بينما انشغل السورياليون في أوروبا بتفكيك الأحلام وتحليل اللاوعي على خطى فرويد، اختارت البريطانية إيتل كولكوهون (1906-1988) أن تسلك طريقا مغايرا. فهي لم تر في اللاوعي مجرد خزان للصور المكبوتة، بل بوابة إلى عوالم أعمق، حيث تتجاور الرموز الباطنية مع الأساطير القديمة، وتتحول اللوحة إلى طقس بصري يستحضر السحر والعوالم الخفية بقدر ما يستحضر الجمال. في أعمالها يتداخل الحلم مع الطقس، ويتحول اللون إلى تعويذة، والخطوط إلى مفاتيح لعالم خفي. هكذا أرست كولكوهن لنفسها مكانة فريدة في السوريالية البريطانية، كفنانة وكاتبة جمعت بين جموح الخيال وجرأة التجريب وقوة التعبير عن الرموز الغامضة.
تعتبر إيتل كولكوهون من أكثر الشخصيات غموضا وجاذبية على هامش الفن البريطاني في القرن العشرين. فهي فنانة عرفت الطريق إلى السوريالية، لكنها سرعان ما شقت لنفسها دربا خاصا جمع بين البحث البصري والروحاني. ولدت عام 1906 في الهند حيث عمل والدها في الإدارة المدنية البريطانية، عادت الى بريطانيا في سن مبكرة ودرست في كلية "غيلتنهام" للبنات ثم في مدرسة "سليد" الشهيرة للفنون التي ساهمت في نهضة فن الجداريات والرسم الزخرفي في اعقاب الحرب العالمية الأولى.
سافرت كولكوهون، مثل كثير من الفنانين البريطانيين، إلى باريس عام 1931، حيث التحقت بأكاديمية "كولاروسي". وخلال تلك الفترة، تعرفت الى الحركة السوريالية والتقت عددا من السورياليين، منهم رينه ماغريت وأندره بروتون وسلفادور دالي ومارسيل دوشان، ومان راي الذي التقط لها صورتها الشهيرة وهي تحمل حزمة من سنابل القمح، في إشارة إلى "ديميتر"، إلهة الحصاد والخصوبة والأرض في الميثولوجيا القديمة.