مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل كل أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.

الكتاب: مدونة ليست شخصية – من دفاتر الزمن الفلسطيني – السوري

الكاتب: ماجد كيالي

الناشر: دار كنعان للدراسات والنشر- سوريا

في كتابه "مدونة ليست شخصية – من دفاتر الزمن الفلسطيني – السوري" يقدم الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي سيرة يمكن وصفها بالتأملية ممتدة على 247 صفحة موزعة على خمسة أبواب، تشكل لوحة بانورامية لتجربة جيل كامل عاش تراجيديا النكبات الفلسطينية والعربية، وتقاطعاتها مع المسارات الفردية والسياسية والفكرية.

يروي كيالي في سيرته هذه، بدايات تشكل وعيه الوطني والسياسي، من تجربة اللجوء والنشوء في بيئة فلسطينية – سورية، مرورا بانخراطه في صفوف حركة "فتح" في الأردن، وصولا إلى مرحلة النشاط السياسي في الثانوية، ثم تبلور موقف نقدي من داخل الحركة نفسها، قبل أن تصدمه تجربة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. يؤرخ لرحلة وعي ونقد في آن واحد، بين الالتزام والانكسار، وبين الحلم الثوري وصدمات الواقع التي يبدو أنها لن تنتهي.

يستعيد الكاتب ذاكرة المكان والهوية، متخذا من مدينة اللد رمزا لجرح مفتوح في الذاكرة الفلسطينية، بين مدينة الولادة الضائعة وحنين العودة المستحيلة. بعد ذلك يتحول السرد إلى تأمل ثقافي عميق، يرثي فيه كيالي الكتابة نفسها في زمن الخسارات، ويستعيد علاقته بالكتب بوصفها وطنا بديلا وذاكرة مقاومة، لا تقل أهمية عن البندقية أو المخيم.

يكتب كيالي بوعي المنفي الذي لا يستقر إلا في الكلمة، ويسجل سيرة إنسانية متوترة بين الانتماء والاغتراب. تتقاطع في ذاكرته بلا توقف مشاهد المنفى مع مشاهد التنقل المستمر بحثا عن معنى الوطن والذات. ويختتم بصفحات مؤثرة يكرسها لوجوه وأسماء من رفاق دربه ومسيرة النضال والفكر، من ماجد أبو شرار إلى سلامة كيلة وميشال كيلو وفيصل الحوراني، وغيرهم ممن تركوا بصمتهم في التجربة الفلسطينية – السورية الحديثة.

كتاب تأملي يزاوج بين الاعتراف والذاكرة والنقد، خلاصة لعقود من الكتابة والنضال، ومن "الزمن الفلسطيني – السوري" الذي شكل الكاتب وأعاده إلى ذاته عبر الكتابة

في تصدير الكتاب، يتأمل كيالي معنى بلوغه السبعين، مستعرضا إرثه الفكري المكون من أحد عشر كتابا وعشرات الدراسات والمقالات في الصحف العربية، مؤكدا أن هذه "المدونة" ليست سيرة ذاتية بالمعنى التقليدي، بل محاولة لكتابة "سيرة سياسية – إنسانية" تتقاطع فيها التجربة الفردية مع الجماعية، وتكشف تراجيديا جيل عربي حلم بالحرية والعدالة، لكنه وجد نفسه أمام خسارات متتالية.

غلاف كتاب "مدونة ليست شخصية – من دفاتر الزمن الفلسطيني – السوري"

كتاب تأملي يزاوج بين الاعتراف والذاكرة والنقد، خلاصة لعقود من الكتابة والنضال، ومن "الزمن الفلسطيني – السوري" الذي شكل الكاتب وأعاده إلى ذاته عبر الكتابة.

الكتاب: فينومينولوجيا الحدس والعبارة – نظرية في بناء المفاهيم الفلسفية

الكاتب: مارتن هايدغر

ترجمة: الناصر عمارة

الناشر: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر – لبنان

يقترح الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر في كتابه "فينومينولوجيا الحدس والعبارة – نظرية في بناء المفاهيم الفلسفية" مقاربة فلسفية لتفكيك العلاقة بين "الحدس" و"العبارة" بوصفهما أساسين لبناء المفاهيم الفلسفية. يبدأ من فرضية أن الحدس لا يزال يحتفظ بفاعليته الفلسفية، على الرغم من أن الفلسفة المعاصرة تميل بقوة إلى التركيز على العبارة (أي اللغة والنص والخطاب). فالحدس عند هايدغر ليس مجرد شعور أو انطباع غامض، بل هو اللحظة التي يُكشف فيها المعنى، أو التي يبدأ فيها المفهوم الفلسفي بالوجود، قبل أن يتحول إلى عبارة.

يربط هايدغر بين الحدس والعبارة من خلال فكرته في أن المفهوم الفلسفي لا ينوجد بالكلام والتحليل فحسب، بل مما يسميه "تجربة الحدس" التي تتيح للبنية الفلسفية أن تتشكل. بمعنى أن المفاهيم الفلسفية ليست مجرد كلمات أو نظريات، بل هي نتاج لعمل تأملي ينطوي على "الكشف"، وهي فكرة مركزية في فلسفته: الكشف والتجلي، لذلك فإن العبارة ليست مجرد أداة يظهر من خلالها المفهوم، بل هي المكان الذي يُبنى فيه، فالمفهوم المعبر عنه بالعبارة قابل دائما لأن يعيد إيقاظ تلك اللحظة الحدسية الأولى.

من خلال هذا المنطق، يركّز الكتاب على ما يسميه الفيلسوف "نظرية في بناء المفاهيم الفلسفية"، أي ليس بناء مفاهيم هندسية أو تحليلية بحتة، بل بناء يتجاوز مجرد التصنيف المعرفي إلى استحضار أفق وجودي وفكري: يتساءل إزاءه عن المفهوم، وكيف يعبر عن تجربة وجودية، وكيف تستدخل العبارة لتشكيل بنية فلسفية لها حضور وتأثير. في هذا السياق، يرى هايدغر أن الخطاب الفلسفي التقليدي الذي يظل محصورا في اللغة والتحليل، يتجاهل تلك اللحظة الحدسية التي تجعل للمفهوم حضورا حيا وليس مجرد دلالة.

غلاف كتاب "فينومينولوجيا الحدس والعبارة – نظرية في بناء المفاهيم الفلسفية"

يعيد الكتاب فتح إشكالية العلاقة بين الفلسفة واللغة والتجربة، في الوقت الذي ذابت فيه تلك الحدود بين النص والتحليل، وأصبح التركيز منصبا على الخطاب. يدعو هايدغر إلى إعادة التفكير في "الحدس" كمصدر أصيل للفكر الفلسفي، وبناء المفاهيم من "الانكشاف" و"التجلي" وليس من "العبارة". لذا هو كتاب شديد الفائدة لمن يتعامل مع الفلسفة المعاصرة واللغة والتأويل والوجود، لأنه يؤكد ويعيد تأكيد أن المفاهيم هي حدث فكري وليس مجرد عرض للأفكار.

كتاب شديد الفائدة لمن يتعامل مع الفلسفة المعاصرة واللغة والتأويل والوجود، لأنه يؤكد ويعيد تأكيد أن المفاهيم هي حدث فكري وليس مجرد عرض للأفكار

يمكن اعتبار هذا الكتاب بمثابة جسر بين فلسفة الوجود (الفلسفة الوجودية التي تركز على الكينونة، والوجود بمعناه الأنطولوجي) وبين فلسفة اللغة (تلك التي تركز على النص والعبارة والخطاب)، عبر قراءة فلسفية رائقة تعيد الاعتبار الى الحدس بوصفه قوة فلسفية، وتضع العبارة في مكانها المستحق في سلم المفاهيم. وذلك كله عبر قراءة موفقة للمترجم الناصر عمارة، التي سمحت للنص أن يكون في المتناول العربي بما يعنيه ذلك من إيجاد فرصة للتأمل النقدي والمساهمة في النقاش الفلسفي المعاصر.

الكتاب: جبران خليل جبران – عشرون رسما

تعليق: أليس رافائيل

ترجمة وتحقيق: زاهي رستم

الناشر: دار الخياط  للنشر – الولايات المتحدة الأميركية

في هذا الكتاب "جبران خليل جبران – عشرون رسما" الذي ترجمه وحققه زاهي رستم، وعلقت على محتوياته أليس رافائيل، يكتشف القارئ العربي جانبا فنيا نادرا في تجربة جبران خليل جبران، بعيدا عما يعرفه عنه القارئ العربي والقارئ في العالم على حد سواء من إنجازات شهيرة ومؤثرة في الأدب والشعر. يعتبر هذا الكتاب محاولة لإبراز جبران خليل جبران كفنان تشكيلي يعبر عن رؤيته للعالم من خلال الرسم، إلى جانب الكتابة.

يضم الكتاب 90 صفحة، ويقسم ثلاثة أقسام رئيسة. كتب المترجم مقدمة استعرض فيها رحلة الكاتب اللبناني من لبنان إلى المهجر الأميركي، وأوضح فيها تأثير الثقافتين الشرقية والغربية على تجربته، وهو ما انعكس في أسلوبه الفني والفكري. وأشار إلى محاولات جبران دمج النص والرسم في مشروع فني واحد، يعكس فلسفته الإنسانية والصوفية وتأملاته العميقة في الوجود والبعد الروحي عند الإنسان.

غلاف كتاب "جبران خليل جبران – عشرون رسما"

تضمن القسم الثاني نصا نقديا للباحثة أليس رافاييل، تناولت فيه الجانب التشكيلي في أعمال جبران، مع تحليل للموضوعات الرمزية التي تكررت في رسوماته باضطراد، وهي الإنسان والطبيعة ورسومات تنطوي على إبراز الجانب الروحاني. يوضح النص كيف يمكن قراءة هذه اللوحات بوصفها امتدادا للخطاب الأدبي والشعري لجبران، مما يتيح للقارئ العربي تجربة فنية وفكرية متكاملة، تجمع بين النص البصري والنص المكتوب.

إطار منهجي يهيئ للباحث الطريق لكي يدخل فضاء الرحلة بنظرة تحليلية منظمة، ويهيئ القارئ قراءة هذا النوع من النصوص بوضوح

أما القسم الثالث، فهو عرض للرسومات العشرين التي هي موضوع الكتاب، مع الإشارة إلى عناوينها وتفاصيلها البصرية، وتشمل أعمالا رمزية وتجريدية تُظهر المخزون الثري الإبداعي والفكري لجبران. هذه اللوحات يمكن أن تجعل من الكتاب ألبوما بصريا متكاملا بالإضافة إلى النص النقدي والتعليقات المرافقة، مما يتيح للمتلقي فرصة مباشرة لمشاهدة أعمال جبران التشكيلية وتحليلها بعيدا من الهالة الأدبية التي غالبا ما حجبت مشروعه التشكيلي البصري.

هذا الكتاب صدر للمرة الاولى عام 1916 وكان الأول من نوعه الذي عرّف القارئ الأميركي بجبران خليل جبران كرسام قبل أن يُعرف كشاعر وأديب ومفكر في أنحاء العالم.

الكتاب: معجم مصطلحات الرحلة

 الكاتب: د. فاضل عبود التميمي

الناشر: دار أهوار للنشر والتوزيع – العراق

هذا الكتاب المعنون "معجم مصطلحات الرحلة" للدكتور فاضل عبود التميمي هو مرجع معجمي متخصص في مصطلحات أدب الرحلة، وعليه فإنه خطوة نوعية في الدراسات الأدبية العربية التي تهتم بهذا الحقل. يضم العديد من الأسماء والمفاهيم، وتوضيح اللغة النقدية المرتبطة بالرحلة بوصفها مجالا معرفيا أليفا يستدعي وضوح المصطلح ودقة البيان، لأن مصطلح الرحلة هنا ليس مجرد لفظ يُستخدم يوميا وكثيرا بشكل عابر، بل هو الباب الرئيس الذي يمكن القارئ من فهم بنية النص الذي يصف الرحلة، ومقاصده وتجلياته. يقدم المؤلف مصطلح "الرحلة" في طليعة المفردات ويعرّفه بوصفه نوعا أدبيا مستقلا، ثم ينظر له من زواياه المختلفة كالسرد والمكان والذات والآخر، ويتفرع عنه مصطلحات أخرى مثل "الرحّال"، و"بناء الرحلة"، و"خطاب الرحلة"، و"أشكال الرحلة". بذلك ينشئ شبكة مفاهيمية تربط بين هذه المصطلحات ربطا يقيها من التفكك، مما يساعد في تبويب المعرفة وتأطيرها في سياق واحد. يفترض الباحث د. التميمي أن على القارئ عند قراءته نص الرحلة ألا يكتفي بقراءته بحسب الحدث أو خط السفر فحسب، بل عليه أن يدرك اللغة التي يستخدمها النص، ويتساءل لماذا اختير هذا المصطلح؟ ما وظيفته؟ كيف يتداخل مع مصطلحات أخرى؟ وهكذا.

غلاف كتاب "معجم مصطلحات الرحلة"

عبر هذا المعجم، يصبح التعامل مع أدب الرحلة أكثر تنظيما، فتتضح العلاقة بين الذات والمكان والزمن، وتتضح أدوات السرد والوصف والملاحظة التي تختص بهذا النوع.

عبر هذا المعجم، يصبح التعامل مع أدب الرحلة أكثر تنظيما، فتتضح العلاقة بين الذات والمكان والزمن، وتتضح أدوات السرد والوصف والملاحظة التي تختص بهذا النوع

الكتاب يسد فراغا ظاهرا في المكتبة النقدية العربية في رصد مصطلحات أدب الرحلة وضبطها، ويوفر مادة غنية للطلبة كما للنقاد والكتاب، فالحاجة إلى تأطير المصطلح بات أمرا ملحا في ظل كثافة أدب الرحلة ونصوصها وما تخفيه من طبقات اجتماعية ونفسية وثقافية. يقر الكاتب بأنه لم يغطِّ كل مصطلحات الرحلة، فهو في بداية في هذا المضمار، لأن معجم الرحلة يظل بحاجة إلى تحديث أو توسيع مستقبلي. بهذا، فإن "معجم مصطلحات الرحلة" ليس مجرد قائمة كلمات، بل إطار منهجي يهيئ للباحث الطريق لكي يدخل فضاء الرحلة بنظرة تحليلية منظمة، ويهيئ القارئ لقراءة هذا النوع من النصوص بوضوح ووعي أكثر معرفة.

الكتاب: تاريخ القمع والرقابة على المسرح في اليمن

الكاتب: محمد الكرامي

الناشر: مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر - مصر

يتناول الكاتب اليمني محمد الكرامي بكتابه المعنون "تاريخ القمع والرقابة على المسرح في اليمن" كما هو واضح من عنوانه، موضوع قمع المسرح اليمني ورقابته عبر التاريخ الحديث والمعاصر، من خلال تسليطه الضوء على العلاقة المعقدة بين السلطة والفن المسرحي، وكيف أثرت الظروف السياسية والاجتماعية في تطور المسرح اليمني.

 يبدأ الكتاب بسرد تاريخي للمسرح في اليمن، منذ بداياته في أوائل القرن العشرين، مرورا بمحاولات تأسيس فرق مسرحية محلية، وصولا إلى انتشار عروض مسرحية بأبعاد اجتماعية وسياسية ونقدية.

يركز على كيفية تدخل السلطات المختلفة في المشهد المسرحي، إن عبر الرقابة المباشرة على النصوص والعروض، وإن عبر الضغط على المبدعين والمسرحيين. يتوصل عبر بحثه إلى أن الرقابة لم تقتصر على فترة نظام معين، بل شهدت تقلبات مع التغيرات السياسية، منذ زمن المحافظين، سواء في الجنوب أو الشمال سابقا، مرورا بسلطة الحوثي الخانقة، وكان للرقابة دائما دور بارز في فرض قيود على التعبير الفني.

يتناول الكتاب التأثيرات الثقافية والاجتماعية للرقابة، حيث لم يكن القمع المسرحي مجرد مسألة رقابة على النصوص، بل أثر في تكوين الجمهور ووعي المجتمع تجاه الفن

يستعرض الكتاب أمثلة واقعية لعروض مسرحية تم منعها، أو تعديل محتواها، بسبب حساسية الموضوعات التي تناولتها، سواء النقد الاجتماعي والسياسي، أو المواضيع المتعلقة بالحرية وحقوق الإنسان. كما يبين تأثير الرقابة على الإبداع المسرحي نفسه، حيث أدى الخوف من القمع إلى تراجع إنتاج المسرح النقدي وارتفاع نسبة العروض الترفيهية أو المحايدة، مما أضعف دور المسرح كمنصة للتغيير الاجتماعي والنقد السياسي.

غلاف كتاب "تاريخ القمع والرقابة على المسرح في اليمن"

يتناول الكتاب التأثيرات الثقافية والاجتماعية للرقابة، حيث لم يكن القمع المسرحي مجرد مسألة رقابة على النصوص، بل أثر في تكوين الجمهور ووعي المجتمع تجاه الفن والممارسة المسرحية. كما يناقش دور المؤلفين والمخرجين في مواجهة هذه القيود، والطرق التي ابتكروا بها وسائل للتعبير عن رؤاهم بشكل غير مباشر، سواء عبر الرمزية أو استخدام أساليب سردية مبتكرة لتجنب الرقابة المباشرة.

يؤكد الكاتب ضرورة دعم الحرية الفنية وتشجيع المسرحيين على التعبير عن قضاياهم بحرية، فالمسرح ليس مجرد ترفيه، بل أداة للتغيير الاجتماعي والتنوير الثقافي.

font change