الشرع يتحرر من إرثه

الشرع يتحرر من إرثه

استمع إلى المقال دقيقة

في اللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع مع وفد عربي ضم رؤساء تحرير ومدراء عامين ووزراء سابقين وصحافيين بالقصر الرئاسي السوري في دمشق قبل أسبوعين، وكنت واحدة من الوفد، تحدث الشرع عن سوريا، وعن رؤيته الاقتصادية والسياسية، وعن علاقات سوريا الجديدة بجوارها والإقليم والعالم.

كلام مباشر وصريح وواضح، لا خطوط حمراء أمام الصحافيين، لم يقل لنا أحد قبل اللقاء أن نتفادى طرح أمر معين أو سؤال محدد، مجموعة من الصحافيين الذين وصفهم الإعلام بعد اللقاء بالليبراليين الحذرين من مشروع الشرع الآتي إلى الحكم حديثا من إدلب بعد تجارب جهادية وإسلامية.

"أنا لست امتدادا للأحزاب الإسلامية ولا التنظيمات الجهادية ولست امتدادا لـ(الإخوان المسلمين)، ولا أوافق على المسار الذي صار إليه الربيع العربي". كانت هذه العبارة على لسان الشرع أشبه برسالة دوى صداها في سوريا وخارجها، بين من رحب بها واعتبرها إشارة منه إلى التحول والمراجعات التي أجراها قبل وصوله إلى دمشق وهروب بشار الأسد منها، وبين من اعتبرها تخليا عن نهج الأمس.

تحدث عن الاقتصاد والتنمية، عن السلام وعن العلاقة مع لبنان والأردن والعراق، تحدث عن الظلم الذي لحق بالأكراد على مدى عقود، عن أحداث الساحل، وعن السويداء وموقف أهلها المشرف عبر تاريخ سوريا، مؤكداً أن "موقف فئة معينة لا يعني الكل".

"أنا لست امتدادا للأحزاب الإسلامية ولا التنظيمات الجهادية ولست امتدادا لـ(الإخوان المسلمين)، ولا أوافق على المسار الذي صار إليه الربيع العربي

أكد أن الخط الأحمر هو التقسيم، فسوريا دولة موحدة لجميع السوريين، وكرر إصراره على رفض المحاصصة الطائفية التي لم تجلب سوى التعطيل في الدول التي جُربت فيها، في وقت قال إن التشاركية هي هدف السوريين.

يدرك الشرع أن استقرار سوريا حاجة سورية كما هي حاجة عربية وإقليمية ودولية، ويعترف أن أمام السوريين الكثير من التحديات والصعاب التي بدا واضحا أنه على ثقة في أن السوريين سيتغلبون عليها ليعيدوا إعمار بلدهم.

كلام الشرع في اللقاء كان أشبه بخارطة طريق، رؤية النظام الجديد لسوريا الجديدة، ومما لا شك فيه أنه لو تحققت بعض الخطوات التي تحدث عنها في المدى المنظور، سيشعر السوريون بأن القطار وضع على السكة للوصول إلى الدولة.

ولكن على الجانب الآخر، وقد انتظرت نحو أسبوعين لأكتب عن اللقاء، فكان لافتا أن خارطة الطريق هذه لم تتوافق مع أهواء بعض "المقربين" من الحكم. لا أعرف إن كان هناك في القصر من يرصد ردود الفعل، ولكن ما هي إلا ساعات على انتهاء اللقاء، وحتى قبل اللقاء بعدما تسربت صور الإعلاميين الضيوف في دمشق، حتى بدأ البعض بشن حملات على بعض الشخصيات، وسائل إعلام شاركت في نفي ما أكده جميع الحاضرين، في المقابل اكتفى الإعلام الرسمي بنشر ما يتعلق فقط بالملف اللبناني والعراقي من كلام الرئيس على التلفزيون الرسمي.

هل سيكون كلام الشرع من نيويورك وخارطة الطريق التي أعلنها خلال لقاء الوفد استراتيجية كل من في الحكم وكل من يدور بفلك الحكم، أم ستبقى بعض الأطراف تغرد خارج سرب الدولة من داخل الدولة؟

حملة "الإخوان" لم تتوقف على ما قاله عن تجربته، بل تعدت ذلك إلى موضوع المفاوضات الأمنية مع إسرائيل، الشرع كان واضحا بأن المفاوضات هي حول العودة لاتفاق فك الاشتباك لعام 1974 أو اتفاق شبيه، وأنه سيعلن أمام السوريين في حال بدأت مفاوضات السلام، مشددا على التمسك بالجولان.

سيذهب الرئيس السوري بعد أيام إلى نيويورك، وسيلقي كلمة خلال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ليكون أول رئيس سوري يشارك في الاجتماعات رفيعة المستوى ويلقي كلمة هناك منذ عام 1967.

يترقب العالم والسوريون ماذا سيقول، ولكن يبقى السؤال هل سيكون كلام الشرع من نيويورك وخارطة الطريق التي أعلنها خلال لقاء الوفد استراتيجية كل من في الحكم وكل من يدور بفلك الحكم، أم ستبقى بعض الأطراف تغرد خارج سرب الدولة من داخل الدولة؟

font change