الخليج والاتحاد الأوروبي... في انتظار اتفاق التجارة الحرة

175 مليار دولار قيمة التجارة بين المجموعتين

Shutterstock
Shutterstock

الخليج والاتحاد الأوروبي... في انتظار اتفاق التجارة الحرة

لا يزال موضوع إعفاء مواطني دول مجلس التعاون الخليجي من تأشيرة دخول الدول الأوروبية في إطار التفاوض بين هذه الدول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي من دون حسم حتى الآن. صحيح أن مواطني دولة الإمارات أعفيوا من الحصول على تأشيرة "شنغن" في عام 2015، وهناك موافقة من إحدى لجان البرلمان الأوروبي لإعفاء مواطني قطر وعمان، ولا تزال المفاوضات مع الكويت مستمرة حول الموضوع نفسه، وقد لا تحسم قبل انتخابات البرلمان الأوروبي المرتقبة.

هذه قضية تشغل بال العديد من مواطني دول الخليج الذين يعانون، أحيانا، في الحصول على التأشيرة خلال شهور الصيف حيث تزدحم أروقة الجهات المفوضة إصدار التأشيرات وتتعطل الموافقة أياما عدة، وأحيانا أسابيع. لكن العلاقات بين الطرفين، أي دول الخليج ودول الاتحاد الأوروبي، تتجاوز مسألة التأشيرة وتستند إلى علاقات اقتصادية قديمة ومستمرة، وأصبحت التجارة والاستثمار المباشر وغير المباشر الذي تضطلع به الصناديق السيادية والمؤسسات والأفراد في مختلف القطاعات داخل دول الاتحاد الأوروبي، تمثل أهمية لاقتصادات دول الخليج، التي تنظر إلى الدول الأوروبية كمصدر لرأس المال للمشاريع الكبرى (Mega Projects) التي تنوي تنفيذها في السنوات والعقود المقبلة.

كذلك، لا تزال التكنولوجيا والإدارة الأوروبية مهمة للعديد من مشاريع الطاقة والمياه ومرافق البنية التحتية والمطارات والموانئ.

أدت الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى ارتفاع قيمة التجارة بين المجموعتين إلى 186 مليار دولار في 2022، في مقابل 124 مليار دولاررعام 2021

في عام 2022، كانت دول الاتحاد الأوروبي، ثاني شريك تجاري لدول الخليج بعد الصين، استحوذت على 15,8 في المئة من تجارة دول الخليج، في حين حصلت دول الاتحاد الأوروبي على 12,3 في المئة. أدت الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى ارتفاع قيمة التجارة بين المجموعتين إلى 175 مليار يورو (186 مليار دولار) في عام 2022، بعدما كانت 124 مليار دولار عام 2021.

نحو تجارة حرة      

وبلغت صادرات الخليج إلى أوروبا في عام 2022 ما يربو على 92  مليار دولار، مرتفعة من 43 مليار دولار في عام 2021، في حين ارتفعت الواردات من 77 مليار دولار إلى 93,5 مليار دولار، من دول الاتحاد الأوروبي. تمثل السعودية أهم الأعضاء في مجموعة دول الخليج ذات العلاقة التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت صادراتها 47 مليار دولار، أما الواردات فقد بلغت 35 مليار دولار في عام 2022.

أ.ف.ب.
صورة للمشاركين في المجلس الوزاري المشترك الـ 27 لدول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي في مسقط، 10 أكتوبر 2023.

لا شك في أن توقف دول الاتحاد الأوروبي عن استيراد النفط والغاز من روسيا بعد شنها الحرب على أوكرانيا، قد دفع الأوروبيين إلى البحث عن بدائل ملائمة، وشكلت دول الخليج البديل الأمثل في خضم هذه الأوضاع الجيوسياسية الصعبة. تأمل دول الخليج التوافق مع الاتحاد الأوروبي في شأن اتفاقية التجارة الحرة. وكانت وقعت اتفاقية إطارية بين الجانبين بتاريخ 15 يونيو/حزيران 1988، أصبحت نافذة منذ بداية عام 1990.

عقدت في المنامة فاعليات منتدى الأعمال بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أثيرت خلالها القضايا الملحة المتعلقة بالتجارة والاستثمار وكيفية مواجهة الصعوبات والعراقيل. شملت الحوارات العديد من القضايا، منها ما يتعلق بالبيئة والتقدم الاجتماعي وتجارة الخدمات وتطويع الأنظمة والتشريعات لتسهيل التجارة والاستثمار. لكن هناك عراقيل تعطل التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة بين الطرفين "FTA".

يزعم مصنعو البتروكيماويات الأوروبيون أن مثل هذه الاتفاقية تهدد صناعتهم في المديين المتوسط والطويل. غني عن البيان أن صناعة البتروكيماويات في دول الخليج تتمتع بميزات نسبية لا تحظى بها مثل هذه الصناعات في أوروبا. يخشى هؤلاء المصنعون أن تتوجه أية زيادة في إنتاج البتروكيماويات الخليجية، إلى أوروبا في حال التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة بين الطرفين، علماً أن نسبة مهمة من المنتجات البتروكيماوية الخليجية تتجه إلى بلدان شرق آسيا في الوقت الحاضر.

تمثل دول مجلس التعاون الخليجي سادس شريك تجاري في الصادرات الأوروبية

لكن كيف يمكن تطوير العلاقات التجارية بين دول الخليج ومنظومة الاتحاد الأوروبي وتجاوز العقبات والمعوقات، كما يتبين من قضية صادرات البتروكيماويات الخليجية؟

لا شك في أن دول مجلس التعاون الخليجية تمثل سادس شريك تجاري في ميدان الصادرات الأوروبية. كما تمثل الدول الأوروبية أهم قنوات الاستثمار الخليجية حيث تشكل أسواق المال الأوروبية الرئيسة مجالاً خصباً لأدوات الاستثمار المسعرة في الأسواق الثانوية. خلال عام 2023، ارتفعت مساهمات الخليجيين في الشركات الناشئة إلى 3 مليارات دولار، أي ما يعادل خمسة أضعاف الاستثمارات في مثل هذه الشركات عام 2018، حيث لم تزد على 627 مليون دولار. تؤكد هذه التطورات أن جاذبية الاستثمار في أوروبا تبقى جيدة على الرغم من المشاكل الهيكلية التي تعاني منها مجموعة الاتحاد الأوروبي. كذلك، هناك اهتمام خليجي في القطاع العقاري في مختلف دول أوروبا، خصوصاً في فرنسا وسويسرا وإسبانيا. 

 في مجال السياحة في دول أوروبا، صار الخليجيون من أهم زوار دول العالم، خصوصاً تلك التي تتمتع بالجاذبية السياحية. تعتبر دول الخليج مصدراً جيداً لدخل صناعة السياحة العالمية على الرغم من صغر حجم السوق الذي لا يزيد على 40 مليون سائح سنوياً.

عوامل جذب سياحية لدى الطرفين

تشير بيانات مجلس السياحة الإسباني الى أن عدد الزوار من دول الخليج ارتفع بشكل قوي مقارنة بأعدادهم في عام 2019، أي قبل تفشي جائحة "كوفيد-19". وذكر تقرير صادر عن هذا المجلسن أن سياح دول الخليج أنفقوا في إسبانيا 1,2 مليار دولار في عام 2023، بارتفاع بنسبة 64,7 في المئة عن عام 2022، وبنسبة 123,7 في المئة عن عام 2019. كما أفاد التقرير بأن 434 ألفاً من مواطني دول الخليج زاروا إسبانيا في عام 2023، بارتفاع بنسبة 39 في المئة عن العام السابق وبنسبة 56 في المئة عن عام 2019.

أهم دول الخليج المصدرة للسياح إلى إسبانيا هي السعودية والإمارات وقطر والكويت. في مقابل ذلك، أصبحت دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات، جاذبة للزوار من الدول الأوروبية، مما يعني أن هناك عوامل جذب سياحية لدى الطرفين لا بد من تعزيزها وتذليل كل العقبات التي تحول دون نموها، من بينها تسهيل منح التأشيرات أو رفعها أو إلغاؤها، خصوصاً من قبل دول الاتحاد الأوروبي. لا يمثل الخليجيون تهديدا أمنيا، كما أنهم لا يطمحون للإقامة الدائمة في الدول الأوروبية أو البحث عن فرص عمل ومزاحمة العمالة الوطنية في مختلف هذه الدول.

لطالما مثلت أوروبا ودولها الأساسية، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، مصدراً مهماً للحماية الأمنية لدول الخليج واتفاقات الدفاع

مثلت أوروبا ودولها الأساسية، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، في  الماضي، وستبقى كذلك في العقود المقبلة، مصدراً مهماً  للحماية الأمنية لدول الخليج. وهي توفر الأعتدة العسكرية والسلاح المتطور من طائرات ودبابات وغيرها من أسلحة دفاعية، لتمكن المنظومات العسكرية في دول الخليج من مواجهة الأخطار الإقليمية المعلنة والكامنة.

أ.ف.ب.
زوار يلقون نظرة على مروحية الأباتشي التابعة للجيش السعودي، في معرض الدفاع العالمي 2024 شمال العاصمة السعودية الرياض، 4 فبراير 2024.

وقد أبرمت العديد من الدول الأوروبية اتفاقات دفاع مع العديد من دول الخليج، وهي بذلك تدعم الولايات المتحدة في استراتيجيا الدفاع عن المنطقة. لقد حان الوقت لكي تتطور هذه الاتفاقات المباشرة مع دول الخليج لتصبح اتفاقية موحدة بين منظومة مجلس التعاون الخليجي ومنظومة الاتحاد الأوروبي، كما هو مأمول التوصل إلى اتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين وتجاوز العقبات كافة.

تلعب التكنولوجيا الأوروبية دوراً مهماً في تطوير الخدمات الصحية ومرافق الكهرباء وتقطير المياه وتوليد الطاقة النظيفة وتعزيز جودة مؤسسات التعليم الخليجية. المصالح المشتركة بين الأوروبيين والخليجيين، يجب أن تذلل كل المعوقات المتعلقة بالتجارة والاستثمار المباشر، ويتعين على الطرفين الاستفادة من تجارب كل منهما لتأكيد علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية راسخة في المستقبل المنظور.

font change

مقالات ذات صلة