مجلس الأمن الدولي.. إصلاحات في مهب الريح

مجلس الأمن الدولي.. إصلاحات في مهب الريح

[caption id="attachment_1133" align="aligncenter" width="620" caption="مجلس الأمن.. مجلس الأقوياء "]مجلس الأمن.. مجلس الأقوياء  [/caption]

مرة أخرى، استدعى تصريح باراك أوباما بأنه سوف يؤيد طلب الهند بالحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مطالب إصلاح الهيئة الدولية التي يتم النظر إليها باعتبارها قد فشلت في محاولات تقديم العالم «كما هو». ويؤكد عدد كبير من الأصوات النافذة بما في ذلك «الإيكونوميست» أن البديل الوحيد لإصلاح الأمم المتحدة هو الاعتراف بانهيارها. وتظهر مثل تلك التصريحات القوية مدى عدم التقدير لتاريخ المنظمة وموقعها في السياسة الدولية.

بدأت المساعي الأخيرة للإصلاح عام 2003، بعد الغزو الأميركي للعراق، حيث دعا الأمين العام كوفي أنان لمراجعة «راديكالية» لآلية الجهاز الحكومي الدولي بدءا من مجلس الأمن. وقد أسس أنان هيئة عليا للقيام بالمراجعة الأساسية لدور الأمم المتحدة في مجال السلام والأمن، وهما المسؤوليتان الرئيسيتان لمجلس الأمن. وقد تضمنت التوصيات زيادة عدد أعضاء المجلس إلى 24 عضوا من خلال الإصلاحات التي تتضمن زيادة عدد المقاعد الدائمة وإنشاء فئة جديدة من مقعد لمدة أربع سنوات أو زيادة عدد المقاعد ذات العامين، ضمن غيرها. وسوف تقرر اللجنة عضوية الأعضاء وفقا للتمثيل الجغرافي للدول، بالإضافة إلى مساهمتها المالية والعسكرية والدبلوماسية في الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من أن تلك المعايير تبدو منطقية فإنها صعبة التنفيذ إلى حد بعيد، حيث إن التركيز على المساهمة المالية سوف يمنح ألمانيا واليابان مقعدين بالمجلس، ولن تقبل الصين بعضوية اليابان. وفي الوقت نفسه فإن أحد أكبر المساهمات العسكرية كان من قبل باكستان التي لن تتوافق عضويتها بالمجلس مع الهند. كما أن النرويج من القوى الدبلوماسية القوية ولكن منح مقعد آخر لدولة أوروبية يبدو غير عملي، وليس من المتوقع أن تتخلى أي من فرنسا أو المملكة المتحدة عن المقعد على رغم أن منح مقعد واحد للاتحاد الأوروبي يعد تمثيلا كافيا للتوزيع الدولي للقوى.

ويتضح من خلال ذلك التحليل السريع لمجلس الأمن الذي لديه تمثيل أكبر للدول أنه أولا توجد صعوبة في تعريف التمثيل، وثانيا أن عدالة مثل ذلك المجلس من المرجح أن تتأثر بمصالح الدول. وكما قال إريك لوك المستشار الحالي للأمين العام بان كي مون فإن الإحساس بالإلحاح في دعوة كوفي أنان للإصلاح عكس «عدم تقدير محير لتاريخ وسياسات الأمم المتحدة».

وقد شهدت العقود الستة الماضية عشرات من جهود الإصلاح. وعلى الرغم من طرح عروض كبرى مثل إنشاء لجنة عليا فإنه لم يتم تبنيها، حيث إن الدول الأعضاء ترغب في تبني واختيار الإصلاحات التي تتوافق مع مصالحها السياسية. ويجب أن يذكرنا ذلك بأن الأمم المتحدة ليست أكثر أو أقل مما تصنعه الدول فهي ليست هيئة مستقلة.

فالشرعية هي الأداة الوحيدة المتوفرة للأمم المتحدة التي يمكنها عبرها مواجهة المصالح الوطنية للدول وبالتالي يجب أن يتم التعامل معها بجدية. ومع ذلك، تمثل الشرعية تحديا دائما، حيث يتغير المفهوم مع ديناميكيات السياسات الدولية ويعتمد على رؤية دول محددة.

وكان تطور الأمم المتحدة في السياسات الدولية والصراعات التي تواجهها باستمرار واضحا للغاية بنهاية الحرب الباردة. وعلى الرغم من أن التسعينيات كانت على نفس القدر من الصعوبة، فقد كانت هناك التماسات كثيرة للأمم المتحدة لكي تساعد دولا مثل الصومال وهاييتي. ولم تكن هناك سوى القليل من الموارد لتنفيذ مهمات مجلس الأمن. وفي الوقت الذي تساءل فيه كثير من الناس حول مستقبل الأمم المتحدة في ذلك الوقت، وعلى الرغم من أن أفعالها كانت تشوبها ثغرات كثيرة، استمرت الدول في اللجوء إليها في الألفية الجديدة.

وقد تمكنت الأمم المتحدة من البقاء لأنها قادرة إلى حد كبير على التكيف وعلى إجراء إصلاحات متوسطة من قبيل تبني أجندات جديدة أو استخدام أدوات جديدة وفقا لتغير احتياجات وقيم الدول الأعضاء بها. ومع ذلك، لا تعني تلك الإصلاحات أن الإصلاح عملية سهلة، حيث تتبنى الأمم المتحدة الإصلاحات الرسمية بتردد كبير وتنفذه ببطء. ويرغب المؤسسون في أن يستمر الوضع على ذلك النحو وبالتالي فإنهم وضعوا عقبات هائلة أمام تعديل الميثاق.

وبالتالي فإن ما يجب أن نستخلصه من ستة عقود من العروض بالإصلاحات هو أنه لا توجد توقعات كبرى بشأن تلك الإصلاحات. ومن ثم، فبدلا من التركيز المفرط على زيادة أعضاء مجلس الأمن الذي له عواقب غير متوقعة بل وربما مدمرة على العلاقات الإقليمية والعالمية، فإنه يجب أن نولي اهتماما أكبر لتوفير الشفافية والمحاسبة في أنشطة الأمم المتحدة اليومية. بالإضافة إلى تحسين الطرق التي تعمل من خلالها الأمم المتحدة، فعلى سبيل المثال يجب تعزيز العمليات الميدانية للأمم المتحدة وصلاحيات أمينها العام. وبالفعل تم تحقيق قدر من التقدم من خلال تأسيس لجنة بناء السلام ومجلس حقوق الإنسان الأكثر مصداقية.

ومن المستبعد أن تؤثر تلك التعديلات على نحو أساسي على صناعة القرارات المتعلقة بالمصالح الوطنية لدول المجلس أو أن تغير ميثاق الأمم المتحدة. وفي النهاية، فإن الإنجازات العملية هي ما سوف تمنح الشرعية للأمم المتحدة وليس نوع الدول الموجودة في مجلس الأمن.

كما أن الأمم المتحدة تصرح في المادة الأولى من الميثاق بأن هدفها هو تحقيق التعاون الدولي «لتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع»، وبالتالي، يجب توجيه الإصلاحات للوفاء بتلك الأهداف. وهناك طرق أفضل لتحسين مصداقية مجلس الأمن وفعاليته بدلا من الأفكار المتفائلة المتعلقة بتعديل الميثاق. فيجب أن نكون حذرين في القول بأن المنظمة لا يمكن إنقاذها من عدم الفعالية إلا عبر الإصلاحات الهيكلية لأن ذلك ببساطة غير صحيح.
وكما قال كوفي أنان في أول خطاب إصلاحي له في 1997: «الإصلاح ليس حدثا، بل عملية». إن الصراع بين القوة والمبدأ في الأمم المتحدة كان قائما طوال الوقت ويجب التعامل معه باعتباره صراع بناء بدلا من إشكالية، ويمكن التغلب عليه ببساطة من خلال الإرادة. ويجب تشجيع الدعوات التقدمية بالإصلاح لأن الألعاب البلاغية يمكن أن تساهم في بيئة تسهل التعديلات البراغماتية في طرق العمل والمسؤولية الديمقراطية. ومع ذلك، وكما هو الحال مع كل الألعاب، يجب التعامل معها بحذر ووعي، لأنها يمكن أن تكون لها آثار مدمرة.

إيفا براغ
font change