الشيخ عبد الفتاح مورو.. بين مطرقة الاخوة وسندان الاعداء

الشيخ عبد الفتاح مورو.. بين مطرقة الاخوة وسندان الاعداء

[caption id="attachment_2442" align="aligncenter" width="620" caption="الشيخ عبد الفتاح مورو "]الشيخ عبد الفتاح مورو  [/caption]

لطالما أثارت تصريحات الشيخ عبد الفتاح مورو، الوجه الإسلامي المعتدل، الجدل في الساحة السياسية التونسية و آخرها تلك التي كان مفادها تحية الإكبار التي وجهها إلى الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي ترى حركة النهضة الإسلامية في سياساته معاداة للإسلام و سببا في "تغريب" الشعب التونسي و "إبعاده عن دينه" ، هذا التصريح و غيره جعل من الشيخ مورو هدفا للإقصاء من طرف القيادات الشابة الموالية لرئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي ليجد مورو نفسه محل هجوم من إخوة الأمس في حركة النهضة و من العلمانيين و الحداثيين الذين لا يزالون يرون فيه رمزا من رموز حركة إسلامية نكل جناحها العسكري "الطلابي" بكل المخالفين في الرأي في الثمانينات و التسعينات.
و يرى المتابعون للشأن التونسي أن الشيخ عبد الفتاح مورو قد تعرض الى ظلم كبير من حركة النهضة الإسلامية التي كان من أول الداعين إلى تأسيسها لكن الأضواء أحاطت بالشيخ راشد الغنوشي الذي ذاع صيته في تونس و خارجها في حين كتب على الشيخ مورو البقاء في عزلة داخل بلاده بسبب منعه من الحصول على جواز سفره و تعرضه لسنوات طويلة إلى التنكيل و السجن و المحاصرة قبل ثورة 14 يناير 2011 .. و إلى الإقصاء بعدها، ذلك انه تم استبعاده إبان حصول الحركة على الترخيص القانوني و سد الطريق أمامه اثر إعلانه عن نيته تكوين حزب جديد.. ووصل الأمر الى "الاستيلاء" على نضالاته و نسبها إلى غيره.
[caption id="attachment_2449" align="alignleft" width="260" caption="الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة"]الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة[/caption]
استياء الشيخ مورو، ربما كان هو السبب الرئيس في تشبّثه إلى الآن بالإعلان عن كونه "مستقلا سياسيا" على الرغم من حضوره الدائم في كل اجتماعات و تظاهرات حركة النهضة و خطبه في المساجد باسمها إلا أن مواقفه المختلفة تارة والمناقضة لمواقف الحركة تارة أخرى، كموقفه من العسكر الذي رأى أن لا مطامع لهم في السلطة عكس الحركة التي شنت على الجيش حملة شرسة بدعوى رغبته في الانقضاض على الحكم في تونس .
هذه المواقف و غيرها ميزته و جعلت منه الشخصية الأكثر مصداقية بين كل القيادات الإسلامية في تونس و جعلت العلمانيين على اختلافهم مع الإسلاميين ينقسمون في تقييمهم للشيخ بين محترم له و عاتب عليه دفاعه عن الهادي الجيلاني صهر الرئيس السابق زين العابدين بن علي وكان وراء تبرئته من تهم الفساد و استغلال النفوذ و الذي برره الشيخ بوجوب توفير المحاكمة العادلة لأي متهم بعد الثورة.
خلافات الشيخ عبد الفتاح مورو مع حزبه بدأت منذ التسعينات حين ندد بالعنف الذي اتخذته الحركة منهجا في التعامل مع السلطة و الخصوم السياسيين، فندد بعمليات باب سويقة التي قتل قيها الجناح العسكري للحركة حارس مقر محلي للحزب الحاكم و استعماله للمياه الحارقة في بعض عملياته و ندد أيضا بعملية "ستينغر" التي كانت تهدف إلى إسقاط الطائرة الرئاسية في التسعينات بصاروخ ستينغر و هي مواقف صرحت بها الحركة بعد ثورة 14 يناير وقبل حصولها على الترخيص القانوني وهي التي استبعدت بموجبها الشيخ مورو في زمن مضى، معتبرة انه حاد عن مبادئ الحركة التي لم يكن الشيخ على علم أصلا بوجود جناحها العسكري رغم انه كان أمينها العام و هوما زاد من استيائه منها إذ صرح لجريدة الشرق الأوسط "أنا لا أخفي أنني مستاء من الحركة، فقد نددت منذ سنة 1991 بالعنف وهو حدث سياسي بالفعل، وطلبت من حركة النهضة وقتها أن تحسم أمورها وتتخذ موقفا حازما ضد العنف. إلا أنها عوض الإجابة عن الموضوع، وبيان أسباب ذاك العنف للرأي العام التونسي، سارعت إلى تجميد عضويتي. أنا ناديت مند 30 عاما، إلى تخليص حركة النهضة من صبغتها الدعوية والخروج بها إلى عالم السياسة كحركة سياسية تتعايش مع بقية مكونات المجتمع وتساهم في بناء المجتمع. وأنا اليوم في انتظار تفسير من حركة النهضة لما جرى خلال بداية التسعينات".
ولد الشيخ مورو المتأثر بالطريقة الصوفية المدانية العلوية سنة 1948 ودرس في المعهد الصادقي بتونس وبكلية الحقوق التي عرفته بالجبة التونسية، ابان سطوة اليسار الماركسي عليها والتي جعلته إلى جانب دراسته في جامع الزيتونة الأعظم للتاريخ الإسلامي، يمثل الرافد التونسي داخل حركة النهضة عكس أستاذ الفلسفة العائد من دمشق الذي أسسها معه سنة 1972 تحت اسم الجماعة الإسلامية و التي اقتصر نشاطها على الجانب الثقاقي قبل تغيير اسمها في شهر يونيو 1981 الى "الاتجاه الإسلامي" في مؤتمرها العلني الأول و الذي منع من النشاط القانوني واعتقلت اغلب قياداته ومنها الشيخ عبد الفتاح مورو و راشد الغنوشي و عبد الفتاح كركر و حكم عليهم بعشر سنوات سجنا خلصتهم منها وساطة محمد مزالي رئيس حكومة بورقيبة في الثمانينات والذي رأى في الإسلاميين المتأثر غالبهم بالثورة الإيرانية قوة مضادة لليسار المتغول في تلك الفترة.
توجت وساطة مزالي برسالة أرسلها عبد الفتاح مورو إلى الحبيب بورقيبة يؤكد فيها التوجه السلمي للحركة وعدم تعارضها مع الحداثة ورفضها للعنف وللولاء الأجنبي بخاصة الإيراني منه ليكون مورو السبب في السماح للحركة بالنشاط حتى من دون حصولها على ترخيص بعد دعوة مزالي لمورو و الغنوشي الى منزله لتعلن ابتداء شهر عسل بين الحركة و السلطة لم يدم طويلا لان الحركة سرعان ما اختارت منهج المواجهة الذي لم يكن الشيخ مورو من مناصريه عند إقالة حكومة محمد مزالي.
[caption id="attachment_2450" align="alignright" width="300" caption="مورو و الغنوشي.. اختلاف أم خلاف"]مورو و الغنوشي.. اختلاف أم خلاف[/caption]
هكذا كان الشيخ مورو "رجل الوسطية" اللاعب الأساسي لدور الوسيط والمصلح داخل الحركة مما جعله موضع نقد داخل النهضة بخاصة من طرف شبابها وكوادرها الوسطى المتشبعة بالفكر الجهادي والتي أصبحت اليوم هي القيادات العليا للحركة و تأتمر بأوامر راشد الغنوشي الذي طالما كان يرى في الشيخ خصما عنيدا لا بد من إزاحته.
ابتدأ الأستاذ عبد الفتاح مورو مشواره المهني كقاض، فرض عليه الحزب الاستقالة التي رفضها في البداية متمسكا بمهنته إلا إن معاداة الحركة للقوانين التونسية "الوضعية و غير الإسلامية" فرضت عليه الانتقال إلى قطاع المحاماة الذي استثمر فيه كل جهوده أثناء فترة محاصرته وعزلته الإجبارية بمنعه حتى من الحصول على جواز سفره في حين كانت غيره من القيادات تتجول في العواصم الأوروبية فلم يغادر الرجل تونس منذ عودته إليها من المملكة العربية السعودية في 1988 فأثث حياته بالعمل وجمع الطوابع البريدية التي يمتلك منها مجموعة جد نادرة بعد خروجه من السجن الذي دخله سنة 1981 و الذي قاد من داخله مفاوضات مع ممثل الرئيس بورقيبة أسفرت عن إطلاق سراح 800 ناشط في حركة الاتجاه الإسلامي من بينها قيادات حالية تنكرت له اليوم وهو الذي كان السبب الرئيس في خروج الفكر الإسلامي سنة 1970 من مسجد سيدي يوسف إلى الجامعات وتأسيس مجلة المعرفة الصادرة عن الجماعة الإسلامية غداة تكونها.
أفضال الشيخ على حركة النهضة كبيرة و يرى كثير من المتابعين للشأن الإسلامي التونسي أن استبعاده يعد مسمارا آخر يدق في نعش حركة النهضة التي ومنذ حصولها على الترخيص القانوني ارتكبت أخطاء قاتلة كبيرة بعد الثورة وأبرزها عجزها عن كبت عقدة الزعامة التي سكنت زعيمها وجعلته لا يمتثل للمؤسسات، فقد صرح في تركيا "أن الجيش التونسي يمكن أن يأخذ أمور البلاد"، الأمر الذي أربك الحركة فخرجت تصرح بخلاف ذلك مسايرة موقف الأستاذ عبد الفتاح مورو الذي لم تغفر له اختلافه معها في الرأي وتنديده بالعنف وهي التي طالما نادت بالعفو التشريعي العام في حين انها لا تزال تعاقب أفضل رجالاتها دون ذنب.
ازدواجية الخطاب هذه والإقصاء والتخوين كلها عوامل جعلت من الحركة لا تجد قبولا و لا رواجا في الساحة السياسية التونسية بعد مغادرة مورو لها مما دفعها إلى دعوته لاجتماعاتها الشعبية علها تستقطب بحضوره مناصرين و بمواقفه المعتدلة تحالفات جديدة و اصواتا تنفعها في الانتخابات المقبلة والقادم من المعارك السياسية التي تحتاج رجلا تونسيا "قلبا وقالبا".
شهرزاد عكاشة
font change