في أي اتجاه تبحر مجموعة "البريك"؟

في أي اتجاه تبحر مجموعة "البريك"؟

[escenic_image id="5548280"]

 

لا يعتبر من قبيل المبالغة أن نقول إن عام 2009 قد شهد تحول الكثير من الدول المعروفة رسمياً بـ "الأسواق الناشئة" إلى "قوى صاعدة".. فقد أسهم صعود نجم آسيا في تعزيز الطرح الذي يرى أننا نشهد تحولاً في القوة من الغرب إلى الشرق فقد تعافت العديد من الدول من حالة الركود بصورة أسرع بكثير من الاقتصادات المتقدمة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية التي تسببت أساسا في الأزمة الاقتصادية العالمية.

وأشار الكثير من المراقبين في مؤتمر دافوس الاقتصادي هذا العام إلى أن الزعماء والمصرفيين الغربيين الذين كانوا في السابق على ثقة كبيرة في نماذج التنمية الغربية بدءوا في النظر إلى قصص النجاح التي ظهرت في الدول التي اتخذت مسارات بديلة. 


صحيح أن الانتباه تركز حول مجموعة "البريك" والتي تشمل البرازيل وروسيا والهند والصين؛ لكن هناك دولاً أخرى مثل جنوب إفريقيا ودول الشرق الأوسط المصدرة للنفط تلعب دوراً يزداد أهمية على الساحة الدولية في الوقت الذي تتراجع فيه قوة وهيمنة الغرب.


وحيث إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تعد أقوى دولة في العالم وتمثل ديمقراطية ليبرالية، فمن ثم ينبغي أن تشجع التقدم الاقتصادي الذي تحققه الدول الأخرى. وكما قال جون إف كينيدي، فإن جميع القوارب تعلو على أثر ارتفاع موجات المد. لكن هذه القوى الصاعدة أصبحت تعول على بعضها البعض بطرق شتى بدلاً من التعويل على مراكز القوة التقليدية، وهو تطور تسبب في عواقب مربكة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية .
ولعل الموقف التالي الذي رواه جديون راتشمان في صحيفة الفاينانشال تايمز يناسب ما نتحدث عنه جيداً:


"في اليوم الأخير من المحادثات ، حاول الأمريكيون تنظيم اجتماعات ثنائية بين الرئيس أوباما وكل من زعماء جنوب إفريقيا والبرازيل والهند؛ لكنهم فشلوا في كل مرة.
ويتابع راتشمان كلامه قائلا : "لابد أن الرئيس أوباما شعر بأنه أحمق عندما وصل إلى اجتماع اللحظة الأخيرة مع وين جياباو، رئيس الوزراء الصيني، ليفاجأ بأن جياباو منهمك في المفاوضات مع قادة دول البرازيل وجنوب إفريقيا والهند. وقد اضطر القادة إلى إفساح مكان للرئيس الأمريكي حول المائدة، ولعل هذا له كان دلالات واضحة".


لكن فقدان التأثير والنفوذ ليس الأمر الوحيد المدهش بالنسبة للولايات المتحدة. فالطريقة التي تتصرف بها العديد من هذه الدول تدل على تغير في مفهومها عن التطور والتنمية. فعلى مدى عقود، كان الكثيرون يظنون أن التنمية الاقتصادية يمكن أن تؤدي إلى تقارب سياسي مع الديمقراطيات الغربية، ويمكن أن تلتقي مصالح هذه الدول بشكل واسع النطاق مع مصالح الولايات المتحدة .. وفي التسعينيات، كان هذا هو الأساس الذي دفع إلى المزيد من الشراكة الاقتصادية الأمريكية مع الصين .. فبينما تزداد البلاد ثراءً، تتحسن بالتالي مسار حقوق الإنسان لديها لكن الآن لم تعد الأمور تجري على هذا النحو.


 وخلال زيارته الأخيرة إلى الصين لم يبث التليفزيون الحكومي خطاب الرئيس الأمريكي إلى الشعب الصيني، وتم حجب موقع البيت الأبيض، وبذلك تم حرمان حتى أولئك الذين سعوا إلى سماع خطابه.


وبعد هذه الإهانة عاد أوباما إلى الولايات المتحدة، ولم يكن بمقدوره أن يفعل شيئاً. فالولايات المتحدة مدينة للصين بمليارات الدولارات، ولا تثق الصين كثيرا في أن الولايات المتحدة سوف تحترم قيمة الأصول المقدرة بالدولار الأمريكي. وكما قالت هيلاري كلينتون: "هل يمكن للمرء أن يحتد على دائنيه؟"


وقد واجهت السيدة  كلينتون أخيرًا حقيقة صعبة وهي أن العديد من الديمقراطيات الصاعدة في العالم لا تتفق مع الطرح الأمريكي الخاص بالدبلوماسية الدولية الحالية. وفي رحلة قامت بها كلينتون أخيرًا إلى البرازيل – ثاني أضخم دولة ديمقراطية في نصف الكرة الغربي – أكد الرئيس لولا دا سيلفا ووزير الخارجية سيلسو أموريم بشكل مهذب أن البرازيل لن تشارك في دعم العقوبات التي تسعى أمريكا لفرضها ضد إيران. كما تواجه الولايات المتحدة صعوبات مماثلة في إقناع تركيا والصين بهذا الشأن.


وترى البرازيل أن العقوبات من الممكن أن تزيد من استئساد متشددي إيران. لكن بغض النظر عن هذه النقطة المحمودة على ما يبدو من جانب البرازيل، ثمة سؤال مهم: ما الذي ستجنيه البرازيل من دعم العقوبات؟ فإيران يمكن أن تصبح شريكاً اقتصاديا مهما بالنسبة للبرازيل وليس من واجبها باعتبارها دولة ديمقراطية أن تحافظ على النظام العالمي، وإنما مهمتها الأولى التي ينبغي أن تأخذها على عاتقها أن تسد احتياجات سكانها الذين يعاني الكثيرون منهم حالة من الفقر.


وقد أصبحت فكرة أن تساعد البرازيل الولايات المتحدة في منع إيران من بناء ترسانتها النووية مثار سخرية الكثيرين. فالولايات المتحدة وإسرائيل لديهما على أية حال كم وافر من الأسلحة النووية وخاضتا حروبًا أكثر مما خاضتها إيران أخيرًا. صحيح أن تهديدات أحمدي نجاد لا يمكن تجاهلها، لكن أمريكا وإسرائيل قامتا بعمليات غزو عديدة خلال السنوات القليلة الماضية.
وبالرغم من أن دولاً أخرى مثل الهند وجنوب إفريقيا تعد ديمقراطية في نهجها السياسي، فإنها كثيرا ما لم تقف بجانب الولايات المتحدة في قضايا مهمة مثل التجارة وتغير المناخ أو فرض العقوبات.
وبتأمل الماضي، يبدو من السذاجة أن نظن أن التنمية الاقتصادية والتحرير الاقتصادي يمكن أن يؤديا إلى التحرير السياسي في أنظمة العالم الاستبدادية، كما يبدو من السذاجة أيضاً أن نظن أن الدول النامية يمكن أن تساند مراكز القوة التقليدية في الوقت الذي يزداد فيه نفوذها. وثمة عاملين فاعلين هنا. 


أما الأول فهو أن تلك الدول ودول مجموعة "البريك" وغيرها من القوى الصاعدة تتخطى تدريجياً مرحلة الفقر وإن كان ذلك بإيقاع بطيء لكنها لا تزال تحمل خوف الدول النامية من الرأسمالية المعولمة والولايات المتحدة وذلك يرجع على الأخص إلى الأزمة الاقتصادية.
أما العامل الثاني فهو أن الولايات المتحدة ظلت لوقت طويل جدا تربط بين مصالحها وفكرة تحقيق أهداف عالمية مثل نشر الديمقراطية .


هذه النقاط واضحة تماماً في ساو باولو وبكين وأنقرة. لكن واشنطن ينبغي أن تتنبه لها إذا كانت تأمل في أن ينجح قادتها في الإبحار بنجاح عبر مياه المد الصاعدة في السياسة الجغرافية للقرن الحادي والعشرين التي أدت الأزمة الاقتصادية إلى اضطراب أمواجها بشدة.

font change