صاغت تجارة المخدرات غير المشروعة، على امتداد معظم القرن الماضي، المشهد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في أميركا اللاتينية. وما بدأ كتجارة صغيرة متجذرة محليا في أوراق الكوكا والأفيون، تطور إلى منظومة من الكارتلات العابرة للحدود الوطنية، تحدت الحكومات وأفسدت المؤسسات وغيرت مسار الأمن الإقليمي. وهذا الاقتصاد غير المشروع في المنطقة، بدءا من القوة الصناعية لكارتل ميديلين الكولومبي إلى الشبكات اللامركزية في المكسيك وفنزويلا اليوم، يعكس جذورا تاريخية عميقة متشابكة مع الأسواق العالمية وهشاشة الحوكمة.
لم يكن التحول من إمبراطوريات إجرامية مركزة إلى شبكات مجزأة ومعسكرة أمرا عرضيا، بل جاء انعكاسا للتحولات السياسية في المنطقة، وللضغوط الاقتصادية، والطلب الدولي الذي عمل على استدامتها. ويعد فهم هذا التحول أمرا بالغ الأهمية، كي نلتقط كيف تكيفت الجريمة المنظمة مع ضعف الدولة وتوفر الفرص العالمية.
كيف تطورت كارتلات أميركا اللاتينية من قوى مركزية إلى أنظمة عابرة للحدود الوطنية، تتسم بالانسيابية وتعمل في جميع أنحاء نصف الكرة الأرضية؟
الجذور المبكرة لتجارة المخدرات (من الأربعينات حتى الثمانينات الماضية)
نشأت اقتصاديات المخدرات الحديثة في أميركا اللاتينية تدريجيا من الاقتصاديات الريفية في المنطقة، ومن ضعف مؤسسات الدولة، والاعتماد على الصادرات الزراعية. وأصبح نبات الكوكا، النبات الذي زرع قديما في جبال الأنديز للاستخدام التقليدي، أساسا لصناعة الكوكايين العالمية مع تزايد الطلب عليه من الولايات المتحدة وأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. كما أصبح إنتاج المخدرات في أجزاء من البيرو وبوليفيا وكولومبيا، استراتيجية بقاء لهذه لمجتمعات المستبعدة من الأسواق الرسمية، والتي تتسامح معها الحكومات التي تفتقر إلى الوسائل أو الإرادة لفرض حظرها.



