قمة العشرين في جوهانسبورغ... انقسامات ومقاطعة أميركيةhttps://www.majalla.com/node/328418/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%AC%D9%88%D9%87%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B1%D8%BA-%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B7%D8%B9%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9
لم تتمكن قمة العشرين التي اختتمت دورتها العشرين في جوهانسبورغ (22-23 نوفمبر/ تشرين الثاني)، الأولى من نوعها في القارة الأفريقية، من تحقيق الإجماع المطلوب لقضايا التنمية وإسكات البنادق في العالم. بل عكست تباينا في المواقف والمصالح، هي الأخطر منذ إنشاء التكتل الاقتصادي عام 2008. وشكلت مقاطعة الولايات المتحدة للمؤتمر بقرار من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وغياب رؤساء روسيا والصين والمكسيك والأرجنتين وقادة آخرين (لأسباب مختلفة) خيبة لدولة جنوب أفريقيا، التي كانت تراهن على انتزاع مواقف سياسية وقرارات اقتصادية، ضد خصمها الأميركي، الذي لم يتسلم بروتوكوليا انتقال رئاسة المجموعة إلى البلد المستقبل للدورة المقبلة، التي ستعقد في واشنطن عام 2026.
قمة من دون نتائج
وصدر عن القمة بيان ختامي رغم اعتراض واشنطن على صدوره باسم المجموعة، تضمن مواقف جنوب أفريقيا التي تعارض السياسات الأميركية، خصوصا في ملفات التجارة والمناخ وحروب إقليمية عدة. وجاء في البيان أن الدول النامية تحتاج نحو ستة تريليونات دولار للإنفاق على مشاريع الطاقة المتجددة في أفق 2030، وهي تواجه أزمة الكهرباء وثقل الديون وتكلفة الاقتراض.
ولم تعارض الدول الأوروبية نص البيان بعد تعديله. وعمد المستشار الالماني فريدريك ميترز ورئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى استغلال الاجتماع للتشاور حول خطة ترمب الأميركية للسلام في أوكرانيا، التي لم يقبلوها تماما ولم يعارضوها تماما. واعتبروها "القاعدة الأساس للتفاوض".
نبه محللون الى أن أفريقيا تحتاج إلى الحياد الايجابي في صراعات اقتصادية وجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين حول التعريفات الجمركية والمعادن النادرة، وبين واشنطن وموسكو حول صيغة إنهاء الحرب في أوكرانيا
ومن جهتها سعت بريتوريا لاستغلال موقعها الجغرافي وعضويتها في مجموعة "بريكس" للرد على الغياب الأميركي، بتزعم مطالب الجنوب الشامل، في نوع من الصراع الجديد، بين شمال ثري متهم تاريخيا بالاستعمار، وجنوب نام وصاعد، ضحية نظام اقتصادي غير عادل، ومديونية مرتفعة، ومتضرر من الاحتباس الحراري. وعلى الرغم من شرعية بعض المطالب التي تكررت في لقاءات سابقة، إلا أن توقيتها ومكان استعمالها، والأهداف الخفية وراءها، والظرف الجيوسياسي والاقتصادي الذي يمر به العالم منذ أزمة "كوفيد-19"، جعلت بعض القادة يحذرون من "تراجع دور مجموعة العشرين في معالجة الأزمات الاقتصادية، وانقسام آرائها، مما يهدد تماسكها الداخلي، بفعل الانقسامات الجيوسياسية المتزايدة، والتنافس الدولي الحاد"، وفق تسريبات من القمة.
وقال الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون "إن مجموعة العشرين قد تكون على مشارف انتهاء دورة في تاريخها، ونحتاج إلى إعادة التركيز على القضايا الاقتصادية الإستراتيجية، وإلى الصعوبات التي تواجهها المجموعة في إيجاد مقاربة مشتركة للنزاعات المسلحة حول العالم".
محادثات بين زعماء الدول الأوربية على هامش قمة مجموعة العشرين، جوهانسبورغ، جنوب أفريقيا، 22 نوفمبر 2025
لا تُعتبر مجموعة العشرين منظمة دولية ذات ميثاق تأسيسي أو مقر أو قانون داخلي، على غرار التجمعات الإقليمية والقارية السياسية والاقتصادية الأخرى، وتوصياتها غير ملزمة بل طوعية فقط. وهي أشبه بمنتدى للتشاور بين القوى الاقتصادية والمالية والصناعية والتكنولوجية للبحث في التحديات المختلفة التي تواجه العالم، خصوصا ما يتعلق بالتنمية المستدامة، والتجارة، والسياسات المالية والنقدية، والمديونية، والتغيرات المناخية، والذكاء الاصطناعي. ويعتقد مراقبون أن "الخلافات بين أعضاء المجموعة لا تقلل أهميتها كقوة اقتصادية عالمية، تجمع فرقاء يصعب جمعهم خارج هذا الإطار، مما يعزز قدرتها على التحول إلى منصة ناجعة للتفاوض حول مشاكل العالم رغم كل تعقيداته".
حققت المجموعة نموا بمعدل 3,5 في المئة خلال النصف الأول من السنة الجارية، وهي تعتبر ركيزة للاستقرار العالمي، حيث لا توجد منصة أخرى قادرة على أداء هذا الدور في قيادة الاقتصاد والتجارة والإنتاج.
الدول الصاعدة تقود العالم في العقد المقبل
تتحكم المجموعة في قطاعات استراتيجية في مقدمها الطاقة، حيث ثلاث دول كبرى منها هي السعودية وروسيا والولايات المتحدة، تعتبر المصدر الرئـيس للنفط والغاز في العالم. ويشكل صعود اقتصاديات دول من الجنوب توازنا في ميزان التنافس بين الشرق والغرب.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع النمو في أكبر الاقتصاديات في العالم ليبلغ 2.9 في المئة فقط في عام 2030، وسط كثير من الضبابية، والسياسات الحمائية المفرطة. ورصد الصندوق سلسلة من التحديات التي ستواجه الاقتصاد العالمي، تشمل الضغط على الماليات العمومية، وشيخوخة السكان في الدول المتقدمة، خاصة المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية وأوستراليا وكندا والولايات المتحدة.
وقد تشهد هذه الدول نموا اقتصاديا بواقع 1.4 في المئة فقط في عام 2030. في وقت يكون النمو أعلى في الدول النامية والصاعدة. وهي إشارة الى أن العالم الصاعد سيقود مجموعة العشرين في العقد المقبل. وتنتشر هذه الدول أساسا داخل آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. مما يمنحها استقلالية وصدقية إضافية، وتمثلها السعودية واندونيسيا، وتركيا والبرازيل والمكسيك.
صور لقادة الدول المشاركة في قمة مجموعة العشرين وسط شوارع مدينة جوهانسبورغ، جنوب أفريقيا، 20 نوفمبر 2024
وقال محللون "إن أفريقيا تحتاج إلى الحياد الايجابي في صراعات اقتصادية وجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين حول التعريفات الجمركية والمعادن النادرة، وبين واشنطن وموسكو حول صيغة إنهاء الحرب في أوكرانيا، وكذلك الخلاف الأوروبي -الأميركي حول مشروع ترمب للسلام". القارة السمراء هي الحلقة الأضعف في النظام الاقتصادي العالمي، وتحتاج إلى دعم الجميع، وحاجة الجميع إلى مواردها الطبيعية وثرواتها الباطنية الثمينة تفسر الاهتمام والتنافس بين الكبار حول الكعكة السوداء.
المفارقة أن جنوب أفريقيا التي تبحث عن زعامة جديدة باسم محاربة الاستعمار ومناهضة "الاستغلال الأبيض" تحت شعار "تضامن مساواة واستدامة"، تتصدر دول القارة من حيث حجم المديونية التي تجاوزت 170 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2025
تبدو هذه الأخيرة اليوم في حاجة إلى الاستقرار، للاستفادة من النظام العالمي الجديد بعيدا من الصراع والمواجهة شمال- جنوب أو شرق -غرب، بعد أن تعبت عقودا طويلة من الحروب المدمرة، ونُهبت خيراتها على مدى قرون، جعلتها القارة الأفقر في العالم، وقد حان وقت إسكات المدافع، والمضي قدما في مشاريع تسريع التنمية، وتمويل البنى التحتية، وجلب الاستثمارات الأجنبية، ومعالجة ديون ثقيلة تزيد على 1,860 تريليون دولار، تمثل نحو 64 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.
الديون تهدد الاستقرار وتضعف النمو
المفارقة أن جنوب أفريقيا التي تبحث عن زعامة جديدة باسم محاربة الاستعمار ومناهضة "الاستغلال الأبيض" تحت شعار "تضامن مساواة واستدامة"، تتصدر قائمة دول القارة من حيث حجم المديونية التي تجاوزت 170,5 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2025. وهي بين أكثر دول العالم من حيث الفوارق الاجتماعية. وعلى الرغم من توفرها على موارد طبيعية هائلة، وبنى تحتية عصرية ورثتها من نظام الابارتايد السابق، إلا أن النمو الاقتصادي يظل ضعيفا ولم يتجاوز متوسط 0,7 في المئة طوال العشر سنوات الأخيرة، لاعتمادها بنسبة 39 في المئة على صادرات المواد المعدنية، التي تخضع لتقلبات الأسواق.
متظاهرون يحملون لافتات احتجاج ضد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، تضامناً مع سكان كشمير، في اليوم الثاني من قمة قادة مجموعة العشرين في جوهانسبورغ، جنوب أفريقيا، 23 نوفمبر 2025.
ويقدر ناتجها المحلي الإجمالي حاليا نحو 410 مليار دولار، وهو تقريبا في مستوى الناتج الإجمالي المصري الذي كان بلغ 383 مليار دولار عام 2024، وسيتجاوز 400 مليار دولار عام 2026، مما يجعل اقتصاديات مصر ونيجيريا والمغرب والجزائر منافسة مباشرة لبريتوريا، التي قد لا يكون نموذجها الاقتصادي هو المطلوب في هذه المرحلة من التنويع والتصنيع وحرية الأسواق وتجنب الصراعات الإيديولوجية.
فوائد الديون تخنق موازنات الصحة والتعليم
وتنفق 20 دولة افريقية على خدمات الديون الخارجية موازنة تفوق نفقات التعليم والصحة، مما يزيد هشاشة الأوضاع الاجتماعية. وبلغت دول مثل السودان وغانا والرأس الأخضر وبعض دول الساحل الأفريقي مستويات حرجة من المديونية. وتمتص خدمة الدين المناخي 30 في المئة من موارد الموازنة في عدد من الدول الإفريقية.
وكلما زاد الإنفاق لتسديد فوائد الديون زادت أخطار عدم الاستقرار الداخلي، ومنها الانتفاضات والحروب الأهلية، التي تنتقل بسرعة من بلد إلى آخر بسبب ترسيم الحدود الموروثة عن الاستعمار بشكل عبثي. ولم يسبق للقارة السمراء أن احتضنت أي قمة لمجموعة العشرين التي ظلت تتنقل بين أربع قارات منذ العام 2008: كانت البداية في أميركا الشمالية 3 مرات، وحظيت الولايات المتحدة بقمتين وكندا بقمة واحدة.
تضم مجموعة العشرين 19 دولة ذات الاقتصاديات الكبرى في العالم. ويقدر حجم هذا التكتل (غير المتجانس سياسيا) نحو 75 في المئة من التجارة العالمية الإجمالية ، ونحو 79 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي الذي يقارب في نهاية 2025 نحو 114 تريليون دولار
وكانت أوروبا قد احتضنت ست قمم في المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، ايطاليا، روسيا، وتركيا. بدورها استضافت آسيا 6 قمم اقتصادية في كوريا الجنوبية، اليابان، الصين، اندونيسيا، السعودية، والهند. وشهدت أميركا اللاتينية 3 قمم في المكسيك والأرجنتين، وآخرها البرازيل عام 2024. واستضافت اوستراليا قمة مجموعة العشرين في بريسبان عام 2014.
القمة المقبلة الـ 21 في واشنطن
تُعقد الدورة 21 المقبلة في واشنطن عام 2026، و هي في رأي الخبراء تمثل عودة التجمع الاقتصادي العالمي إلى مقر الميلاد والنشأة، حيث تعتبر الولايات المتحدة صاحبة اليد العليا داخل المجموعة، التي عاشت في السنوات الأخيرة تحديات الابتعاد عن الملفات الاقتصادية، ومحاولة تدبير خلافات جيوساسية معقدة. أو نقل قضايا سياسية أو أمنية إلى فضاء يكاد يكون اقتصاديا صرفا.
صورة جماعية للحضور في قمة مجموعة العشرين، جوهانسبورغ، جنوب أفريقيا، 22 نوفمبر 2025
وكانت مجموعة العشرين تأسست عام 1999 بعد الأزمة المالية العميقة التي أصابت اقتصاديات دول شرق آسيا منتصف تسعينات القرن الماضي، بمبادرة من وزراء المال في كندا وألمانيا وبدعم أميركي وياباني، نواتها الصلبة كانت مجموعة السبع الكبار، وعقدت اجتماعها الأول في برلين على مستوى وزراء المالية. وعقدت أول قمة على مستوى الرؤساء في واشنطن في غضون الأزمة المالية في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، بعد انفجار أزمة الرهن العقاري الأميركي وانهيار البورصات العالمية.
ومنذ ذلك الحين تضم مجموعة العشرين 19 دولة ذات الاقتصاديات الكبرى في العالم. ويقدر حجم هذا التكتل (غير المتجانس سياسيا) نحو 75 في المئة من إجمالي التجارة العالمية، ونحو 79 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي الذي بلغ في نهاية 2025 نحو 114 تريليون دولار. وبما أن الولايات المتحدة تتحكم في أكثر من ربع الاقتصاد العالمي، فإنها الأكثر قدرة على حسم مشاكل التمويلية التي تحتاجها دول الجنوب.
العالم في حاجة إلى إعادة الاعمار
وشهدت قمة العشرين الأولى (واشنطن 2008) بداية الإصلاحات العميقة التي طالت النظام المالي والمصرفي العالمي، منذ إنشاء مجموعة "بريتون وودز" (البنك وصندوق النقد الدوليان)، لتمويل إعادة الاعمار في الدول المتضررة من الحرب العالمية الثانية عام 1944. وتبدو مناطق كثيرة من العالم التي تخرج تدريجيا من الصراعات في حاجة إلى تمويلات إعادة الاعمار، خصوصا في غزة وسوريا والعراق ولبنان وليبيا، واليمن والسودان وغيرها. وهي أوضاع اقتصادية واجتماعية عربية لا تختلف كثيرا عن نتائج الحروب التي عاشتها أوروبا في القرن الماضي. وكان "برنامج مارشال" لتمويل اقتصاديات دول مثل ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وايطاليا وهولندا وبلجيكا، بمثابة الأرضية الأولي التي مهدت لقيام "السوق الأوروبية المشتركة" عندما اكشف الحكام والشعوب "أن فوائد السلام الاقتصادي أفضل من أي حرب ذات أسباب سياسية".