بداية مرحلة جديدة لتنظيم داعش

تفجيرات يوم القيامة وإطلالة البغدادي

بداية مرحلة جديدة لتنظيم داعش

* هل ثمة إمكانية للتنظيم الإرهابي أن يستعيد دوره بعد الهزائم العسكرية المتتالية التي مُني بها على مدى السنتين الماضيتين؟
* د. عبد الغني عماد: داعش دخل في مرحلة جديدة سوف يستخدم فيها أساليب تعتمد بشكل أساسي على الذئاب المنفردة والخلايا المنتشرة بشكل غير ظاهر
* علي الأمين: هناك تقاطع في المصالح بين إيران وداعش في مواجهة أميركا والسعودية إذا لم نقل إن هناك علاقة عقائدية بينهما، والمنطق السياسي يقول: إنه عندما تشعر إيران بالخطر مع اشتداد الخناق عليها قد تستعين بداعش
* لا يزال أبو بكر البغدادي على رأس قائمة كبار المطلوبين في العالم، حتى بعدما خسر دولة «الخلافة» التي أقامها على أراض بين سوريا والعراق
 

كثيرة هي السيناريوهات التي تنبأت بمصير تنظيم داعش بعد «الباغوز»، وذلك مع إعلان قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، في مارس (آذار) الماضي، سيطرتها على البلدة، آخر جيب للتنظيم الإرهابي في شرق سوريا والقضاء على دولة «الخلافة المزعومة» التي كان قد أعلنها بعد أعوام من القتال، قام خلالها داعش بأبشع عمليات القتل والذبح ارتقت لجرائم ضد الإنسانية. وفيما استبشر العالم خيرا بعد سقوط الحصن الأخير للتنظيم، إلا أن الشكوك ظلّت تحوم حول مصير قياداته، وانتهاء دوره بصورة فعلية.
هذه الشكوك والتساؤلات تبددت سريعا مع الهجوم الدموي المتعدد الأهداف في سريلانكا والذي تبناه داعش، ناهيك عن إطلالة زعيمه أبو بكر البغدادي الاثنين الفائت عبر شريط مصور دعا فيه أتباعه إلى تنشيط عملهم بعد الخسارة الكبيرة التي مُني بها، متوعدا بأن التنظيم سيثأر لقتلاه وأسراه. هذان العاملان حملا رسائل متعددة لعلّ أبرزها أن دور التنظيم لم ينته بعد، إنما داعش اختارت التصعيد خصوصا مع هجمات سريلانكا التي راح ضحيتها 390 قتيلا.
لكن هل ثمة إمكانية للتنظيم في أن يستعيد دوره بعد الهزائم العسكرية المتتالية التي مني بها على مدى السنتين الماضيتين مع سقوط الموصل والرقة وخسارته دولة «الخلافة»، التي أقامها على أراض بين سوريا والعراق والتي كانت مساحتها 240 ألف كلم؟ وهل التنظيم قادر على تنفيذ وعيده بعدما أصبح طريدا يتحرك على طول الحدود الصحراوية بين العراق وسوريا؟
رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، قال الثلاثاء الفائت، إن «تنظيم داعش لا يزال يشكل خطرا كامنا في جميع أنحاء العالم، رغم تضاؤل قدراته، وإن الفيديو الذي ظهر فيه زعيم التنظيم تم تصويره في منطقة نائية».
ولم يحدد رئيس الوزراء العراقي في أي بلد تقع تلك المنطقة. وقال إن مقطع الفيديو المنسوب للبغدادي، هو محاولة لدعم أنصار التنظيم وإن داعش سيحاول تنفيذ مزيد من الهجمات.


 
هل انتهى شبح داعش فعليا؟
الخبير في شؤون الحركات الإسلامية الدكتور عبد الغني عماد، رأى في حديثه لـ«المجلة» أن «داعش دخل في مرحلة جديدة بعدما انتهت المرحلة السابقة والتي كان فيها تنظيم الدولة يتمركز على بقعة جغرافية محددة يزعم أنها تمثل نموذج (الخلافة)».
أما المرحلة الجديدة فبحسب عماد يمكن تسميتها بالخلافة السائلة بمعنى أنه ليس لها حدود جغرافية معينة بل تعتمد على الانتشار بأكثر من موقع يمكن أن تصل إليه وتستخدم أساليب متداخلة ومتعددة لمواجهة خصومها ومواجهة ما تزعم أنها تحاربه على مستوى السياسة الأميركية وغيرها.
 
هدف إطلالة البغدادي
وعن مغزى ظهور زعيم داعش أبو بكر البغدادي، يقول عماد: «صحيح أن التنظيم اعترف بالخسارة التي مني بها والتي أدت إلى فقدانه مركز الخلافة، إلا أنه عمليا ثمة تغيّر في الأساليب وهو ما أعلن عنه البغدادي في إطلالته الأخيرة، حيث أراد التأكيد على أنهم لا يزالون موجودين ويتهيأون للعب أدوار جديدة في المرحلة القادمة».
كما لفت عماد إلى أن «هناك إشارات كثيرة في هذا المجال والتطورات الأخيرة فيما يسمى ولاية خراسان لدى داعش يؤشر لتصاعد نفوذ تنظيم الدولة هناك إذا ما قورن بنفوذ القاعدة، إضافة إلى العملية الإرهابية التي حصلت في سريلانكا وما يجري في شمال أفريقيا وبوكو حرام يشير إلى الامتدادات التي يحاول تنظيم الدولة أن يثبت وجوده فيها».
وبرأي عماد: «طالما أن الأسباب التي أدّت إلى بروز ظاهرة تنظيم الدولة وما يسمى دولة الخلافة لا تزال موجودة والبيئة التي تغذى منها داعش في تجنيد واستقطاب أتباعه وكذلك نشر آيديولوجيته، والتي تتركز على محاور أساسية منها التهميش الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وهيمنة الاستبداد السياسي، إضافة إلى الحرب في سوريا، وهذه الوقائع في العراق والمنطقة العربية ككل لا تزال موجودة، وهذا ما سيساهم باستمرار نشأة الجهاديين الإسلاميين في المنطقة، لذا فإن إعادة انتعاش وتشكيل ظواهر التطرف والعنف ممكنة والبيئة مولدة لذلك على الرغم من جميع الظروف الأمنية والعسكرية التي تتعرض لها».
ورأى عماد أن «قيادة داعش بدأت منذ فترة بالعمل على إعادة ترميمه وتموضعه لمرحلة ما بعد خسارة دولة الخلافة، وفي المرحلة القادمة سوف يستخدم التنظيم أساليب تعتمد بشكل أساسي على الذئاب المنفردة والخلايا المنتشرة بشكل غير ظاهر، فلا يمكن تحديدها جغرافياً وضربها كما في السابق. إذ أصبحت الآن خفية وغير ظاهرة يعتمد فيها داعش على الأساليب القديمة التي كان يعتمدها تنظيم القاعدة، عبر الضربات الفجائية والخلايا النائمة كما العمليات الانتحارية التي تستهدف أماكن رخوة في أجهزة الأمن والعواصم الغربية، تستخدم كبنك أهداف وبالتالي فإن المواجهة في هذه المرحلة ستكون أصعب وأشد من السابق».

 

علي الأمين


 
توقيت ظهور البغدادي
الكاتب الصحافي علي الأمين، أكد في حديثه لـ«المجلة» أن داعش تلقى ضربة عسكرية كبيرة لا سيما أن التنظيم كان يقدم نفسه كطرف مختلف سياسيا ومن حيث سلوكه وأدائه بالمعنى العسكري والأمني عن تنظيم القاعدة الذي كان عبارة عن خلايا متنقلة، فيما أسس داعش دولة الخلافة في العراق وسوريا إلا أن هذا المشروع ضرب وانتهى. وبتقدير الأمين أن ما حصل مؤخرا من حيث إطلالة البغدادي هو لمحاولة القول إننا لا نزال موجودين لكن هذا لا يمنع القول إنهم تلقوا ضربة قوية أدت إلى تشتتهم وإلى انحسار قوتهم وتراجع قدرتهم المالية بعدما كانوا يستولون على آبار نفطية ويستفيدون منها ماليا من خلال التجارة غير القانونية.
كما رأى الأمين أن «إطلالة البغدادي هي رسالة بشكل أساسي لعناصره ومحازبيه الذين تشتتوا لا سيما أنها المرة الأولى التي يظهر فيها البغدادي منذ عام 2014. وبالتالي الهدف من هذه الإطلالة شد العصب وإعطاء المعنويات لعناصره بعد الخسائر التي مني بها التنظيم».
 
ما هي كفاءة وقدرة تنظيم داعش على الانتقال لصيغة عمل مختلفة تشبه إلى حد ما أسلوب القاعدة؟
أجاب الأمين أنه «لا يوجد خيار أمام التنظيم سوى الذهاب نحو هذا الأسلوب، مشيرا إلى أن «وجود جزء آخر يرتبط بفكر القاعدة وهو الجزء الأخطر، بمعنى أن هناك مجموعات وأفرادا يؤمنون بهذا السلوك الإرهابي والإجرامي ومواجهة هذا الأمر لا تتعلق فقط بالبعد الأمني والعسكري إنما تتطلب جهدا سياسيا وفكريا، لأن داعش وأمثالها هي تنظيمات عقائدية وليست عبارة عن مافيا يمكن القضاء عليها كليا، وبالتالي ما دام هؤلاء الأفراد موجودون فيمكن للأعمال الإرهابية للتنظيم أن تستمر».
ولفت الأمين: «لا شك أن هناك مناخات وأجواء تساعد تنظيم داعش على أن يبقى، وإن كان على غرار نموذج القاعدة، فصحيح أن تنظيم داعش انتهى أمنيا وعسكريا، ولكن لا تزال هناك أرضية تتفاعل مع فكر التنظيم الإرهابي وهذا التفاعل يأتي نتيجة أسباب سياسية ودولية وإقليمية».



هل يمكن لقوى إقليمية أن تستثمر هذا المناخ؟
رأى الأمين أن هناك أطرافا متعددة لها المصلحة في ذلك، مشيرا إلى أنه «في ظلّ الضغوطات الأميركية والحصار الذي تتعرض له إيران، ترافقت إطلالة البغدادي مع تضييق الخناق على طهران، على الرغم من عدم وجود معطيات دقيقة تؤكد أن هناك علاقة بين إيران وداعش، يقرأ البعض أن هناك القدرة لدى إيران على الاستثمار في هذا التنظيم مع تقاطع المصالح فيما بينهما»، وأضاف الأمين: «إذا راقبنا الخطاب الأخير للبغدادي نلاحظ أنه تحدث بشكل واضح ضد السعودية وأميركا ولم يأت على ذكر إيران وكأنه يؤكد مجددا أنه ليس من أولوياته مواجهة طهران، وهو ما يؤشر أن هناك تقاطع مصالح بينهما في مواجهة أميركا والسعودية إذا لم نقل إن هناك علاقة عقائدية بينهما».
ختاماً، قال الأمين: «المنطق السياسي يقول إنه عندما تشعر إيران بالخطر مع اشتداد الخناق عليها قد تستعين بداعش لتنفيذ عمليات إرهابية ضد السعودية وأميركا، لكن في الوقت نفسه داعش أصبح في وضع ضعيف وليس في وضع يقلب فيه الموازين ولكن لا شك أن هذا التنظيم الإرهابي يبقى مؤذيا ومزعجا».
 
ظهور البغدادي
لا يزال أبو بكر البغدادي الذي ظهر الاثنين الماضي للمرة الأولى منذ خمس سنوات في فيديو بثه تنظيم داعش، على رأس قائمة كبار المطلوبين في العالم، حتى بعدما خسر دولة «الخلافة» التي أقامها على أراض بين سوريا والعراق.
وفي تسجيل مصور مدته 18 دقيقة، ظهر أبو بكر البغدادي جالسا على الأرض وهو يتحدث إلى أعضاء في التنظيم، وظهر بعض المساعدين في الشريط المصور وهم يستمعون إليه ووجوههم مغطاة، وقال البغدادي في الفيديو إن تفجيرات عيد الفصح في سريلانكا، كانت ردا من داعش على خسائر التنظيم في بلدة الباغوز.
ويعد هذا المقطع، أول تسجيل مصور للبغدادي منذ ظهوره بمدينة الموصل العراقية في عام 2014.
وحرض البغدادي مقاتلي التنظيم الإرهابي على «الثأر»، وأكد البغدادي في التسجيل أن معركة الباغوز في سوريا قد انتهت. وأضاف أن مقاتلي الدولة الإسلامية نفذوا 92 عملية في ثماني دول «ثأرا لإخوانهم في الشام». وأشار إلى أن معركة الدولة الإسلامية اليوم هي معركة استنزاف ومطاولة للعدو. وقال إن التنظيم سيثأر لقتلاه وأسراه.
وكان البغدادي قد نشر تسجيلا صوتيا في شهر أغسطس (آب) الماضي، طالب فيه مساعديه بالصبر ومتابعة القتال.
وكانت المرة الأخيرة التي ظهر فيها البغدادي في عام 2014، بعد أن تمكن تنظيم داعش آنذاك من السيطرة على مناطق شاسعة في العراق وسوريا يقطنها 7 ملايين شخص.

font change