مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية، التي تطل كل أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.

الكتاب: الحكاية الروسية

الكاتب: ف. يا. بروب

ترجمة: غسان مرتضى

الناشر: ميسلون للثقافة والترجمة والنشر – تركيا

كتاب "الحكاية الروسية" متصل بالحكاية الخرافية والأدب الشعبي الروسي، وهو آخر ما ألفه عالم الأدب الروسي ف. يا. بروب (فلاديمير ياكوفليفيتش بروب) في حياته، وهو يمثل خلاصة مسيرته الطويلة في دراسة هذا النوع من الأدب، حيث يتناول الحكاية الروسية من مختلف جوانبها النظرية والتاريخية والفنية والأدائية، ويحلل عناصرها البنيوية وروافدها الثقافية والاجتماعية، ويتتبع صلاتها العميقة بفنون القول والأسطورة الشعبية.

ولا يقتصر الكتاب على الثقافة والحكاية الروسية فحسب، بل يذهب إلى المقارنة مع الحكايات العالمية، ويحاول الكشف عن الجذور الإنسانية المشتركة لهذا الفن العظيم، فن الحكاية الشعبية بوصفه تراثا شفويا عالميا يتجاوز الجغرافيا واللغات. كا أنه يهتم، بصفة خاصة، بمسائل الرواية الشفهية وجامعي الحكايات الشعبية، ويبين الدور الحاسم للرواة في حفظ الذاكرة الثقافية، وهو ما يمنح الكتاب أهمية خاصة للباحثين في الأدب الشعبي العربي وتاريخ جمع الروايات القديمة.

يهتم الكتاب بمسائل الرواية الشفهية، وجامعي الحكايات الشعبية، ويبين الدور الحاسم للرواة في حفظ الذاكرة الثقافية

يرى الناشر أن بروب اشتُهر في البلاد العربية، بفضل كتابه "مورفولوجيا الحكاية" الذي ظهر في طبعات عدة، لكن هذه الطبعات لم يعقبها ظهور ترجمات مماثلة لكتبه الأخرى، لذلك يعِدُ قراءه بمتابعة ترجمة أعماله وإصدارها لما فيها من "فائدة كبيرة للباحثين في مجالات الأدب الشعبي (ولا سيما الحكاية)، والأنثروبولوجيا وتاريخ الثقافات".

غلاف كتاب "الحكاية الروسية"

وبحسب الناشر فإن كتاب "الحكاية الروسية" ينطوي على زبدة مؤلفات بروب السابقة، وقد صدر منها "الفولكلور والواقع" و"قضايا الضحك والإضحاك" وقد عرضها بحس نقدي عميق، وذائقة شاملة، لكنه يتفرد في معالجة مسألة رواية الحكاية شفهيا ورواتها وجمعها. الأمر الذي يشكل إضاءة يمكن الاستفادة منها في دراسة جمع الأدب العربي القديم وروايته. يُنظر إلى بروب على أنه شكل، عبر منهجه التحليلي، تحولا جذريا في دراسة الحكاية الشعبية والخرافية.

الكتاب: الاستشراق الأنكلو-أميركي المعاصر - باتريشيا كرون (1945 – 2015)

الكاتب: مصعب حمادي نجم الزيدي

الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع – لبنان

يتناول الكتاب، نقدا وتحليلا، شخصية المستشرقة الدنماركية الأصل، الأميركية الجنسية باتريشا كرون، التي تعتبر من أبرز رموز المدرسة التنقيحية في الدراسات الإسلامية المعاصرة، التي ظهرت في "جامعة لندن" في سبعينات القرن العشرين. وقد اشتهرت بكتاباتها الجدلية حول الإسلام المبكر، حيث تبنت منهجا يقوم على الشك والتفكيك، وإعادة قراءة النصوص الإسلامية خارج سياقاتها التاريخية والحضارية، وهو ما أثار ردود فعل واسعة داخل الأوساط الأكاديمية في الشرق والغرب على حد سواء.

يستعرض المؤلف الدكتور مصعب حمادي نجم الزيدي في هذا الكتاب المسار العلمي والفكري لكرون، كاشفا عن منهجها في التعامل مع المصادر الإسلامية الكلاسيكية، محللا أدواتها النقدية التي تميل إلى نفي الموثوقية التاريخية للنصوص العربية والإسلامية. ووضع هذا التوجه ضمن سياق التيار الأنكلو–أميركي في الاستشراق الحديث، الذي عُرف بنقده الشديد للتراث الإسلامي، وتعميمه السلبي على كامل هذا الإرث، وذلك عبر شعور بنزعة تفوق ثقافي تتعامل مع الإسلام من منظور حضاري استعلائي. وهذا التيار- وفق الناشر- هو "التيار الأشد ضراوة في نقد المصادر العربية والإسلامية، والطعن بموثوقيتها، فضلا عن تعامله مع الدين والثقافة الإسلامية بنوع من التعالي والاعتداء المشين والتعميم البغيض الذي أسهم في تزايد الخلافات بين الشرق والغرب وتعميق المصادرات حول الإسلام".

غلاف كتاب "الاستشراق الأنكلو-أميركي المعاصر"

لا يكتفي الكاتب بعرض الأفكار الاستشراقية لكرون، بل يفكك مقولاتها تفكيكا علميا، ويرد عليها بالحجة والمنهج الأكاديمي الرصين، مستندا إلى مصادر بحثية دقيقة وإلى قراءة متعمقة في تاريخ الفكر الاستشراقي. كما يطرح المؤلف دعوة صريحة إلى الباحثين العرب والمسلمين، لممارسة نقد علمي موضوعي للدراسات الغربية المعاصرة حول الإسلام، بعيدا عن ردود الأفعال العاطفية، وبما يعيد التوازن إلى الخطاب المعرفي العالمي حول الحضارة الإسلامية، فثمة انحياز وتشويه لمنجزات هذه الحضارة ينبغي إصلاحهما، وهذا يقع على عاتق الباحثين المسلمين والعرب بالدرجة الأولى.

إضافة نوعية إلى المكتبة العربية في مجال نقد الفكر الاستشراقي الغربي، وتحليل منطلقاته وأثره على صورة الإسلام في العالم المعاصر

بهذا الإصدار، يقدم الدكتور الزيدي قراءة تحليلية شجاعة في واحدة من أكثر القضايا حساسية في الفكر الحديث، جامعا بين التحليل الأكاديمي والرؤية النقدية التي تفتح آفاقا جديدة أمام الدراسات العربية في مجال الاستشراق المعاصر وحوار الثقافات.

يعتبر الكتاب إضافة نوعية إلى المكتبة العربية في مجال نقد الفكر الاستشراقي الغربي، وتحليل منطلقاته وأثره على صورة الإسلام في العالم المعاصر.

الكتاب: العلمانية كهوية وطنية - الحالة السورية كنموذج

الكاتب: فراس سعد

الناشر: دار سامح للنشر – السويد

يتناول الكاتب السوري فراس سعد في كتابه "العلمانية كهوية وطنية- الحالة السورية كنموذج" إشكالية الهوية في المجتمعات العربية، محاولا إعادة تعريف العلاقة بين الفرد والدين والدولة، في ضوء التجارب التاريخية والسياسية الحديثة. يقدم سعد العلمانية هنا ليس بوصفها نقيضا للدين، بل باعتبارها إطارا إنسانيا جامعا يضمن حرية الاعتقاد وحق الاختلاف، ويمنح الهوية الوطنية أساسا عقلانيا يتجاوز الانقسامات المذهبية والطائفية والعرقية. ينظر الكاتب إلى الاختلاف على أنه فطرة بشرية وقيمة إنسانية، وأن الاعتراف به شرط أساسي لبناء مجتمع حر ومتوازن، فعدم وجود ثقافة الاختلاف عربيا أو عدم الاعتراف بحق الاختلاف أتاح المجال لسيادة الطائفية والاستبداد.

غلاف كتاب "العلمانية كهوية وطنية - الحالة السورية كنموذج"

يعرف سعد الهوية بأنها تعبير عن الماهية الإنسانية أكثر من كونها انتماء لجماعة أو طائفة. ويرى أن الفكر العربي التقليدي ربط الهوية بالجماعة على نحو حرم الفرد من استقلاله الذاتي. ويستعرض عبر فصول الكتاب السبعة تاريخ تشكل الهويات، موضحا كيف تحولت الهوية الدينية إلى أداة للانقسام والصراع بدلا من أن تكون مصدرا للتماسك الروحي والاجتماعي.

ينتقل الكتاب إلى تحليل مفهوم الهوية الوطنية الحديثة، مبينا أنها ظاهرة جديدة تاريخيا لا تتجاوز القرنين الأخيرين، وأنها تتشكل عادة في ظل أزمات سياسية واقتصادية تفرض على المجتمعات إعادة تعريف ذاتها. ويخصص الكاتب فصولا واسعة لتحليل الحالة السورية، متتبعا تحولات الهوية من العهد العثماني، إلى الاحتلال الفرنسي، ثم مرحلة البعث والأسدية التي كرست هوية سلطوية قائمة على الخوف والطاعة، بدلا من الهوية الوطنية الحرة الجامعة.

قراءة فلسفية وسياسية في قضايا الهوية والمواطنة، تجمع بين التحليل الفكري والنقد الاجتماعي، وتدعو إلى تجاوز الانتماءات الضيقة

يقدم سعد في القسم الأخير من الكتاب مقترحا لبناء هوية وطنية علمانية جديدة تقوم على مرتكزات، منها تحرير الفرد من هيمنة الجماعة وتكريس قيم المواطنة المتساوية. وكذلك إعلاء شأن الدولة المدنية بوصفها الإطار الضامن للحرية والعدالة، لا بوصفها سلطة مقدسة. ويؤكد على فصل المجال الديني عن المجال السياسي دون إلغاء الدين من الحياة العامة، بل بإعادته إلى موقعه الروحي والأخلاقي.

ويرى المؤلف أن تبني هذه الرؤية من شأنه أن يعيد التوازن للمجتمع، ويؤسس لثقافة تتقبل التعدد والاختلاف دون خوف أو قمع. ويختم كتابه بتأكيد أن العلمانية ليست مشروعا ضد الدين، بل تهدف إلى إنقاذ الإنسان من الاستبداد والانغلاق، وإعادة الاعتبار للعقل والحوار بوصفهما شرطين لأية نهضة إنسانية حقيقية.

يشكل الكتاب قراءة فلسفية وسياسية في قضايا الهوية والمواطنة، تجمع بين التحليل الفكري والنقد الاجتماعي، وتدعو إلى تجاوز الانتماءات الضيقة نحو فضاء وطني علماني يقوم على الحرية، والمساواة، والكرامة الإنسانية.

الكتاب: لحمي الحميم

الكاتب: علي عبدالله سعيد

الناشر: محترف أوكسجين للنشر - كندا

في روايته "لحمي الحميم" يقدم الروائي السوري علي عبدالله سعيد تجربة سردية تُكمل مشروعه الأدبي القائم على تفكيك اللغة والسرد، وإعادة تشكيل العالم من حطامه. منذ لحظات الرواية الأولى يرسم فضاء يختلط فيه الحلم بالواقع، والعري بالمعنى، والبوح بالعزلة، في نص أشبه ما يكون بمرثية طويلة للحياة والإنسان، واحتفاء بأحاسيس منسية.

الرواية ليست حكاية بالمعنى التقليدي، بل نص مفتوح على احتمالات غير متناهية، ثمة أصوات متعددة تتبادل الأدوار بين "الأنا" و"الآخر"، في زمن لا يسير نحو الأمام، بل يدور حول نفسه كأنه دوامة. يبحث الكاتب عن الخلاص عبر الانتهاك، وعن المعنى وسط فوضى لا يمكن تخيلها.

"اللحم الحميم" كما يتبدى في الرواية هو استعارة عن تداخل الألم والرغبة، والجسد والذاكرة، والحياة والموت

يبدو العالم في الرواية محطما، يعثر القارئ على شظاياه في شخوص فقدت يقينها بالعالم وبنفسها. بحيث لا يبدو الجسد شيئا حسيا، بل أشبه ما يكون بمرآة للخراب الإنساني، وبفضاء تُختبر فيه الأسئلة الكبرى، أسئلة الحرية والهوية، والعزلة والرغبة في الخلاص. فحين يقول الكاتب: "ربما انتقلنا في لغة سرية سردية مبهمة، من التأمل، إلى الشهوة. بالتأكيد حدث ذلك. كانتقال من فضاء إلى فضاء، من لغة إلى لغة، من سرد هامشي، أو طبيعي، أو عقلاني، إلى سرد شهوي، أو غريزي..."، فإنه لا يصف فعل الجسد فحسب، ولا فعل الكتابة فحسب، بل فعل الوجود ذاته، وجود يُعاد ترميمه بلا نهاية، كأن الكتابة وسيلة البقاء الوحيدة في عالم ينهار.

غلاف رواية "لحمي الحميم"

"اللحم الحميم" كما يتبدى في الرواية هو استعارة عن تداخل الألم والرغبة، والجسد والذاكرة، والحياة والموت.

الكتاب: أفول إمبراطورية الغرب – آسيا تنتفض لتولد من جديد

الكاتب: بانكاج ميشرا

ترجمة: أحمد جمال أبو الليل

الناشر: المركز القومي للترجمة - مصر

يقدم الكاتب الهندي بانكاج ميشرا في كتابه "أفول إمبراطورية الغرب- آسيا تنتفض لتولد من جديد" قراءة تاريخية لمسار مناهضة الاستعمارية الغربية في آسيا والعالم الإسلامي ومصر، ويتتبع التحولات الفكرية والسياسية التي شكلت الوعي الآسيوي منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى بدايات القرن العشرين.

يبدأ من أمر بات معلوما وهو أن التاريخ الحديث كُتب من وجهة النظر الأوروبية، وأن السرديات السائدة عن "النهضة" و"التمدن" و"التنوير" جاءت من داخل التجربة الغربية نفسها، في تجاهل تام، بل إخفاء لما عاشته شعوب آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط من مقاومة فكرية وثقافية وروحية، لذلك المشروع الكولونيالي الذي سعى إلى إخضاع العالم كله تحت لواء "الرجل الأبيض".

غلاف كتاب "أفول إمبراطورية الغرب – آسيا تنتفض لتولد من جديد"

يقدم الكاتب سردا معاكسا لسرد المركزية الأوروبية، ويعيد الاعتبار إلى مفكرين ومصلحين كبار، مثل جمال الدين الأفغاني، وطاغور، وسون يات سين، وليانغ كيشاو، وغيرهم من رواد النهضة الآسيوية الذين أبرزوا قدرة شعوبهم الروحية والمادية على مواجهة الهيمنة الغربية. يرى ميشرا أن هؤلاء المفكرين لم يكونوا مجرد دعاة إصلاح، بل رواد لمشروع تحرري عالمي صاغ رؤية مختلفة للحداثة، تنبع من الروح ومن التنوع الثقافي، مقابل النزعة المادية والعنصرية التي تبناها الغرب الاستعماري. وقد نجح المؤلف- بحسب ما ورد في مقدمة المترجم- "في تقديم عرض واف لحقبة كولونيالية امتدت أعواما طوالا بالتوازي مع الجهود الساعية إلى مقاومة ذلك التوغل الكولونيالي للغرب، وهي الجهود التي أفضت إلى تحرر الشعوب المضطهدة من ربقة هيمنة (الرجل الأبيض) ومن أصفاد (مهمته الحضارية) المزعومة".

يرى الكاتب أن العالم يشهد اليوم عودة آسيوية كبرى، ثقافيا واقتصاديا، تمثل ردا تاريخيا على قرون من الهيمنة الغربية

وفي سياق عرض الحقبة الكولونيالية، يسلط ميشرا الضوء على مصر والهند والصين وإيران وتركيا بوصفها ساحات كبرى لمواجهة الغرب، مبرزا كيف تبلورت فيها نماذج مختلفة من الوعي الوطني والنهضة الفكرية، جمعت بين نقد الذات ومقاومة الآخر. ويؤكد أن الحركات الآسيوية المناهضة للاستعمار لم تكن رد فعل عاطفيا أو انعزاليا، بل كانت محاولة لاستعادة التوازن العالمي الذي اختل مع صعود أوروبا الحديثة. ومن هنا تأتي دلالة العنوان الفرعي للكتاب "آسيا تنتفض لتولد من جديد"، إذ يرى الكاتب أن العالم يشهد اليوم عودة آسيوية كبرى، ثقافيا واقتصاديا، تمثل ردا تاريخيا على قرون من الهيمنة الغربية.

بهذا، يقدم بانكاج ميشرا كتابا يعيد صياغة مفهوم التاريخ الحديث من منظور الشعوب المهمشة، ليؤكد أن أفول الغرب لا يعني سقوطه، أو لا يعني سقوطه فحسب، بل يعني نهضة الآخرين، وأن آسيا- التي كانت مستعمَرة بالأمس- تستعيد اليوم مكانها الطبيعي في صدارة الحضارة الإنسانية.

font change