تحديات صناعة النشر في الشرق الأوسط

تحديات صناعة النشر في الشرق الأوسط

[caption id="attachment_55240912" align="aligncenter" width="620"]هل تصمد الصحافة الورقية أمام الصحافة الرقمية؟ هل تصمد الصحافة الورقية أمام الصحافة الرقمية؟[/caption]





لعشق الصحف المطبوعة تاريخ طويل في الشرق الأوسط، حيث بدأت الصحف في الظهور في بداية القرن التاسع عشر، كصحف حكومية في بعض الأحيان لنشر الأخبار الرسمية. وكان ذلك هو الغرض من إصدار صحيفة «الوقائع المصرية»، وهي صحيفة مصرية رسمية خرجت للوجود عام 1828 زمن محمد علي، حاكم مصر آنذاك. ثم بدأت الصحف الخاصة في الظهور في بغداد والقاهرة وبيروت وغيرها من المدن العربية في الفترة نفسها تقريبا. حيث ظهرت صحيفة «الأهرام»، التي ما زالت صحيفة مصرية مرموقة، في عام 1875. وكانت المملكة العربية السعودية رائدة في صناعة الصحافة في منطقة الخليج من خلال صحف مثل «المدينة» و«البلاد» اللتين بدأتا في الثلاثينات من القرن المنصرم. وقد أدى ارتفاع عائدات البترول في السبعينات من القرن الماضي إلى توسع المملكة في مجال الصحافة المطبوعة، حيث أصبح لديها الآن نحو 12 صحيفة وطنية. بالإضافة إلى أن السعوديين يمتلكون اثنتين من الصحف العربية المرموقة التي يقع مقرها في لندن وهما، «الشرق الأوسط» و«الحياة».

وحاليا هناك نحو 200 صحيفة في العالم العربي، معظمها يصدر باللغة العربية، فيما يصدر ربعها باللغتين الفرنسية والإنجليزية. ووفقا لتقرير «نظرة على الإعلام العربي»، فإن إجمالي توزيع الصحف في المنطقة العربية في عام 2012 بلغ 12.8 مليون نسخة. وسوف تحقق الصحف نحو 1.7 مليار دولار من الإعلانات خلال العام الحالي، من إجمالي النفقات الإعلانية في العالم العربي والذي يبلغ 4.7 مليار دولار.
وبالمقارنة، فإن عدد مستخدمي «فيس بوك» في العالم العربي تضاعف ثلاث مرات في العامين الماضيين، حتى وصل في يونيو (حزيران) الماضي إلى 45.2 مليون مستخدم، وفقا «لتقرير الإعلام الاجتماعي العربي» الذي تصدره كلية دبي للإدارة الحكومية و«برنامج الحوكمة والابتكار».

وبخلاف نظيرتها الغربية، ما زال أداء معظم الصحف العربية والعديد من المجلات جيدا إلى حد ما. فعلى الرغم من أن عائدات الإعلانات انخفضت خلال الأعوام الماضية، فإنها لم تنخفض بقدر يسفر عن أزمة. فما زال متابعو الأخبار في الشرق الأوسط يحبون تصفح الصحيفة المحببة إليهم، وهم يتناولون فنجان القهوة الصباحي. وما زالت المجلات النسائية ذات الصحف البراقة تتصدر مبيعات أكشاك الصحف. وحتى الآن، لم تدخل الثورة الرقمية الصحف المطبوعة في منافسة شرسة مع محتوى "أون لاين" بما يكفي لإزعاج نوم المحررين. ولكن المستقبل مسألة مختلفة.



العاصفة القادمة





ليست الصحافة المطبوعة في العالم العربي محصنة تجاه الثورة الرقمية. فعلى الرغم من أن الثورة الرقمية تؤثر على المطبوعات في الشرق الأوسط ببطء أكثر من تأثيرها على الغرب، فإنها بدأت تغير طريقة جمع الأخبار ونقلها، وفقا للحوارات التي تم إجراؤها مع المحررين العرب والمستشارين الإعلاميين.
وما زال لم يتضح بعد كيف يمكن لهذا أن يؤثر على النموذج المالي الحالي للصحافة المطبوعة، والذي يعتمد على الإعلانات. ولكن المؤكد، وفقا لهؤلاء الخبراء، أنه إذا رغبت الصحف المطبوعة في أن تنجو من العاصفة القادمة، عليها أن تبدأ على الفور في تجربة المحتوى الرقمي الجديد، واستكشاف أساليب جديدة للوصول إلى القراء وتحقيق العائدات.




يقول جايانت بارجافا أحد مديري شركة «بوز آند كومباني»: «مما لا شك فيه أن المستقبل رقمي، حتى وإن استغرق وقتا أطول حتى يصل إلى الشرق الأوسط مما استغرقه في أنحاء العالم الأخرى». ويتحدث تقرير نشرته شركة «بوز» في 2011 ساعد بارجافا في إعداده بعنوان: «وصول الأخبار الرقمية لدول مجلس التعاون الخليجي» حول «الخطر الرقمي الزاحف» على الصحافة المطبوعة في المنطقة. وفي استطلاع لآراء أكثر من 500 قارئ في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، اكتشف تقرير «بوز» أن نحو 76 في المائة قد حدوا أو توقفوا تماما عن قراءة الصحف المطبوعة واستبدلوها بالمحتوى الإلكتروني. وأخذا في الاعتبار تلك النتيجة المنذرة، حذر التقرير من أن وسائل الإعلام التقليدية «يجب أن تستعد لاحتمالية خسارة حصة من العائدات التي تحققها حاليا». وأضاف التقرير أن ذلك ليس بالعملية السهلة أخذا في الاعتبار أن «المشهد الرقمي ما زال يتطور، وأن النموذج المالي الحالي يجب أن يتم تغييره تماما».

وبدوره، يقول محمد الفال، نائب رئيس تحرر صحيفة «عكاظ» التي تصدر في جدة، وهي من الصحف الأكثر قراءة في المملكة حيث يبلغ معدل توزيعها اليومي 150 ألف نسخة: «إنهم يشعرون بالخطر القادم في الأيام المقبلة». لكن المؤسسات الإعلامية ليست غافلة عما يحدث، فهي ترى الخطر المحدق بها في الأيام المقبلة. ويقول الفال إن وسائل الإعلام الإلكترونية تحظى بقدر قليل من اهتمام المعلنين السعوديين، الذين ما زالوا يفضلون أن ينفقوا معظم أموالهم على الصحف المطبوعة والتلفزيون. ولكنه أضاف: «أعتقد أن هذه التوجهات سوف تتغير سريعا. فلا يمكن أن تستمر على هذا المنوال».



منافسة بين الرقمي والمطبوع





وفقا لتقرير نظرة على الإعلام العربي 2011-2015، الذي نشره نادي صحافة دبي في بداية العام الحالي بالتعاون مع «ديليوت آند توش»، حصل التلفزيون على الحصة الأكبر من الإنفاق على الإعلانات في عام 2011، والتي كانت تمثل 40 في المائة، تلته الصحف المطبوعة التي كانت تمثل 37 في المائة.
والأهم، هو أن حصة الصحف من عائدات الإعلانات بالمنطقة قد انخفضت منذ عام 2007 (أصبحت تمثل 39 في المائة في عام 2009) ومن المتوقع أن تستمر في التقلص ـ إلى نسبة 31 في المائة في عام 2015. وكان توزيع الصحف المطبوعة أيضا يتباطأ، وقد سجل أقل زياداته في عام 2011. فيقول التقرير: «ما زال عدد الصحف المطبوعة قليلا إلى حد ما، على الرغم من تزايد الأنشطة التي نجمت عن إصدار صحف جديدة، وإغلاق صحف سابقة والتحول المستمر إلى الصحافة الإلكترونية».



وفي الوقت نفسه، حصلت الصحافة الإلكترونية على نسبة 4 في المائة فقط من عائدات الإعلانات في 2011. ومع ذلك فإن مستقبلها مشرق، فوفقا للتقرير، الصحافة الرقمية هي «أسرع البرامج نموا في المنطقة» ومن المتوقع أن تتزايد حصتها من الإعلانات إلى 10 في المائة بحلول عام 2015 ـ وهي زيادة سوف تكون على حساب «الصحافة المطبوعة». وبالمقارنة، فإن حصة الصحافة الرقمية في 2011 من النفقات الإعلانية، بلغت 32.3 في المائة في المملكة المتحدة و6.8 في المائة في الولايات المتحدة.
وتعد الأسباب التي سوف تجعل ما يطلق عليه «البرنامج الرقمي» يستحوذ على المزيد من عائدات الإعلانات واضحة للغاية. فأولا، يعد الشرق الأوسط منطقة شابة، حيث إن 53 في المائة من سكانه أقل من 25 سنة. وعادة ما يشعر الشباب بالراحة في تصفح الأخبار والتفاعل الإلكتروني.

وثانيا، فإن إمكانات البرودباند «الموجات العريضة» تتزايد يوميا في كل مكان بالمنطقة، حيث توفر اتصالا بالإنترنت أسرع وأرخص وأكثر استقرارا لمزيد من الناس. كما أن أجهزة الهواتف الجوالة القادرة على الدخول على الإنترنت في انتشار مستمر. وإجمالا، يمثل انتشار الهواتف الذكية في المنطقة نحو 18 في المائة، وفقا للتقرير. وفي بعض البلدان، يمثل نسبة أعلى بكثير: 67.6 في المائة في السعودية، و28 في المائة في مصر.
أما بالنسبة للمجلات، فإن حصتها من عائدات الإعلانات تتراجع أيضا (من 6 في المائة في عام 2009 إلى 5 في المائة في 2011) ولكن المجلات الموجهة لجمهور محدد، وفقا للتقرير، تتمتع باستقرار أكبر من الصحف «حيث تظهر صحف جديدة في مجالات الموضة والمرأة». «وما زالت المجلة المطبوعة تتمتع بجاذبية كبيرة لدى المعلنين في المنطقة».



الصحف.. المتنفس من الأزمة





وما زال الانخفاض في عائدات إعلانات الصحف أٌقل حدة من أنحاء العالم الأخرى، وربما يستمر كذلك. وهو ما يعود لعدد من الأسباب. أولا، وفقا لبارجافا، تحقق الصحف في المنطقة أرباحا من خلال التلفزيون العربي. فعلى الرغم من أن هناك أكثر من قناة تلفزيونية مجانية، تهيمن عدة قنوات عربية على السوق مثل مجموعة «إم بي سي»، و«روتانا». وتهيمن هذه المحطات العربية الكبيرة على حصة الأسد من الجمهور وعائدات الإعلانات. ولدى التلفزيونات الوطنية الأخرى، والتي تدير الدول أغلبها، عدد أقل من المشاهدين.
وبالتالي، فعندما يرغب المعلنون المحليون الكبار، مثل البنوك وشركات الاتصالات، في إنشاء حملات إعلانية وطنية (ليست على المستوى العربي)، فإنهم يلجأون للصحف. ووفقا لبارجافا، فإن ذلك أدى إلى وضع غريب حيث «يذهب أكثر من 60 في المائة من النفقات الإعلانية المحلية في بعض البلدان العربية للصحافة المطبوعة، وهو ما لا يحدث في أي مكان آخر بالعالم. فعادة ما نجد التلفزيون والصحافة المطبوعة متقاربين إلى حد كبير، فيما يتعلق بحجم الحصة التي يحصلون عليها من المعلنين في البلاد».

كما أن «ثقافة الصحافة» القوية سبب آخر في أن المعلنين يفضلون الصحافة المطبوعة. تقول ماجدة أبو الفضل، مديرة برنامج تدريب الصحافيين في بيروت: «ما زال هناك أناس يحبون شراء الصحف وإمساك الصحيفة بين يديهم». فيما تقول سناء نفعة من شركة «الخليجية» و«بي آر كومباني» بلندن: «في الغرب، يبدأ الجميع يومهم بتصفح الأخبار على اللابتوب. ولكن هذه ليست عادة شائعة في الشرق الأوسط. ويدرك المعلنون أن البالغين ذوي القوة الشرائية ما زالوا يقرأون الصحف المطبوعة».
وثالثا، فإنه على الرغم من تزايد إمكانات "برودباند"، ما زال العديد من الناس يفتقرون للقدرة على الوصول السهل والسريع إلى الإنترنت. فيقول فادي سالم، مدير برنامج الحوكمة والابتكار بكلية دبي للإدارة الحكومية: «ما زال هناك مستقبل للصحافة التقليدية والمطبوعة، أخذا في الاعتبار أن الناس الذين لديهم قدرة على الاتصال بالإنترنت ليسوا الأغلبية بعد». وهذا هو الحال في مصر، حيث إن انتشار "برودباند" أقل بكثير من انتشاره في دول الخليج، ومن ثم سوف يستمر الناس في قراءة الصحف المطبوعة لفترة قادمة. فيقول خالد عمر، الصحافي بـ«المصري اليوم»، أكبر الصحف المصرية اليومية من حيث التوزيع (250 ألف نسخة): «حتى الشبان ما زالوا يقرأون الصحف المطبوعة بانتظام، خاصة وهم في طريق عودتهم من العمل إلى المنزل. هم مهتمون للغاية بالسياسة ولا يستطيعون الحصول على القدر الكافي من المعلومات من خلال الإنترنت».



دور رأس المال





يقول بعض المحللين إن هناك سببا آخر في أن العديد من الصحف العربية المطبوعة لا تعاني من أزمة حقيقية، مقارنة بنظيراتها الغربية،وهو أن العديد من تلك الصحف تحصل على دعم من الحكومات أو من جماعات ذات صلات سياسية أو أفراد أثرياء، وبالتالي فهم محصنون ضد انخفاض عائدات الإعلانات.
ويقول جاد مالكي، مدير برنامج الدراسات الإعلامية بالجامعة الأميركية ببيروت: «يعد هذا العامل وثيق الصلة بكيفية تطور النماذج المالية للصحافة المطبوعة. فمن المهم أن نؤكد أن ذلك النموذج المالي في العالم العربي، وخاصة في لبنان كان يعتمد على المال الذي يأتي لدعم تلك الصحف وليس على الإعلانات. فمعظم تلك الأموال سياسية.. سواء تأتي مباشرة من الحكومة، أو على نحو غير مباشر من الحكومة عبر الإعلانات على سبيل المثال، أو يأتي من الجماعات السياسية. ففي لبنان، هناك قدر كبير من المال يأتي من الخارج من مصادر سياسية، ومن حكومات أجنبية.. وكان ذلك النموذج للتمويل موجودا منذ فترة».




ولكن هل سيمنع هذا النموذج للتمويل شركات الصحافة المطبوعة من تبني استراتيجيات جديدة للعصر الرقمي؟ سوف يظل هذا السؤال مفتوحا. وقد ذكر بارجافا أن الشركات الإعلامية التي توجد بالاعتماد على العائدات التجارية، ولا تحصل على أي دعم هي تلك التي تتحول إلى الإصدار الرقمي على نحو أسرع. ولكن سانتينو ساغوتو من «ديليوت» والذي ساعد في إعداد تقرير «نظرة على الإعلام العربي» قال «إن الملكية الحكومية لن تعمل بالضرورة على تباطؤ التحول». مؤكدا أن المبادرة الحكومية في الخليج مثل المدن الإعلامية والمناطق الحرة تستهدف تشجيع التوسع الرقمي.

وبدوره يقول جوليان هواري، المدير التنفيذي بشركة «ميديا كويست» بدبي، إن الملكية هي أحد عوامل الثورة الكبرى التي تعد من أكبر التحديات المعاصرة التي تواجهها الصحف المطبوعة. وذلك أن الدعم الحكومي «ربما ينجح لبعض الوقت، ولكن في النهاية، سوف تصبح العديد من الصحف في المنطقة غير ملائمة للعصر، لأن قضية الصحافة المطبوعة بسيطة للغاية: فأنت تنشر أخبار الأمس.. ولا أحد يرغب في الاطلاع عليها. والمشكلة هي أن نموذج الصحف المطبوعة يعتمد على ذلك. وبالتالي فإما تغير هذا النموذج تماما لكي تبقى مواكبة أو سوف تواجه الانقراض».

وتعالج ملاحظة هواري الاختبار الرئيس الذي تواجهه الصحافة المطبوعة: المنافسة مع العديد من مصادر الأخبار على الإنترنت. فعلى سبيل المثال، هناك صحف إلكترونية مثل «سبق»، و«إيلاف» ومدونات ومواقع للشبكات الاجتماعية مثل «فيس بوك» ومحركات بحث مثل «ياهو» و«غوغل»، بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية التي يتم تحديثها باستمرار بفيديوهات للقنوات التلفزيونية الدولية مثل «الجزيرة» و«بي بي سي» و«العربية». ويجب ألا ننسى النجم غير المتوقع «تويتر». يقول هواري: «لا يمكن أن تتحرك أية وكالة إخبارية أسرع من (تويتر)». وليس فقط على الصحافة المطبوعة أن تفصل نفسها عن تلك المنافسات، ولكن عليها أيضا أن تعقد شراكات مع العديد من أشكال نشر المعلومات بوسائل تمكنها من خلق نماذج تمويل جديدة تحقق العائدات. فكما قال تقرير «نظرة على الإعلام العربي»: «لقد كانت المواقع مثل (تويتر) تمثل تهديدا وفرصة في الوقت نفسه بالنسبة للمنظمات الإخبارية المحترفة، حيث تقدم إطارا لجذب الجمهور للمواقع الإخبارية من جانب، وتشتت أعين تلك الجماهير عن المواقع المحترفة من جهة أخرى. ومع ذلك، فإن المؤسسات الإخبارية التي كانت قادرة على استخدام مواقع مثل «تويتر» بذكاء، لن تكون هي تلك المواقع التي سوف تفيد من الفرص التي تقدمها على المدى الطويل.



المشكلات والتحديات





ولكن بالإضافة إلى تعزيز هويتها، وخلق تحالفات استراتيجية تكافلية، على الصحف المطبوعة أيضا أن تطور محتوى إلكترونيا مقنعا، وهو ما تفتقر إليه حتى الآن، وفقا لمعظم خبراء الإعلام. وعلى الرغم من أن معظم الصحف لديها مواقع إلكترونية، فإن محتواها ليس متجددا ولا مثيرا ولا جذابا بما يكفي، وفقا للعديد من الخبراء. فيجب أن تقدم التجربة الإلكترونية أكثر مما تقدمه النسخة المطبوعة من الصحيفة. فيجب أن تصبح تفاعلية، ومتعددة الوسائط، كما يجب أن تقدم تطبيقات وخدمات للقراء.
ويقول أرنولد فرشر، مؤسس شركة «تونك إنترناشيونال»، شركة الإعلانات والتسويق بدبي: «كما يجب على المواقع الإخبارية أيضا أن تقدم للمعلنين خيارات وفرص أكثر إبداعا مما تقدمه الآن. نحن نعاني تماما لكي نبيع الإعلانات الإلكترونية، وهو ما يرجع جزئيا إلى أن الكثير من الإعلانات على المواقع الإلكترونية للصحف، هي مجرد كلمات منقوشة على الصحيفة. فهي مجرد ضوضاء، أو ملصقات جدارية لا تقدم أي شيء مثير. ولكن الإعلانات الإلكترونية تعمل على نحو أفضل عندما تتخذ شكل الأفلام أو الرسوم المتحركة، ولكن ذلك ليس ممكنا في معظم الأحوال نظرا للمحدودية الفنية لتلك المواقع، سواء كانت القدرة على الاتصال بالإنترنت غير قوية بما يكفي برامج تلك المواقع لدعم رفع أفلام الفيديو.




ووفقا للعديد من الخبراء، فإنه بالإضافة إلى القصور التقني، هناك عامل سلبي آخر كان يعرقل تطور المحتوى الرقمي التنافسي وهو الافتقار للمواهب المحلية. يقول كمال دمشقي، المدير الإقليمي لشركة «ليو بورنت» بدبي: «ليست هناك ثروة من المواهب ذات المعرفة والخبرة الرقمية، كالتي تجدها في الغرب». وأضاف مدير تنفيذي آخر بالإعلانات أنه كان مندهشا عندما سأله أحد العملاء، الذي يعمل كمدير للتسويق بإحدى كبرى الشركات: «هل لدي (يوتيوب) على حاسوبي؟».



نماذج تمويل جديدة





وفقا لبارجافا وزميله من شركة «بوز آند كومباني» في تقريرهما لعام 2011 حول الأخبار الرقمية، فإن الصحف والمجلات العربية - لكي تتمكن من استئناف مهمتها الصحافية في المستقبل - سوف تحتاج إلى أن «تفكر مليا فيما تستطيع أن تقدمه، بالإضافة إلى المحتوى حتى تقنع المستخدمين بالدفع». وأضاف التقرير: «هذا ليس قرارا سريعا وسهلا. فهو يتطلب تجديدا حقيقيا للمنتجات في العالم الرقمي ونماذج جديدة للتسعير لم يفكر بها سوى عدد محدود من الناشرين حتى الآن».
وما زالت نماذج التمويل الناجحة التي تدر العائدات مراوغة نسبيا، نظرا لأن الشرق أوسطيين، على غرار الناس في كل مكان، يقاومون الدفع في مقابل المحتوى الإلكتروني. فمن بين 500 سعودي وإماراتي استطلعت شركة «بوز» آراءهم، أعرب 74 في المائة عن ترددهم في الدفع مقابل مثل ذلك النوع من المحتوى.

كما كشفت دراسة بعنوان «وضع خارطة للإعلام الرقمي: لبنان»، صدرت عن «مؤسسة المجتمع المفتوح» في عام 2012 والتي شارك جاد مالكي من الجامعة الأميركية ببيروت في إعدادها، عن أن «ملاك وسائل الإعلام في لبنان، يدركون أنها مسألة وقت قبل أن تصبح نماذج الأعمال التقليدية بائدة». ومن ثم، فإنهم يتطلعون لاستراتيجيات جديدة لخلق العائدات. وفي الحقيقة، من المقرر أن يشهد لبنان قريبا تجربتين جديدتين في الصحافة الرقمية.
«لبنان الجديد» هو موقع إلكتروني باللغة الإنجليزية بدأ إلكترونيا في عام 2007 من دون إعلانات. وكان يموله في البداية أصحاب المصالح السياسية، ممولين من ائتلاف 14 آذار، ثم لاحقا من قبل أصحاب المصالح المالية، وفقا لرئيسة تحريره، حنين غدار.

وعلى الرغم من شعبيته وأنه حافل بالقراء، فإنه لم يحقق أبدا عائدات. وكانت هناك حاجة لاستراتيجية جديدة. وبعد أشهر من الدراسة، سوف يكشف الموقع عن شكله الجديد خلال أسابيع. فسوف يظهر بتصميم جديد وتوجهات جديدة ويوسع محتواه، بالإضافة إلى تقديم شريك جديد "أونلاين" في شكل كيان تجاري يبيع المحتوى الرقمي، وفقا لغدار، التي أضافت أن الهدف هو أن يوفر الشريك التجاري ما يكفي من العائدات لمساندة العمل الصحافي لموقع «لبنان الآن».
وفي الوقت نفسه، وفي بداية عام 2013، قال الصحافي سامر حسيني إنه سوف ينشئ نوعا جديدا من المواقع الإخبارية، لا تحتفي بصحافة المواطن ولكنها تكافؤها.
وسوف ينشر الموقع الذي أطلق عليه اسم «يكشف» تقارير حول الأحداث الجارية من أشخاص مسجلين كمشاركين في الموقع «إنه مثل (تويتر)، حيث يستطيع الجميع أن تكون لهم صفحة كصحافيين إلكترونيين، ويمكنهم الحصول على نقاط في كل مرة تتم مشاهدة أخبارهم بها، أو يتم التعليق عليها أو مشاركتها. وفي النهاية، سوف يجد المشاركون المنتظمون والذين يكتشف أن أخبارهم صادقة، عائدا ماديا مقابل النقاط التي حصلوا عليها».






والفكرة، وفقا للحسيني، هي «تقديم أخبار باستمرار من مواقع مختلفة وأشخاص مختلفين ووجهات نظر مختلفة.. إنه شيء جديد يحدث في العالم العربي. وسوف نرى أين يمكننا أن نذهب بعد ذلك». وبالطبع سوف نتجه للإعلان في النهاية، ولكن حتى يقف الموقع على قدميه: ربما يأتي بعض رجال الأعمال للاستثمار في الموقع شريطة ألا يكون هناك انحياز أو رقابة».
وهناك نماذج في أماكن أخرى بالمنطقة، حيث قدم «زوايا» نموذجا هجينا يطلق عليه «فريمام». ويقدم موقع الأخبار المالية، والذي قامت «رويترز» بشرائه في بداية العالم الحالي للقراء بعض المعلومات مجانا. ولكن إذا ما أرادوا معلومات أكثر عمقا أو أكثر شمولا، فإنهم يجب أن يدفعوا في مقابلها. ثم هناك «دبيزل» وهو يقدم فضاء للإعلانات الإلكترونية، التي كانت تمثل من قبل مصدرا مستقرا للعائدات بالصحف المطبوعة.



ماذا عن المستقبل





إذن ما الذي يحمله المستقبل للصحافة المطبوعة في العالم العربي، بعيدا عن المنافسة الشرسة لكي تصبح مبدعة ومرنة؟ بعد عشر سنوات من الآن، وفقا لبارجافا، سوف تكون هناك عدد من الصحف المطبوعة. «سوف تستمر الصحف الرئيسة بالطبع في إصدار النسخة المطبوعة، ولكنها سوف تصبح أكثر نشاطا في الفضاء الرقمي. وسوف تصبح التجربة متعددة البرامج للمستخدمين أكثر ثراء مما هي عليه الآن. وأنا متأكد أنني سوف أرى عددا أكبر من الصحافي المواطن الذي سوف يصبح «إن لم يكن منافسا.. شكلا إضافيا من الصحافة المهنية». وسوف تقل أيضا عدد المجلات ومن ينجو منها، سوف يكون مقتصرا على الجماهير الخاصة.

يقول دمشقي من «ليو بورنت» إن النجاح المستقبلي للصحافة المطبوعة، يعني أن تصبح متاحة على الهواتف الجوالة. «يجب أن توجد بها. حيث إن معيار النجاح لمشاهدة المحتوى الرقمي الآن، ليس كيف ستبدو على اللابتوب، ولكن كيف ستبدو على أجهزة مثل الآي باد. أما بالنسبة للنموذج المالي في المستقبل، يقول دمشقي، إنه سوف يعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك الاقتصاد العالمي، ومعدل انتشار أجهزة الجوال، وتكلفة الاتصال بالإنترنت ومستويات الفقر في العديد من البلدان العربية. فيقول: «لكل تلك العوامل تأثير على ما سوف يحدث للصحافة المطبوعة. فهل سوف تستمر في التقلص؟ بالطبع، نعم. والسؤال الأهم هو: بأي معدل؟ فهل سوف ينتج الشرق الأوسط خلال الأعوام الخمسة التالية معادلا لـ(نيوزويك)؟ لست متأكدا، ولكنني لن أندهش».
font change