قدمت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يقضي بإنشاء قوة دولية للاستقرار في قطاع غزة، من دون إبلاغ إسرائيل بهذه الخطوة مسبقا، في خطوة تعكس إصرار واشنطن على المضي في تنفيذ خطتها، دون الالتفات إلى التحفظات التي يبديها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وعلى الرغم من تأكيد ترمب المتكرر على أنه الحليف الأقرب لإسرائيل، فإن علاقته بنتنياهو لم تكن يوما سهلة. فقد أثار القرار الإسرائيلي الأحادي بقصف دولة قطر في شهر سبتمبر/أيلول، في محاولة لاغتيال قيادي بارز بحركة "حماس" يقيم هناك، غضبا شديدا في البيت الأبيض.
وقد تجلى تصميم ترمب على عدم السماح لنتنياهو بإفشال جهوده لإنهاء النزاع في غزة، في مطالبته لرئيس الوزراء الإسرائيلي بتقديم اعتذار شخصي للقطريين عن الغارة الجوية، وذلك ضمن بنود خطته للسلام التي تتألف من عشرين نقطة.
ويعكس تقديم واشنطن لمشروع القرار الخاص بإنشاء قوة دولية تعمل في قطاع غزة لمدة لا تقل عن عامين، دون منح إسرائيل فرصة لمراجعته مسبقا، تصميم الرئيس الأميركي على تنفيذ خطته للسلام في القطاع، حتى في ظل التحفظات الإسرائيلية.
وينص مشروع القرار الأميركي، الذي قُدم إلى مجلس الأمن هذا الأسبوع، على أن المهمة الأساسية للقوة ستكون نزع السلاح من القطاع وتأسيس جهاز شرطة فلسطيني جديد. وستعمل القوة المؤقتة، التي ستخضع لقيادة موحدة وبالتنسيق الوثيق مع كل من إسرائيل ومصر، على تدريب عناصر أمن فلسطينيين جدد.
ويدعو المشروع أيضا إلى تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية تتولى إدارة الخدمات المدنية في القطاع إلى حين تحقيق الاستقرار المؤسسي.
ومع أن المقترح ينص على أن مدة عمل القوة في غزة ستنتهي في الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول عام 2027، إلا أن هناك إمكانية لتمديدها لفترة إضافية، في حال توصلت مصر وإسرائيل إلى اتفاق مسبق في هذا الشأن.
من القضايا الأخرى المطروحة للنقاش آلية فض النزاعات مع إسرائيل، وما إذا كان جدول الانسحاب الكامل من غزة مرتبطا بالتوصل إلى اتفاق لنزع السلاح مع حركة "حماس"
وفي بيان صادر عن الوفد الأميركي، دعا السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايكل والتز، الذي قدم المشروع إلى مجلس الأمن، كلا من الأمم المتحدة ومصر وقطر والسعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة إلى إظهار الدعم الإقليمي للقرار المتعلق بغزة أمام مجلس الأمن الدولي.
وجاء في بيان البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة أن الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس ترمب الجريئة، "سوف تقدم نتائج ملموسة في الأمم المتحدة، لا مجرد أحاديث لا تنتهي". وأضاف البيان أن الأطراف قد اغتنمت هذه الفرصة التاريخية لإنهاء عقود من سفك الدماء وتحقيق رؤية الرئيس للسلام الدائم في الشرق الأوسط.
وفي منشور له عبر منصة "إكس"، كتب والتز: "اجتماع تاريخي اليوم مع الأعضاء المنتخبين في مجلس الأمن الدولي لعرض مشروع القرار بشأن غزة. انضمت إلينا مصر وقطر والسعودية والإمارات وتركيا.. ثمة دعم قوي لمشروع القرار وخطة السلام الجريئة للرئيس ترمب".
وسرعان ما ظهرت مؤشرات على استياء إسرائيل من الخطوة الأميركية الاستباقية في الأمم المتحدة، بعد أن أكد مسؤولون إسرائيليون أنهم لم يتلقوا نسخة من مشروع القرار الأميركي قبل تقديمه. وعبّر مسؤول رفيع في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي عن استيائه في تصريح لصحيفة "جيروزاليم بوست" قال فيه إن حكومة نتنياهو، التي سبق أن أعربت عن تحفظات قوية بشأن نشر قوة استقرار في غزة، لم تُمنح فرصة لمناقشة المقترح الأميركي قبل عرضه على مجلس الأمن.
وفي الظروف الطبيعية، فإن العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تقتضي أن يتم التشاور الكامل مع الجانب الإسرائيلي بشأن أي مبادرة تمس مصالحه الأمنية بشكل مباشر. لكن إصرار ترمب على المضي قدما في خطته يشير إلى أنه لن يتأخر في تنفيذ مقترحاته للسلام في غزة، سواء حظيت بموافقة نتنياهو أم لا.
وقد بدا أن هذه الخطوة فاجأت الحكومة الإسرائيلية، إذ أكد مسؤولون أن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، برئاسة نتنياهو، لم يناقش المشروع قبل تقديمه. وقال أحد أعضاء الحكومة الإسرائيلية: "لم نتلقَ الوثيقة؛ هذا غير صحيح إطلاقا. الصحافيون لديهم معلومات أكثر منا؛ هذا غير منطقي".
وأضاف: "نظرا لحساسية هذه القضايا وخطورتها، لا يصح أن نُستبعَد من المشاركة فيها. فاعتقاد رئيس الوزراء بأنّ مشروع القرار يمكن تكييفه لخدمة مصالح إسرائيل لا يبرّر الاطمئنان أو الركون إلى أنه سينتهي بشكل تلقائي لصالحنا. نحن في لحظة مصيرية– إمّا أن نقبل أو نرفض".
ولا يعدو الخلاف الظاهر بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول هذه المسألة أن يكون واحدا من عدة تحديات تواجه جهود تشكيل قوة الاستقرار، التي تقول منظمات إنسانية إنها ضرورية لوقف إراقة الدماء في غزة. فقد نشأت بالفعل خلافات حول طبيعة تفويض القوة، بما في ذلك مسألة القيادة العسكرية الأميركية، وعلاقتها بجهاز الشرطة المدنية الفلسطيني، والجدول الزمني لانسحاب الجيش الإسرائيلي.
ومن القضايا الأخرى المطروحة للنقاش آلية فض النزاعات مع إسرائيل، وما إذا كان جدول الانسحاب الكامل من غزة مرتبطا بالتوصل إلى اتفاق لنزع السلاح مع حركة "حماس".
وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال اجتماع عقد في إسطنبول هذا الأسبوع للدول الإسلامية التي قد تكون مستعدة للمساهمة بقوات، أن تركيا مستعدة لإرسال وحدة عسكرية، وهو ما رفضته إسرائيل بسبب دعم أنقرة لـ"حماس".
وحضر الاجتماع وزراء خارجية إندونيسيا وباكستان والسعودية والأردن، إلى جانب ممثلين عن الإمارات وقطر، فيما غابت مصر، التي تُعد من أبرز المرشحين لقيادة القوة.
وقال فيدان: "ستتخذ الدول قراراتها بناء على مهمة وسلطة قوة الاستقرار الدولية. وأعتقد أنه إذا تعارضت المهمة مع مبادئ وسياسات الدول التي سترسل قوات، فسيكون من الصعب عليها المشاركة".
ولا ريب في أن تعقيدات تشكيل قوة استقرار لغزة لا يمكن الاستهانة بها. لكن رغم كل الصعوبات التي ظهرت حتى الآن، يبدو أن الرئيس ترمب عازم على إنجاح خطته للسلام في القطاع.