انتهت الحرب على غزة، رضي الطرفان إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بشروط الرئيس الأميركي دونالد ترمب. نهاية الحرب على الفلسطينيين أمر يدعو للفرح رغم الخسائر الفادحة، التي دفع ثمنها الفلسطينيون في غزة.
شاهدنا الدمار الذي حل بغزة، وسمعنا أصوات الغزاويين بعدما توقف صوت الرصاص والقصف، هذه الحرب كانت الأكثر كلفة على الفلسطينيين منذ عقود، وإن كان تجريم إسرائيل على ما ارتكبته من فظائع بحق الفلسطينيين أمر بديهي وواجب أخلاقي وإنساني، إلا أن مراجعة ونقد ما قامت به حركة "حماس" لا يقل أهمية أيضا.
ولأن "حماس" تدرك ذلك، بل ولأن ما بقي من المحور يدرك ذلك، ولأن إيران هزمت في المنطقة، لاحظنا أنه بمجرد توقف إطلاق النار، كيف بدأت حملة التخوين والتهديد ضد كل من عارض المحور.
محاولة تزوير لكل ما عاشته المنطقة منذ عامين إلى اليوم، محاولة تزوير التاريخ والحاضر والواقع، وكأن حملات التزوير والتخوين هذه ستعيد عقارب الساعة إلى الوراء.
حملات ضد الدول العربية التي وقفت ضد تهجير الفلسطينيين، حملات ضد من حاول الوصول إلى وقف إطلاق النار منذ اليوم الأول للحرب، فاتهم بالانبطاح أمام إسرائيل ، تهديد لإعلاميين وإعلاميات من إعلاميي المحور والجماعة، في محاولة لخلق سردية أسطورية، ومظلومية "المقاومة" أمام أعدائها الكثر.
إطلاق اتهامات في جميع الاتجاهات لن يغير مما حصل ولن يخلق هالة انتصارات وهمية
إطلاق اتهامات في جميع الاتجاهات، لن يغير مما حصل، ولن يخلق هالة انتصارات وهمية، ولقد سبق وكتبت على صفحات "المجلة" عن تجميل الهزائم من النكبة والنكسة إلى الانتصار الإلهي المزعوم في عام 2006. وكل هزيمة يلحقها حملات ضد الداخل المعارض، لهذا المنطق الغوغائي، ولا أقول إن المقاومة السياسية، أو حتى المسلحة في مرحلة من المراحل هي فعل غوغائي، بل ما قامت به قوى الممانعة، منذ أن صار للمقاومة في كل بلد طائفة ومذهب، وصارت جميعها تدور بفلك طهران، ومصالح النظام الإيراني، فإن كل ما تقوم به هو أفعال غوغائية يدفع ثمنها الناس.
تحويل فعل المقاومة من وسيلة لها هدف سامٍ إلى غاية بحد ذاتها، من أبشع الجرائم التي ارتكبت بحق القضية الفلسطينية. الازدواجية الفاضحة في المعايير والمواقف، التي يتسم بها محور الممانعة، لا يجب أن يسمح لها بأن تتحول إلى سردية وأمر واقع.
قبل أسابيع استنكرت "حماس" دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تسليم السلاح، ولكنها قبلت اليوم. قبل أسابيع شنت "حماس" حملة شعواء على الرئيس عباس، لأنه طالبها بتسليم الرهائن، لتوقف إسرائيل الحرب على غزة، لكنها فعلت اليوم وقبلت. قبل أسابيع ذكرت "حماس" في بيان لها أن تأكيد رئيس السلطة الفلسطينية، على أن الحركة لن يكون لها دور في الحكم "تعدٍ على حق شعبنا الفلسطيني الأصيل في تقرير مصيره، واختيار من يحكمه وخضوعا مرفوضا لإملاءات ومشاريع خارجية"، لكنها قبلت اليوم.. وتطول القائمة كثيرا.
وما فعلته الحركة مع السلطة يفعله حلفاؤها اليوم في سوريا، تفاوض السوريين مع إسرائيل للوصول إلى اتفاق أمني أو حتى لسلام شامل "عمالة وانبطاح"، أما تفاوض "المحور" دهاء وذكاء.
إن شكرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الرئيس الأميركي دونالد ترمب فوفقا لمنطق الممانعة هذا دهاء سياسي، إن شكر السوريون الرئيس ترمب، لرفع العقوبات فوفقا لنفس الجوقة هذا "انبطاح".
هذا الخطاب الممانع، والذي يخفي خلفه أجندات عابرة للحدود، عانى منها السوريون كثيرا، يجب التصدي له بجرأة ووعي، فـ"حماس" ليست غزة، و"حماس" ليست القضية الفلسطينية، والموقف من "حماس" أمر مختلف تماما عن الموقف من القضية الفلسطينية وعدالتها.