"خصخصة" السجون... بين كفاءة الإدارة وتحديات العدالة الجنائية

خيار محفوف بالمخاطر

أ.ف.ب
أ.ف.ب
مدخل سجن سانت كونتين الفيدرالي في ولاية كاليفورنيا

"خصخصة" السجون... بين كفاءة الإدارة وتحديات العدالة الجنائية

في إطار تزايد اهتمام الدول بخلق وتعزيز دور للقطاع الخاص في إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل (مرافق السجون والمنشآت العقابية والإصلاحية سابقا)، تلجأ الكثير من الدول إلى "خصخصة السجون" كأحد هذه الحلول، وهي تجربة ليست بالجديدة في كثير من الدول الغربية، تقوم على مفهوم الشراكة بين الدولة مع شركات خاصة لتولي إدارة العمليات داخل هذا المرفق، بهدف رفع مستويات الأداء فيه، وتحسين جودة الخدمات المقدمة فيه عن طريق استغلال قدرات القطاع الخاص وتوظيف التقنيات المتقدمة مثل أنظمة الذكاء الاصطناعي وتعزيز الأساليب المبتكرة في الإدارة، بما يساهم في حماية ودعم حقوق النزلاء وتحقيق بيئة أكثر فاعلية تسهل عملية تأهيلهم وإعادة دمجهم في المجتمع، مما يفسح المجال أمام مقاربات جديدة لمعالجة التحديات القائمة وتحقيق نتائج أفضل، مع دعوة لوجهات نظر متنوعة حول إمكانية تطبيق هذه الشراكات في سياقات مختلفة.

وعلى الرغم من أن مصطلحي "السجون الخاصة" أو "خصخصة السجون" ليسا من المصطلحات الشائعة في الثقافة القانونية العربية، إلا أن هذا الطرح ليس بجديد في الأدبيات التقليدية لعلم الإجرام (Criminology) وعلم العقاب (Penology)، فرعا العلم اللذان تقوم عليهما دراسة القانون الجنائي والعقابي المعاصر، حيث سبق مناقشته وتحليله مرارا في كتابات فقهاء القانون الجنائي والعقابي خلال القرنين الـ18 والـ19، وطُرحت عدة تساؤلات جوهرية بشأن ذلك الموضوع، أهمها: ما هي المبررات الفلسفية لمؤيدي خصخصة السجون؟ وكيف يتعارض ذلك المبدأ مع سيادة الدولة واحتكارها لسن القوانين وإنفاذها وتطبيق العقوبات واحتكار الدولة لممارسة العنف المشروع؟ هل تؤثر خصخصة السجون على جودة رعاية وتأهيل السجناء؟ هل يمكن لخصخصة السجون أن تحقق توازنا بين الربح الاقتصادي والعدالة الجنائية، أم إنها تهدد بتفاقم المشكلات الاجتماعية القانونية والجنائية؟ هل تمثل خصخصة السجون حلا اقتصاديا فعالا لتقليل التكدس في السجون، أم إنها تفتح الباب لانتهاكات حقوقية؟ هل غيرت خصخصة السجون السياسة العقابية في الدول التي تبنت هذه التجربة؟ هل نجحت تجارب الدول في ذلك أصلا، أم إنها لم تكن ذات جدوى فعلية؟

تطور فلسفة السجن

لم تظهر فكرة "السجن" كعقوبة أساسية في أغلب المجتمعات القديمة، باستثناء الدول ذات الحضارات الكبرى مثل مصر والعراق واليونان والإمبراطورية الرومانية، فكان غالبا ما يتخذ رد الفعل على الجريمة شكل الانتقام الفردي أو القبلي، ثم تطور إلى نظام الدية والقصاص، ومع بزوغ فجر الدولة الحديثة، وتحديدا بعد أفكار فلاسفة العقد الاجتماعي، تنازل الأفراد عن حقهم في الاقتصاص لصالح كيان أكبر وهو الدولة، التي أصبحت تحتكر حق استخدام القوة وتوقيع العقاب، وهو ما يطلق عليه الفقه الدستوري "احتكار العنف المشروع" (Monopoly on legitimate violence) ، والذي يعد ركيزة أساسية من ركائز ممارسة الدولة لسيادتها.

فالدولة وحدها هي من تملك الحق في تعريف الجرائم، ومحاكمة المتهمين، وتنفيذ العقوبات السالبة للحرية، وهذا الحق هو مظهر من مظاهر ممارسة سيادتها وهيبتها، وتعبير عن العقد الاجتماعي الذي يربطها بمواطنيها، فالعقوبة ليست انتقاما، بل هي رسالة من المجتمع بأسره، عبر مؤسسات دولته برفض سلوك إجرامي معين، وتأكيد على سيادة القانون.

شاترستوك
سجن بلمارش في إنكلترا

فظهرت السجون الحديثة في القرنين الـ18 والـ19، متأثرة بأفكار رواد الإصلاح من المدارس الفلسفية القانونية المختلفة مثل المدرسة الكلاسيكية والمدرسة الوضعية والمدرسة الاجتماعية، الذين دعوا إلى أنسنة العقوبة والتركيز على الإصلاح والتأهيل بدلا من مجرد الإيلام والعقاب والانتقام، ومنذ ذلك الحين، أصبحت إدارة السجون وظيفة أساسية من وظائف الدولة، تتولاها أجهزة متخصصة تابعة لوزارات الداخلية أو العدل.

الدولة وحدها هي من تملك الحق في تعريف الجرائم، ومحاكمة المتهمين، وتنفيذ العقوبات السالبة للحرية، وهذا الحق هو مظهر من مظاهر ممارسة سيادتها وهيبتها

يقصد بخصخصة المؤسسات العقابية، تعاقد الحكومة مع شركات ومؤسسات القطاع الخاص (غالبا شركات أمنية) بموجب عقود أو اتفاقات خاصة يتم بمقتضاها إسناد إدارة وتشغيل و/أو إنشاء منشآت هذه المؤسسات و/أو تقديم بعض الخدمات المحددة، بما فيها توفير الخدمات الأمنية والإدارية والمالية، والتأهيل، وذلك من أجل تقليل التكلفة الاقتصادية، وتحسين مستوى ذلك المرفق، وتُعرف هذه المؤسسات العقابية باسم "السجون الخاصة" أو "السجون الربحية".

التجربة الأولى لخصخصة السجون في ولاية لويزيانا الأميركية

يعود تاريخ خصخصة السجون إلى القرن الـ19، حيث كانت الدول تبحث عن حلول لمشكلات إدارة السجون في ظل نقص الموارد، وتُعد الولايات المتحدة رائدة في ذلك المجال، فظهرت فيها أول تجربة عام 1844 عندما فشلت سلطات ولاية لويزيانا في الاستمرار في إدارة السجن الحكومي في مدينة "باتون روج"، والذي كان يطلق عليه "الجدران"، فقامت سلطات الولاية بإسناد إدارة السجن إلى شركة "ماكهاتون- برات وشركاهم" بموجب عقد إيجار، وكانت تلك الشركة تعمل في مجال "استئجار السجناء من الحكومة- (Convict leasing)"، وهو نظام كان منتشرا في ولايات الجنوب الأميركي قبل إلغاء العبودية وقيام الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، أشبه ما يكون بنظام "عمال السُخرة"، فكانت الشركة تتعاقد مع السلطات المحلية على استئجار السجناء المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية، وغالبا ما كانوا من السود، للعمل في بعض الأعمال الشاقة مثل رصف الطرق وتعبيدها، أو العمل في مزارع القطن، وذلك عند وجود نقص في أعداد العبيد العاملين في هذه الأعمال، ووفقا لهذا العقد قامت الشركة باستئجار السجن بالكامل وإدارته وإجبار السجناء على العمل القسري في تصنيع الملابس والأحذية.

ووفقا لمذكرات أحد السجناء في هذا السجن، فقد كانت ظروف العمل شديدة القسوة وتفتقد للإنسانية، وأن الإدارة الخاصة للسجن تخلت عن أهداف الإصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وأبدلتها بالتركيز على الربحية، فكانت التقارير السنوية تركز بشكل أساسي على تحقيق الأرباح دون الإفصاح عن العنف أو ما يبذل من جهود لتأهيل السجناء، وهو ما يعكس الأولوية المالية على حساب العدالة الجنائية، وهو ما أدى إلى تفاقم الظروف القاسية للسجناء، وقد استمر هذا التعاقد لمدة 54 عاما وتم تجديده عدة مرات، حتى تم حظر نظام استئجار السجون والمساجين دستوريا في ولاية لويزيانا بسبب سوء الإدارة والاستغلال بعد إقرار دستور الولاية الجديد عام 1898، بعد حوالي 30 عاما من انتهاء الحرب الأهلية وبدأ مرحلة إعادة الإعمار والبناء.

تتيح عقود الخصخصة للحكومات نقل بعض المخاطر التشغيلية والمالية إلى الشركات الخاصة، مثل مخاطر تجاوز تكاليف البناء أو صيانة المرافق

عودة خصخصة السجون في ثمانينات القرن العشرين وانتشارها عالميا

على الرغم من فشل التجارب السابقة خلال القرن الـ19، عادت خصخصة السجون للظهور بقوة خلال ثمانينات القرن الـ20، بداية من الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس الأميركي ريغان، مدفوعة "بالحرب على الجريمة المنظمة والمخدرات" ومع الزيادة الرهيبة في معدلات المحكوم عليهم، وهو ما أدى إلى تكدس السجون والمؤسسات العقابية وارتفاع تكاليف إدارتها وتشغيلها، فظهرت الحاجة إلى إيجاد بدائل لنظام السجون التقليدية وتوسيع طاقتها الاستيعابية دون تكاليف باهظة.

فأُنُشئت شركة كوريكشنز كوربوريشن أوف أميركا سابقا (Corrections Corporation of America -CCA)، (كور سيفيك– CoreCivic Inc. حاليا) عام 1983 كأول شركة متخصصة في إنشاء وإدارة وتشغيل وتملك السجون والمؤسسات العقابية ومراكز الاحتجاز الخاصة، والتي أبرمت عقدا مع وزارة العدل الأميركية نيابة عن وكالة الهجرة والجنسية سابقا (وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة حاليا)، لتصميم وتمويل وبناء وتشغيل منشأة إصلاحية آمنة، ويُعتبر بداية صناعة السجون الخاصة بشكلها الحالي، وقد نجحت الشركة في الانتهاء من هذه المنشأة في مدينة هيوستن بولاية تكساس وتشغيلها بحلول أوائل يناير/كانون الثاني 1984، بعد 90 يوما فقط من توقيع العقد، وكان الغرض من تشغيلها كمركز احتجاز للمهاجرين غير الشرعيين المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا الهجرة والترحيل والإبعاد، وأُنُشئت عدة شركات أخرى لذات الغرض بأرجاء الولايات المتحدة، ومنها انتشرت الظاهرة إلى دول أخرى مثل بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا وبعض دول أميركا اللاتينية.

أسباب التوجه نحو خصخصة السجون

لم يظهر التوجه نحو الخصخصة من فراغ، بل كان وليد مجموعة من العوامل والأسباب المترابطة التي دفعت الكثير من الدول إلى التفكير في هذا الخيار "غير التقليدي". ويمكن إجمال هذه الدوافع في النقاط التالية:

تخفيف الأعباء المالية واكتظاظ السجون: فمع تزايد أعداد السجناء بشكل هائل في الكثير من الدول حدثت ظاهرة تعرف "بالتضخم العقابي– (Mass Incarceration)"، ارتفعت معها تكاليف بناء وإدارة السجون بشكل فلكي، لتشكل عبئا ثقيلا على الموازنات العامة، ومن الممكن للقطاع الخاص معالجة التكدس عبر توسيع الطاقة الاستيعابية بتكلفة أقل، متجاوزا البيروقراطية الحكومية ومخاطر التكاليف الزائدة.

تحسين الخدمات وبرامج التأهيل: قد تسعى الشركات الخاصة، بدافع الربح والمنافسة، إلى تقديم مرافق أفضل، ورعاية صحية، وطعام، وبرامج تأهيلية أفضل تهدف إلى خفض معدلات العودة للجريمة.

النيوليبرالية وتقليص دور الدولة: تزامن التوجه مع صعود الأيديولوجيا النيوليبرالية في الثمانينات والتسعينات، التي شجعت على تقليص دور الحكومة وتوسيع مشاركة القطاع الخاص في كافة المجالات بما فيها العدالة الجنائية وإنفاذ القانون.

الضغط السياسي وسرعة التنفيذ: في سياق سياسات مثل "الحرب على الجريمة المنظمة والمخدرات"، استجاب القطاع الخاص، مثل تجربة شركة كوريكشنز كوربوريشن أوف أميركا عام 1983، لحاجة توسعة السجون بسرعة، وتمكنت من إتمام إنشاء منشآت في غضون 90 يوما مقارنة بسنوات في ظل البيروقراطية الحكومية.

تحفيز السوق وتوسع شركات الأمن: خلق صناعة السجون الخاصة يولد أرباحا، مع ضغوط من شركات الأمن الخاصة للحصول على عقود حكومية، مما يعزز التحالفات بين القطاعين العام والخاص.

نقل المخاطر: حيث تتيح عقود الخصخصة للحكومات نقل بعض المخاطر التشغيلية والمالية إلى الشركات الخاصة، مثل مخاطر تجاوز تكاليف البناء أو صيانة المرافق.

الآثار المحتملة لخصخصة السجون على السياسة الجنائية والعقابية في الدولة:

الآثار الإيجابية

تعزيز الكفاءة والابتكار: يزعم مؤيدو خصخصة السجون أن التنافس بين الشركات الخاصة يحفز تطوير أساليب إدارة مبتكرة، باستخدام تقنيات حديثة في الأمن والمراقبة، مما يحسن جودة المرافق والخدمات مثل الرعاية الصحية والتأهيل.

تخفيف الأعباء المالية والإدارية: وفقا لما يدعيه مؤيدو خصخصة السجون، فإن الخصخصة تتيح للحكومات توجيه مواردها إلى قطاعات مثل التعليم والصحة، بينما تتولى الشركات الخاصة تمويل وتشغيل السجون، مع مرونة أكبر في إدارة الموارد البشرية والاستجابة للتحديات.

تحسين برامج التأهيل: قد تساعد الخصخصة في تقديم بعض الشركات برامج تأهيلية متقدمة تهدف إلى خفض معدلات العودة للجريمة، مما يدعم أهداف الإصلاح في السياسة العقابية.

تخفيف تكدس السجون: قد تسهم الشركات الخاصة في بناء مرافق جديدة بسرعة، مما يقلل الاكتظاظ ويحسن ظروف الاحتجاز.

الآثار السلبية لخصخصة السجون

تآكل سيادة الدولة: يمثل تفويض تطبيق العقوبات لأفراد أو شركات خاصة تنازلا عن جزء من سيادة الدولة، حيث تُعد سلطة العقاب ركنا أساسيا من أركان ممارسة السيادة، وهو ما يثير إشكاليات دستورية جسيمة، مثل ما حدث عام 1991 في كولومبيا عندما قامت الحكومة الكولومبية بالاتفاق مع إمبراطور صناعة المخدرات، بابلو اسكوبار، على تنفيذه عقوبة السجن في سجن خاص وفقا لشروطه ومن تصميمه وبنائه، وذلك حتى يتفادى تسليمه إلى الولايات المتحدة تنفيذا لاتفاقية تبادل وتسليم المطلوبين أمنيا بين البلدين، فقام بتصميم وبناء السجن الخاص الذي سينفذ فيه العقوبة، والذي أسماه "الكاتدرائية"، وكان هذا السجن مهذلة قانونية مكتملة الأركان، حيث كان أقرب لمنتجع سياحي جبلي عن كونه سجنا، وتوافرت فيه كافة أنواع الملذات وسبل الراحة ولكن تحت حراسة أمنية.

نقص الشفافية والمساءلة: تتسم الشركات الخاصة بقلة الشفافية، مستندة في ذلك إلى "الأسرار التجارية"، مما يعيق الرقابة العامة والقضائية ويزيد من احتمالية الانتهاكات.

أ.ف.ب
أحد السجون في جنوب إفريقيا

تضارب المصالح وتكوين جماعات ضغط: يؤدي دافع الربح إلى تقليص الإنفاق على الرعاية الصحية، والتدريب، والتأهيل، مما يضر بجودة الخدمات. كما قد تخلق خصخصة السجون جماعات ضغط قوية "تكتل مصالح لصناعة السجون الخاصة" (Private Prisons-Industrial Complex)، تكون من مصلحته العمل على زيادة أعداد السجناء وتشديد التشريعات، مما يتعارض مع السياسة الجنائية الرشيدة التي تُفضل بدائل السجن مثل التدابير والإجراءات الاحترازية.

تدهور ظروف الاحتجاز وحقوق السجناء: نتيجة التعامل مع السجين كسلعة تدر أرباحا، قد تشهد السجون الخاصة معدلات عنف أعلى وظروف احتجاز أسوأ، مما ينتهك حقوقه ويعيق إعادة إدماجه في المجتمع.

تتسم الشركات الخاصة بقلة الشفافية، مستندة في ذلك إلى "الأسرار التجارية"، مما يعيق الرقابة العامة والقضائية ويزيد من احتمالية الانتهاكات

تجارب الدول في خصخصة السجون من منظور مقارن

الولايات المتحدة: تمثل السجون الخاصة حوالي 8 في المئة من إجمالي السجون، وعلى رغم من كفاءتها الاقتصادية، تواجه انتقادات لزيادة معدلات العودة للجريمة وتدهور ظروف الاحتجاز، بالمخالفة لأهداف التأهيل.

المملكة المتحدة: بدأت الخصخصة في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات تحت حكومة رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر، وتدير الشركات الأمنية الخاصة حوالي 18 في المئة من السجون البريطانية، والتي أظهرت الكفاءة في جوانب عديدة من الإدارة، لكنها ما زالت تعاني من بعض المشكلات الأمنية، مثل العنف ونقص الحراس، كما شهدت مراجعات وإلغاء بعض العقود في بعض الأقاليم مثل اسكتلندا التي عادت إلى الإدارة العامة.

أستراليا ونيوزيلندا: تتبعان نموذجا مختلطا بضوابط قانونية صارمة، تحقق السجون الخاصة كفاءة عالية لا سيما في تكاليف التشغيل، لكن غالبا ما يكون ذلك على حساب جودة الاحتجاز وبرامج وأنشطة التأهيل.

جنوب أفريقيا والدول الأوروبية: تبنت جنوب أفريقيا ودول أوروبية عديدة، مثل ألمانيا وفرنسا والسويد والنرويج والدنمارك، نموذجا مختلفا يُعرف بـ"الشراكة بين القطاعين العام والخاص" (Public-Private Partnership)، حيث يتولى القطاع الخاص مهام محددة مثل بناء السجن وصيانته وتقديم خدمات الطعام والرعاية الصحية، بينما تظل الدولة محتفظة بالوظائف الجوهرية المتعلقة بالأمن، والسيطرة على السجناء، وتنفيذ العقوبة، ويمثل هذا النموذج حلا وسطا يحاول الموازنة بين كفاءة القطاع الخاص وسيادة الدولة.

تُعد خصخصة السجون قضية شائكة ومعقدة تتقاطع فيها تحديات قانونية ودستورية وأخلاقية، وعلى الرغم من فوائدها الاقتصادية المحتملة، فإن مخاطرها على حقوق السجناء، وسيادة الدولة، وتضارب المصالح تجعل منها خيارا محفوفا بالمخاطر، وتهدد أسس العدالة الجنائية، لذا يتعين الموازنة بين ممارسة الدولة لسيادتها وتطبيق مبادئ العدالة وتحقيق أهداف السياسة العقابية الإصلاحية الرشيدة وبين الاعتبارات المالية والاقتصادية.

font change