مصارف الجزائر في الخارج… فرصة لاستقطاب ثروات المغتربين

تحويلات الجزائريين الى بلادهم الأدنى في منطقة شمال أفريقيا

Shutterstock
Shutterstock
تحويلات خجولة للمغتربين الجزائريين وتوصف بـ"الثروة الضائعة"

مصارف الجزائر في الخارج… فرصة لاستقطاب ثروات المغتربين

كما كان منتظرا منذ عام 2022، افتتحت الجزائر منذ نحو شهر ثلاثة فروع جديدة تابعة لـ"بنك الجزائر الخارجي" (BEA-International) في باريس، في خطوة تاريخية تجسد أول حضور مصرفي جزائري رسمي على الأراضي الفرنسية والأوروبية.

ودشنت في المرحلة الأولى ثلاثة فروع جديدة في باريس، وسان دوني ومرسيليا، على أن تتبعها فروع أخرى قريبا في مدن فرنسية تضم أكبر تجمع للجزائريين، لتقديم خدمات مالية وتسهيلات في التحويلات والاستثمارات.

ويعتبر "بنك الجزائر الخارجي" افتتاح تلك الفروع محطة مهمة في استراتيجيا توسعه الدولي. وقال المدير العام بالنيابة للمصرف، منير بلالة، إن هذه الخطوة تعكس ديناميكية جديدة للمصرف، وتمثل "لحظة تاريخية لمؤسستنا، ومرحلة حاسمة في مسار توسعنا على المستوى الدولي".

يأتي هذا الافتتاح بعد أقل من عام على موافقة البنك المركزي الأوروبي، في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، على منح "بنك الجزائر الخارجي" رخصة مصرفية للعمل كبنك تجاري في فرنسا وأوروبا، وبعد 3 سنوات من مصادقة مجلس الوزراء على استراتيجيا فتح الفروع المصرفية في الخارج، لا سيما في الدول الأفريقية، لدعم المصدرين الجزائريين والجالية الجزائرية بشكل خاص.

قيمة تحويلات المغتربين الجزائريين إلى البلاد لم تتخط سقف 1,9 مليار دولار عام 2019

أيمن بن عبد الرحمن، رئيس الوزراء الجزائري الأسبق

وافتتحت الجزائر في سبتمبر/أيلول 2023 أول مصرف جزائري في الخارج ممثلا بالبنك الاتحادي الجزائري في العاصمة الموريتانية نواكشوط، برأس مال يبلغ 50 مليون دولار، وبنك الجزائر في السنغال، في العاصمة دكار، ويبلغ رأس ماله 100 مليون دولار.

استقطاب تحويلات المغتربين

تعتبر هذه الاستراتيجيا في نظر الخبراء والأكاديميين، الطريقة الأساس والأكثر فاعلية لاستقطاب تحويلات المقيمين في الخارج، لا سيما في فرنسا، إذ يشكل الجزائريون أكبر جالية مهاجرة تعيش هناك. ووفقا لآخر دراسة أجراها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، تتصدر الجزائر قائمة المهاجرين المسجلين في فرنسا بنحو 12 في المئة، تليها المغرب (11,7 في المئة)، ثم البرتغال (7,9 في المئة)، وتونس (4,8 في المئة)، وإيطاليا (3,9 في المئة).

واعترفت الحكومة الجزائرية على لسان رئيس وزرائها السابق، أيمن بن عبد الرحمن، خلال ندوة رؤساء البعثات الديبلوماسية والقنصلية التي احتضنتها العاصمة الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بإخفاقها وعجزها عن استقطاب أموال المهاجرين والاستفادة منها.

Shutterstock
مبنى أقدم المصارف الجزائرية في مدينة وهران، 11 فبراير 2023

وبلغة الأرقام والاحصاءات، قال بن عبد الرحمن الذي كان يشغل منصب وزير المالية أيضا ضمن الهيئة التنفيذية التي كان يترأسها، إن "قيمة تحويلات المغتربين الجزائريين إلى البلاد لم تتخط سقف 1,9 مليار دولار عام 2019".

ويتوافق هذا الرقم مع التقديرات الأخيرة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذين أكدا أن تحويلات الجالية الجزائرية تتراوح سنويا بين 1,7 و 2,5 مليار دولار في أحسن الظروف، وهو رقم ضئيل جدا نظرا إلى العدد الإجمالي للجزائريين في الخارج، لا سيما في فرنسا التي يعيش فيها أكثر من 7 ملايين جزائري، يمثلون عشر سكان البلاد، وكندا التي تضم نحو 100 ألف جزائري، وبعض دول الخليج، مثل الإمارات، التي يقيم فيها 30 ألف جزائري، والسعودية التي يقيم فيها أكثر من 9 آلاف جزائري.

تعد تحويلات المهاجر الجزائرية الأدنى في المنطقة، إذ لم تتجاوز 841 دولارا للفرد عام 2020، وهو مبلغ يقل بكثير عن متوسط تحويلات دول شمال أفريقيا البالغ 4163 دولارا. ويتصدر المغترب المصري القائمة، إذ تتجاوز تحويلاته 8200 دولار سنويا

بالتالي، يؤكد بن عبد الرحمان أن مبلغ 1,7 مليار دولار لا يعكس إطلاقا إمكانات الجالية الجزائرية في الخارج، نظرا إلى حجمها ووزنها الاقتصادي، وهذا الرقم لا يمثل سوى 0,31 في المئة من مجموع تحويلات المغتربين في العالم لعام 2019 الذي قدر بـ 548 مليار دولار.

كم وكيف يحوّل الجزائري المغترب أمواله؟

أين يكمن السبب؟ عند طرح هذا السؤال على باحثين وخبراء في الاقتصاد، تتكرر الإجابة ذاتها تقريبا: جزء كبير من تحويلات الجزائريين في الخارج لا يمر عبر القنوات المصرفية الرسمية، ويرجع ذلك أساسا إلى الفارق الكبير بين سعر صرف الدينار الجزائري في السوق الرسمية وسعره في السوق الموازية.

وتظهر أحدث بيانات الصرف في السوق الجزائرية، الرسمية والموازية، أن سعر اليورو في ساحة بور سعيد، المعروفة محليا بـ"السكوار"، وهي أكبر نقطة صرف غير قانونية في البلاد، قد تجاوز 290 دينارا، أي نحو ضعف السعر الرسمي الذي لا يتعدى 150 دينارا. وفي ضوء هذا الفارق الكبير، يفضل المهاجر الجزائري الاستفادة من الربح الإضافي الذي يوفره سعر السوق الموازية، بدل إرسال أمواله عبر القنوات المصرفية الرسمية التي تُلزم صرف العملة الأجنبية بالسعر الرسمي.

Shutterstock

وبحسب دراسة بعنوان "تدفقات تحويلات المهاجرين المالية وأهميتها لاقتصادات شمال أفريقيا"، تعد تحويلات المهاجر الجزائرية الأدنى في المنطقة، إذ لم تتجاوز التحويلات الرسمية للفرد 841 دولارا في السنة عام 2020، وهو مبلغ يقل بكثير عن متوسط تحويلات دول شمال أفريقيا البالغ 4163 دولارا للفرد. في المقابل، يتصدر المغترب المصري القائمة، إذ تجاوزت تحويلاته 8200 دولار سنويا.

أموال المهاجرين والثروة الضائعة

وهناك عوامل جانبية أخرى مؤثرة، أبرزها ارتفاع تكاليف التحويل. فوفقا لعدد من الدراسات، تتجاوز رسوم التحويل 10 في المئة من قيمة المبلغ المحول، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوسط الدولي.

ووصف الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة ورقلة، ناصر سليمان، في حديث الى "المجلة" التحويلات المالية للمهاجرين بأنها "الثروة الضائعة"، على الرغم من أنها تتميز بالثبات والاستقرار النسبي، مقارنة بمختلف أشكال التدفقات الخارجية الأخرى، حيث نادرا ما تشهد انخفاضات حادة، حتى خلال أوقات الأزمات الاقتصادية.

 في حال القضاء على هذه السوق وتحرير سوق الصرف، قد تصل التحويلات الجزائرية إلى ما لا يقل عن 10 مليارات دولار سنويا

ناصر سليمان، أستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة ورقلة

ويجري سليمان مقارنة بسيطة بين مصر والجزائر، موضحا أن "14 مليون عامل مصري مغترب حولوا إلى وطنهم نحو 33 مليار دولار خلال 11 شهرا، من السنة المالية (2024-2025). أما الجزائر، فتضم نحو نصف هذا العدد من المغتربين، أي نحو 7 ملايين شخص، يحولون إلى بلادهم نحو 1,8 مليار دولار فقط وفق أحدث التقديرات". ويعزو الخبير هذا الفارق الكبير إلى تأثير السوق السوداء للعملة، مشيرا إلى أنه في حال القضاء على هذه السوق وتحرير سوق الصرف، قد تصل التحويلات الجزائرية إلى ما لا يقل عن 10 مليارات دولار سنويا.

ماذا سيتاح للجزائريين المغتربين بعد اليوم؟

وبحسب التوضيحات التي قدمها وزير المالية الجزائري، عبد الكريم بوالزرد، ستعمل هذه المصارف على تسهيل إجراءات فتح جميع أنواع الحسابات، بما يمكن الجالية الجزائرية في الخارج من إجراء مختلف العمليات المصرفية. وتشمل هذه العمليات ما يأتي:

-  تحويل أموال الجالية الجزائرية من حساباتهم في الخارج إلى حساباتهم في الجزائر.

- تحويل تقاعد المغتربين من طريق المصارف.

- تحويل اشتراكات المغتربين العاملين في الخارج إلى صندوق الضمان الاجتماعي للاستفادة من التقاعد.

- تمكين أفراد الجالية الوطنية من الاستفادة من مختلف صيغ التمويلات المصرفية، سواء الكلاسيكية أو الإسلامية، الخاصة بالقروض العقارية.

- دفع المغتربين أقساط القروض عبر التحويلات المصرفية.

Shutterstock

كل هذه المعاملات المصرفية صارت متاحة للجالية الوطنية في الخارج، تمكن هذه الفئة من المواطنين من القيام بمختلف أشكال الادخار، وفتح الحسابات المصرفية، والحصول على التمويلات، وإجراء جميع المعاملات المصرفية التي يحتاجونها بشكل عام.

ما هي شروط النجاح؟

السؤال المهم حاليا يتعلق بمستوى جودة الخدمة المصرفية في ظل محدودية قابلية تحويل الدينار داخل المصارف والقيود المفروضة على تحويل العملات من قبل بنك الجزائر؟

في تعليق على هذا السؤال، يقول عبد الوهاب يعقوبي، النائب في البرلمان الجزائري، إن "تدشين مصارف في الخارج يمثل بلا شك فرصة مهمة لجذب العملاء الجزائريين المقيمين في فرنسا، لكن نجاح هذه الخطوة يعتمد على عدة عوامل رئيسة"، يذكر من بينها: ضمان تحويلات مالية سريعة بتكاليف منخفضة، منتجات مصرفية مثل الحسابات بالعملات الأجنبية، القروض العقارية للاستثمار في الجزائر، وخيارات ادخار تنافسية، دعم شخصي عبر مستشارين متخصصين، التحديث والرقمنة، حيث يحتاج المصرف إلى تطبيق هاتفي فاعل لإدارة الحسابات وخدمات إلكترونية آمنة للتحويلات والدفع، وخدمة عملاء سريعة ومتعددة اللغات، وتسعيرة تنافسية تشمل خفض تكاليف التحويلات الدولية وتطبيق رسوم مخفضة مقارنة بالمصارف الفرنسية والشركات المالية.

ومن الضروري جدا، وفقا ليعقوبي، أن "تكون الفروع متاحة في المدن ذات الكثافة السكانية الجزائرية العالية مثل: باريس ومرسيليا وليون وغيرها".

font change

مقالات ذات صلة