من يمتلك المستقبل في عالم تحكمه الخوارزميات وسلاسل التوريد؟

سباق السيادة في الذكاء الاصطناعي

 REUTERS/Dado Ruvic/Illustration/File Photo
REUTERS/Dado Ruvic/Illustration/File Photo
رسالة "الذكاء الاصطناعي" مع لوحة مفاتيح وأيادٍ روبوتية في صورة توضيحية، 27 يناير 2025

من يمتلك المستقبل في عالم تحكمه الخوارزميات وسلاسل التوريد؟

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شهدت دبي واحدة من أكثر نسخ "جايتكس غلوبال" إثارة وزخما منذ انطلاقه قبل عقود. "جايتكس" منصة رائدة تقام على مستوى العالم لجمع القيادات التكنولوجية وصناع القرار، وتعد محركا رئيسا للابتكار والاستثمار، حيث تعمل على مزامنة جهود القطاع الحكومي ومراكز الإبداع والشركات الناشئة لتقديم حلول وخدمات متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بهدف دعم التنوع الاقتصادي وتعزيز الموقع التنافسي عالميا.

لكن الأمر هذا العام، لم يعد مجرد معرض تكنولوجي ضخم كما اعتدناه، بل تحول إلى منصة استراتيجية عابرة للقطاعات، تكشف عما يحدث خلف الكواليس في عالم يموج بالتحولات الجيوسياسية والتنافس المحموم على الذكاء الاصطناعي. تدفقت الوفود من خمس قارات لمناقشة مستقبل التقنيات والذكاء الاصطناعي

حضر الحدث وزراء ورؤساء هيئات رقمية ومسؤولون حكوميون من عشرات الدول، إلى جانب كبار المديرين التنفيذيين لشركات التكنولوجيا العملاقة مثل "مايكروسوفت"، "إنفيديا"، "أمازون"، و"هواوي"، وعدد من الشركات التي أصبحت تقود سباق الرقائق والبيانات والروبوتات. أما الشركات الناشئة—المئات منها—فقد جاءت بحثا عن نافذة للانطلاق، في سوق لا تعترف إلا بمن يبتكر أسرع ويتحول أسرع. على هامش الحدث، أعلنت صفقات ضخمة، ووقعت مذكرات تفاهم، وعرضت تقنيات نوعية من نماذج لغوية عملاقة إلى روبوتات قادرة على اتخاذ قرارات معقدة في وقت حقيقي.

وسط هذا الضجيج التكنولوجي، ارتفع مصطلح واحد ليصبح العنوان غير المعلن للمعرض، "سيادة الذكاء الاصطناعي". لم يعد التعبير مجرد فكرة تنظيرية تناقش في غرف البحث أو أداة تسويقية تستخدمها الشركات لجذب الانتباه. بل تحول إلى مبدأ سياسي واقتصادي يمثل طموح الدول في أن تمتلك قرارها الرقمي، وأن تتحكم في بياناتها، ونماذجها الذكية، وبناها التحتية السحابية، وسلاسل توريد الرقائق التي تعد الوقود الحقيقي لعصر ما بعد الثورة الرقمية.

السعي إلى سيادة الذكاء الاصطناعي اليوم ليس مجرد توجه استشرافي، بل من أهم أولويات الدول التي ترغب في حماية مكانتها وقوتها في عالم سريع التغير

وفي نسخة 2025، بدا جليا أن الشرق الأوسط—وخاصة دول الخليج—لم يعد يتعامل مع الذكاء الاصطناعي كمنصة لتحسين الخدمات أو تسريع التحول الرقمي فحسب، بل كعنصر سيادي خامس، يقف إلى جانب الطاقة والممرات البحرية والموارد المالية. فالذكاء الاصطناعي اليوم ينظر إليه بوصفه أحد أهم محركات القوة الوطنية، وقلب التنافس الاقتصادي بين القوى العالمية.

من هنا يمكن قراءة صعود مصطلح "سيادة الذكاء الاصطناعي" بوصفه علامة على لحظة تاريخية جديدة تعيشها المنطقة: لحظة تسعى فيها الدول لبناء استقلال تقني حقيقي، يضمن لها موقعا متقدما في خريطة النفوذ المقبلة. ليست موجة عابرة ولا صرعة لغوية، بل تحول استراتيجي قد يعيد رسم مراكز القوة في الاقتصاد العالمي خلال العقد المقبل.

أولوية عالمية

سيادة الذكاء الاصطناعي هي قدرة الدول على امتلاك الركائز الأساس لمنظومات الذكاء الاصطناعي داخل حدودها، والتحكم الكامل بها، بما يشمل البيانات الوطنية، والبنى التحتية للحوسبة والسحابة، وخوارزميات المعالجة، ونماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وسلاسل توريد الرقائق والمعالجات اللازمة لتشغيلها.

REUTERS
"الذكاء الاصطناعي" ونموذج مصغر لروبوت ويد لعبة

يعني هذا المفهوم ألا تعتمد الدولة على مزودين خارجيين في تشغيل أنظمتها الحيوية أو تخزين بياناتها الحساسة أو اتخاذ قراراتها الرقمية، بحيث تضمن استقلالها السياسي والأمني والاقتصادي في عالم باتت فيه الخوارزميات تتحكم في إدارة الخدمات، وتوجيه الاقتصادات، وصناعة الرأي العام، وتقييم الأخطار. وتمثل سيادة الذكاء الاصطناعي بذلك امتدادا للسيادة الوطنية في العصر الرقمي، حيث تتحول التكنولوجيا من أداة مساعدة إلى عنصر قوة استراتيجية تحدد قدرة الدول على المنافسة، وحماية أمنها، وبناء اقتصاد متين قائم على المعرفة والابتكار.

والسعي إلى سيادة الذكاء الاصطناعي اليوم ليس مجرد توجه استشرافي، بل من أهم أولويات الدول التي ترغب في حماية مكانتها وقوتها في عالم سريع التغير. فعلى المستوى السياسي، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءا لا ينفصل عن منظومة الأمن القومي للدول. فالبيانات الصحية، والسجلات التعليمية، والمعاملات المالية، والمعلومات الأمنية—وهي المحرك الأساس لكل قرار حكومي—لم تعد مجرد ملفات رقمية؛ بل أصبحت شرايين الدولة التي يبنى عليها الأمن والاقتصاد والسياسات العامة.

لذا؛ فإن تخزين هذه البيانات أو معالجتها عبر بنى تحتية أجنبية، يعني ببساطة أن مفاتيح الدولة الحيوية خارج حدودها الفعلية. وفي عالم تتحكم فيه الشركات العملاقة بطرق تشغيل الخوارزميات وآليات ترتيب المحتوى والتصنيف والتحليل، أصبح التأثير في الرأي العام وتوجيه السلوك الجماعي أسهل من أي وقت مضى، مما يجعل فقدان السيطرة التقنية تهديدا مباشرا للسيادة السياسية.

يزداد هذا التهديد عمقا مع اشتداد المنافسة بين القوى الكبرى—الولايات المتحدة والصين وأوروبا—على قيادة الثورة التكنولوجية. فسباق الرقائق، ومراكز البيانات العملاقة، والسيطرة على النماذج اللغوية الضخمة بات جزءا من صراع جيوسياسي مفتوح. وفي هذا السياق، تجد الدول النامية أو الأصغر نفسها أمام خيارين: إما بناء أنظمة سيادية مستقلة، وإما الارتهان اقتصاديا وسياسيا لطرف تقني معين. وقتذاك، تتحول هذه الدول من لاعبين فاعلين إلى مستوردين للتكنولوجيا والقواعد والمعايير، تخضع لسرعات التطوير التي تفرضها القوى الأخرى، بدل أن تشارك في صوغ قواعد اللعبة.

لا يقتصر سباق السيادة الرقمية اليوم على الشركات الكبرى، بل أصبح مشروع دولة تدفع نحوه الحكومات بميزانيات هائلة ورؤى استراتيجية طويلة المدى، إدراكا منها أن من لا يمتلك بنيته السيادية سيقصى من خريطة القوة المقبلة

اقتصاديا، تمتد أهمية السيادة أبعد من حماية البيانات لتشمل تأسيس اقتصاد محلي جديد بالكامل قائم على الذكاء الاصطناعي. فالتقديرات تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيضيف تريليونات الدولارات للنمو العالمي خلال السنوات المقبلة. الدول التي تفتقر إلى نماذجها الوطنية وسحابتها الخاصة وقدرتها على معالجة البيانات وبناء رقاقاتها، ستضطر إلى شراء الذكاء الاصطناعي كخدمة من الخارج، مما يعني تسربا مستمرا للقيمة الاقتصادية نحو الشركات الأجنبية. هذه الحالة تعرف بـ"ضريبة التبعية الرقمية"—تكلفة غير مباشرة تدفعها الدول كلما اعتمدت على حلول مستوردة بدل تطوير منظومات محلية تمنحها اكتفاء واستقلالية.

وتكشف التقارير الدولية عن فجوة صارخة في العوائد بين المؤسسات التي تملك سيادة تقنية حقيقية وتلك التي تعتمد على الخارج. فـ 13% فقط من المؤسسات حول العالم تمكنت من بناء منظومات سيادية متكاملة، لكنها—وفقا لآخر الدراسات—تسجل عائدا على الاستثمار أعلى بخمس مرات من غيرها. كما تضاعفت لديها القدرة على نشر حلول الذكاء الاصطناعي، وارتفعت كفاءة الابتكار إلى 2.5 مرة مقارنة بالمؤسسات التي تستخدم منصات غير سيادية. هذه المؤسسات لا تحمي بياناتها فحسب، بل تبني أسوارا تنافسية قوية من خلال سيطرتها على نماذجها وبناها التحتية، وتبقي القيمة الاقتصادية داخل حدودها الوطنية، بدل أن تتسرب إلى الخارج.

Shutterstock
نموذج لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في الصور الطبية المتعددة الأبعاد

في المحصلة، سيادة الذكاء الاصطناعي ليست ترفا فكريا ولا مصطلحا نظريا، بل شرط وجود للدول التي تريد أن تكون فاعلة في الاقتصاد العالمي الجديد، لا مجرد تابعة في هوامشه.

رؤى وسيادة

لا يقتصر سباق السيادة الرقمية اليوم على الشركات الكبرى، بل أصبح مشروع دولة تدفع نحوه الحكومات بميزانيات هائلة ورؤى استراتيجية طويلة المدى، إدراكا منها أن من لا يمتلك بنيته السيادية سيقصى من خريطة القوة المقبلة. ففي السعودية، انطلق مشروع حوسبة سيادي ضخم تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة، يمثل خطوة لإرساء منظومة وطنية قادرة على دعم اقتصاد الذكاء الاصطناعي المتنامي. وفي أوروبا، جرى تخصيص 200 مليار يورو لبناء بنية ذكاء اصطناعي قارية تضع حدا للاعتماد على القوى التقنية الكبرى، في محاولة لخلق استقلال رقمي يوازي استقلال الطاقة في القرن الماضي. أما الهند، فأطلقت "بعثة الهند للذكاء الاصطناعي" لبناء مراكز حوسبة وطنية وقواعد بيانات سيادية تغذي قطاع التكنولوجيا الأسرع نموا في العالم، بينما وضعت الولايات المتحدة خطة الذكاء الاصطناعي الأميركية لتعزيز أمن سلاسل التوريد واستعادة السيطرة على الحوسبة المتقدمة وتقليل انكشافها على البنى الأجنبية.

وفي الإمارات، يظهر مشروع "ستارغيت – الإمارات" كأحد أجرأ المشاريع السيادية في المنطقة، حيث تبنى في أبوظبي بنية حوسبية وطنية هائلة بقدرة مستهدفة تصل إلى خمسة جيغاواط—مع مرحلة أولى بقدرة جيغاواط واحد—تتضمن إنشاء مراكز بيانات فائقة تعتمد أحدث المعالجات. المشروع ليس مركز بيانات فقط، بل منصة سيادية شاملة مصممة لضمان بقاء البيانات داخل الدولة، وتوفير قدرة محلية لتطوير وتشغيل النماذج الضخمة، وخدمة قطاعات استراتيجية كالصحة والطاقة والنقل والخدمات الحكومية. وهو يمثل ركيزة أساسية لبناء قوة رقمية دائمة، وتحصين الدولة من الاعتماد على البنى العالمية الخاضعة لهيمنة الشركات الأجنبية.

رغم هذا الاندفاع العالمي الهائل نحو بناء سيادة رقمية وحوسبة وطنية، فإن الواقع يكشف أن الطريق نحو تحقيقها أشد تعقيدا مما يظهر في الخطط الحكومية أو الإعلانات الكبرى

وعلى مستوى العالم، تكشف هذه البرامج—من السعودية والإمارات إلى أوروبا والهند والولايات المتحدة—عن استثمارات تتجاوز تريليون دولار تضخ مباشرة في مشاريع سيادة تقنية، وهو حجم يعادل اقتصادات دول كاملة. هذا الرقم الهائل يظهر أن سيادة الذكاء الاصطناعي لم تعد قضية تنظيمية أو خيارا سياسيا، بل معركة اقتصادية لامتلاك القيمة الرقمية وتحديد من سيقود الاقتصاد العالمي القائم على الخوارزميات، ومن سيظل متلقيا للتكنولوجيا في موقع التبعية.

تجمع هذه الأمثلة كلها على حقيقة أعمق: أن الدول باتت تدرك أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءا من بنية السيادة ذاتها، وأن من لا يملك حوسبته الوطنية ولا يتحكم في بياناته ولا يدير نماذجه الخاصة، سيقف عاجزا أمام دول وشركات تمتلك هذه الأدوات. لذا تتحول السيادة الرقمية إلى شرط لحماية القرار الوطني والأمن الاقتصادي، ولبناء قدرة مستقلة تقي الدول من الضغط السياسي أو الابتزاز التقني. باختصار، لقد أصبحت السيادة الرقمية الامتداد الطبيعي للسيادة السياسية في القرن الحادي والعشرين، وأحد أهم مقاييس القوة في عالم يحكمه الذكاء الاصطناعي قبل أي شيء آخر.

تحديات ومعوقات

ورغم هذا الاندفاع العالمي الهائل نحو بناء سيادة رقمية وحوسبة وطنية، فإن الواقع يكشف أن الطريق نحو تحقيقها أشد تعقيدا مما يظهر في الخطط الحكومية أو الإعلانات الكبرى. فصناعة الذكاء الاصطناعي قائمة على شبكة عالمية شديدة التشابك، تتقاطع فيها التكنولوجيا مع الجغرافيا السياسية وسلاسل الإمداد والموارد الخام، بحيث يصعب — بل يستحيل — على أي دولة مهما بلغت قوتها الاقتصادية أو التقنية أن تمتلك جميع حلقات هذه المنظومة بمفردها. فعلى مستوى الرقائق، التي تعد قلب الذكاء الاصطناعي، بلغت صادرات الولايات المتحدة من الشرائح المتقدمة نحو 57.5 مليار دولار عام 2024، وهي صادرات تخضع لضوابط صارمة على التصدير، خصوصا تلك الموجهة نحو الدول التي تسعى لبناء بدائل حوسبية مستقلة. وبهذا تصبح عملية الحصول على الرقائق المتطورة تحديا استراتيجيا بحد ذاته، حتى للدول القادرة ماليا مثل الخليج والهند، إذ تظل مقيدة بتكنولوجيا تقع بالكامل داخل دائرة نفوذ دول المنشأ.

تحقيق سيادة ذكاء اصطناعي كاملة ليس مجرد قرار سياسي أو ضخ استثمارات في مراكز بيانات جديدة، بل مشروع طويل الأمد يتطلب إعادة بناء سلسلة صناعية كاملة تمتد من التعدين والمعادن

تتعمق هذه المعضلة عند النظر إلى البنية التحتية لمراكز البيانات، وهي المكون الذي يحدد قدرة الدول على تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الكبرى. فقد بلغت قيمة سوق مراكز البيانات نحو 347 مليار دولار عام 2024، ويتوقع أن ترتفع إلى 652 مليار دولار في حلول 2030. ورغم هذا النمو، فإن ما يقرب من 48% من تشغيل مراكز البيانات خارج الولايات المتحدة تديره شركات أميركية. أي أن وجود مركز بيانات داخل حدود الدولة لا يكفي لضمان السيادة عليه، إذا كانت بنيته التشغيلية، وبرمجياته، ومعاييره، بل وأحيانا مفاتيح التحكم الأساسية، مملوكة لشركات أجنبية. والمشكلة الكبرى أن بناء مراكز بيانات بقدرات تشغيلية تصل إلى مستويات الجيغاواط يتطلب استثمارات ضخمة، وقدرات كهربائية مستقرة، وشبكات تبريد عالية الكفاءة، وهي مقومات لا تتوفر لكثير من الدول النامية أو حتى المتقدمة.

أما على مستوى البيانات، التي تعد وقود الذكاء الاصطناعي، فالتحديات تصبح أكثر تعقيدا. فالدول غير الناطقة بالإنكليزية تعاني نقصا بنيويا في البيانات المحلية المنظمة والقابلة للاستخدام في تدريب النماذج، مما يجعل نماذجها ضعيفة في تمثيل خصوصياتها الثقافية واللغوية والقانونية. وتتعقد الصورة أكثر عندما تتداخل هذه المشكلة مع غياب التشريعات الحديثة وضعف حوكمة البيانات، إذ يعمل الكثير من الدول بقوانين صممت لعالم ما قبل الرقمنة، مما يجعل إنشاء منظومات سيادية حديثة مهمة صعبة لا تتعلق بالتكنولوجيا وحدها، بل بإعادة تصميم الإطار القانوني بالكامل.

AFP
مبنى تم طلاء جداره الخارجي ليبدو كأنه لوحة دوائر كهربائية تحمل شعار الذكاء الاصطناعي في هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ بشرق الصين

وتظل سلاسل التوريد هي العقبة الكبرى في معادلة السيادة. فحتى الولايات المتحدة، التي تقود العالم في تصميم معالجات الذكاء الاصطناعي، تعتمد بشكل كبير على دول أخرى في مرحلة التصنيع وعلى المعادن الأرضية النادرة. إذ تسيطر الصين على نحو 70% من عمليات معالجة المعادن النادرة عالميا، وهي معادن أساسية لصناعة الرقائق، والبطاريات، وأنظمة الطاقة للحوسبة الفائقة. هذا الاعتماد يضع حتى القوى الكبرى تحت رحمة التوازنات الجيوسياسية وتقلبات الإمداد، فما بالك بالدول النامية أو الصغيرة التي لا تملك قاعدة صناعية أصلا.

بذلك يتضح أن تحقيق سيادة ذكاء اصطناعي كاملة ليس مجرد قرار سياسي أو ضخ استثمارات في مراكز بيانات جديدة، بل مشروع طويل الأمد يتطلب إعادة بناء سلسلة صناعية كاملة تمتد من التعدين والمعادن، مرورا بالتصميم والتصنيع، وصولا إلى الحوسبة والبنية القانونية وحوكمة البيانات. في عالم يتشارك فيه الجميع عناصر القوة التقنية — رقائق تصنع في آسيا، تصمم في أميركا، تخزن بياناتها في أوروبا، ويبنى جزء من حوسبتها في الشرق الأوسط — تصبح السيادة مشروعا معقدا، متعدد الطبقات، لا يمكن اختصاره في كلمة واحدة أو خطة خمسية، مهما بدت طموحة.

font change