قد يكون حدثا عاديا لو لم يكن سورياً، رئيس البلاد على منبر الأمم المتحدة مخاطبا العالم وقادته حدث متاح كل عام في الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة، لكن أن يخطب الرئيس السوري من على هذا المنبر فهو حدث تاريخي، وإن كان وصف "تاريخي" يستفز البعض.
الرئيس السوري لأول مرة منذ عام 1967 يخاطب العالم من نيويورك، يومها وقف الرئيس الراحل نور الدين الأتاسي على المنبر وخاطب العالم بعد هزيمة 67، اليوم وبعد 58 عاما وقف الرئيس أحمد الشرع وسوريا منتصرة، منتصرة لا على عدو خارجي بل على من اختطفها واختطف إرادة شعبها لعقود، منتصرة ولكنها منهكة.
أعلن الشرع عودة سوريا إلى المجتمع الدولي، بعدما سبق وأعلن عودتها لمحيطها العربي والأهم عودتها للسوريين، عقد عدة لقاءات مع قادة العالم ومسؤولين رفيعي المستوى، ومع الجالية السورية ومراكز أبحاث وإعلام، وفي كل مرة كان يظهر فيها أكثر وأكثر على أنه رجل واقعي، يعرف ماذا ينتظر العالم منه، وماذا ينتظر هو وسوريا من العالم.
في جلسة حوارية في معهد الشرق الأوسط في نيويورك، قال الشرع إنه "منذ أن تحررت دمشق عاد مليون شخص إلى سوريا وانخفض تصدير الكبتاغون بنسبة 90 في المئة"، مؤكدا أنه "ليس من مصلحة أحد أن تعود سوريا إلى المشهد السابق"، وأن "سوريا تريد أن تكون على مسافة واحدة من الجميع". هذه ليست أمورا تفصيلية، هذه كانت أبرز مطالب المجتمع الدولي من بشار الأسد لإعادة التطبيع معه، والسماح بعودة السوريين الذين هجّرهم، ووقف تصنيع وتصدير الكبتاغون، وأن تتوقف سوريا عن دعم الميليشيات والتدخل في شؤون دول الجوار.
أعلن الشرع عودة سوريا إلى المجتمع الدولي، بعدما سبق وأعلن عودتها لمحيطها العربي والأهم عودتها للسوريين
كلامه عن إسرائيل والاتفاق المنتظر التوصل إليه لم يخلُ أيضا من الواقعية، رغم التوغلات والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 لحظة سقوط الأسد وهروبه، يدرك الشرع أن سوريا بحاجة إلى العودة لاتفاق فك الاشتباك لعام 1974، كما يدرك أهمية أن يحظى بالدعم الأميركي للوصول إلى اتفاق مع إسرائيل كما لرفع عقوبات قيصر، فالاستقرار ورفع العقوبات شرطان لازمان لاستقرار سوريا ولبدء مشروع التنمية والنهوض الذي يكرر الحديث عنه الشرع في كل مناسبة كأولوية بالنسبة له.
ولكن ما لا يجب تجاهله أن استقرار سوريا ليس مصلحة سورية فحسب بل هو مصلحة عربية وإقليمية ودولية، كما كان للحرب على السوريين انعكاس وتأثير سلبي على دول الجوار وأبعد، كذلك سيكون للاستقرار والتنمية انعكاس إيجابي على من يلتقط اللحظة بدل الالتهاء بالمكائد السياسية والحسابات الفردية.
النتائج الأولية لزيارة الشرع إلى نيويورك لا يمكن وصفها إلا بالإيجابية، ولكن النتائج الأهم ستظهر تباعا، من ملف العقوبات والتصويت المرتقب على رفع عقوبات "قيصر"، إلى الاتفاق الأمني مع إسرائيل، مرورا باتفاق العاشر من مارس/آذار الذي وقعه الشرع مع مظلوم عبدي القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، والذي يبدو كذلك أن لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والتركي رجب طيب أردوغان قد توصل إلى اتفاق أو تفاهم بنفس الخصوص.