
أضّر انهيار العملة الايرانية التي تراجعت من 13 ألف ريال للدولار الواحد بداية العام الجاري الى 34500 في اقل من تسعة اشهر بمصداقية الحكومة الإيرانية التي فشلت في وقف نزيف العملة وانقاذ البلاد من الركود الاقتصادي الذي يواجه ايران للمرة الاولى منذ عقدين والتضخم الذي قدره صندوق النقد الدولي حاليا بنحو 25 في المائة، بينما يعتقد خبراء اقتصاديون أنه أعلى من ذلك بكثير.
انخفاض العملة الإيرانية بشكل لافت في الآونة الاخيرة الى نحو 40 في المائة أمام الدولار نتيجة النقص الحاد للعملات الصعبة والتضخم الناجم عن العقوبات المصرفية والنفطية المشددة المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، كانت من نتائجه الأولى تدافع الإيرانيين إلى تحويل مدخراتهم بالريال إلى العملة الصعبة ما تسبب في حدوث اشتباكات بين شرطة مكافحة الشغب ومحتجين على هبوط الريال في طهران، وهي مظاهر بدأت تتكرر في أكثر من مدينة.
كما تزايدت الانتقادات من جانب الخصوم السياسيين للرئيس محمود أحمدي نجاد الذي يحملون إدارته المسؤولية عن الكارثة الاقتصادية التي تواجهها إيران.
علي لاريجاني رئيس البرلمان والمرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية المقبلة كان من أكثر المنتقدين لأحمدي نجاد وسياساته وإدارته لاقتصاد البلاد. انتقادات انضم إليها شخصيات دينية رفيعة مقربة من المرشد الاعلى علي خامنئي، على الرغم من مناشدات هذا الأخير بوحدة الصف.

خامنئي حث المسؤولين في بلاده على وقف المشاحنات بشأن المتاعب الاقتصادية المتزايدة. المرشد الأعلى، وفي كلمة ألقاها في مدينة بجنورد بشمال شرقي إيران ونقلها التلفزيون الرسمي وتطرقت إلى الانقسامات بين أجهزة الحكومة الإيرانية والفصائل السياسية التي تضخمت بفعل هبوط الريال على مدى الأسابيع الماضية مثيرة أجواء من الأزمة في خامس أكبر مصدر للنفط في العالم، قال "يجب أن يعرف مسؤولو البلاد ويقبلوا مسؤولياتهم وألا يلقوا باللوم على بعضهم البعض.. يجب أن يتحدوا ويتعاطفوا مع بعضهم البعض".
وأقر خامنئي في كلمته بأن التضخم والبطالة من المشكلات الضاغطة. لكنه أصر على أن إيران تستطيع تحمل العقوبات الغربية وقلل من أهمية الاحتجاجات الشعبية قائلا "إنها قلة من الناس أشعلت النار في صناديق القمامة".
مخاوف
مجلة “الإيكونوميست” قالت إن الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد يخشى من استدعائه للبرلمان للمرة الثانية أثناء فترة حكمه الثانية بعد أن وصل عدد الموقعين من النواب على عريضة بالبرلمان تطالب باستجوابه العدد القانوني، بسبب الازمة الاقتصادية وسياساته الخاطئة.
واشارت “الإيكونوميست” الى مخاوف نجاد من مواجهة مصير سلفه الاسبق ابو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية الايرانية بعد اندلاع ثورة 1979، والذي اصطدمت توجهاته مع توجهات آيات الله الذين قادوا الثورة، فأصدر مرشد الثورة الإسلامية آية الله الخميني قرارا بعزله، وأصبحت حياته مهددة في الأيام القليلة التي تلت ذلك، فاختفى عن الأنظار إلى أن استطاع الهرب إلى منفاه الاختياري في فرنسا.
ويأمل نجاد في البقاء بالسلطة واستكمال ولايته الثانية التي تنتهي بحلول حزيران/ يونيو المقبل وعدم الخروج المهين تحت ضغوط المظاهرات والاحتجاجات الشعبية الغاضبة بسبب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجه البلاد.
[caption id="attachment_55239597" align="alignleft" width="300"]

من جهته انتقد الرئيس الايراني الاسبق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي اكبر رفسنجاني الاوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة بشدة واصفا سياسات الرئيس نجاد بالصدمة.
ووضع رفسنجاني الذي شغل منصب رئاسة الجمهورية لدورتين رئاسيتين (1989-1997) رؤيته لتشكيل حكومة على اساس الوحدة الوطنية، وقال “ان الاوضاع الاقتصادية اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ان الجمهورية الاسلامية تحتاج الى اصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة اذا ارادت البقاء على قيد الحياة”.
وطالب الاصلاحي والخبير الاقتصادي الايراني علي مصباح زاده بوضع حد لتجاهل الفصيل الاصلاحي والنهضوي في البلاد محذرا من اضطرابات واحتجاجات سياسية واجتماعية واسعة ربما تكون أشد - حسب وصفه - مما شهدته الدولة عام 2009، والتي اندلعت بعد إعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد وتسببت في أعمال عنف بسبب اتهام الملايين من الشعب الايراني بتزوير الانتخابات، وتزوير إرادة الشعب لصالح نجاد امام المرشح المعارض مير حسين موسوي.
يقول محللون ان سياسة العقوبات التي اختارها الغرب للحد من طموحات ايران النووية لاقت تجاوبا سريعا بعد حظر تصدير النفط منها والذي يدر دخلا سنويا يبلغ 95 مليار دولار، اضافة إلى انقطاعها عن النظام المالي الدولي، لتواجه البلاد مشاكل وخيمة من ارتفاع قياسي للأسعار وانتشار البطالة، إلى مخاطر اقتصادية كثيرة وتداعيات اجتماعية وسياسية وعسكرية أكثر خطورة.
اعتراف
ووصفت الادارة الاميركية تدهور العملة الايرانية بالتاريخي واكدت انه يدل على نجاح حزمة العقوبات الدولية المفروضة على ايران بسبب برنامجها النووي.
أحمدي نجاد اعترف من جانبه بتأثير العقوبات الدولية على الاقتصاد الإيراني وقال في تصريحات بداية أكتوبر الجاري "إن التراجع الكبير للعملة الإيرانية حالياً سببه العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على طهران"، مضيفاً "هناك حرب نفسية تواكب الضغوط الدولية الخارجية".
[caption id="attachment_55239598" align="alignright" width="300"]

لكن نجاد نفى وجود نقص في العملة الصعبة في السوق الإيراني"، وقال: "إن البنك المركزي الإيراني يحاول توفير كل الطلبات على العملة الصعبة".
وأضاف "خلال فترة طويلة يشهد السوق مثل هذه التغيرات، وظهور المشكلة حالياً يأتي نتيجة عاملان مهمان: الأول من الخارج، والآخر من الداخل، فالعدو أعلن مقاطعة النفط، ونحن نحصل على جزء كبير من العملة الصعبة من النفط، بالإضافة إلى النقطة الأهم وهي منع التبادلات المصرفية، والتي تمنعنا إذا قمنا ببيع كمية من النفط من الحصول على العملة الصعبة".
وقد كشف تقرير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في بريطانيا ان العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وحظر استيراد النفط منها منذ ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي ألقت بثقلها على طهران وتسببت على اقل التقديرات في وقف برنامجها الرامي لتطوير صواريح بالستية بعيدة المدى من طراز “سجيل 2″ والتي يصل مداها الى 1500 كيلومتر.
بذلك تكون العقوبات - بحسب التقرير - نجحت في درء التهديد الايراني للدول التي كانت ستطالها هذه الصواريخ.
ويعتقد معدو التقرير ان السبب الرئيس لعدم قدرة ايران على تطوير برنامج الصواريخ بعيدة المدى هو عدم وجود خط موثوق به لتزويدها بالعناصر الدافعة الرئيسة والمكونات اللازمة لانتاج محركات تعمل بالوقود الصلب.
وبحسب المعهد فان ايران تجري ما يكفي من التجارب لاطلاق “سجيل 2″ لاثبات قدرته قبل ادخاله الى قاعة الاسلحة الاستراتيجية لدى الجيش الايراني.