الرئيس رفيق الحريري لـ«المجلة»: لم أصبح رئيسًا للحكومة لأني بليونير

الحرية لا تقاس بالتظاهر... ولدينا مجلس نيابي يتكلم فيه جميع النواب عن هموم المواطن

الرئيس رفيق الحريري لـ«المجلة»: لم أصبح رئيسًا للحكومة لأني بليونير

* نعم ما زلت أحمل جواز سفري السعودي
*الدولة اللبنانية ستراقب عمل المحطات مع بدء البث من لبنان، علما أن «LBC» تبث من روما، و«المستقبل» يبث تجريبيا. 

المرة الأخيرة التي قابلت فيها رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري كانت في منزله في العاصمة الفرنسية في خريف 1993، وأتذكر جيداً أنني تركته غاضباً من الحديث، معترضاً على الأسئلة وتعقيباتها. وفي هذه المرة التقيته في بيروت، وأول انطباع سجلته عنه الهدوء، بما أكد لي أنه نمى لنفسه جلدًا خشنًا يتحمل فظاظة الصحافة ويقيه سهام الإعلاميين، حتى إن أحد الزملاء علق ممازحًا بأن الحريري صار «معلم» والحقيقة التي يعرفها الكثيرون أن لبنان أكبر مقهى عربي للسياسة، على الرغم من صغر حجمه، أخباره بعدد فناجينه، وصحافته تمثل أطول وسائل الإعلام العربي لسانا، وأكثرها نفوذًا، لهذا كان أمام الحريري أن يخرج منها إما مهزومًا أو معلمًا... 
سألته عن ثرائه ومحطة تلفزيونه وجيرانه وجوازه وظل في جلسته هادئًا رغم وجود أكثر من مائة زائر ينتظرونه في الغرفة المجاورة. شاركني في الحوار زميلي الأستاذ إبراهيم عوض مدير مكتب «المجلة» في بيروت، وتم بحضور الأستاذ نهاد مشنوق المستشار الصحافي لرئيس الوزراء.
 
في الطائرة التي أقلتني إلى بيروت لاحظت أن غالبية الركاب من الآسيويين، ومن المؤكد أن هؤلاء لم يأتوا للنزهة بل جاءوا للعمل، ولكن أين اللبنانيون؟
- هناك ورشة كبيرة في البلاد وهذه الورشة تحتاج إلى يد عاملة من كل الاختصاصات.
 
*هل لهذا علاقة بكلمة نسبت إلى رئيس الجمهورية إلياس الهراوي أن «اللبنانيين كسالى لا يقبلون أي نوع من الأعمال؟
- كلا، لا علاقة إطلاقًا، السبب هو وجود ورشة كبيرة تحتاج إلى عمالة كبيرة.
 
* كم يبلغ عدد العاملين غير اللبنانيين في لبنان؟
- الأرقام تتراوح حسب المواسم، هناك مبالغات في هذا الموضوع، بعض الصحف تتكلم عن ملايين، وأنا لا أعتقد بوجود مثل هذا العدد الذي يبقى دون الـ500 ألف عامل من السوريين وغيرهم.
 
* ألا توجد لديكم أرقام دقيقة في هذا المجال؟
- لدينا أرقام شبه دقيقة. بسبب التغيرات التي تطرأ حسب المواسم؛ ففي أثناء مواسم الزراعة مثلا يتزايد العدد، وعندما تنتهي هذه المواسم يقل العدد بنسبة كبيرة.


 
* لقد أصدرتم قرارا بمنع التظاهر، ألا تعتقدون، أن من حق الناس التظاهر وفقًا للنظام اللبناني؟
- لا أحد يستطيع أن يدعي أن لا حرية في لبنان أو أن الحرية عندنا في خطر. الناس تكتب وتتكلم وتعبر عن رأيها بكل حرية ولم نسمع بأن شخصا اضطهد لإبدائه رأيا. وأكثر من ذلك أقول هناك نوع من المبالغة تصل إلى التهجم، ومع ذلك لم تحاول الحكومة أن تحاسب أحدًا على شيء قاله إطلاقًا. وحكومتي هي التي تقدمت بمشروع قانون صُدق عليه في مجلس النواب لتعديل المرسوم الاشتراعي 104 الذي كان يتضمن بعض الحد من حرية الصحافة والصحافي.
 
* وهل تعتبر هذا بديلا لحق التظاهر؟
كلا، إنما الحرية لا تقاس بالتظاهر. لدينا مجلس نيابي يتكلم فيه جميع النواب- عن هموم المواطن - في كل الموضوعات والصحافة تكتب في كل الأمور. لا أحد يستطيع أن يشكو من قلة الحرية في البلد، الحرية لا حدود لها، وهذا أمر معروف، لكن موضوع التظاهر هو موضوع آخر له علاقة بالأمن والأوضاع التي تعيشها البلاد، ونحن نحرص على وضع معين لدينا وعلى تثبيت الأمن والاستقرار في البلد الذي دفع الثمن غاليا نتيجة الفلتان الذي حصل في السنوات السابقة. إن التجربة التي يخوضها لبنان، تجربة فريدة، فلم يحصل في التاريخ أن خاضت حربًا أهلية وأتى بعد الحرب الأهلية نظام ديمقراطي، فالعادة جرت في هذه الحال أن تأتي أنظمة متشددة. لكننا نخوض تجربة فريدة وناجحة. الناس تستطيع أن تتكلم عبر كل الوسائل، لكننا نترك هذا الهامش البسيط للحكومة من أجل الحفاظ على الأمن.
 
* يقال إنه ما يزال لديك نوع من الحساسية تجاه النقد، كما يقال إن هذه من العادات التي أخذتها من المملكة العربية السعودية، في حين أن لبنان بلد متعدد الطوائف والمذاهب والانتماءات؟!
- لقد قضيت 28 سنة في السعودية، أي أكثر مما قضيته في لبنان، لكنني لبناني وأعرف لبنان وخصوصيته. والسؤال هنا ما هو حجم هذه الخصوصية؟ وهل هي 100 في المائة؟ البعض يحاول أن يقول إن لدى لبنان الخصوصية في كل شيء، لكن أنا أقول إن هذا الأمر غير صحيح. لدى لبنان الخصوصية في مجموعة من الأمور لكنه بلد كغيره في كثير من الأمور الأخرى. باب الخصوصية هذا دخل الكثيرون منه ليجعلوا من هذا البلد بلدا بلا مقومات تحت شعار الخصوصية. 
في لبنان مسيحيون ومسلمون ولدينا ترتيب معين لتعيش كل الطوائف وتشعر أنها مشاركة في الحكم وتسير أمور البلاد، لكن لا خصوصية لدينا في كثير من المواضيع. البعض يحاول، وتحت شعار الخصوصية اللبنانية، الدخول لجرنا إلى مجموعة من المخالفات التي تؤدي بالنتيجة إلى تفريغ الدولة من محتواها. وأنا لا أؤيد أن يصبح الاستثناء قاعدة. أنا أؤمن بخصوصية لبنان في أمور محددة ومحدودة. أما جر الخصوصية على كل الحياة اللبنانية فهو شيء فيه خطأ. أما القول بأنني أمتعض من النقد فغير صحيح. أنا أمتعض من الافتراء.
 
* كيف تفسر الافتراء؟
- عندما يختلق أحدهم قصة غير حقيقية ويلصقها بي. هناك كلام أقرب إلى الشتيمة منه إلى النقد. وهذا كلام يسيء إلى الحرية ويسيء إلى الجو العام في البلاد.
 
* هل هو كيد سياسي؟
- لا... لا أعتقد، لاعلاقة له بالسياسة ولا العمل العام ولا بأي شيء سوى أن بعض الأشخاص تسنى لهم الوصول إلى وسيلة محمية بالقانون راحو يكتبون ما يحلو لهم هكذا على هواهم.
 
* ألا تعترف بوجود مشكلة رئيسية لها علاقة بصورة رئيس للحكومة دخل إلى البلاد وإلى رئاسة الحكومة مباشرة وهو بليونير؟
- أنا لم أدخل إلى الحكومة بكوني بليونيرا، بل لأني أمثل ثقة في عيون الناس أكثر من أي شيء آخر خلال السنوات العشر التي سبقت وصولي إلى الحكومة في العام 1992، ارتبط اسمي بأمرين أساسيين؛ الأول أنه لم يكن هناك من محاولة لوقف النار إلا وكان لي يد فيها بشكل أو بآخر. والثاني هو مساعدتي لأهل وطني أثناء المحنة وما زلت. لكن السؤال: أين مشاريع رفيق الحريري «البليونير» في هذا البلد؟
 
* أين هذه المشاريع؟
- غير موجودة. أعمالي ما تزال في المملكة العربية السعودية. في بلدنا كل الأمور معروفة فليسم أحدهم مشاريعي إذا كانت موجودة.
 
* البعض يقول: «سوليدير»؟
- «سوليدير» مشروع كنت وراءه قبل قدومي إلى رئاسة الحكومة. وعندما توليت رئاسة الحكومة كانت لجان التخمين قد تشكلت والسير بعملية تأسيس الشركة مستمر. وبعد وصولي بفترة بسيطة لا تتعدى بضعة أشهر وصل الموضوع إلى مرحلة الاكتتاب فوقعت بين أمرين أحلاهما مر. فإذا ساهمت سيقال إن رئيس الحكومة يساهم في مشروع كبير في البلاد. وأذا لم أساهم فلن يساهم أحد، وفي نهاية المطاف قررت المساهمة وأعلنت أن أي إيراد يأتي من مساهمتي في الشركة سأوزعه على الجمعيات الخيرية. وهكذا فعلت. وبالنتيجة فإن مساهمتي لا تزيد على 7 في المائة فقط.
 
* ألا تشعر بحساسية تجاه هذا الموضوع (بليونير ورئيس حكومة)؟
- طبعا أشعر بالحساسية، فمكانتي المالية مجال لابتزاز سياسي. فأنا أسمع إشاعات غير طبيعية.
 
* هل اضطررت يوما إلى تغيير موقف معين حتى تتخلص من هذه الحساسية؟
- كلا بالعكس، مع أني لو فعلت لوفرت على نفسي الكثير.
 
* لقد حازت حكومتك الثقة بأغلبية ساحقة في البرلمان، والبعض يتساءل عن كيفية «تسديد فواتير» هذه الأغلبية على الساحة؟
- قبل الانتخابات كانوا يستطيعون قول ما يشاءون، لكني نجحت في الانتخابات برقم غير بسيط وانتخبت نائبا عن بيروت وأنا لست من بيروت وهذا الأمر يحصل لأول مرة في لبنان، فلا أحد استطاع أن ينجح في فرض زعامته في بيروت وهو من خارجها وهذا دليل أن لا وجود لفواتير.
 
* لكن مشاريعك مستمرة كـ«سوليدير» وتلفزيون «المستقبل»؟
- ولماذا تتوقف؟ لو لم أكن رئيس وزراء وكنت على رأس «سوليدير» لسارت الأمور بشكل أفضل، وهل تعتقد لو كان هناك رئيس وزراء آخر ألا يعطي رخصة لتلفزيون «المستقبل»؟ لا أحد يستطيع أن يرفض، كذلك أعطينا تلفزيون «LBC» رخصة مع أننا لسنا على وفاق سياسي معه. لكنه التلفزيون الأول في البلاد.
 
* و«المستقبل» أين موقعه؟
- قد يكون الثاني.
 
* كيف ستحلون قضية العاملين في المحطات الإذاعية والتلفزيونية التي ستقفل؟
- ستعالج هذه القضية في إطارها.
 
* لكن يبدو أن القضية مستمرة؟
- إن أشد المعارضين لتطبيق قانون الإعلام لم يطالب ببقاء كل المحطات عاملة.
 
* هل وصلتكم شكاوى على المحطات الفضائية التي تبث من لبنان؟
- لا. لكني لا أستبعد أن يحصل ذلك. الدولة اللبنانية ستراقب عمل المحطات مع بدء البث من لبنان، علما أن «LBC» تبث من روما، و«المستقبل» يبث تجريبيا. وسيتم التركيز على عدم خدش حياء أحد وأن يتماشى ما يقدم مع التقاليد العربية. كما أن البرامج والأخبار السياسية ستخضع لإشراف مباشر فنحن حريصون جدًا على علاقتنا الخارجية.
 
* أي ستكون هناك رقابة عليها؟
- نعم.
 
* كم مرة ذهبت إلى سوريا منذ توليت رئاسة الحكومة؟
- اسألني كم مرة ذهبت منذ 1982، فأنا لم أغير عاداتي. كنت أذهب وما زلت، فلدي صداقات شخصية مع بعض الشخصيات السورية وأحيانا أذهب لمواضيع لها علاقة بالعلاقات بين البلدين ومعظم الأحيان أذهب للتداول، فالوصول إلى هناك لا يستغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة عن طريق البر.
 
* هل نستطيع أن نقول إن المعدل مرتان في الشهر؟
- لا أستطيع أن أحدد قد يكون في هذه الحدود.
 
* بما أن سوريا هي الشقيقة الكبرى للبنان ألا تذهبون أحيانا لأخذ «المباركة» لقرار ما أو لأخذ توجيه معين؟
- كلا، هناك أمران نتشاور بهما وننسق فيهما وهما المواضيع الأمنية بسبب وجود الجيش السوري في لبنان وهذا أمر طبيعي. وكذلك مواضيع السياسة الخارجية المتعلقة بالمفاوضات العربية والإسرائيلية.
 
* ألم يطرح عليكم رسميًا موضوع «لبنان أولا»؟
- «لبنان أولا» لم يطرح علينا إلا إعلاميا، فلم يحدث أن قدم لنا الأميركيون مثل هذا العرض نقلا عن إسرائيل، أو أن أحد المسؤولين الذين زاروها نقل إلينا شيئا مماثلا. والهدف من طرحه تجميل صورة إسرائيل أو خلق خلافات في لبنان.


 
* ألم يطرح عليكم عبر القنوات السرية؟
- لا توجد قنوات سرية.
 
* نسمع دائماً عن انزعاج المسؤولين السوريين من إقحامهم في مواضيع ذات شأن لبناني بحت كما أن البعض يستخدم اسم السوريين في قضايا داخلية صرفة؟
- أنا لا أحب أن أكون طرفا في هذا النقاش لأن فيه إساءة للبنان وسوريا. وقد يكون هذا كلام حق يراد به باطل. نحن لدينا علاقات قوية دون شك مع السوريين واتصالات مستمرة، ونحن ننسق رسميا في موضوعي الأمن والسياسة الخارجية المتعلقة بالمفاوضات. ولبنان بلد لا يخفى فيه شيء. لا أحد يستطيع أن يقول إن السوريين تدخلوا في موضوع معين، ولو فعلوا لكنا قرأنا ذلك في الصحف.
 
* لكنكم تزورون سوريا عندما يبحث موضوع تأليف حكومة أو تعديلها أو تغييرها؟
- موضوع تشكيل الحكومات في لبنان ومنذ الاستقلال يكون التشاور فيه مع القوى الإقليمية. وحتى قبل دخول الجيش السوري إلى لبنان كان هناك تشاور دائم بين لبنان وسوريا في هذا الإطار، وهذا التشاور كان يتسع ويضيق حسب الظروف.
 
* هل لا زلت ملتزما عدم الدخول في السجال حور التعديلات الدستورية التي يطرحها رئيس الجمهورية إلياس الهراوي؟
- نعم أنا ملتزم بالدستور الذي يقول إن رئيس الجمهورية هو الوحيد في السلطة التنفيذية الذي يمتلك حق طرح التعديلات، وحتى الآن لم يصلني كرئيس للحكومة أي شيء بخصوص التعديلات، فلماذا أدخل في موضوع حساس كهذا لا أملك عنه حتى الساعة شيئا ملموسا بين يدي.
 
* على صعيد العمل، ماذا لديك في السعودية حاليا؟
- أنا عملي في السعودية. هنا في لبنان لدي أمور بسيطة جدا كلها تقريبا موجودة قبل أن أصبح رئيسا للحكومة. أولادي في السعودية وبيتي في السعودية.
 
* هل تخليت عن جواز سفرك السعودي بعد أن أصبحت رئيس وزراء لبنان؟
- لا، لا زلت أحمله. كنت أعتز بحمله من قبل ولا زلت أعتز به وبعلاقتي التي يمثلها.

font change