خير ما يدل على الوجهة التي سيسير إليها العام المقبل، هو أحداث الأسبوع الأخير من العام الحالي. وليس من بينها ما يدعو إلى التفاؤل إلا في حدود شديدة الضيق والنسبية.
ينتهي العام على عودة التوتر إلى حروب وصراعات بدا خلال الشهور القليلة الماضية أنها تسير نحو تهدئة أو هدنة أو حتى سلام ما. الأحدث من بين الصراعات هذه والأقرب إلينا هما ما يجري في جنوب اليمن وفي غزة.
التوتر في حضرموت والمهرة وتطورات الساعات الأخيرة تحمل نُذر عام حافل بالمفاجآت التي قد لا يكون أكثرها سعيدا، وخوفا عميقا من أن القضية اليمنية متعددة الوجوه، لا تقترب من الحل. القتال على الجبهات مع الجماعة الحوثية في حال من الهدنة، فيما يستمر تدهور أوضاع المناطق التي يسيطر الحوثي وأنصاره عليها ضمن أزمة مركبة تمتد من الاقتصاد إلى التخبط الذي يمر فيه المحور الإيراني برمته. أما الجنوب فيحمل قنابل مؤقتة عدة يحتاج تفكيكها إلى الكثير من الحكمة.
في غزة، الحديث السائد هو عن المزيد من الضم الإسرائيلي لمساحات تصل نسبتها إلى 75 في المئة من مساحة القطاع ما يعني حشر المليونين ونصف المليون من الفلسطينيين في كيلومترات مربعة قليلة، ضمن خطة لجعل القطاع غير قابل للحياة، وترتبط بتهجير الفلسطينيين "طوعا" ربما إلى "أرض الصومال" التي اعترفت إسرائيل بسيادتها أخيرا، أو إلى غرب السودان. وتتشارك "حماس" مع إسرائيل في عدم الرغبة في الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة اتفاق شرم الشيخ لعدم قدرتها على القبول بفكرة تسليم السلاح والتخلي عن حكم القطاع. هذا الانسداد، وفي ظل موازين القوى المعروف، لا يمكن أن يخدم سوى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الطامح إلى الخروج من أزماته الداخلية وتبرئة نفسه من التقصير في توقع ومواجهة عملية "طوفان الأقصى".
التشتت والتخبط واللجوء إلى الكلام الإنشائي الفارغ عن "عدم تسليم السلاح" و"تقديم الدولة اللبنانية الخدمات المجانية للأميركيين والإسرائيليين"، لا يؤدي في واقع الأمر إلا إلى نقل الأزمة الإيرانية الخانقة إلى لبنان واليمن والعراق
شيء مشابه على الصعيد الإيراني. فطهران المحاصرة والتي تجددت فيها مظاهرات المستائين من انهيار قيمة العملة وصعود التضخم وتردي الخدمات، لا تستطيع حتى الآن حسم أمرها بشأن إحياء برنامجها النووي الذي تعهد ترمب بتدميره مجددا، أو تقديم مقاربة عملية تضع حماية النظام وبقاءه قبل طموحاته الإقليمية. وربما يعكس كلام الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني نعيم قاسم الذي يبدو آتيا من كوكب غير كوكبنا هذا، التشتت الهائل في التفكير والتخطيط السياسي والاستراتيجي في إيران واستطرادا لدى القوى التي لا تزال في محورها.
التشتت والتخبط واللجوء إلى الكلام الإنشائي الفارغ عن "عدم تسليم السلاح" و"تقديم الدولة اللبنانية الخدمات المجانية للأميركيين والإسرائيليين"، لا يؤدي في واقع الأمر إلا إلى نقل الأزمة الإيرانية الخانقة إلى لبنان واليمن والعراق، حيث يظهر حلفاء إيران وأتباعها بمظهر المعرقل لكل خطوة نحو الحلول والتسويات والخروج من المآزق التي زجوا أنفسهم وبلدانهم فيها.
الطوق الناري الصيني حول تايوان أو "عملية العدالة 2025" بحسب التسمية الرسمية للمناورات واسعة النطاق بالذخيرة الحية التي تجريها القوات الصينية حول الجزيرة، يعطي عينة عما ستكون عليه الأوضاع في العام المقبل. ذلك أن الإيقاع البطيء الذي تتحرك وفقه بكين وتعدد العوامل المتداخلة في سعي الصين الذي لم يتوقف يوما إلى ضم تايوان أو "استعادتها إلى الوطن الأم" بغض النظر عن الخطوات المقابلة الأميركية أو اليابانية، يعني أن الصين لن تردعها العوامل الاقتصادية والمخاوف من انهيار اقتصادي عالمي لن تسلم من تبعاته. واستنادا إلى تجارب سابقة، قد يمر 2026 من دون أن يحصل أي تطور درامي في مضيق تايوان، بيد أن ذلك لا يعني بأي حال أن القضية قد طويت، خصوصا أن الغرب ما زال يعمل على استخدام الجزيرة كأداة لإضعاف وتهديد الصين كما يُفهم من صفقة الأسلحة الأميركية الأخيرة إلى تايبيه.
وفي خاتمة هذه اللائحة، هناك عودة التشدد إلى الموقف الروسي من الحرب في أوكرانيا بعد إعلان موسكو عن محاولة أوكرانية لاغتيال الرئيس فلاديمير بوتين في مقره بمدينة نوفغورود. الصحافة الغربية ركزت على أن الكرملين لم يقدم أي دليل على صحة مزاعمه، وقال المسؤولون الروس إنهم ليسوا في حاجة إلى تقديم أي شيء يثبت وقوع الهجوم الأوكراني الفاشل الذي نفت كييف حصوله من الأصل. لكن واشنطن بدت كمن يميل إلى تصديق رواية بوتين التي أبلغها لترمب خلال اتصال هاتفي "جيد جدا". وهذا وحده يبدو كافيا ليعيد كل الفرقاء حساباتهم في مجرى الحرب الدموية في أوكرانيا وتبعاتها الدموية.