الحكومة اللبنانية تزرع قنبلة وسط عاصمتها وتفجرها.. حرفياً!

لأن المصائب لا تأتي فرادى...

الانفجار أحدث حفرة قطرها 124 متراً في مرفأ بيروت (غيتي)

الحكومة اللبنانية تزرع قنبلة وسط عاصمتها وتفجرها.. حرفياً!

* كشف مدير الجمارك أنه قدم 9 طلبات لتحديد مصير المواد الخطرة المودعة في المرفأ
* تقارير إعلامية تشير إلى أن حظر ألمانيا لأنشطة حزب الله على أراضيها يعود إلى معلومات باحتفاظ عناصره بمئات الكيلوغرامات من نترات الأمونيوم في مخزن جنوبي ألمانيا
* نترات الأمونيوم لا تحترق بسهولة لكنها تسمح باحتراق مادة أخرى مشتعلة وينتج عن احتراقها مواد سامة
* حمض النتريك مكون رئيسي في بعض أنواع وقود الصواريخ ويستخدم في تصنيع بعض المتفجرات
* المجلس الأعلى للدفاع أعلن أن الانفجار ناجم عن اشتعال 2750 طن من نترات الأمونيوم، وهي مواد مصادرة منذ  العام 2014

لندن: أغسطس (آب) 2020، تاريخ لن ينساه اللبنانيون، شوارع بيروت التي لا تنام، لم تنم تلك الليلة، لا لأن أهلها يحبون السهر و«الكيف»، بل لأن قلوبهم مفطورة مفجوعة، بعد كارثة صُنّفت الأسوأ في تاريخ بلادهم الحديث.
شهدت العاصمة اللبنانية انفجاراً هائلاً دمّرمرفأ بيروت تماماً وماحوله، وخلّف أكثر من 100 قتيل حتى وقت كتابة هذه المادة، وآلاف الجرحى ومئات آلاف المشردين، ونتج عن الانفجار موجات هائلة في الهواء هشّمت واجهات المباني وأسقطت أسطحاً على رؤوس قاطنيها.
 
المجلس الأعلى للدفاع أعلن أن الانفجار ناجم عن اشتعال 2750 طنا من نترات الأمونيوم، وهي مواد تمت مصادرتها، في العام 2014 من باخرة كانت تتجه إلى أفريقيا وتعرضت لعطل في هيكلها، وأثناء تعويمها عثر على البضاعة على متنها وتمت مصادرتها ونقلها وتخزينها في مكان مناسب ثم نقلت إلى العنبر رقم 12 لحفظها إلى أن يتم البت فيها.
وتناقلت وسائل إعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي صورة لطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة من مدير الجمارك بدري ضاهر، بتاريخ 28 ديسمبر (كانون الأول) 2017، يطالب فيها بتحديد مصير نترات الأمونيوم المودعة في المرفأ، وكشف ضاهر أنه قدم قبل هذا الطلب 8 طلبات، الأول كان في 27 يناير (كانون الثاني) 2014، تلاه آخر في 5 ديسمبر من العام نفسه.
وتوالت الطلبات بعد ذلك بتواريخ من بينها 20 مايو (أيار) عام 2016، و13 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، و19 يوليو (تموز) عام 2017، مشيراً إلى أن القضاء لم يتحرك أمام الخطابات التي أرسلها، كما طلب من الوكالة البحرية المعنية إعادة تصدير كمية نيترات الأمونيوم، التي أفرغت من إحدى البواخر لخطورتها الشديدة، كما اقترح بيع هذه الكمية إلى الشركة اللبنانية للمتفجرات، وفقًا لاقتراح لقيادة الجيش، التي كشفت بدورها على الشحنة، على حد قوله.
من جهته، قال رئيس مرفأ بيروت، حسن قريطم، لقناة «أو تي في»اللبنانية: «قمنا بتخزين البضاعة بالعنبر رقم 12 بناء على أمر قضائي، وكنا نعلم أنها خطرة لكن ليس لهذه الدرجة»، وعن الجهة التي أمرت بتخزين البضاعة، قال: «لا أعرف لمن تعود البضاعة.. لشركات خاصة»، وأضاف أن الجمارك وأمن الدولة أرسلا خطابات بضرورة إزالة المواد المتفجرة أو تصديرها، ومنذ 6 سنوات ننتظر أن يعالج الموضوع، لكن دون جدوى، وأكد أنه لم يكن هناك تخزين لمفرقعات بجانب المواد التي انفجرت.
شبكة «فوكس نيوز»(Fox News) الأميركية قالت إن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية أشاروا وفقاً للتقييمات الأولية إلى أن كارثة مرفأ بيروت كانت عرضية، لكن كبير موظفي البيت الأبيض قال إن الولايات المتحدة لا تستبعد تماماً أن يكون الانفجار نتيجة هجوم مفتعل، كما رجح ترامب فرضية الهجوم، وقال «كانت قنبلة من نوع ما».

 

صورة لطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة من مدير الجمارك بدري ضاهر يطالب فيه بتحديد مصير نترات الأمونيوم المودعة في المرفأ (متداول)


 
حزب الله وتاريخ طويل مع نترات الأمونيوم
 
زعيم حزب الله، حسن نصر الله، ظهر في فيديو تم تداوله بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي كان قد تحدث فيه ضمن خطاب سابق عن سيناريو تفجير نووي توقع حدوثه في إسرائيل، يشبه تماماً ما جرى في مرفأ بيروت، وقال ضاحكاً: "قنبلة نووية بمعنى... كم صاروخ من عنّا، زائد هول حاويات الأمونيا بحيفا، نتيجتهم قنبلة نووية".
 
وأشارت تقارير إعلامية في مايو (أيار) إلى أن حظر ألمانيا لأنشطة حزب الله على أراضيها، يعود إلى معلومات باحتفاظ عناصر مرتبطين بالحزب بمئات الكيلوغرامات من نترات الأمونيوم في مخزن جنوبي ألمانيا، وقال وزير الداخلية الألماني، هورست سيهوفر، آنذاك، إن أنشطة حزب الله «تخرق القانون الجنائي وتعارض المنظمة مفهوم التفاهم الدولي».
كما ذكرت صحيفة «تليغراف»، أن قوات الأمن البريطانية داهمت أربعة مواقع مرتبطة بحزب الله، وقامت باعتقال شخص، بعد الكشف عن عناصر تابعين للحزب يقومون بتخزين أطنان من نترات الأمونيوم في مصنع سري للقنابل في ضواحي العاصمة لندن.
وبحسب الصحيفة، فقد قام متطرفون مرتبطون بالحزب آنذاك بتخزين ثلاثة أطنان من نترات الأمونيوم بأكياس ثلج، في مؤامرة تم الكشف عنها من قبل السلطات، في خريف 2015.
وفي أغسطس (آب) 2015، ضبطت السلطات الكويتية ثلاثة أشخاص على ارتباط بحزب الله، قاموا بتخزين 42 ألف رطل من نترات الأمونيوم، وأكثر من 300 رطل من المتفجرات، و68 قطعة سلاح، و204 قنابل يدوية، كبنية تحتية لهجوم باستخدامها.
كما ضبطت الأجهزة الأمنية، في قبرص، في شهر مايو (أيار) 2015، كمية تقدر بـ420 صندوقا من نترات الأمونيوم تعود لعناصر من حزب الله وقامت بتفكيك البنية التحتية للهجوم المحتمل آنذاك.

 

لبنانيون في منازلهم المتضررة جراء الانفجار في العاصمة بيروت (غيتي)
 
 


 
ما هي نترات الأمونيوم؟
مادة نيترات الأمونيوم Ammonium nitrateمتاحة تجارياً في صورة مادة صلبة بلورية عديمة اللون، وتتم معالجتها على شكل حبيبات لتطبيقات محددة، تستخدم تجارياً في تصنيع الأصباغ والأدوية والمتفجرات ومبيدات الفطريات، كما تستخدم في معالجة المياه، وتصنيع الألياف والبوليمرات مثل النايلون ويمكن استخدامها لإعادة معالجة الوقود النووي المستهلك، وتستخدم كمادة غذائية في إنتاج المضادات الحيوية والخميرة، وكأساس للعديد من الأسمدة النيتروجينية على شكل حبيبات، يشتريها المزارعون في أكياس كبيرة أو بالوزن، لا تحترق بسهولة ولكنها مؤكسدات، أي إنها تسمح باحتراق مادة أخرى مشتعلة، وينتج عن احتراقها مواد سامة، بحسب مكتبة الطب الوطنية، المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة.
وتعد نترات الأمونيوم مكوناً رئيسياً لمادة  ANFO، المعروفة باسم «زيت الوقود»، التي تستخدم كمادة تفجير في قطاع التعدين والمحاجر والبناء المدني، وتمثل 80 في المائة من المتفجرات الصناعية المستخدمة في الولايات المتحدة.ولا تعتبر مادة خطيرة في حد ذاتها، لكن في ظروف معينة يمكن أن تكون مدمرة، ومن هنا، فإن لدى معظم البلدان لوائح تتعلق بطرق تخزينها للتأكد من أنها آمنة.
يمكن أن يتفاعل حمض النتريك بعنف عند مزجه مع مركبات عضوية أخرى، ولهذا السبب يعد مكوناً رئيسياً في بعض أنواع وقود الصواريخ، كما أنه يستخدم في تصنيع بعض المتفجرات مثل النتروجليسرين وثلاثي النتروتولوين.
وأوضحت مذكرة فنية لوزارة الزراعة الفرنسية أنه لا يمكن إحداث انفجار إلا عبر التماس مع مادة غير متوافقة أو مصدر شديد للحرارة، وبالتالي يجب أن يخضع التخزين لقواعد من أجل عزل نيترات الأمونيوم عن السوائل القابلة للاشتعال (الوقود والزيوت، وما إلى ذلك)، والسوائل المسببة للتآكل، والمواد الصلبة القابلة للاشتعال أو حتى المواد التي تبعث حرارة عالية.

 

الانفجار دمّر مرفأ بيروت تماماً وما حوله، وخلّف أكثر من 100 قتيل، وآلاف الجرحى ومئات آلاف المشردين


 
مخاطره الصحية
تقول الدكتورة عرين أبو الفيلات، إن محاليل حمض النتريك يمكن أن تسبب حروقاً لأي جزء من الجسم يلامسه مباشرة ويمكن أن يتسبب تنفس الهواء الذي يحتوي على مستويات عالية من حمض النتريك جفافاً في الحلق وممرات الأنف والسعال وصعوبة التنفس وألم في الصدر، وفي بعض الحالات يمكن أن يسبب استنشاق تركيزات عالية منها إلى الموت. 
بالإضافة إلى تهيج الجلد والعينين والحلق، أيضا يمكن أن يؤدي استنشاق الهواء المتكرر الذي يحتوي على حمض النتريك لفترة طويلة إلى تلف الرئتين وأذى في مينا الأسنان.
 
متهم قديم
لم تكن هذه هي الحادثة الأولى من نوعها التي تسببت فيها نترات الأمونيوم بكارثة إنسانية، فقد تعرضت العديد من عواصم العالم لكوارث كان المتهم الأول فيها نترات الأمونيوم.
في أوباو ألمانيا، وقت انفجار في مصنع «بي آي إس إف»أسفر عن مقتل 561 شخصا في عام 1921. وفي عام 1947، اهتزت مدينة بريست الفرنسية إثر انفجار سفينة الشحن النرويجية أوشن ليبرتي التي كانت محملة بالمادة.
في فرنسا أيضاً، انفجرت كمية كبيرة تبلغ حوالي 300 طن من نيترات الأمونيوم مكدسة بكميات كبيرة في مستودع مصنع «آي زد إف»في الضواحي الجنوبية لمدينة تولوز الفرنسية في عام 2001 وسمع دويه على بعد 80 كيلومترًا وأدى إلى مقتل 30 شخصاً وألحق دماراً في المدينة الرابعة لفرنسا.
في الولايات المتحدة، أدى انفجار رهيب في مصنع «ويست فيرتلايزر»للأسمدة في بلدة ويست غربي تكساس إلى مقتل 15 شخصًا في عام 2013، حيث انفجر مخزون من نيترات الأمونيوم في حادث متعمد. وشكك المحققون في غياب معايير التخزين.
وفي 19 أبريل (نيسان) 1995، فجّر تيموثي ماكفي عبوة وزنها طنين من السماد أمام مبنى فيدرالي اتحادي في مدينة أوكلاهوما، مما أسفر عن مقتل 168 شخصًا.

font change