محاكم خاصة بانتظار المدانين بالفساد المالي في إيران

محاكم خاصة بانتظار المدانين بالفساد المالي في إيران

[caption id="attachment_55268496" align="alignright" width="1309"]رئیس السلطة القضائية ومرشد الثورة رئیس السلطة القضائية ومرشد الثورة[/caption]

واشنطن: «المجلة»



* نشرت منظمة الشفافية الدولية تقريرا في يناير 2017 حول مؤشر الفساد، احتلت فيه إيران المرتبة 130 ضمن 178 دولة.
* في الوقت الذي أصبح فيه كل مسؤولي النظام يتباهون بمكافحة «الفساد الاقتصادي» فإن إيران على القائمة السوداء للاستثمارات.




أصبح إطلاق النظام حملة لمعاقبة «المفسدين الاقتصاديين» (المدانين بالفساد الاقتصادي) من القضايا الساخنة والمثيرة للجدل في هذه الأيام في إيران، وذلك في ضوء الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي ووصول الأزمة الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية إلى ذروتها في الفترة الأخيرة.
وافق مرشد الثورة آية الله خامنئي على طلب رئيس السلطة القضائية بشأن تشكيل محاكم خاصة للتعامل مع «المفسدين الاقتصاديين». وتعتبر الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم «نهائية وواجبة التنفيذ» باستثناء أحكام الإعدام التي يمكن طلب الاستئناف بشأنها.
ويرى كثير من المراقبين أن القرار الصادر عن المرشد يفتقر إلى سند قانوني لأن قانون العقوبات في إيران ينص على أن المدانين في المحاكم يتمتعون بحق إقامة محاكم عادلة وطلب الاستئناف للأحكام الابتدائية. وهذا يتناقض مع المرسوم الصادر عن آية الله خامنئي، حيث ستجري محاكمة المتهمين من دون الالتزام بسير الدعاوى ولا يحق لهم الحصول على محاكمة عادلة ولا طلب الاستئناف ولا اختيار المحامي.
وأشار البند العاشر للرسالة التي وجهها رئيس السلطة القضائية آملي لاريجاني إلى مرشد الجمهورية الإسلامية إلى أن «الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم نهائية وواجبة التنفيذ باستثناء أحكام الإعدام التي يمكن طلب الاستئناف بشأنها في المحكمة العليا، وذلك خلال 10 أيام بعد إصدار الحكم الأولي على حد أقصى».
وينص قرار مرشد الجمهورية الإسلامية على أن المتهمين بـ«الفساد الاقتصادي» سيمثلون أمام محكمة جديدة تابعة لمحاكم الثورة. تذكرنا هذه المحاكم بكيفية إنشاء محاكم الثورة في بدايات الثورة وقيامها بإعدامات خارجة عن نطاق القانون بحق آلاف السجناء السياسيين في صيف 1988.

[caption id="attachment_55268497" align="alignleft" width="594"]بائع عراقي يبيع العملة الإيرانية في أحد شوارع النجف في 14 أغسطس 2018. (غيتي) بائع عراقي يبيع العملة الإيرانية في أحد شوارع النجف في 14 أغسطس 2018. (غيتي)[/caption]

هذا ولقي هذا القرار ترحيبا من قبل مسؤولي السلطة القضائية والبرلمانيين والسياسيين ووسائل الإعلام المتشددة التابعة للسلطة الحاكمة، حيث أكد جميعهم على ضرورة «التعامل الصارم» مع المفسدين الاقتصاديين. وكتبت صحيفة «كيهان» التي يشرف عليها حسين شريعتمداري وهو ممثل مرشد الثورة، أن «إعدام المفسدين الاقتصاديين» هو الحل الوحيد للأزمة.
هذا وكتب موقع «مشرق نيوز» المحسوب على المتشددين أن «مرشد الثورة باعتباره ولي الفقيه يحق له أن يستخدم صلاحياته الفقهية والحكومية ويمنح صلاحيات خاصة للمسؤولين بناء على مصالح المجتمع الإسلامي».
وأشار أحمد توكلي النائب السابق وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام إلى 108 أشخاص لم يدفعوا مستحقات البنوك والتي تبلغ 110 آلاف مليار تومان، قائلا: «إذا تم إعدام عدد من المفسدين الاقتصاديين لتنبه الباقون ولعرفوا أي عقوبة تنتظرهم».
وخلافا لمعسكر المتشددين، فإن هناك عددا من الشخصيات البارزة في النظام وجهوا انتقادات إلى الطلب الذي تقدم بها صادق لاريجاني إلى مرشد الجمهورية الإسلامية بشأن ضرورة اتخاذ «إجراءات صارمة» في التعامل مع «المفسدين الاقتصاديين». وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني على رأس الفريق المعارض للاريجاني. واجه حسن روحاني نفسه منذ فترة متاعب جمة بعد اتهامات لشقيقه حسين فريدون بالتورط في فساد مالي واعتقال مهدي جهانغيري – شقيق إسحاق جهانغيري النائب الأول للرئيس - بتهمة قضايا فساد اقتصادي.
وقال الرئيس الإيراني، وعلى أثر تصريحات المرشد الإيراني حول لزوم اتخاذ إجراءات صارمة بشأن المفسدين الاقتصاديين: «لا يمكن معالجة المعضلة الاقتصادية من خلال الاعتقالات».
ومن جهته، صرح النائب الثاني لرئيس البرلمان علي مطهري بشأن طلب رئيس السلطة القضائية من مرشد الجمهورية الإسلامية: «يجب أن تتم كل الإجراءات وفقا للقوانين ولا يجب أن نلجأ إلى الأحكام العرفية تحت أي ظروف كانت».
وقال النائب الإصلاحي محمود صادقي في تغريدة له: «إن مكافحة الفساد تتم من خلال اتخاذ تدابير وقائية على رأسها الشفافية. لا ينبغي أن نتجاهل قوانين المحاكمات وأن نحرم المتهم من حق الحصول على المحامي من أجل معاقبة المفسدين الاقتصاديين. حولوا مسؤولية القضاء إلى قضاة مستقلين ومتخصصين ونزيهين وعددهم ليس قليلا في العدلية».
وغرد أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران والذي تم تسريحه مؤخرا من الجامعة الحرة على حسابه في «تويتر»: «كنت أتمنى على المراجع العظام مكارم شيرازي ونوري همداني أن يطرحوا على أنفسهم سؤالا بسيطا، وهو: لماذا تفشت ظاهرة الفساد بكافة أنواعه إلى هذا المستوى في بلادنا وذلك بالمقارنة مع الدول الأخرى؟ هل منعت الدول الأخرى الفساد من خلال اللجوء إلى الإعدامات أيضا؟».



وفي الوقت الذي يسعى فيه رئيس السلطة القضائية جاهدا إلى تنفيذ أوامر المرشد والتي تتماشى مع سياسات المتشددين والتأكيد على تنفيذ عقوبة الإعدام لاحتواء الفساد الاقتصادي المتفشي في البلاد فإنه وأشقاءه متورطون حتى آذانهم في قضايا الفساد.
ولم ينس الرأي العام الإيراني بعد الرسالة التي نشرها محافظ البنك المركزي محسن نور بخش في 15 أغسطس (آب) 1998 وكشف فيها عن امتلاك رئيس السلطة القضائية 63 حسابا بنكيا بقيمة ألف مليار تومان، وقيام السلطة القضائية بالنقل غير القانوني للأموال من الحسابات العامة والتلاعب بها.
ونشرت منظمة الشفافية الدولية تقريرا في يناير (كانون الثاني) 2017 حول مؤشر الفساد، حيث احتلت إيران المرتبة الـ130 من ضمن 178 دولة.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى ارتفاع نسبة الفساد المالي بين الأجهزة الحكومية. وأعلن رئيس لجنة مكافحة الفساد الاقتصادي في مجلس الشورى الإسلامي أمير خجسته عن اعتقال: «31 مسؤولا حكوميا متورطين في قضايا فساد مالي». وأضاف أنه قدم قائمة بأسماء 31 متهما بالفساد المالي والمصرفي إلى رؤساء السلطات الثلاث.
ونشر النائب الإصلاحي محمود صادقي في ديسمبر (كانون الأول) 2017 قائمة تضم أسماء 20 شخصا لديهم أكبر قدر من الديون على مصرف سرمايه الإيراني.
وأعلن عزت الله يوسفيان عضو إدارة مكافحة الفساد الاقتصادي في إيران أن «600 شخص يهيمنون على ربع السيولة في البلاد بما يعادل نحو 100 مليار تومان».
وفي الوقت الذي أصبح فيه كل مسؤولي النظام يتباهون بمكافحة «الفساد الاقتصادي» فإن إيران على القائمة السوداء للاستثمارات، كما أن مشروع إصلاح قانون مكافحة غسل الأموال تم رفضه من قبل مجلس صيانة الدستور، وبالتالي لا توجد آفاق مشرقة بشأن جذب الاستثمارات الأجنبية.
ويعتبر هذا المشروع من ضمن المشاريع الأربعة التي قدمتها الحكومة للحؤول دون وضع إيران في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF) بعد التوقيع على الاتفاق النووي. ومجموعة العمل المالي هي هيئة حكومية دولية تتولى مهمة مراقبة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
font change