
يكتشف المتتبع لهذا التاريخ أن أول عناصر هذا النموذج هو وصول العلاقة بينهم وبين سلطة الحكم إلى حد الصدام العنيف دائماً، وهو ما يمكن تفسيره بأنهم قوة تسعى إلى تغيير الوضع الراهن لذا فإن سيناريو الصدام مع هذا الوضع وترتيباته مطروح دائماً طالما أن السلطات القائمة لن ترضى التنازل عن أدوارها (ومكاسبها) طواعية، خاصة وأن العنصر الثاني في نموذج العلاقة يشير إلى مبدأ "المغالبة" وليس "المشاركة"، وهو ما يعني أن الإخوان لم يرضوا دائماً بالحلول الوسط.
يتضح هذا من علاقة الإخوان بالنظام الملكي قبل ثورة يوليو1952 حيث بلغ اقترابهم من الملك مبلغه، لكن اتضاح نواياهم واعتمادهم على العنف في تحقيق أهدافهم عجل بانقلاب السلطة عليهم، لتحدث سلسلة من الاغتيالات المتبادلة وصولاً إلى اغتيال المرشد العام للجماعة، وهكذا خرج الإخوان من أولى تجاربهم صفر اليدين، بل لقد وضعوا أنفسهم في بؤرة اهتمام الأجهزة المنوط بها حفظ أمن النظام لنصل بعد ذلك مباشرة إلى بداية علاقتهم بثورة يوليو1952، حيث كان بعض قيادات تلك الثورة معجباً بالإخوان وحركتهم السياسية ناهيك عن استنادهم إلى "شرعية دينية" بالنسبة لمن كان من تلك القيادات ذا ميول دينية واضحة، وهكذا انضم نفر من قيادات الضباط الأحرار إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، وأقسموا يمين الولاء لمرشدها العام، مما مكنهم من اختبار التنظيم من داخله، وهي عملية أدت في التحليل الأخير إلى خروجهم من الجماعة، وإن بقي في مجلس قيادة الثورة من يتعاطف معهم أو يحافظ على صلة بهم إلى أن قامت الثورة، ثم حلت الأحزاب السياسية واستثنت جماعة "الإخوان المسلمين" باعتبارها ليست حزباً.
صدام سياسي
هكذا أصبحت الساحة السياسية محملة بإمكانات أكبر لحركتهم السياسية، وعندما طلب جمال عبد الناصر قائد الثورة من الإخوان أن يرشحوا له ثلاثة من كوادرهم لتولي مناصب وزارية في حكومته رفضوا طلبه وأصروا على أن يكون لهم وحدهم حق الحكم باعتبار ما كان من صلة تنظيمية بين عدد من قيادات الثورة وبين الجماعة، غير أن عبد الناصر مضى في طريقه واختار بنفسه ثلاثة وزراء منهم مجسداً ذلك الصدام السياسي معهم، وهو ما ترجم في شهور قليلة إلى ذروة الصدام العنيف بمحاولتهم الفاشلة اغتيال عبد الناصر في أكتوبر1954، وأعقب ذلك أكبر حملة اعتقالات في تاريخ الإخوان حيث زج بعشرات الآلاف منهم في المعتقلات في ليلة واحدة، ووصل الصدام بينهم وبين سلطة ثورة يوليو بهذا ذروته، وساعد المشروع الوطني ذو الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية على أن يخسروا معركتهم ضد الثورة التي كانت شعبيتها وشعبية زعيمها آخذة في التزايد مع المضي قدماً في تنفيذ ذلك المشروع.
وعندما أعطاهم عبد الناصر فرصة جديدة في 1964 بالإفراج عنهم شهد العام التالي (1965) تنظيماً يحاول تحقيق أهدافهم بالعنف، فعادت الأمور بينهم وبين الثورة سيرتها الأولى، وهكذا انتهى عهد عبد الناصر بوفاته في 1970 ونموذج الصدام بينه - باعتباره يمثل سلطة الثورة - وبين الإخوان المسلمين المعارضين له على ما هو عليه.
ثم شاءت الظروف إبان حكم أنور السادات (1970-1981) أن يعطوا فرصة جديدة. كان السادات ضائقاً بالمعارضة اليسارية والناصرية له، ولذلك استمع إلى نصيحة من أشار عليه بأن يفتح مع جماعة الإخوان المسلمين صفحة جديدة علّها توازن النفوذ المناوئ للسادات، وقد كان، فأخرجهم من المعتقلات، ومنحهم حرية في الحركة فبدأ الصعود الثالث للإخوان المسلمين، لكن انتهاء حكم السادات في 1981 على أيدي عناصر إسلامية أثار علامات استفهام حقيقية مجدداً عن الإخوان، ومدى استعدادهم للانضواء في نظام تعددي للحكم لا يتخذ من أيديولوجيتهم أساساً لشرعيته، وعلى الرغم من أن من خططوا لاغتيال السادات ونفذوه لا يمكن حسابهم بالضرورة على "الإخوان المسلمين" إلا أنه كان طبيعياً أن تناصب القيادة الجديدة (حسني مبارك 1981- 2011) جماعة الإخوان والتنظيمات الإسلامية كافة التي خرجت من عباءتها العداء، فشهدت مصر عقوداً ثلاثة من الإرهاب والدم، ووصل الصدام بين "الجماعة" وبين السلطة ذروته في تلك العقود.
ثورة يناير
عندما تفجرت ثورة يناير 2011 كان أصحاب الفضل المباشر فيما وقع هم تلك الفئة المناضلة من شباب مصر التي كانت منذ عام على الأقل ترفع صوتها مطالبة بأبسط الحقوق ووقف انتهاكها الفاضح على أيدي المؤسسة الأمنية، وانتقلت الشرارة الأولى من هؤلاء الشباب إلى الشعب مباشرة لينتج عن هذا التفاعل واحدة من أعظم ثورات مصر والوطن العربي ناهيك عن مردودها في الساحة الدولية.
ولابد أن تكون قيادة الإخوان في ذلك الوقت قد وازنت بين مشاركتها في الثورة مما يعطيها الحق في صياغة مستقبلها وبين الامتناع عن هذه المشاركة، تحسباً لاحتمالات إخفاقها وما سوف يعقب هذا الإخفاق من بطش بقوى الثورة يمكن أن يؤدي إلى ضربات أمنية موجعة تمس بنية التنظيم الذي نجحوا في تحقيق صموده بوجه السلطات في الحالات العادية، أما تكرار تجربة 1954 على سبيل المثال فسوف يعيد التنظيم إلى الوراء ربما لعقود أخرى قادمة، غير أن صمود الثورة وتعاظم قواها لابد أن يكون قد حسم الأمر لصالح المشاركة، وللأمانة فقد تصرف شباب الإخوان أو قطاع منهم على الأقل بوحي من ضميره الوطني وليس التزامه التنظيمي، وكانت "موقعة الجمل" الشهيرة شهادة في حق هؤلاء الشباب الذين شهدت لهم قوى الثورة كافة بدورهم البطولي في الدفاع عن الثورة والثوار إبان تلك الموقعة التي كان من شأنها أن تحسم مستقبل الثورة.
غير أن جماعة "الإخوان المسلمين" بعد أن حسمت أمرها بالمشاركة في الثورة كانت أول من استجاب لدعوة اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة ونائب مبارك لاحقاً إلى الحوار، وهو تصرف لقي استهجاناً من قوى ثورية عديدة، ويبدو أن "الجماعة" بهذا التصرف قد واصلت تحسبها لأية آثار كارثية لهزيمة الثورة على بنيتها التنظيمية، ثم غمر المد الثوري القوى كافة وحُسم الأمر لصالحه في النهاية وتنحى الرئيس السابق وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد.
[caption id="attachment_55235475" align="alignleft" width="300" caption="سعد الكتاتني.. الاخوان يسيطرون على مجلس الشعب"]

وعندما أصبح المجلس الأعلى للقوات المسلحة في موقع المسؤولية على خلفية من موقف مشرف إزاء الثورة تصور البعض وربما الكثيرون أن حظوظ الإخوان في المشاركة في صياغة مستقبل مصر قد تراجعت لما هو معروف من أن المؤسستين العسكرية والأمنية قد أقيم بناؤهما على أساس معاداة الإخوان المسلمين باعتبارهم الخصم الأول للنظام السابق، غير أن شيئاً غامضاً قد حدث في ذلك الوقت، إذ بدا وكأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أقرب إلى الجماعة منه إلى أية قوة سياسية أخرى، وانعكس ذلك على تشكيل لجنة تعديل الدستور التي رأسها من هو محسوب على الجماعة فكرياً على الأقل، كما أن أحد المنتمين تنظيمياً إلى الجماعة من أصحاب الصوت العالي قد وجد طريقه إلى عضوية اللجنة التي لم يعرف عن باقي أعضائها عداء "للإخوان المسلمين"، ولا يدري أحد على سبيل اليقين حتى الآن هل أقدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة على خطوته هذه لحسابات سياسية رأى فيها أن يحيِّد الإخوان سياسياً بإعطائهم ذلك الدور البارز في وضع معالم التعديلات الدستورية، أم أنه استمع إلى مشورة متعاطفة مع الإخوان؟
وقد يكون الأهم من ذلك كله هو نتاج عمل اللجنة من تعديلات دستورية حظيت بموافقة نسبة من الشعب تزيد على الثلثين، وهي التعديلات التي استند إليها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إصدار "الإعلان الدستوري" في الشهر ذاته الذي أقرت فيه التعديلات الدستورية (مارس 2011)، وترتب على هذا كله ذلك الترتيب الخاطئ لخطوات البناء الجديد في مصر بحيث تبدأ بالانتخابات البرلمانية ثم إعداد الدستور الجديد على يد جمعية تأسيسية "ينتخبها" مجلس الشعب على أن تنتهي خطوات البناء الجديد بانتخابات رئيس الجمهورية.
تديين السياسة
في تلك المرحلة تأكدت سمة من سمات نموذج علاقة "الجماعة" بالسلطات القائمة، فثمة استعداد دائم للتحالف مع السلطة أو للتواصل معها، كما برزت سمة أخرى بمنتهى الوضوح وهي "تديين السياسة" فهناك أولاً تأسيس حزب "الحرية والعدالة" ليكون "الذراع السياسي" للجماعة، وهي صيغة رأى الكثيرون أنها تتنافى وقانون الأحزاب الذي يمنع نشأتها على أساس ديني، وهناك ثانياً تصوير الاستفتاء على التعديلات الدستورية وكأنه معركة لنصرة الانتماء الإسلامي للدولة المصرية، فمن يوافق على التعديلات يسلم في الوقت نفسه بهذا الانتماء، أما من يرفض فهو يفتح الباب واسعاً "للعلمانية" المناهضة للإسلام، وقد أدارت الجماعة معركة الاستفتاء هذه استناداً إلى هذا "المضمون الديني" واستخدمت فيها المساجد وأئمتها على نطاق واسع أفضى في عديد من الحالات إلى تلاسن بين بعض المصلين وبين أئمة تلك المساجد.
نصل بعد ذلك إلى مرحلة الانتخابات البرلمانية التي توضح بجلاء غلبة مبدأ "المغالبة" على "المشاركة" في علاقة الجماعة بغيرها من القوى السياسية، ففي البدء سارت تصريحات مسؤولي الجماعة في اتجاه "المشاركة" بمعنى أن الجماعة لا تريد الاستئثار بالأغلبية البرلمانية كوسيلة لطمأنة القوى السياسية الأخرى، فأكدت تلك التصريحات أن الجماعة لا تنوي التقدم بمرشحين في تلك الانتخابات إلا بما نسبته 35 في المائة من الدوائر، ثم بدأت هذه النسبة تتحرك بالزيادة إلى أن وصلنا إلى القول بأنك إن أردت الفوز بنسبة 35 في المائة من مقاعد البرلمان يتعين عليك أن تترشح في 50 في المائة من الدوائر، وعندما حل موعد الترشح تقدم الإخوان بمرشحين في الدوائر كافة باستثناء عدد قليل منها ترك لأحزاب صغيرة دخلت مع الإخوان فيما سمى "بالتحالف الديمقراطي" كنوع من التمويه على فكرة الاستئثار بالسلطة.
وقد حصل حزب "الحرية والعدالة" على ما يزيد عن 40 في المائة من مقاعد مجلس الشعب لكي تصبح أغلبية الثلثين في المجلس من نصيب التيار الإسلامي بمعناه الواسع بعد أن نجح حزب "النور" السلفي في الحصول على ما يزيد على 20 في المائة من مقاعد المجلس، وتكرر النموذج نفسه في انتخابات مجلس الشورى التي تميزت بتراجع حاد في نسبة مشاركة الناخبين في العملية التصويتية (حوالي 7 في المائة)، وقد رأى البعض أن هذه النسبة تمثل الوزن الحقيقي للتيار الإسلامي في الساحة السياسية المصرية، أما ما زاد على ذلك – وهو كثير - في انتخابات مجلس الشعب فقد كان مصدره الأنصار والمتفائلين خيراً بنزاهة الإخوان، والمستفيدين من نشاطهم الاجتماعي عامة وقبل الانتخابات خاصة.
مبدأ الاستئثار
ثم تأكد مبدأ الاستئثار في تشكيل لجان المجلسين حيث إنه باستثناء منصبي الوكيلين في كل مجلس ظفر حزب "الحرية والعدالة" بالمناصب القيادية في اللجان بما يتجاوز نسبة أكثريته البرلمانية، ولم تترك أية مناصب قيادية إلا لنفر قليل من ممثلي الأحزاب المتناهية في الصغر التي رضيت الانضواء تحت راية الجماعة في "التحالف الديمقراطي"، وقبلت بالفتات في المجلسين حيث توزعت بين الأحزاب الثلاثة صاحبة أكبر عدد من المقاعد وهي "الحرية والعدالة" (الرئيس) و"النور" (أحد الوكيلين) و"الوفد" (الوكيل الثاني).
نصل بعد ذلك إلى محطة "الجمعية التأسيسية" للدستور، وقد نص الإعلان الدستوري دون أي تحديد أو معايير على أن "ينتخب" الأعضاء المنتخبون في مجلسي الشعب والشورى مائة عضو يشكلون هذه الجمعية، وفي تفسير الاجتماع المشترك للأعضاء المنتخبين في المجلسين رؤي الأخذ بوجهة النظر القائلة بإمكان أن يقوم هؤلاء الأعضاء بانتخاب أعضاء من بينهم لعضوية الجمعية التأسيسية، بينما كانت وجهة النظر الثانية ترى أن الانتخاب يجب أن يكون من خارج المجلسين، وانتهى الأمر في الاجتماع المشترك إلى مبدأ المناصفة (50 في المائة من الأعضاء من المجلسين والباقون من الشخصيات العامة).
[caption id="attachment_55235476" align="alignright" width="300" caption="المرشد محمد بديع.. صاحب القول في الفصل"]

وإذا كان من الطبيعي أن تنعكس الأغلبية البرلمانية على الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى فإن الأمل كان معقوداً على أن يكون باقي الأعضاء من الشخصيات العامة ممثلين لأطياف المجتمع السياسية كافة بما يحقق التوازن المطلوب في تشكيل الجمعية التأسيسية، لكن الانحياز كان فاضحاً للشخصيات العامة المنتمية للتيار الإسلامي أو على الأقل المتعاطفة معه، وترتب على ذلك على سبيل المثال غياب عدد من أساتذة القانون الدستوري البارزين عن عضوية "الجمعية التأسيسية"، فيما مثل فيها من ليس ذا صلة أو خبرة تذكر في وضع الدساتير لمجرد رضا "الجماعة" أو حزب "النور" السلفي عنه، خاصة وقد كانت هناك قائمة موحدة للمطلوب انتخابهم في عضوية "الجمعية التأسيسية" أعدت بمعرفة حزبي "الحرية والعدالة" و"النور" ووزعت على ممثليهما في المجلسين، وتم الالتزام بها في التصويت إلى حد بعيد، ويعني هذا أن ثمة احتمالاً كبيراً لأن يكون القائمون بالانتخاب على غير دراية بمن انتخبوهم.
غير أن تشكيل "الجمعية التأسيسية" للدستور على هذا النحو المعيب كان منعطفاً في مسار "الجماعة" ومعها حزب "النور" السلفي نحو الاستئثار بالسلطة وإقامة نظام شمولي يستمد شرعيته من الدين، فقد رفضت القوى المدنية كافة هذا التشكيل وتوالى انسحاب ممثليها من الجمعية، بل إن الأزهر نفسه ومعه الكنيسة الأرثوذكسية المصرية وغيرها من كنائس أقباط مصر قد رفضوا التشكيل لعيوبه الواضحة، وانتهى الأمر بنفر من أساتذة القانون الدستوري ومعهم عدد من النشطاء السياسيين البارزين إلى رفع دعوى أمام القضاء الإداري ببطلان التشكيل، وصدر الحكم في الدعوى بوقف قرار تشكيل الجمعية على النحو الذي مثَّل أول عقبة في اندفاع الإخوان إلى الاستئثار الكامل بكل شيء، ووضعهم في وضع بالغ الحرج، فهم لا يستطيعون التنكر لأحكام القضاء، وكم حذروا في تحركاتهم من الالتفاف على الإرادة الشعبية، وبالتالي بدأت من جديد جهود تشكيل "الجمعية التأسيسية" على أسس جديدة أظن أنها سوف تكون أكثر تمثيلاً للأطياف السياسية حيث لا يمكن للجماعة أن تخاطر مرة ثانية بتشكيل ترفضه كافة قوى المجتمع غيرهم، ويبطله القضاء. والدرس المهم في خبرة تشكيل "الجمعية التأسيسية" هو أن وقف مسيرة الجماعة نحو احتكار السلطة وارد إذا ما توحدت قوى المجتمع الأخرى ضد هذا الاحتكار.
المحطة الأخيرة
نصل إلى المحطة الأخيرة في علاقة الأخوان بالثورة وهي الانتخابات الرئاسية، وقد كرر "الإخوان المسلمون" في هذا الصدد ما فعلوه في الانتخابات البرلمانية، فبدأوا بتأكيد ألا ناقة لهم ولا جمل في الانتخابات الرئاسية، ولذلك فلن يكون لهم مرشح في هذه الانتخابات، وقد كان هذا مقبولاً في البداية على أساس أن "الجماعة" قد سيطرت على مجلسي الشعب والشورى، وأن الدستور سوف ينص بالتأكيد على حق الأغلبية في تشكيل الوزارة، كما أنه – وقد كان متصوراً أن يتم وضعه برضا كامل من الجماعة - يمكن أن يقلص سلطات رئيس الجمهورية إلى أدنى حد ممكن، وفي هذا الإطار وقع الخلاف بين قيادة الجماعة وبين الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح العضو في الجماعة آنذاك لإبدائه رغبته في الترشح لمنصب الرئيس، وتم فصله من الجماعة استناداً إلى مخالفته موقفها بشأن عدم التقدم بمرشح في الانتخابات الرئاسية.
ثم بدأ الموقف كالعادة يتحول في اتجاه أقرب إلى نية الجماعة المنافسة على منصب رئيس الجمهورية، فبدأ الحديث عن تأييد الجماعة لمرشح ذي مرجعية إسلامية، ثم انتهى الأمر كالعادة بإعلان نية الجماعة التقدم بمرشح عنها للانتخابات الرئاسية بحجة أن الثورة في خطر! ، وهي في خطر بالفعل ليس لأن رئيس الجمهورية لن يكون من الإخوان، ولكن لأنهم كفصيل من فصائل الثورة يريدون إقصاء باقي القوى عن المفاتيح الحقيقية للسلطة السياسية، وأغلب الظن أنهم خشوا أن يضيع منهم المنصب في ظل ممانعة باقي قوى المجتمع لاحتكار السلطة من قبلهم، وهكذا برز رجل الأعمال الناجح "خيرت الشاطر" نائب المرشد العام كمرشح للجماعة في الانتخابات الرئاسية، وكأن الثورة لم تستهدف علاقة الثروة بالسلطة، ولأن ثمة إشكالية قانونية تحيط بوضع خيرت الشاطر بسبب أحكام صدرت ضده في العهد السابق فقد زادت قيادة الجماعة على ذلك بتقديم مرشح آخر (احتياطي!) هو الدكتور محمد مرسي رئيس حزب "الحرية والعدالة".
وقد أحدث هذا التغيير الجذري في سلوك الجماعة السياسي تجاه الانتخابات الرئاسية هزة عنيفة في المجتمع كان من توابعها مبادرة اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة في عهد مبارك ونائبه في أيامه الأخيرة بترشيح نفسه، وإعلانه أنه فعل ذلك لمواجهة احتمالات سيطرة الإخوان على السياسة المصرية بالكامل، واستخدم تعبير أنه جاء "كي يخلع العمامة الإخوانية" من على رأس مصر، مع اتهامات صريحة للجماعة بأنها تقف وراء الهجوم على أقسام الشرطة وحرقها في أيام الثورة الأولى، وقد أصيب الإخوان وغيرهم بنوع من الهستيريا بسبب هذا الترشح، ووصل الأمر إلى حد إقرار تشريع في مجلس الشعب يكاد أن يكون مفصلاً على عمر سليمان يمنعه من الترشح، مع أن آخر رئيس وزراء في عهد مبارك (الفريق أحمد شفيق) لم يدع مجالاً للشك منذ شهور في أنه سيرشح نفسه في الانتخابات دون أن تهتز للإخوان شعرة واحدة.
وقد كان "قانون عمر سليمان" تذكرة بالعهد البائد الذي كان يتصور أن يواجه خصومه بتشريعات تتناول حالاتهم حتى شاع وصف "ترزية القوانين" في ذلك العهد. والأهم من ذلك أن تجربة "الجماعة" مع الانتخابات الرئاسية تثبت بما لا يدع مجالاً لأدنى شك مسألة "تديين السياسة" بعيداً عن الادعاء بأن الجماعة شيء وحزب "الحرية والعدالة" شيء آخر، فقد أتى ترشيح خيرت الشاطر مباشرة من مجلس شورى الإخوان ومكتب الإرشاد وليس من الحزب.
ويتصور البعض – وربما الكثيرون - أن تغيير الجماعة المستمر لمواقفها من العملية السياسية المصرية من شأنه أن يفقدها نسبة ممن أيدوها في الانتخابات البرلمانية، وهو تصور سوف يكون الدكتور محمد مرسي – المرشح الباقي للجماعة في الانتخابات الرئاسية - موضع اختبار بشأنه.