في صباح رقمي هادئ من أيام أكتوبر/تشرين الاول 2025، استيقظ العالم على خبر جديد أعلنه الملياردير الشهير إيلون ماسك. لم يكن الخبر هذه المرة عن صواريخ "سبيس إكس" أو سيارات "تسلا"، بل عن مشروع جديد يسمى موسوعة "غروكيبيديا"، التي فتحت الباب منذ اللحظة الأولى لواحدة من أكثر المواجهات الرمزية في تاريخ المعرفة الرقمية بين موسوعة تقليدية بناها البشر جماعيا "ويكيبيديا"، وأخرى تولد من رحم الخوارزميات وتدار بالذكاء الاصطناعي.
لم تمر ساعات حتى بدأت المنصات الإخبارية تتحدث عن الحدث، فشركة "إكس إيه آي" التابعة لماسك أطلقت رسميا موسوعة جديدة تحت اسم "غروكيبيديا" مشتقة من روبوت الدردشة "غروك" الذي يتكامل مع منصة "إكس" وبدا المشروع كأنه النسخة المصقولة من فكرة طالما راودت ماسك والمتعلقة بإعادة صوغ المعرفة الإنسانية بعيدا مما يراه "تحيزا أيديولوجيا" في ويكيبيديا. فالرجل لم يخف في سنواته الأخيرة امتعاضه من الموسوعة الحرة، واتهمها مرارا بأنها لم تعد مرجعا محايدا كما كانت، بل تحولت إلى مرآة لتيار فكري واحد يهيمن على المجال الأكاديمي والإعلامي الغربي.
بدأت الشرارة الأولى لهذه المواجهة قبل عامين تقريبا، حين كتب ماسك سلسلة من التغريدات اللاذعة ضد مؤسسة "ويكيميديا" داعيا متابعيه إلى التوقف عن التبرع لها حتى "تستعيد الحياد". في إحدى تغريداته الساخرة قال إنه سيتبرع بمليار دولار للمؤسسة إذا غيرت اسمها إلى "ديكيبيديا" – في تلميح ساخر لما يراه فقدانا لـ"القداسة المعرفية" التي طالما أحاطت بالموسوعة. ورغم أن كثيرين تعاملوا مع الأمر حينها كمداعبة من مداعبات ماسك المعتادة، فإن الرجل كان يبني سردية أعمق بكثير: سردية أن الحقيقة لم تعد موضوعا محايدا بل ساحة صراع، وأن التكنولوجيا قد تكون الطريق الوحيد لإعادتها إلى بر الأمان.
البذرة الأولى
وبين أكتوبر/تشرين الاول 2023 وأكتوبر 2025 تبلورت الفكرة تدريجيا. فبعد إطلاق روبوت "غروك" في نهاية 2023 كمساعد ذكي يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأ ماسك يلمح عبر تغريداته إلى مشروع موسوعي جديد "يعيد تعريف المعرفة". وفي مارس/آذار 2024 تسربت تقارير تقنية تشير إلى أن شركة "إكس إيه آي" تعمل على بناء قاعدة بيانات ضخمة بالتعاون مع محركات بحث ومؤسسات أكاديمية لتدريب نظام قادر على كتابة مقالات موسوعية بأسلوب وصفي محايد. وفي يوليو/تموز من العام ذاته، أكد ماسك ضمن لقاء مغلق مع مهندسي الشركة أن "غروك لن يجيب فقط، بل سيكتب".
هكذا ولدت البذرة الأولى لـ"غروكيبيديا"، قبل أن تعلن الشركة في أغسطس/آب 2025 دخول المنصة مرحلة التجريب الداخلي، وفي 27 أكتوبر/تشرين الاول تم الإعلان الرسمي للجمهور. كان هذا هو الـ"تايم لاين" الحقيقي لتشكل المنصة، من فكرة تغريدة إلى مشروع موسوعي يطمح لتغيير موازين المعرفة الرقمية.



