مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل كل أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي

الكتاب: الموارنة والشيعة في لبنان - التلاقي والتصادم

الكاتب: أنطوان سلامة

الناشر: دار نوفل – هاشيت أنطون - لبنان

يخوض الكاتب اللبناني أنطوان سلامة في كتابه "الموارنة والشيعة في لبنان - التلاقي والتصادم" في واحد من أكثر الملفات حساسية وإشكالية في التاريخ اللبناني الحديث، وهو العلاقة المعقدة بين الطائفتين المارونية والشيعية، التي قال إنه "صُدم" بما انطوت عليه تلك العلاقة من تصادم وتقاطع وتقارب وتباعد، بما أفضى إليه ذلك من انعكاسات سياسية واجتماعية وثقافية امتدت على مدى قرون.

الكتاب الضخم هذا هو نتيجة بحث تاريخي واجتماعي فكك الكاتب من خلاله العلاقة بين "جيلين في اتجاهين" كما أطلق عليهما في الفصل الأول، وذلك في إشارة إلى الطائفتين اللتين كانتا ركيزتين أساسيتين في تكوين الكيان اللبناني، حيث انطلقت كلتاهما من تجربة مختلفة في مقاومة السلطة المركزية من جانب، وفي بناء الكيانية اللبنانية من جانب آخر.

ينطلق سلامة من قراءة تاريخية تمتد من العصور الوسطى حتى الزمن الراهن، أي إنه يغطي خمسة قرون، ويستعرض كيف تشكلت العصبيتان المارونية والشيعية جغرافياً وسياسياً وديموغرافياً ودينياً، وكيف واجهت كلتا الطائفتين تلك الظروف، وكيف حافظتا على تماسكهما الداخلي عبر سرديات تاريخية خاصة، ومرجعيات دينية، ووجهات نظر متقابلة حول الدولة والسلطة والعلاقة مع الخارج، ما جعل اللقاء بينهما في لحظات تاريخية مختلفة من التاريخ محفوفا دائما بالخطر وبالهواجس والمصالح المتعارضة. لكن ذلك لا يعني أنه قدم سردا قائما على الصدام بشكل دائم، بل إنه توقف في محطات عديدة عند مساحات التلاقي بينهما، خصوصا في مراحل قيام الكيان اللبناني وتكوينه الدستوري في بدايات القرن العشرين، وكذلك خلال فترات التعاون السياسي- وإن كانت محدودة- التي حاول فيها الطرفان إيجاد أرضية مشتركة في مواجهة التدخلات الإقليمية.

الكتاب ليس محاولة لطرح حلول للأزمة الطائفية اللبنانية، بل لفهم جذورها التاريخية والنفسية والاجتماعية

يصف سلامة كتابه بأنه محاولة ليس لطرح حلول للأزمة الطائفية اللبنانية، بل لفهم جذورها التاريخية والنفسية والاجتماعية. وهو بذلك يضع كتابه في خانة الأعمال التحليلية التي تحاول تفكيك البنية العميقة للمجتمع اللبناني، لفهمها واستخلاص العبر منها.

لا يوجد في تفاصيل الكتاب أي طرح يُشتمّ منه دعوة إلى المواجهة، بل إلى التفهم والعيش المشترك. ويحاول أن يفهم طبيعة التوازنات والتجاذبات التي شكلت الكيان اللبناني، وما زالت تشكل هويته حتى اليوم.

غلاف كتاب "الموارنة والشيعة في لبنان - التلاقي والتصادم"

الكتاب: شرقي سلمية نصب

الكاتب: ريان علوش

الناشر: نون للنشر والتوزيع – سوريا – تركيا

كتاب "شرقي سلمية نصب" للكاتب السوري ريان علوش هو مجموعة قصصية تضم عددا من القصص القصيرة التي تعالج، بأسلوب رمزي، وساخر أحيانا، قضايا الإنسان السوري في ظل الحرب والهجرة والذاكرة والهوية.

العنوان مستمد من أغنية فلكلورية مرتبطة بمدينة سلمية (شرقي حماه، وسط سوريا).

يضم الكتاب قصصا متنوعة في مواضيعها وشخوصها، إلا أنها جميعا تتشارك هاجس الاغتراب، والتحولات التي تصيب الإنسان تحت ضغط القهر والعنف والذاكرة. يكتب علوش بلغة سردية مشحونة بالقلق، يغلب عليها السرد الرمزي والواقعي في آن معا،  فتغدو قصصه معبرة عن جيل، أو ربما عن أجيال فقدت استقامتها النفسية والاجتماعية في واقع مثقل بالهزائم.

من خلال القصص الواردة في الكتاب مثل: "حمولاتنا الثقيلة"، و"أمارجي"، و"كلاب الراعي الغريبة"، و"شرقي سلمية نصب"، و"أبو عمر اللبناني" وغيرها... يقدم الكاتب مشاهد متعددة من الواقع الاجتماعي والسياسي في سوريا، مستخدما لغة كشفت عن تصدع الإنسان أمام القهر والحنين والانكسار.

يفتتح علوش المجموعة بقصة "حمولاتنا الثقيلة" التي تمثل مدخلا رمزيا لفهم عالم الكتاب. حيث يعاني بطلها من "انحناءة في ظهره"، يفسرها الطبيب النفسي بأنها ليست عضوية بل ناتجة عن ثقل إرثه الذي يحمله. فيقرر أن يتخلص من "أحماله" المتمثلة في أفكاره القديمة ومعتقداته وأيديولوجياته، بإلقائها في النهر. غير أنه يسقط معها إلى القاع لشدة ارتباطه بها ولكونها صارت تشكل جزءا منه وكأنها عضو من أعضائه. هنا تتجلى رمزية الانحناءة كاستعارة عن انكسار الإنسان السوري تحت ثقل الموروثات السياسية والفكرية، فيفشل في التحرر منها دون أن يغرق معها. يتبدى هنا ربما مأزق المثقف السوري في مواجهة ذاته وتاريخه.

غلاف كتاب "شرقي سلمية نصب"

في قصة "كلاب الراعي الغريبة" ينتقل الكاتب إلى فضاء رمزي آخر: صراع بين كلب جميل يدعى "فرناندو" وقطة تدعى "ماتيلدا"، في مزرعة يمكن أن تمثل الوطن. الصداقة التي تنشأ بين الحيوانين تتحول إلى صراع على النفوذ، لا علاقة للكلب ولا للقطة به أول الأمر، بل ينشئه الراوي ضمن خطة "فرق تسد". هنا يقدم الكاتب محاكاة للصراع السياسي والاجتماعي داخل المجتمعات المنقسمة، حيث تُستخدم الخدعة والتحريض لإشعال الفتنة بين الناس. تنتهي القصة بانتصار مؤقت للنظام داخل المزرعة على "الكلاب الغريبة"، لكنها تترك القارئ أمام سؤال الانتماء، والحرية التي تتحول إلى فوضى حين تنفصل عن الوعي والمسؤولية.

يقدم الكاتب مشاهد متعددة من الواقع الاجتماعي والسياسي في سوريا، مستخدما لغة كشفت عن تصدع الإنسان أمام القهر والحنين والانكسار

قصص توثق رحلة الانكسار في وجه العنف والعبث. شخوص القصص يعيشون بين الرغبة في الخلاص والعجز عن الفكاك من ثقل التاريخ والجغرافيا، فيتحول النص إلى شهادة فنية على واقع تتلاقى فيه الفجيعة مع السخرية السوداء.

الكتاب: نحو كتابة تاريخ جديد للتابع – آليات نقد الخطاب الاستعماري عند الناقدة غياتري سبيفاك

الكاتب: د. ياسين كريم

الناشر: دار ومكتبة أهوار – العراق

ينتمي كتاب "نحو كتابة تاريخ جديد للتابع – آليات نقد الخطاب الاستعماري عند الناقدة غياتري سبيفاك" للدكتور ياسين كريم إلى حقل الدراسات ما بعد الكولونيالية، ويركز على تفكيك وجهة نظر الناقدة الهندية غياتري سبيفاك التي عبرت عنها بنصها الشهير "هل يستطيع التابع أن يتكلم؟". وقد اعتبر بعضهم أنها تشكل مع إدوارد سعيد وهومي بابا "ثالوث النظرية ما بعد الكولونيالية".

يقدم الكتاب قراءة لأعمال الناقدة، ويتوقف عند طريقتها النقدية التي تهدف إلى الكشف عن الآليات التي يفرض بها الخطاب الاستعماري سلطته على الشعوب المستعمَرة. يجمع المؤلف بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي لمفاهيم سبيفاك، مثل مفهوم "الآخر" و"المهمش" وكيفية إعادة صياغة التاريخ، أو صياغته من جديد من منظور التابع.

ثمة محاور عديدة عالجها الكتاب، فقد حلل الآليات التي يستخدمها الخطاب الاستعماري لإنتاج المعرفة وإخفاء أصوات التابعين. وأوضح الدكتور ياسين كريم كيف يمكن إعادة قراءة النصوص التاريخية والثقافية التي أنتجها المستعمر، لكشف الطبقات الخفية من السلطة وانحيازاتها. كما أكد على ضرورة تطوير منهج نقدي يمكن الباحثين من استعادة أصوات المهمشين وإعادة صياغة سردياتهم التاريخية بشكل عادل وموضوعي.

بدا واضحا أسلوب الكاتب المنظم، فلقد قسم كل فصل من فصول الكتاب إلى محاور تحليلية، مدعومة بأمثلة مستمدة من نصوص سبيفاك نفسها من جانب، ومن مصادر تاريخية وثقافية متنوعة من جانب آخر. وربط بين النظرية والتطبيق، الأمر الذي جعل من الكتاب منهجا لفهم الخطاب الاستعماري وإعادة بناء التاريخ من منظور التابع.

غلاف كتاب "نحو كتابة تاريخ جديد للتابع – آليات نقد الخطاب الاستعماري عند الناقدة غياتري سبيفاك"

استند الكتاب على تحليل النصوص الأولى التي أسهمت في فضح خطاب الاستعمار على كافة المستويات، وأسهمت لاحقا في تشكيل الخطاب ما بعد الكولونيالي مثل فرانز فانون وإيمي سيزار ومن ثم إدوارد سعيد..  

استند الكتاب على تحليل النصوص الأولى التي أسهمت في فضح خطاب الاستعمار على كافة المستويات، وأسهمت لاحقا في تشكيل الخطاب ما بعد الكولونيالي

تأتي أهمية هذا الكتاب في كونه يعيد النظر في المفاهيم النقدية والفلسفية التي تناولت الاستعمار وما بعده، وفي محاولة قراءة جديدة لموقع "التابع" ضمن هذا التاريخ المعقد. وهو نوع من الدعوة لكتابة تاريخ فلسفي جديد من أجل إنصاف الذات المستعمَرة والمهمشة ضمن الحقول المعرفية الحديثة.

الكتاب: من أجل تفلسف عربي منفتح – مفهوم العدالة

الكاتب: د. حمو النقاري

الناشر: المؤسسة العربية للفكر والإبداع – المغرب

يقدم الكاتب المغربي الدكتور حمو النقاري في كتابه "من أجل تفلسف عربي منفتح - مفهوم العدالة" رؤية فلسفية تتجاوز التقليد الغربي في معالجة المفاهيم الفلسفية الكبرى، ويركز على خصوصيات السياق العربي واللغة العربية. من خلال هذا الكتاب يحاول الكاتب تأسيس منهج عربي نقدي يتعامل مع القضايا الأخلاقية والاجتماعية والفكرية المعاصرة بطريقة متجددة وبعقل منفتح.

يجمع الكتاب بين التحليل اللغوي والفلسفي، فلا يغلب تحليل على الآخر، فهو يدرس كيف تؤثر اللغة العربية على صياغة المفاهيم الفلسفية، وكيف يمكن، إذا ما تم التعامل مع اللغة تعاملا نقديا، أن يفتح ذلك آفاقا جديدة للتفكير الفلسفي. بهذا المعنى، فإن الكتاب يدرس نظرية العدالة من جانب، ويقدم نموذجا للتفلسف العربي المنفتح، والقادر على الحوار مع الثقافات والفلسفات الأخرى دون أن يفقد هويته أو خصوصيته.

غلاف كتاب "من أجل تفلسف عربي منفتح – مفهوم العدالة"

يقارن الكاتب بين الفكر العربي والغربي، معتبرا أن الاستعانة بالفلسفة الغربية يجب أن تكون بعيدة عن التقليد الأعمى، وأن تكون مساعدا على التحرر النقدي. وانطلاقا من هذه النقطة يشكل الكتاب برزخا بين الأصالة والانفتاح، بين الالتزام بالتراث العربي والفهم النقدي للحداثة.

مفهوم العدالة، وفق الدكتور النقاري، ليس فكرة مجردة، بل قيمة فلسفية واجتماعية تتحرك في فضاء اللغة والتاريخ والثقافة العربية. فهو يرى أن العدالة في السياق العربي تحتاج إلى إعادة تفسير تتجاوز التفسيرات المستوردة من الفلسفات الغربية، لتأخذ بعين الاعتبار الخصائص التداولية واللغوية للعالم العربي. هذا التوجه يعكس من جانب اهتمامه العميق بالخصوصية العربية، ومن جانب آخر انفتاحه على الفكر العالمي نقدا ومقارنة، وليس تقليدا كما يحصل عادة في دراسات المقارنة من هذا النوع.

جزء من مشروع الدكتور حمو النقاري في تجديد الفلسفة العربية، عبر بناء فكر فلسفي عربي مستقل، قادر على التعامل مع تحديات العصر

يقدم الكتاب رؤية متجددة تعيد الاعتبار للمفاهيم الحاضرة والأساسية في الفكر العربي، وتفتح المجال لحوار مثمر بين التراث العربي من جانب، والفكر العالمي من جانب آخر. كما يشكل جزءا من مشروع الدكتور حمو النقاري في تجديد الفلسفة العربية، عبر بناء فكر فلسفي عربي مستقل، قادر على التعامل مع تحديات العصر بأسلوب نقدي.

الكتاب: نهاية الكتاب - ما لا ينفك يموت

الكاتب: شارل نودييه

ترجمة: محمد آيت حنا

الناشر: منشورات نادي الكتاب – السعودية

"أعند كائن في التاريخ الثقافي". المقصود بالكائن العنيد هذا هو الكتاب، إذ بهذه العبارة اللافتة، وصفه الكاتب الفرنسي شارل نودييه، وذلك في كتابه "نهاية الكتاب - ما لا ينفك يموت" الذي ترجمه محمد آيت حنا. وذلك باعتبار أن ثمة نبوءات منذ ظهور الإذاعة والتلفزيون بموت الكتاب، على أن الجديد الذي يظهر سيحل محله، لكن منذ ذلك الوقت "ضحك الكتاب على من تنبؤوا بموته"، ولم يزل يعاند على الرغم من كل تلك التطورات التي حدثت وآذنت باقتراب نهايته.

غلاف كتاب "نهاية الكتاب - ما لا ينفك يموت"

برؤية استشرافية تعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر، يتأمل نودييه مستقبل الثقافة المكتوبة في زمن كانت فيه الطباعة والقراءة تشهدان تحولات جذرية بفعل انتشار الصحافة وتسارع وتيرة النشر. كتاب نودييه يمزج بين التأمل الفلسفي والنقد الأدبي، يستكشف فيه مصير الكتاب في مواجهة الأشكال الجديدة من التواصل والمعرفة. ينطلق من ملاحظات دقيقة لواقعه الثقافي، حيث تتراجع القراءة أمام إغراء السرعة والاستهلاك، وحيث يتهدد الكتاب الورقي بمصيره المحتوم، إلا أن عبارة "ما لا ينفك يموت" توحي بأنه لن يختفي، فإذا ما انهزم شكل يعود شكل آخر، أو مضمون آخر ليولد من جديد في كل عصر.

"نهاية الكتاب" لا تعني موته النهائي، بل تحوله المستمر في طريقة وجوده بين أيدي البشر

تتميز مقاربة نودييه بنوع من الحنين والوعي النقدي. فهو يأسف لانحسار المكانة الرمزية للكتاب، لكنه في الوقت نفسه يدرك قدرته على التكيف، فهو يؤمن بأن الثقافة المكتوبة لا تزول بل تتغير. لذلك فإن "نهاية الكتاب" لا تعني موته النهائي، بل تحوله المستمر في طريقة وجوده بين أيدي البشر.

ما يعطي الكتاب أهمية هو راهنيته، حيث نحن في واقعنا الراهن نعيش ثورة رقمية غير مسبوقة مع الإنترنت والكتب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي. لذلك فإن ما كتبه الكاتب الفرنسي في القرن التاسع عشر يبدو اليوم أشبه بمرآة لعصرنا؛ فنحن لم نزل نطرح ونعيد طرح الأسئلة ذاتها حول معنى القراءة، وموقع المؤلف، ودور القارئ في حفظ الذاكرة الثقافية.

"نهاية الكتاب" ليست إلا بداية شكل آخر من الوجود، وهي دليل على أن ما يموت في الثقافة الحية لا يزول، إنما يتحول ليواصل الحياة في صور جديدة.

font change