هل عادت الحياة الى جهود ترمب لإنهاء حرب أوكرانيا؟

تغيّرات ملموسة بدأت تظهر في طبيعة التفاعلات بين واشنطن وموسكو، بعد الكشف عن أن الجانبين وضعا إطارا مبدئيا لمقترح سلام

هل عادت الحياة الى جهود ترمب لإنهاء حرب أوكرانيا؟

استمع إلى المقال دقيقة

في الوقت الذي بدا فيه أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد فقد اهتمامه بالصراع في أوكرانيا، برز مقترح سلام جديد قد يحمل فرصة حقيقية لإنهاء الأعمال العدائية.

فقد تراجعت حماسة ترمب لحل النزاع الأوكراني بعد إخفاق مبادرته الرامية إلى إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقبول عرض أميركي لوقف إطلاق النار. وكان ترمب قد عقد لقاء مع بوتين في قمة نُظّمت على عجل في ألاسكا في أغسطس/آب، كما أجرى سلسلة من المحادثات الهاتفية المطوّلة معه، غير أنه خلص إلى قناعة مؤداها أن بوتين، رغم مزاعمه المعاكسة، لا يزال أكثر اهتماما بمواصلة العمليات العسكرية في أوكرانيا من إنهاء القتال.

وأدى ذلك إلى اتخاذ ترمب قرارا بإلغاء قمة أخرى كانت مقررة في بودابست، بعدما تأكد البيت الأبيض من أن موسكو لا تبدي أي نية لتقديم تنازلات جوهرية. وفي تصريح أدلى به من المكتب البيضاوي عقب إلغاء القمة، قال ترمب: "لا أريد اجتماعا عبثيا، ولا أريد أن أضيّع وقتي بلا جدوى، لذا سأنتظر ما ستؤول إليه الأمور".

العائق الرئيس الذي حال دون عقد قمة بودابست كان الموقف الروسي المتشدد حيال مطالبه المرتبطة بأوكرانيا. وجاءت مكالمة متوترة بين وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف لتؤكد هذا الانسداد في الأفق الدبلوماسي، خصوصا بعد أن سلّمت وزارة الخارجية الروسية مذكرة إلى واشنطن، عرض فيها بوتين ما أسماه "الأسباب الجذرية" التي دفعته إلى غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وطالبت موسكو في تلك الوثيقة بتنازلات إقليمية، وتقليص حاد لقدرات الجيش الأوكراني، وضمانات بعدم انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي.

رؤية ترمب، التي كانت تركز على تثبيت خطوط التماس الحالية كأساس لوقف إطلاق النار، اصطدمت بالموقف الروسي، ما دفعه لإلغاء قمة بودابست بعد أن أبلغه روبيو بأن موسكو لا تعتزم الانخراط في مفاوضات جادة.

أثار قرار ترمب بإلغاء قمة بودابست تكهنات بأنه فقد اهتمامه بمحاولة حل النزاع، وفضّل تركيز جهوده على الشرق الأوسط، حيث لعب دورا محوريا في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة.

ومع ذلك، فإن التحركات الدبلوماسية خلف الكواليس أوحت بأن المساعي الأميركية ما زالت مستمرة، لا سيما بعد أن فرض ترمب عقوبات مشددة على الدول التي تواصل استيراد النفط والغاز من روسيا في خرق للعقوبات القائمة المفروضة على موسكو.

الضغوط الاقتصادية المتفاقمة التي يرزح تحتها الاقتصاد الروسي، إلى جانب مؤشرات على احتمال تقليص الصين والهند، أبرز شركاء موسكو التجاريين، وارداتهما من الطاقة الروسية، شكّلت عوامل إضافية ضغطت على بوتين للدخول في مفاوضات.

بدأت ملامح الزخم تظهر حول مبادرة ترمب الجديدة بعد تقارير أفادت بوصول مسؤولين رفيعي المستوى من البنتاغون إلى أوكرانيا، من أجل مناقشة الجهود الرامية إلى وضع حد للنزاع

وترددت أنباء بأن هذا التحول دفع إلى تقليص دور لافروف، المعروف بتشدده، في إدارة المحادثات، خصوصا بعد تغيّبه المتعمّد عن اجتماع مهم لمجلس الأمن القومي الروسي، وفقا لتقارير إعلامية محلية، وسط تسريبات تفيد بأن بوتين حمّله مسؤولية فشل قمة بودابست.
وبغض النظر عن حقيقة موقف لافروف، فإن تغيّرات ملموسة بدأت تظهر في طبيعة التفاعلات بين واشنطن وموسكو، بعد الكشف عن أن الجانبين وضعا إطارا مبدئيا لمقترح سلام. وعلى الرغم من أن أيا من الطرفين لم يعلن رسميا عن وجود هذا المقترح، فإن مسودة وثيقة مؤلفة من 28 بندا بدأت تتداول إثر اجتماعات عقدها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف مع المسؤول الروسي كيريل ديمترييف.
وتقضي أبرز البنود بأن تؤجر أوكرانيا، في خطوة مثيرة للجدل، جزءا من أراضيها لروسيا، بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار، وهو ما قد يثير غضبا واسعا في كييف في ظل المعاناة الكبيرة التي عاشها الأوكرانيون منذ بدء الغزو.
وأشار مسؤولون أميركيون، في إحاطات غير رسمية، إلى أن الخطة تشمل تخلي أوكرانيا عن السيطرة الفعلية على منطقة دونباس الشرقية، مع احتفاظها بالملكية القانونية لها، في حين تدفع روسيا رسوم إيجار لم يُفصح عنها مقابل هذا الترتيب.
كما تنص المقترحات على خفض عديد القوات الأوكرانية إلى النصف، ومنعها من امتلاك صواريخ بعيدة المدى.
وتشمل الخطة أيضا حظر انتشار القوات الأجنبية على الأراضي الأوكرانية، وإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية، ومنع هبوط الطائرات الدبلوماسية الأجنبية، إلى جانب منح اللغة الروسية صفة رسمية في المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية، والاعتراف بوضع خاص للكنيسة الأرثوذكسية الروسية في المناطق التي تخضع للسيطرة الروسية.

وسيبقى لأوكرانيا حق التفاوض بشأن ضمانات أمنية مع الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية لدعم الاستقرار في حال وقف إطلاق النار. وبينما لم يُدلِ ترمب بأي تعليق مباشر حول تفاصيل المقترحات، كتب ماركو روبيو عبر منصة "إكس" أن تحقيق سلام دائم يتطلب من الطرفين قبول تنازلات صعبة لكنها ضرورية، مؤكدا أن الإدارة الأميركية تواصل تطوير قائمة من الأفكار المحتملة لإنهاء الحرب، استنادا إلى ملاحظات الطرفين.
في المقابل، نفت روسيا علمها بأي خطة من هذا النوع، بينما رفضت السلطات الأوكرانية المقترح جملة وتفصيلا. أما ترمب، فقد كشف أنه قال لبوتين مؤخرا "دعني أنهي حربك الملعونة".
وبدأت ملامح الزخم تظهر حول مبادرة ترمب الجديدة بعد تقارير أفادت بوصول مسؤولين رفيعي المستوى من البنتاغون إلى أوكرانيا، من أجل مناقشة الجهود الرامية إلى وضع حد للنزاع.
وأبدت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، مخاوف من أن تكون الخطة المقترحة منحازة لصالح موسكو، مشددة على أن أي تسوية قابلة للحياة يجب أن تحظى بموافقة الأوكرانيين والأوروبيين على حد سواء. كما عبّر وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، عن رفض بلاده لأي مقاربة تُشتمّ منها رائحة الاستسلام، مؤكدا أن الأوكرانيين لا يريدون ذلك.
وفي ظل استمرار الاشتباكات بين القوات الروسية والأوكرانية في شرق البلاد، لا يزال الطريق إلى وقف دائم لإطلاق النار مليئا بالعقبات.

font change