التفسير السياسي لانحناءة أوباما

التفسير السياسي لانحناءة أوباما

[escenic_image id="555775"]

لم يكن ليلحظ أصحاب المقامات الرفيعة الحركة الخاطفة، للرئيس الأمريكي أوباما، في القاعة المزخرفة لولا الكاميرات التليفزيونية التي بثت انحناءة الرئيس في كل أرجاء العالم، وهو يصافح للمرة الأولى الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية.

وخلال عدد من الدورات الإخبارية تعرض الرئيس الأمريكي للنقد من قبل محافظين أمريكيين، بسبب انحناءة الاحترام التي كانت تلقائية على ما يبدو أمام قائد أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وإحدى أهم دول الشرق الأوسط. واعتبر هؤلاء المحافظون تلك الانحناءة بمثابة خنوع مهين لرئيس دولة أجنبية كبرى. وجاء في المقالة الافتتاحية لصحيفة واشنطن تايمز: "إن انحناء الرئيس الأمريكي لإظهار احترامه للإسلام، قلل من نفوذ واستقلالية الولايات المتحدة.  فهذا الانحناء تقليد خاص بأتباع الملك، ولا ينبغي أن يصدر من زميل له".

لكن، كان لدى أتباع الملك وجهة نظر مختلفة. فقد تأثر الكثير من السعوديين بانحناءة أوباما، خلال قمة العشرين التي عُقدت في لندن خلال أبريل الجاري. وقالت ياسمين القحطاني الناطقة باسم مجمع طبي ضخم: "نحن نقدر انحناءة رئيس أكبر دولة لملكنا، فقد أظهر ذلك مدى تواضعه، وأنه لا يرى نفسه فوق الجميع... في الواقع أنا أقدر هذا الرجل... إن عقليته عظيمة فعلاً". وقال الكاتب والأكاديمي عبد الله موسى العطية إنه يعتبر "الانحناءة المزعومة" بمثابة أسلوب شخصي مهذب، حاول من خلاله رئيس أمريكا تقديم دولته العظيمة للعالم من جديد".

ومما لاشك فيه أنه قد تم استنباط الكثير من اللغة الجسدية للرئيس أوباما، وذلك من قبل كل من نقاده ومعجبيه، وسوف تحتاج العلاقات السعودية الأمريكية إلى أكثر من انحناءة من جانب الرئيس، كي تتعافى من وضعها الحالي المهلهل. وقد استهل أوباما مسعاه الجديد باستغلال مقابلة تليفزيونية لقناة العربية في تسليط الضوء على التوجه الأمريكي الجديد، نحو الدول الإسلامية والانخراط الدبلوماسي الواعد كطريقة لحل الأزمات الكبرى في المنطقة.

وقلل التوجه الجديد لأوباما في التعامل مع طهران من المخاوف السعودية من مواجهة عسكرية أمريكية معها. وطمأنت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، المملكة العربية السعودية ودول الخليج المجاورة أن واشنطن ستطلعهم بشكل دائم على المناقشات الأمريكية مع إيران، مؤكدة أن أية اتفاقيات ثنائية محتملة لن تكون على حسابهم.

وكانت خطوة صائبة من أوباما عندما إلتزم بالبدء في إنسحاب القوات الأمريكية المقاتلة من العراق. والأهم بالنسبة للسعوديين أنه أبدى جديته بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عن طريق تعيين جورج ميتشيل مبعوثاً أمريكياً خاصاً بقضية الشرق الأوسط. وقال أكاديمي سعودي بارز مقرب من الحكومة: "هذه كانت بادرة طيبة". وأضاف قائلاً إن استعانة أوباما بأشخاص حكماء، مثل المستشارين السابقين للأمن القومي: برنت سكوكروفت وزبيجنيو برززينسكي كمستشاري للسياسة الخارجية "أسعدنا جميعاً".

وقال مصدر سعودي إنه لم تعقد الرياض وواشنطن إلى الآن، أية مناقشات تفصيلية بشأن أجندة الإدارة الجديدة في المنطقة. لكن الأمريكيين أكدوا للسعوديين بعبارات عامة أنهم يريدون المملكة العربية السعودية شريكاً في فض التحديات الإقليمية، مثل الأزمة السياسية اللبنانية ومستقبل العراق، والنزاع المدني في أفغانستان وباكستان الذي يؤدي إلى زعزعة الاستقرار هناك.

ويعقد السعوديون آمالاً عريضة على الاهتمام المبكر لأوباما بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، الذين يرجون أن يؤدي إلى تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية. ومما يثلج صدورهم احتضان الإدارة الأمريكية الجديدة لخطة السلام العربية التي بادرت بها السعودية في عام 2002، وإن لم يكن هذا الاحتضان بالمستوى المطلوب.

وذكرت وكالة رويترز أنه خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، قال ميتشيل إن المسئولين الأمريكيين يريدون أن تكون مبادرة السلام العربية جزءاً من الجهد المبذول لتحقيق هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.

وبالرغم من هذه الآمال، يفهم الكثير من السعوديين أن المساحة التي يتحرك فيها الرئيس الأمريكي محدودة. فأوباما ليس مشغولاً فحسب بالتعامل مع أكبر أزمة اقتصادية تواجه أمريكا منذ الكساد العظيم، وإنما يواجه أيضاً تشكيلاً سياسياً داخلياً يقاوم بشدة فرض أي ضغوط من أي نوع على إسرائيل.

وقال مستشار حكومي سعودي آخر: "سوف يكون أوباما أفضل من بوش. لكن كما تعلمون فإن جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، هو صديق مقرب لإسرائيل... ولذلك فإنني أنصح أصدقائي أن يكونوا على استعداد لأي صدمات من جانب أوباما... فالناس يحبونه كثيراً وكانوا يهتفون عندما فاز بالانتخابات، لكنني أعتقد أنه سيحبطهم". وأضاف الطاير وهو كاتب سعودي قائلاً: "لا يعتقد السعوديون أن أوباما على استعداد لأن يفعل الكثير في منطقة الشرق الأوسط".

ربما يكون الشيء الضروري لإحياء الروابط السعودية الأمريكية هو حاجة الطرفين إلى التعرف على الكيفية التي تغيرت بها العلاقة الخاصة بين البلدين بصورة جوهرية. وكما يشير ديفيد بي أوتاواي في كتابه الجديد "رسول الملك": "في السنوات الأخيرة، دعت أسباب عديدة لأن تصبح الرياض أكثر استقلالية عن حليفها طويل الأمد، لتشق طريقها الخاص في الشئون الإقليمية والدولية".

وقد أدى هجوم الحادي عشر من سبتمبر إلى بناء جدار من الشك والارتياب، وعدم الثقة بين البلدين، بعد أن تبين أن 15 شخصاً من بين مرتكبي الحادث البالغ عددهم 19 سعوديو الجنسية. كما دفع الإحباط الذي انتاب المملكة العربية السعودية نتيجة لموقف واشنطن المؤيد لإسرائيل خلال الفترة الرئاسية لبوش، وكذلك استياؤها من الغزو الأمريكي للعراق إلى إقصاء نفسها عن الولايات المتحدة.

وإضافة إلى ذلك، فإن التغير في سوق النفط العالمي الذي أصبحت في ظله المملكة أقل قدرة على التأثير على تقلبات الأسعار قلل من أهميتها بالنسبة لواشنطن كضامن لا غنى عنه لنفط ذي أسعار معقولة في السوق الأمريكية.

ودلائل استقلال الرياض عن واشنطن كثيرة، نذكر منها اتفاقية مكة 2007 بين فتح وحماس، والتي لعبت فيها المملكة دور الوسيط رغم الاعتراضات الأمريكية عليها، وإعلان الملك عبد الله بن عبد العزيز: أن وجود الولايات المتحدة في العراق بمثابة احتلال أجنبي غير مشروع. وكذلك توقيع صفقات ضخمة مع شركاء صينيين، وروس، وإيطاليين، وأسبان مع استبعاد الشركات الأمريكية في مجال التنقيب عن الغاز.

وإضافة إلى ذلك، قامت المملكة بتشكيل تحالفات مع أطراف دولية أساسية لتعميق روابطها التجارية، والدبلوماسية، والثقافية، والعسكرية مع روسيا والهند والصين على وجه الخصوص. كما جعلت المملكة من بريطانيا شريكاً طويل الأمد في شراء المعدات العسكرية.

وبالنظر إلى المستقبل، من المحتمل أن تستشعر الروابط السعودية الأمريكية تأثير القوات الأخرى التي تلوح في الأفق. فإذا كان التزام أوباما بالتعامل مع التغير المناخي، وتقليل الاعتماد الأمريكي على النفط الأجنبي يؤدي إلى مبادرات خطيرة في هذه المناطق، فالأرجح أنها ستزيد العلاقة الثنائية بين البلدين تعقيداً. وكما أخبر محمد الصبحان مستشار وزارة النفط السعودي في إحدى المقابلات التي عُقدت مؤخراً: "نحن نشاركهم القلق بشأن التغير المناخي لكننا لا نرغب في نفس الوقت أن نكون ضحية".

ولم يتشارك البلدان أيضا الرؤية ذاتها بشأن انبعاث الشيعة في العالم العربي والذي يعد إلى حد كبير منتجاً جانبياً للتدخل الأميركي في العراق. فبالرغم من عدم تفضيل الولايات المتحدة لأي من فرعي الإسلام، فإن المملكة العربية السعودية أكثر انسجاماً مع مصر والأردن وتعتبر القوة السياسية الإيرانية تهديداً لها. فالرياض منزعجة بشكل خاص من تدخل إيران في الشؤون العربية، ونفوذها الواضح في الشأن العراقي.

وأخيراً، هناك موقف إدارة أوباما من تعزيز حقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية. وحتى الآن، لم يصدر عن واشنطن إلا التصريحات القليلة عن كلا الموضوعين. وإذا تغير ذلك الموقف فقد يسبب ذلك توتراً أخر في العلاقات الثنائية.

كاريل ميرفي - صحفية تقيم في الرياض ومؤلفة كتاب "الشغف بالإسلام" وهي الحائزة على جائزة بوليتزر في الصحافة عام 1991.

font change