضطر أن يفتح ليجد غلاما يطلب منه التوجه إلى 'تل المساخيط' لكي يتسلم بستانا منسيا لجده. يفاجأ سامي بجمال البستان ويقرر ألا يغادر تلك الجنة، حيث تتناثر -تحت الأشجار المتشابكة- بيوت صغيرة لا يرى ما يجري بداخلها إلا الله".

وفي ارتباط مع الرواية السابقة نقرأ: "ابن جاردن سيتي الذي رأينا صداقته مع الكلاب والفراشات في رواية "ما رآه سامي يعقوب"، وجد نفسه في هذه الرواية مسؤولا عن حديقة حيوان، فيها من الجمل إلى الدجاجة، منح كلا منها اسمه، وتفهم مشاعره وطباعه، كما علمه مساعده الطيب سمعان أبانوب الأسيوطي كيف يستمع إلى الشجر".

غلاف رواية "بخلاف ما سبق

تتجلى وحدة الوجود في الرواية، ويمتزج السحري بالواقعي، والحب بالعنف، وتتردد في صفحاتها أصداء تلاوة القرآن والإنجيل وأغاني النوبة. ونقتبس تمثيلا لطريقة الكاتب وتمثيلا لما تعنيه النوبة لأصحابها: عاد يتطلع إلى انهماك حمادة في دق البن. يراه بين وقت وآخر يجس بأصابعه الملوثة بالروث المدى الذي وصلت إليه عملية الطحن. فكر كيف سيشرب من هذا البن، فأرسل بنظرته بعيدا عن حمادة وقال:

- الغناء النوبي جميل.

- لا أعرف إن كان غيرنا يجده جميلا.

- تفهم الكلمات؟

- ليس كلها، لكن أحسها.

- الغناء وطن سهل الحمل.

نظر حمادة إليه بعمق ولم يرد، فاستأنف سامي:

- لا بد أن في النوبة سرا يجعلكم تتمسكون بها إلى هذا الحد.

- لا أظن أنها كانت أجمل من هذه البساتين. يبدو أن المميز فيها أننا فقدناها".

يمكن القول عن الرواية إنها بحث أدبي في الهوية المصرية، ومحاولة لفك الاشتباك بين حاضر مصر وماضيها.

الكتاب: حمى القراءة – دوار الكتابة

الكاتب: جلال برجس

الناشر دار بوملحة للنشر والتوزيع – الإمارات العربية المتحدة

كتاب "حمى القراءة – دوار الكتابة" يتأمل فيه كاتبه الروائي والشاعر الأردني جلال برجس أحوال القراءة وتأثيرها وأثرها العام. ينطلق فيه من تجربته الشخصية في القراءة التي أصابته بنوع من الحمى من كثرة تركيزه عليها وشغفه بها، إلى أن انتقل إلى الكتابة وأصابه دوار من كثرة ما تحتاج إلى حب ونشاط ذهني مكثف. استخدم فيه الكاتب أسلوبا أدبيا مبتعدا بشكل مقصود عن المنهجية الأكاديمية، فالكتاب، كما قال، مخصص "لمخاطبة الشغوفين بالأدب والمؤمنين به، وأخاطبهم من وحي التجربة"، ذلك أنه أراد أن يجيب عن أسئلة الشباب التي يواجهها حول القراءة والكتابة. ويكثف رأيه بها بالقول: "حين قرأت أول كتاب في حياتي أُصبت بما يشبه الحمى، وكأني خرجت فجأة من فضاء بارد، إلى فضاء دافئ. وحين ارتكبت كتابة أول نص في حياتي، أُصبت بالدوار، كأني في غمرة الكتابة كنت أدور حول نفسي، وفجأة توقفت، فرأيت العالم يطوف بي... لحظتان في غاية الدهشة والغرابة، اتحدتا، في ما بعد، بجسيم واحد، أو لأكون أكثر صدقا، في كتلة كروية صغيرة متوهجة، هي التي أنقذتني من العمى، والخرس، والسقوط في حفرة عميقة باردة، أعتقد أنها تلازم الكثير منا في هذا الزمن الملتبس".

الكتاب مجرد مقترحات نابعة مما عايشته لسنوات مع القراءة والكتابة، ولا أتوجه الى القراء من زاوية المنظر، بل من جهة من يحكي عن تجربته

يقول برجس في المقدمة: ''لست ممن يشرحون أسباب ما كتبوا، لأن الكلمة كفيلة أن تشي بما وراء ما قلناه، لكنني في هذا الكتاب أجدني ملزما أن أبين ذلك الدافع الذي أدى إلى كتابة من هذا النوع، إذ سُئلت كثيرا، وخاصة من الكتاب الذين يتلمسون دروبهم نحو الأدب، عن رؤيتي للقراءة والكتابة، وكانت إجاباتي لضيق الوقت مقتضبة، ولأنني ممن لا يفضلون الإجابات الناقصة، قلت رأيي في هذه الصفحات، ليس مديحا للقراءة، والكتابة، بقدر ما هي إضاءة أنطلق عبرها من تجربتي الشخصية، التي ربما تروق للبعض، ولا تروق للبعض الآخر. لست أكاديميا متخصصا، ولست باحثا، ولست منظرا، كل ما في الأمر أن في جعبتي عددا من المقترحات، والرؤى، والنصائح التي جاءت بها التجربة".

غلاف كتاب "حمى القراءة دوار الكتابة"

وكي لا يظن القارئ أن الكتاب بحث منهجي في القراءة وتاريخها والكتابة وتاريخها وأحولهما، فإنه يوضح "ما أقوله في هذا الكتاب مجرد مقترحات نابعة مما عايشته لسنوات مع القراءة والكتابة، ولا أتوجه الى القراء من زاوية المنظر، بل من جهة من يحكي عن تجربته التي ربما يجد القارئ فيها ما يفيده".

الكتاب: اللوغوس المهاجر – قراءة تفكيكية في النهضة والتنوير والحداثة عن العرب

الكاتب: خلدون النبواني

الناشر: دار مدارك للنشر والتوزيع – المملكة العربية السعودية

في كتابه "اللوغوس المهاجر – قراءة تفكيكية في النهضة والتنوير والحداثة عن العرب" يقدم د. خلدون النبواني، الكاتب السوري، قراءات عميقة في الهوية، والتصورات الفلسفية عند العرب، متخذا من المنهج التفكيكي المنسوب الى دريدا طريقة في تحليل مفاهيم الحداثة والنهضة والتنوير كما فهمها وقدمها العرب، بأسلوب قادر على إفساح المجال للأسئلة والتأمل والحوار.

يميز الكاتب بين مفهوم "العقل" بالمعنى الغربي الذي يكاد ينحصر، أو ينحصر فعليا بالمنطق الأرسطي والميتافيزيقيا، وبين مفهوم "اللوغوس" الذي يعتبر أوسع وأغنى من مفهوم "العقل"، وذلك لما ينطوي عليه من روح وشعر وبيان وبرهان في آن. اللوغوس وفق الكاتب، ليس غريبا عن العرب، بل هو مفهوم يمكن اعتباره عربيا. إذ أن العرب، أمام احتكار الغرب لمفهوم "العقل" وربطه بالفلسفة، وجدوا أنفسهم خائفين ومترددين ومنضوين بدور التابع أو الناقل، وتبعا لذلك لم يسموا أنفسهم فلاسفة. لكن إذا تحررت الفلسفة من ضيق "العقل" وعادت إلى رحابة "اللوغوس"، تبين أن العرب كانوا مبدعين فيه، لا مجرد ناقلين.

يرى الكاتب أن "العقل" منتج غربي ضيق، بينما "اللوغوس" مولود مشرقي هاجر غربا وأنجب هناك العقل

من الصحيح أن أصل كلمة "لوغوس" يوناني، لكنه، حقيقة، ذو جذور شرقية ما قبل قبل أفلاطون والمدرسة الإسكندرانية، حيث جمع، أساسا، بين الكلام والشعر والخطاب والمنطق في وحدة واحدة. بهذا المعنى يتقاطع اللوغوس مع طبيعة الثقافة العربية، ذات الأصول البدوية والشفاهية والشعرية.

بعبارة أخرى، حين يضيق اللوغوس يكون عقلا، وحين يتجاوز العقل حدوده ويتسع ويستعيد الخيال والشعر يعود كـ"لوغوس". لذلك يرى الكاتب أن "العقل" منتج غربي ضيق، بينما "اللوغوس" مولود مشرقي هاجر غربا وأنجب هناك العقل.

غلاف كتاب اللوغوس المهاجر

ضمن هذه المناقشات عرض المؤلف موقفه الفكري من إطلاق صفة على اللوغوس، فيقول: ليست عبارة "اللوغوس المهاجر"، هي أول ما خطر بذهني عندما فكرت بوضع عنوان لهذا الكتاب. كنت أتأرجح بين عنونته باللوغوس المتردد، أو اللوغوس الخائف، لكني عدلت لأني خشيت أن أُفهم خطأً فيبدو نعتي للوغوس العربي بالخائف أو المتردّد وكأنني أريد إلصاق هذه الصفات السلبية به، في حين أني أريد قول عكس ذلك تماما، فأنا أريد التأكيد أن اللوغوس العربي كوني مكتمل الأركان، لكنه ورغم كونيته وأهميته يظل مع ذلك، للأسف، خائفا مترددا شاكا بنفسه وغير واثق بإمكاناته وإنجازاته.

ثم فكرت بعنونته باللوغوس البدوي، لكني خفت من أن يُظن أني أقصد الحط من قيمة ما أنجز في الفلسفة العربية قديمها وحديثها، إذ كثيرا ما ارتبطت البداوة في أذهاننا بالحالة البدائية ما قبل المدنية، أي بوصفها المقابل الحضاري للعمران والتمدن السابق عليهما، وليس هذا رأيي أبدا فالعرب هم هذا وذاك، بدو وحضر، ولا يمكن حصر ثقافتهم بالبداوة فقط أو بالعمران وحده.

ثم استقر خياري أخيرا على صفة "المهاجر" إذ لطالما تلّى لي اللوغوس العربي بثيابه الصحراوية الخفيفة وقلقه الوجودي، وخيمته المتنقلة كوطن مهاجر أبدا يحمله معه أكثر مما يُحمل عليه. ولأن كل مكان هو موطن اللوغوس عربيا فهو كوني إذن لا تعنيه كثيرا الجغرافيا واللسان والحدود القومية، ينثر جيناته بين القبائل فيضيع الأثر، أثره، كما تضيع خطى الأقدام العارية في رمال الصحراء.

الكتاب ينطلق من فكرة أن اللوغوس العربي مهاجر، وكوني، وجامع للشعر والخيال والمنطق معا، ولا يمكن اختزاله في عقل غربي ضيق. ومن هنا يدعو المؤلف إلى إعادة الاعتبار الى اللوغوس في الفكر العربي كأفق رحب للفلسفة، بعيدا من التبعية للمركزية الغربية.

font change