تشهد منطقة أميركا اللاتينية وبحر الكاريبي مؤخرا تصعيدا خطيرا، بلغ ذروته في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، بعد دخول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مرحلة جديدة من المواجهة مع فنزويلا وكولومبيا، في إطار حملة عسكرية وأمنية مكثفة، بهدف وقف تهريب المخدرات، وتصفية ما تعتبره واشنطن تهديدا إرهابيا متناميا في المنطقة، لا سيما بعد تصريحات ترمب مطلع الأسبوع الأخير من أكتوبر، والتي اتهم فيها الدولتين بأنهما تسهلان تدفقات المخدرات إلى الولايات المتحدة، وتتعاونان أو تغضان الطرف عن كارتيلات المخدرات (منظمات تجارة المخدرات العابرة للحدود)، وهو ما وصفه الرئيس الأميركي بأنه "تهديد مباشر للأمن القومي الأميركي". لذلك أعلن ترمب عزمه على "وقف كل تدفقات المخدرات إلى الولايات المتحدة عبر البحر وقريبا عبر البر"، معتبرا أن فنزويلا تحديدا، باتت نقطة انطلاق لكارتيلات المخدرات إلى الولايات المتحدة، وأصبحت "مركزا للنشاط الإرهابي في نصف الكرة الغربية" على حد تعبيره.
وقد جاءت هذه التصريحات متزامنة، مع نشر البنتاغون قطعا بحرية، ضمن مجموعة حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد" في البحر الكاريبي، ومن المحتمل تطور هذه المواجهة إلى مرحلة جديدة، لا تستهدف فقط القضاء على نشاط كارتيلات المخدرات بحرا وبرا، بل تشمل الإطاحة بإدارة الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو، وكذا نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، يأتي هذا في ظل تزايد الدعم من المعارضة الفنزويلية البارزة، ممثلة في ماريا كورينا ماتشادو، الحائزة على جائزة نوبل للسلام 2025، لهذه التحركات معتبرة أن "الضغط العسكري هو السبيل الوحيد لإنقاذ فنزويلا من الإرهاب، الذي يديره مادورو"، على حد تعبيرها.
وهو ما يطرح عدة تساؤلات جوهرية حول ذلك الموضوع، أهمها: هل التصعيد البحري ضد فنزويلا أو المشارَكة العسكرية في كولومبيا يُعد إعلانا للحرب أو استخداما للقوة، يستوجب تفويضا من الكونغرس؟ هل تصنيف كارتيلات المخدرات كمنظمات "إرهابية" أو "مقاتلة غير نظامية" يخول الرئيس الأميركي دستوريا لاستعمال سلطات وقت الحرب؟ هل تمت مراعاة شروط إخطار الكونغرس بهذه العمليات، وفقا للأصول والقواعد الدستورية؟ هل استخدام القوة ضمن عمليات إنفاذ القانون الأميركي خارج أراضي الولايات المتحدة يخضع للرقابة القضائية، أم يُعتبر عملا عسكريا لا يخضع لرقابة القضاء؟
تفاصيل وخلفية تصعيد الولايات المتحدة في الكاريبي وأميركا اللاتينية
في أعقاب فوز الرئيس دونالد ترمب بولايته الثانية في يناير/كانون الثاني 2025، أعلنت إدارته عن حملة "الحرب على المخدرات" التي يقودها شخصيا، ويعتبرها "خطوة ضرورية لوقف السموم التي تغرق أميركا"، ويربط بين ما تمثله تجارة المخدرات المنظمة في الأميركتين، والذي يصفه بأنه تهديد مباشر للأمن القومي الأميركي، وبين إدارة الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو، وهو أول رئيس يساري ينتخب ديمقراطيا في تاريخ كولومبيا الحديث، بالإضافة لكونه أحد مقاتلي حرب العصابات السابقين، ضمن حركة التمرد الماركسية المسلحة- "19 أبريل" (M-19) خلال فترتي سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وكذلك نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وهو الوريث السياسي المباشر للرئيس الراحل هوغو شافيز، والذي سبق وأن صنفته الولايات المتحدة كرئيس لدولة مارقة بين عامي (2002-2013)، حيث كان وزيرا للخارجية في حكومته، ثم نائبا للرئيس.
وقد أوصى شافيز علنا بتوليه الرئاسة خلفا له، قبل وفاته بمرض السرطان، مما جعل مادورو، من الناحية الدستورية والقانونية، رئيسا انتقاليا، وفقا لأحكام دستور 1999 الفنزويلي، قبل فوزه المثير للجدل في انتخابات 2013 وإعادة انتخابه في 2018 (غير المعترف بها دوليا من قِبل أكثر من 60 دولة)، ليُشكل استمرارية لـ"الثورة البوليفارية" التي أسسها شافيز.
بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى درجة اتهام مادورو بأنه القائد الحقيقي، لإحدى أشهر كارتيلات المخدرات الفنزويلية، وهي "كارتل دي لوس سوليس"، الذي صنفته وزارة الخارجية الأميركية كمنظمة إرهابية في يوليو/تموز 2025، والمتهم بتسهيل وتهريب 90 في المئة من الكوكايين إلى الولايات المتحدة عبر الكاريبي، وهو ما ينفيه مادورو معتبرا إياه "عدوانا إمبرياليا" ينتهك مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية الفنزويلية، ومهددا بـ"رد عسكري"، كما فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، متهمة إياه بـ"التساهل مع الكارتيلات الكولومبية" رغم وعوده الانتخابية بمكافحة المخدرات في بلاده.
وخلال الفترة من 1 سبتمبر/أيلول إلى 28 أكتوبر/تشرين الأول 2025 نفذ البنتاغون 11 ضربة على قوارب مشتبه بها في تهريب الكوكايين، من فنزويلا وكولومبيا في منطقتي البحر الكاريبي، وشرق المحيط الهادئ، مما أسفر عن تدمير 7 قوارب وأسر شخصين ومقتل 57 شخصا، بما في ذلك مدنيون حسب بعض التقارير. استخدم فيها طائرات تقليدية، وطائرات دون طيار، وامتدت إلى أراضي كولومبيا بموافقة حكومية جزئية، لكنها تواجه معارضة داخلية في بوغوتا.
وبتاريخ 24 أكتوبر أعلن البنتاغون عن نشر مجموعة حاملة الطائرات (يو إس إس جيرالد آر فورد)، أكبر حاملة طائرات في العالم، قادرة على حمل 90 طائرة إلى المنطقة، كجزء من عملية "الدرع الكاريبي" لمكافحة تهريب المخدرات. هذا النشر يشمل ثلاث مدمرات وغواصات نووية، ويُعتبر تصعيدا كبيرا، مقارنة بالعمليات السابقة، التي كانت تقتصر على ضربات جوية محدودة على قوارب مهربين.

