قراءة في فكر أول رئيس إخواني في تاريخ مصر

قراءة في فكر أول رئيس إخواني في تاريخ مصر

[caption id="attachment_55240206" align="aligncenter" width="620"]الرئيس محمد مرسي الرئيس محمد مرسي[/caption]




مرسي الذي تأخر عن النزول للميدان ثلاثة أيام، اُعتقل فور نزوله صباح يوم "جمعة الغضب" 28 يناير 2011 هو وأربعة وثلاثون من قيادات الإخوان المسلمين لمنعهم من المشاركة في المظاهرة، لكن هذا الأمر لم يمنع الرجل البراغماتي الحركي بعد ذلك، من أن يتوجه لقصر الجمهورية مترئساً وفدا إخوانياً من أجل لقاء اللواء عمر سليمان ـ نائب الرئيس وقتها ـ للتفاوض معه حول الانسحاب من ميدان التحرير، مقابل حصول الجماعة على الشرعية وإنشاء حزب سياسي، والإفراج عن خيرت الشاطر ـ نائب المرشد العام للإخوان المسلمين ـ وذلك وفق شهادة القيادي الإخواني السابق هيثم أبوخليل.

إلا أن الرجل الذي دخل القصر الجمهوري متفاوضاً من أجل الحصول على مكاسب سياسية صغيرة، دخله هذه المرة رئيساً عقب فوزه في انتخابات الرئاسة المصرية 2012 بنسبة 51.73 في المائة على منافسه اللدود في جولة الإعادة أحمد شفيق ـ رئيس الوزراء السابق.
هذه المنعطفات المثيرة، والصعود المفاجئ لشخصية إخوانية مغمورة ذات خبرة سياسية قصيرة وصلت لسدة السلطة، تطرح العديد من التساؤلات، وتغري الباحث والمراقب للخوض في كواليس الصورة وظلها وجذورها.

فمن هو الدكتور محمد مرسي؟ وما هي مؤهلاته؟ ولماذا اختارته جماعة الإخوان المسلمين ليكون مرشحاً له؟ وما هي العوامل التي ساهمت في صعوده السريع وترقيه داخل الجماعة؟ ماذا عن تكوينه العقائدي والفكري والحركي.. لأي تيار ينتمي داخل الجماعة، هل هو لتيار الشيوخ والتنظيم الخاص، أم لتيار الإصلاحيين؟ وكيف سيدير علاقته مع من رشحوه لهذا المنصب.. لمن سيكون المستقبل.. هل هو للرئيس أم للجماعة؟
أسئلة تطرحها مجلة "المجلة" في هذا التحقيق لتقارب الصورة، حول مرسي شاباً، ومرسي رئيساً.. وسيناريوهات مستقبل علاقته مع جماعة الإخوان المسلمين.


مرسي القادم من الريف




في قرية العدوة بمحافظة الشرقية ولد محمد مرسي في 8 أغسطس (آب) عام 1951 لعائلة مصرية بسيطة لأب فلاح وأم ربة منزل، وله من الأشقاء أختان وثلاثة إخوة، لا يزال عدد من أشقائه يعيش ويعمل في القرية نفسها التي تتحدر منها الأسرة.
تفرد بين أشقائه بالتعليم في مدارس محافظة الشرقية، انتقل للقاهرة للدراسة الجامعية وعمل معيدا، ثم خدم في الجيش المصري (1975 - 1976) كجندي في سلاح الحرب الكيماوية، تزوج عام 1978 ورزق بـخمسة أولاد.
يصفه شقيقه السيد مرسي بأنه شخص معتدل في التعاملات داخل الأسرة وخارجها، ودائما ما يعمل لنفسه ولأهله، ولديه رؤية لتطوير نفسه، موضحًا أنه عرض عليه أن يعمل في وكالة "ناسا" الأميركية مقابل 50 ألف دولار إلا أنه رفض.

وتقول عنه فاطمة محمد مرسي شقيقته الصغرى: "محمد طول عمره مكافح وملتزم ويحمل هم وعبء أمه وهو صغير، كان يحافظ على نظافة ملابسه حتى لا يُجهد أمه في غسلها، وكان يخرج ليلاً ليذاكر دروسه تحت أعمدة الإنارة، ليوفر السولار للمبات الجاز، وفي الشتاء كانت أحيانًا أمي تحكم عليه أن يذاكر بالنهار بدلاً من الليل، وعمره ما حد اشتكى منه، محمد تعلم من كفاح أبي وأمي في الحلال".
تخرج مرسي متفوقاً من كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وأصبح معيداً في الكلية وابتعث للولايات المتحدة الأميركية لنيل درجة الدكتوراه في الهندسة من جامعة جنوب كاليفورنيا 1982.

وفي أحد أهم جوانب حياته، التحق محمد مرسي بجماعة الإخوان المسلمين، في بداية سنوات تأسيسها الثاني في مصر، في سبعينات القرن الماضي. كانت الجماعة آنذاك تخطو خطواتها الأولى نحو الحياة العامة والساحة السياسية، بعد أن أمضت قياداتها الأولى سنوات طويلة في سجون الجمهورية، سجون نظام تموز/يوليو 1952.
بعد عودته من الولايات المتحدة، والتحاقه بهيئة تدريس جامعة الزقازيق، أخذ محمد مرسي في التقدم سريعاً في صفوف الإخوان المسلمين مكافحاً ليصبح من قيادات مرحلة ما بعد التأسيس الثاني.




[blockquote]"لقد اختارني الإخوان مراعاة للكفاءة والحضور السياسي، وحب الوطن، والعمق والدراسة والكاريزما".. (محمد مرسي متحدثاً عقب ترشيحه من قبل الإخوان لخوض سباق الانتخابات الرئاسية المصرية عام 2012).
[/blockquote]



مرسي في الجماعة.. التنظيم الخاص وجيل 65




يشير كثير من المراقبين لحالة الإخوان المسلمين إلى أن محمد مرسي منذ انضمامه للجماعة كان منتمياً لتيار الصقور والحرس القديم داخلها، ومن أبرزهم نائب المرشد العام خيرت الشاطر، الذي تربطه بمرسي علاقة حركية وثيقة ومتينة جداً. إضافة إلى أمين الجماعة: محمود عزت، ومرشدها العام محمد بديع. فالجماعة العريضة يدور داخلها صراع كبير بين جيلين: الأول هو جيل الشيوخ ـ تيار التنظيم الخاص وبقايا جيل 65 ـ الذين يسيطرون على الجماعة حالياً ـ وتشكل مؤلفات سيد قطب، ورؤاه ونظرياته المتشددة مكوناً أساسياً لهذه المجموعة. والثاني هو جيل السبعينات أو ما يعرف بجيل الوسط الذين يرفضون رؤية الشيوخ ويطالبون بمراجعات حادة وصريحة على تراث الجماعة وتراث سيد قطب، ويرون في خط الجماعة الحالي خروجاً على منهج المؤسس حسن البنا، ومن أبرزهم أبو العلا ماضي، وعبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد حبيب وغيرهم من بعض المنشقين والمنفصلين قديماً وحديثاً عن الجماعة، مما يشير إلى أن السيطرة والقوة الآن قد أصبحت للتيار "القطبي" المحافظ كما يُسمى.
ولمعرفة موقع محمد مرسي من الخارطة الفكرية والتنظيمية داخل جماعة لإخوان المسلمين لا بد من العودة للجذور التاريخية، والظروف التي شكلت التنظيم الخاص، وفكر مجموعة 65 الحاكمة الآن لجماعة الإخوان المسلمين، وطبيعة علاقته بهم.

تعود قصة (النظام الخاص) إلى سنة 1940 حين قرر حسن البنا أن يكون للجماعة جناح عسكري تواجه فيه حكم الإنجليز في مصر، والمستوطنين اليهود في فلسطين، وقد تم الأمر وتعين على رأس هذا الجهاز العسكري عبد الرحمن السندي، وكان عمره حينها 21 سنة طالباً في السنة الأولى بكلية الآداب، إلا أن النظام الخاص وبحسب إفادة الكثير من المؤرخين والمحللين قد تغول وتضخم، وجر الجماعة لمآزق سياسية كبرى جعلتها عرضة للحل والمطاردة والتشريد، من أبرز هذا الأعمال حادثة مقتل القاضي أحمد الخزندار، واغتيال رئيس الوزراء محمود النقراشي سنة 1948، وعلى الرغم من المقولة المنسوبة لحسن البنا "خلصونا من الخزندار" إلا أنه تبرأ من أفعالهم، ووصفهم بأنهم "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين".

لكن هؤلاء الذين ليسوا (إخواناً وليسوا مسلمين) كما يقول البنا أصبحوا القوة المسيطرة على الجماعة، وهذا ما يشير إليه الدكتور الكويتي عبد الله النفيسي ـ كان منتمياً للإخوان المسلمين في الكويت ـ في دراسته (الإخوان المسلمون.. التجربة والخطأ). بأن المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي (51 ـ 1973) واجه تركة مضطربة، ومشاكل داخلية صعبة، من أبرزها التنظيم الخاص الذي أصبح الآمر الناهي، لا يعترف بصلاحيات المرشد الجديد، وينظر إليه بشيء من الريبة وعدم الارتياح.






[blockquote]

جماعة الإخوان المسلمين



"الإخوان المسلمون" هي جماعة إسلامية، إصلاحية شاملة، وتعتبر أكبر حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية، خاصة في مصر.
أسسها الأستاذ حسن البنا في مصر في مارس (آذار) عام 1928 كحركة إسلامية، وسرعان ما انتشر فكر هذه الجماعة في مصر والعديد من الدول، ووصلت الآن إلى أكثر من 72 دولة، تضم كل الدول العربية، ودولاً إسلامية وغير إسلامية في القارات الست.
طبقاً لقوانين ومناهج ومبادئ الجماعة فإن الإخوان المسلمين، يهدفون إلى إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل في مصر، وكذلك في الدول العربية التي يوجد فيها الإخوان المسلمون، مثل الأردن والكويت وفلسطين، كما أن الجماعة لها دور في دعم عدد من الحركات الجهادية والتي تعتبر حركات مقاومة في العالمين العربي والإسلامي ضد كافة أنواع الاستعمار أو التدّخل الأجنبي، مثل حركة حماس في فلسطين، وحماس العراق في العراق، وغيرها من الحركات التي تنشد الاستقلال لبلادها.
وتسعى الجماعة في سبيل الإصلاح الذي تنشده إلى تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، ثم الحكومة الإسلامية، وفقاً للأسس الحضارية للإسلام عن طريق منظورهم. وشعار الجماعة "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله اسمي أمانينا".

• عن الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين.
[/blockquote]






تطورت الأحداث وتسارعت إلى أن حصل انقلاب الضباط الأحرار سنة 1952 وسيطر جمال عبد الناصر على مقاليد الحكم، ورغم أن البوادر المبكرة كانت تشير إلى تحالف استراتيجي بين جماعة الإخوان المسلمين، ومجلس قيادة الثورة، إلا أن الظروف تحولت إلى صدام وحرب مفتوحة بين جماعة الإخوان المسلمين، وعبد الناصر، خصوصاً بعد محاولة اغتياله سنة 1954 فيما يعرف بـ"حادثة المنشية"، واتهام الإخوان المسلمين من قبل سلطات الثورة بأنهم وراء العملية.

ويشير النفيسي إلى أن هذه الفترة من (54 ـ 1970) وما واكبها من قمع مباشر ومتلاحق للإخوان، أفرزت مدرسة فكرية جديدة، وهي مدرسة سيد قطب، وقد مر فكر سيد قطب بمرحلتين: الأولى التي تتميز باهتمامه بالمشكلة الاجتماعية والاقتصادية، وتحديد التصور الإسلامي وبدائل الحل، ويتجلى ذلك في كتابيه: (العدالة الاجتماعية في الإسلام ـ معركة الإسلام والرأسمالية). والمرحلة الثانية تبلورت في الستينات، التي ظهرت فيها كتبه: (هذا الدين ـ والمستقبل لهذا الدين ـ ومعالم في الطريق) واقد اشتمل كتابه الأخير المشهير بـ"المعالم" على رؤيته النهائية التي تقوم على أساس جاهلية المجتمعات الإسلامية، وتؤسس لفكرة الحاكمية، والخروج بالقوة، كما يطرح سيد قطب فيها مفاهيم حركية وتنظيمية تقوم على العزلة والمفاصلة، إذ على الحركة الإسلامية أن تعتزل المجتمع في فترة التكون لكي تتحاشى كل مؤثرات الجاهلية التي تحيط بها وترجع إلى "النبع الخالص"، الذي تكون عليه "الجيل القرآني الفريد".

ووفق هذا المفهوم يؤكد سيد قطب أنه لا تصالح مع الواقع الاجتماعي بصورته الحالية، بل لابد من تغييره من جذوره. وكونت هذه المفاهيم مصدراً مرجعياً متمدداً ومتوسعاً للجماعات الجهادية المتطرفة، كجماعة الجهاد، وجماعة المسلمين التي اشتهرت باسم (التكفير والهجرة) في مصر، ورغم محاولة المرشد العام آنذاك حسن الهضيبي مواجهة هذه الأفكار عبر رسالته الشهير التي رد فيها على سيد قطب، وأبو الأعلى المودودي في كتاب "دعاة لا قضاة"، إلا أن مفاهيم سيد قطب وأطروحاته قد تغلغلت داخل الجماعة الأم، وأصبح لها أنصار تاريخيون من أبرزهم تيار التنظيم الخاص، ومجموعة 65 الذين يسيطرون على منصب المرشد، ومجلس الإرشاد في الجماعة حالياً.

فما هي مجموعة 65، وما هي علاقتها بسيد قطب؟
يرتبط اسم هذه المجموعة بالمحاكمات العسكرية التي جرت لقيادات جماعة الإخوان المسلمين في عهد جمال عبد الناصر، وتحديداً في المحاكمات العسكرية الثانية، في القضية رقم 12 لسنة 1965 فيما يعرف بـ"تنظيم 65" ويُعرف أحيانا باسم "تنظيم سيد قطب"، وكان الاتهام قد وجه لمجموعات من الإخوان المسلمين بمحاولة إحياء التنظيم بعد حله في سنة 1954، وقد تم تقسيم المعتقلين إلى 4 مجموعات أكبرها وأشهرها المجموعة الأولى والتي كان على رأسها سيد قطب. وجاء في نص اتهام المحكمة:

"المتهمون في الفترة من سنة 1959 حتى آخر سبتمبر 1965 بالجمهورية العربية المتحدة وبالخارج حاولوا تغيير دستور الدولة وشكل الحكومة فيها بالقوة، بأن ألفوا من بينهم وآخرين تجمعًا حركيًا وتنظيمًا سريًا مسلحًا لحزب الإخوان المسلمين المنحل يهدف إلى تغيير نظام الحكم القائم بالقوة باغتيال السيد رئيس الجمهورية والقائمين على الحكم في البلاد، وتخريب المنشآت العامة وإثارة الفتنة في البلاد، وتزودوا في سبيل ذلك بالمال اللازم، وأحرزوا مفرقعات وأسلحة وذخائر، وقاموا بتدريب أعضاء التنظيم على استعمال هذه الأسلحة..."

وقد كانت مؤلفات وكتب سيد قطب هي المرجع الملهم لمجموعة 65، حيث يقول أحمد عبد المجيد ـ أحد أهم أعضاء هذه المجموعة، ومن مريدي وطلاب سيد قطب، نال حكماً بالإعدام معه، لكنه لم ينفذ ـ يقول في كتابه "الإخوان وعبد الناصر.. القصة الكاملة لتنظيم 1965م"، واصفاً فترة تأسيس هذه المجموعة وطبيعتها: "في الفترة (1957 -1962) كانت تصل إلينا مخطوطات من الشهيد سيد قطب من السجن، اذكر أن بها فكرة عن تكوين الكيان المسلم وتربيته, وفكرة عامة عن المخططات الصهيونية العالمية, والصليبية الدولية ومحاربتها للإسلام ووسائلها وعملائها في المنطقة وبعض الأسماء كذلك، وكانت تأتي تحت اسم (خيوط خطة)".

وساهمت مرحلة السجن وتواصل المجموعات فيما بينها في انتشار أفكار سيد قطب بين القيادات الإخوانية، ومن أبرزهم أحمد عبد المجيد، وصبري عرفة الكومي.
وما تزال امتدادات الفكر القطبي داخل الجماعة متجذرة من خلال بقايا تنظيم 65 الذين يديرون الإخوان المسلمين الآن، وهم: المرشد العام الحالي للجماعة محمد بديع سامي، الذي حكم عليه في قضية (تنظيم 65) بالسجن خمس عشرة سنة مع الأشغال الشاقة. وأمينها العام وعضو مكتب الإرشاد محمود عزت إبراهيم حيث حُكم عليه في قضية التنظيم بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة.

وبناء على المعطيات التاريخية السابقة تبدو السيطرة واضحة داخل الجماعة لتيار سيد قطب، كما يؤكد ذلك رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور ضياء رشوان الذي قال في ندوة سياسية عقدت في أبريل (نيسان) الماضي، إن "الجماعة التي كانت تسير على نهج حسن البنا باتت واضحة في تغيير مسارها إلى نهج (65)، نهج سيد قطب، وتريد أن تحسم كل هذا في فترة قصيرة جداً". وأكد رشوان في خبر نشرته صحيفة اليوم السابع أن "الفكر الذى يتبناه مرشد الجماعة محمد بديع ليس فكر حسن البنا التدريجي، وإنما هو منهج سيد قطب الانقلابي، والذى يعتبر بديع أحد تلاميذه ومن أقرب المقربين له".

وهذا ما شرحه وحلله بالتفصيل الباحث في شؤون الحركات الإسلامية الأستاذ حسام تمام في دراسة تحليلية نُشرت في مجلة الإصلاح العربي الصادرة عن معهد كارنيجي للسلام الدولي تحت عنوان "قيادة جديدة للإخوان: التداعيات وحدود التغيير"، يؤكد فيها أن الانتخابات الداخلية التي جرت داخل جماعة الإخوان المسلمين في يناير 2010، أسفرت عن صعود القيادات التنظيمية المحافظة بعد أن أحكمت سيطرتها كاملة على مكتب الإرشاد، وحازت أهم مواقعه بما في ذلك منصب المرشد الجديد ونوابه الثلاثة والأمانة العامة، فلقد تحوّل الإخوان المسلمون من جماعة تحتمل التعددية الداخلية وتتجاور فيها خطابات وأفكار ورؤى مختلفة، إلى تنظيم أحادي يسيطر عليه تيار واحد هو التيار التنظيمي المحافظ الذي يهتم ببناء التنظيم القوي المحكم أكثر من اهتمامه بالتواصل مع المجتمع وقواه السياسية والفكرية الأخرى، وأصبحت الأولوية للتربية الخاصة والتكوين العقائدي المتميز والمنفصل عن المجتمع وليس لتطوير رؤية منفتحة ومرنة، يمكن أن يشارك فيها آخرون في مشروع شامل للإصلاح.





[blockquote]

أقوال: سيد قطب
• إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة، ولا مجتمع مسلم، قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله، والفقه الإسلامي. (في ظلال القرآن 4/2122)
• إن هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم (في ظلال القرآن: 4/2009)
• إن المسلمين الآن لا يجاهدون! ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون! إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج (في ظلال القرآن 3/1634)
[/blockquote]






وقد جاء فوز المحافظين، وبعضهم شديد التأثر بأفكار سيد قطب وفي مقدمتهم المرشد الجديد محمد بديع، كما يقول حسام تمام الذي يضيف: وللدلالة على آثار هذه التغيرات الداخلية في الجماعة، وجه نظام حسني مبارك ضربة أمنية مباشرة في فبراير (سباط) 2010 طالت عددا من أهم قادتها وفي مقدمتها محمود عزت، وعصام العريان، ومحي حامد، وعبد الرحمن البر ـ الأعضاء بمكتب الإرشاد ـ وعدد آخر من قيادات الجماعة، وكان لافتا أنه ولأول مرة يجري الحديث عن "تنظيم خاص" داخل الجماعة مختلف تماما في أفكاره وقياداته ومشروعه السياسي عن جماعة الإخوان المعروفة والتي تمارس العمل العام وتشارك في الحياة السياسية منذ نحو ثلاثة عقود، وطوال حكم الرئيس مبارك من دون انقطاع. حيث وجهت النيابة اتهامات جديدة ومفاجئة للمتهمين الإخوان كانت هي الأولى من نوعها لقيادات الجماعة، مثل "تكوين تنظيم ينتمى لسيد قطب، يقوم على منهج التكفير ومحاولة تنظيم معسكرات مسلحة للقيام بأعمال عدائية داخل البلاد".

ويشير تمام إلى أن ورود اسم "سيد قطب" في لائحة الاتهام يستدعي جدلا مهما عاشته الجماعة وما زالت حول تأثرها بأفكار هذا المفكر الذي صار ينظر إليه باعتباره الأب الروحي لكل جماعات العنف الإسلامي في أنحاء العالم، فثمة اتفاق على أن أفكار قطب في مجملها أفكار متشددة تؤسس لبناء جماعة منعزلة تؤمن بجاهلية المجتمع ولا تعترف بشرعية الأنظمة الحاكمة وتميل لمواجهتها ولو بالانقلاب عليها، وقد تقود للتورط في التكفير والعنف الدموي إذا ما توفرت لها الشروط والسياق المناسبين.
وهذا ما يراه مختار نوح ـ القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين ـ في لقاء خاص بثته قناة "أون تي في" المصرية، مؤكداً أن الجماعة خالفت أفكار حسن البنا وعمر التلمساني، وانحرفت عنها، وأنها تدير شؤونها الآن بفقه الانغلاق، وهو فقه القطبيين، مؤكدًا أن مرشد الجماعة محمد بديع فكره أقرب للتكفير منه إلى الإخوان.



مرسي: سيد قطب هو الإسلام الصحيح




تماهى الدكتور محمد مرسي مع فكر وسيطرة التيار القطبي على الجماعة، فخرج على قناة الفراعين المصرية قبل خوضه غمار الترشح للرئاسة بسنة ونصف السنة فقط مدافعاً ومنافحاً عن فكر سيد قطب قائلاً: "سيد قطب يقدم الصورة الحقيقة للإسلام.. لقد بحثت عن الإسلام فوجدته واضحاً جلياً في كتاباته".

جاء ذلك رداً على الدكتور يوسف القرضاوي ـ وهو المرجع الروحي لجماعة الإخوان المسلمين ـ الذي شن هجوماً حاداً وصريحاً على سيد قطب، معتبراً أنه غير محسوب على أهل السنة والجماعة، وأن كتابه في ظلال القرآن ينضح بفكرة تكفير المجتمعات الإسلامية، وأكد القرضاوي أن قطب قد وقع في تكفير مجموع المسلمين وليس فقط الحكام والأنظمة، وقد تأثر شكري مصطفى وغيره بأفكار سيد قطب، وأسسوا جماعة التكفير والهجرة، التي ترى نفسها الجماعة المسلمة فقط، وأن غيرها كفار.
وأشار القرضاوي إلى أنه من يتأمل كتابات سيد قطب يرى أنه تجاوز في مسألة التكفير، وأنه يتحمل بعض المسؤولية عن أفعال وتصرفات تيارات العنف والتطرف.

ردة الفعل تجاه هذه التصريحات كشفت بوضوح عن الرموز القطبيين داخل جماعة الإخوان المسلمين، وكشفت عن عمق وأصالة مرجعية سيد قطب لدى هذه القيادات، حيث خرجوا دفاعاً عنه في ذات البرنامج الذي تحدث منه القرضاوي (منابر ومدافع) على قناة الفراعين المصرية مع الدكتور ضياء رشوان في 14/7/2009، وشارك في الدفاع عن سيد قطب مرشد الجماعة محمد بديع، وأمينها محمود عزت، ورئيس المكتب السياسي بالجماعة آنذاك محمد مرسي. وفيها أكدوا أن سيد قطب لم يخرج عن إجماع أهل السنة والجماعة، وأن ما كتبه قطب يعبر عن منهج الإخوان، وأن ما قاله يتفق مع أسس ومبادئ الجماعة، ولا يوجد ما يدعوهم للتبرؤ منه، وشددوا على أن سيد قطب لم يكفر المجتمع ولم يدعُ إلى الخروج على الحاكم.
وفي البرنامج تحدث محمود عزت وهو الرجل التنظيمي الذي لا يظهر كثيراً في وسائل الإعلام، مؤكداً أن قضايا الحاكمية والجاهلية والتكفير وغيرها لم يخرج بها قطب عما ورد في السنة، ولم يخالف فيها صحيح الإسلام، فهو لم يكفر أحدا ولم يطالب بالعزلة.

وفي ذات السياق علق محمد مرسي قائلاً: "إن سيد قطب يكتب كلاماً يحرك الوجدان، ويمس القلبن ويتحدى العقل ويُوجِد الصورة الحقيقية للإسلام الذي نبحث عنه، وليست الصورة المجتزئة في بعض الاتجاهات الأخرى".
وأضاف: "أنا دائماً ما أقول لأولادي وللشباب من يريد أن يستفيد من سيد، عليه أن يصبر ويبقى معه للنهاية بأسلوبه المستفيض.. فالرجل لا نزكيه على الله، يريد أن يعرض الإسلام بالصورة التي يجب أن يكون عليها المنهج الذي يُوجِد مسلمين حقيقيين، فنحن نقرأ معه (الظلال) لنعيش مع القرآن الكريم، ونتعرف على منهج الإسلام الصحيح".



مرسي.. خطة الشاطر




هذه المواقف ساهمت بشدة في أن ينال مرسي ثقة الحرس القديم المسيطر على الجماعة، ويترقى فيها بصورة سريعة مستغربة تسببت في انشقاق قيادات قديمة احتجاجاً واعتراضاً..
الكاتب الصحافي عمرو فاروق في مجلة اكتوبر المصرية، يشرح هذه المواقف والعوامل التي ساعدت في الصعود المفاجئ للدكتور محمد مرسي داخل الجماعة وتوليه جناحها السياسي، فحزب العدالة والتنمية، ومن ثم ترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية على الرغم من حداثة تجربته الإخوانية، فبحسب ما يقوله فاروق، فإن مرسي هو الابن المدلل والتلميذ النجيب لخيرت لشاطر ـ نائب المرشد العام ـ فلم يكن مرسي وجهاً معروفاً أو مألوفاً داخل الجماعة، ولم يكن يوماً أحد أبنائها الذين صعدوا لقياداتها من طريقها الشرعي على مستوياتها الإدارية والتربوية، بل تم اختياره وانتقاؤه لتنفيذ رؤية رجال «التنظيم القطبي».

ويضيف فاروق: لقد أكد المقربون من مرسى وعلى رأسهم خالد داوود القيادي السابق بالإخوان أن مرسى التقى بالشاطر في أواخر الثمانينات بالخارج ونشأت بينهما علاقة قوية، على إثرها انضم للجماعة وعقب عودته للقاهرة أصبح عضواً بالمكتب الإداري للزقازيق.
وفى عام 2000 تم اختيار مرسى ليكون مرشح الجماعة بالبرلمان عن الدائرة الأولى بالزقازيق، ومنها أصبح متحدثاً رسمياً عن الكتلة البرلمانية للإخوان، وكانت تضم قيادات بارزة أمثال صبحى صالح وحمدي حسن وعلي فتح الباب، وسعد الكتاتني.

وبحسب فاروق فإن انتخابات 2000 هي البداية الحقيقية لمرحلة صعود مرسى داخل الجماعة، فبعد إسناد رئاسة الكتلة البرلمانية إليه، تم انتدابه من عضوية المكتب الإداري للزقازيق بأمر من خيرت الشاطر ليصبح مسؤولاً عن إخوان القاهرة الكبرى، وهو منصب يشرف على سبعة قطاعات رئيسة ومكاتبها الإدارية، ويعتبر من أهم الكيانات داخل الجماعة حيث شمل مكاتب شمال القاهرة وشرقها وغربها وجنوبها ووسطها ومكاتب الجيزة والقليوبية.


[blockquote]

أقوال: محمد مرسي
* قرأنا في سيد قطب الإسلام والسعة والفكر الواسع والنظرة العالمية والرؤية الفاحصة للإسلام.
* سيد قطب يوجِد صورة حقيقية للإسلام الذي نبحث عنه. الإسلام في كتاباته وجدته واضحاً جلياً.
* الرجل يعرض الإسلام بالصورة التي يجب أن يكون عليها المنهج الذي يوجِد مسلمين حقيقيين.
[/blockquote]



وهو القرار الذى تسبب في أزمة داخل مكتب الإرشاد، ومجلس شورى الجماعة، وأثار حفيظة إخوان القاهرة خاصة القيادات غير المحسوبة على خيرت الشاطر، وتتبنى رؤية مغايرة للتنظيم القطبي أمثال أبو الفتوح ومحمد حبيب وعصام العريان ـ قبل دخول الأخير في حالة مواءمة سياسية مع رجال هذا التنظيم ـ حيث أصابهم هذا القرار بصدمة غير متوقعة. إذ كيف يتم تصعيد عضو من مكتب إداري فرعى ليصبح مسؤولاً عن سبعة كيانات رئيسة ومهمة بهذا الشكل وهو لا يمتلك أية خبرة تمكنه من التعامل مع إخوان القاهرة، لاسيما أن مرسي ظل فترة طويلة متمسكاً بانتمائه للريف، ولم يكن عضوا بمجلس شورى الجماعة أو عضوا بمكتب القاهرة.
وهو أمر وصفه الدكتور عبد الستار المليجي ـ القيادي الإخواني السابق ـ بأنه نوع من «أريفة» التنظيم، حيث يتعمد الشاطر ومجموعته تصعيد شخصيات ريفية بعيدة عن القوى السياسية في القاهرة ليس لهم رؤية أو طرح سياسي يسهل انقيادهم والتأثير عليهم.

ويضيف فاروق: كانت هذه خطة الشاطر للدفع بتلميذه مرسي داخل مكتب شورى الجماعة، فوفقاً للائحة الداخلية يكون مسؤول القاهرة الكبرى عضوا أساسياً بمجلس الشورى.. وكان من أهم رجال الشاطر في تمرير وجهة نظر التنظيم القطبي المحافظ حسب قول فاروق، فبعد مرور أقل من عام على التحاق مرسي بمكتب شورى الجماعة تم تصعيده عضوا بمكتب الإرشاد عقب وفاة أبو الحمد ربيع.
ويشير فاروق إلى روافد وجذور مرسى المنتمية لمحافظة الشرقية التي كان لها أثر بالغ في زيادة مساحة الثقة بينه وبين التنظيم القطبي المسيطر على قطاع الدلتا بالكامل، فنجد أن عائلة الشاطر بالدقهلية تتقاطع معها عائلة مرسي في الشرقية ومع آل عبد الغنى المرتبطة بصلات نسب مع العائلتين وينتمى لها أيمن عبدالغني زوج ابنة خيرت الشاطر الكبرى.

وكان من أبرز الملفات التي تولاها مرسى أثناء وجوده في مكتب الإرشاد ملف الطلبة ثم ملف الإعلام، وكانت له مواقف صدامية مع شباب الجماعة الذين فضحوا ممارسات قياداتها عبر مدوناتهم التي كشفت النقاب عن حقائق وأوضاع اللجان الداخلية والمستويات التربوية وعجز نقباء الأسر، ومسؤولي المكاتب الإدارية عن احتواء أزمات هؤلاء الشباب الذين اتخذوا مواقف ضد قرارات الجماعة وسياستها.
وعلى مدار وجود مرسي داخل مكتب الإرشاد لم يكن له دور واضح يذكر، إلا أنه عقب اعتقال الشاطر في قضية ميليشيات الأزهر الشهيرة أصبح يقوم بتنفيذ قراراته ورؤيته وينقلها للإخوان ويشرف على تنفيذها، ولأنه يحظى بثقة الشاطر ومجموعته فإنه وبتلقائية شديدة أصبح مهندس العلاقات والصفقات في السنوات الأخيرة.

ويكمل فاروق مفصلاً: وإبان ثورة يناير وعقب إنشاء الجماعة لحزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لها، لم يجد الشاطر أفضل من صديقه وتلميذه المخلص المسالم الذى يتوافق مع آراء وأفكار التيار القطبي ليتولى إدارة الحزب، ويصبح المنفذ لسياسات مكتب الإرشاد من دون نقاش أو اعتراض. ورغم أن مرسي قاد حملة شديدة مع الشاطر ضد أبو الفتوح بعد إعلانه الترشح للرئاسة، صدر على إثرها قرار بفصله، فإنه قاد حملة أخرى للضغط على أعضاء مكتب شورى الجماعة للموافقة على دفع الشاطر لسباق الرئاسة، وهي الحملة التي أخذت ثلاثة اجتماعات متتالية حتى استطاع مرسى انتزاع القرار بنسبة 52 في المائة إلى 48 في المائة وهى نسبة ضعيفة جداً، وكانت المكافأة التي حصل عليها مرسى هو تصعيده بشكل مباشر ليصبح المرشح الثاني في الجماعة بعد الشاطر، ويكون مرشحاً احتياطياً في حال استبعاد الشاطر من سباق الرئاسة، لعدم حصوله على عفو عام في قضية ميليشيات الأزهر والإفراج عنه لأسباب صحية.



مرسي رئيساً.. الشاطر يغضب




وعلى الرغم من العلاقة المتينة التي جمعت بين مرسي والشاطر، حيث ذهب البعض لوصف العلاقة بينهما بأنها "زواج كاثوليكي"، إلا أن بوادر الصراع بينهما بدت تتكشف بعد أن فاز مرسي بالانتخابات الرئاسية في 24 يونيو (حزيران) عام 2012.
وذكرت صحيفة الوفد في تقرير عن معالم هذا الصراع المتزايد بين الشاطر ومرسي، نظراً لاستقلال الأخير في اتخاذ قرارته من دون الرجوع للشاطر، وتبرمه من تهميش رجاله المقربين.

وعلى الرغم من نفي جماعة الإخوان المسلمين لهذا الخلاف، وتأكيدهم أن مرسي ذو شخصية مستقلة ولا يسمح لأي من الجماعة أو الحزب التدخل في شؤون البلاد، وتصريح محمد بديع المرشد العام للجماعة أن مرسي قد استقال من جميع مناصبه في الإخوان، وهو الآن رئيس لكل المصريين وقرارته على العين والرأس. إلا أن الشاطر قد بدأ في الإدلاء بتصريحات من شأنها أن تسبب الإحراج للرئيس، وتكشف عن حجم التوتر والضيق من انفراد مرسي بالقرار بعيداً عن مشورة الجماعة، ومجلس الإرشاد، خصوصاً بعد قرار مرسي إسناد منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية إلى محمد الطهطاوي، بدلاً من الدكتور عصام الحداد أحد رجال الشاطر المقربين لهُ، وقيامه بتفويض صلاحياته للفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، أثناء سفره إلى الصين وإيران، بدلًا من هشام قنديل الذى رآه الشاطر الأقرب إى الجماعة، وكان المرشد العام للجماعة محمد بديع قد تدخل لتسوية هذه الخلافات، إلا أنه لم يفلح في ذلك.

كما حاول الشاطر إحراج مرسي بتصريحات متعددة منها حين وصف "مشروع النهضة ومشروع الـ100 يوم" بأنه مجرد أفكار ستناقش مع القوى السياسية المصرية، كما أعلن عبر القنوات الفضائية، أن الرئيس مرسى كلَّفه بإدارة ملف المنطقة الحرة بين مصر وغزة وفتح معبر رفح بشكل دائم، وهذا ما تحفظ عليه مرسى، وأحال دراسة الملف إلى جهاز المخابرات كي يفصل فيه.
وبناء على تقرير صحيفة الوفد، فإن وسيطاً خليجياً سعى للإصلاح بين مرسي والشاطر حتى لا تظهر خلافاتهم للعلن، لكن الشاطر أبلغ الوسيط بأن قيام مرسي بتفويض صلاحياته كرئيس مدني منتخب إلى عسكري يعيدنا إلى عهد الرئيس السابق حسني مبارك، الذي اتسم بكبت الحريات والاضطهاد.



الرئيس والجماعة.. من يسيطر على من؟




أثار انتشار الأقاويل والتحليلات حول الخلاف بين مرسي والشاطر تساؤلات كثيرة عن مستقبل علاقة مرسي بجماعة الإخوان المسلمين، هل ستستمر الجماعة مسيطرة على مؤسسة الرئاسة، وتطغى عليها، أم يجابهها مرسي وينفصل عنها؟
في هذا السياق رأت صحيفة "يو.إس.إيه. تودي" الأميركية أن جماعة الإخوان المسلمين باتت تشكل مصدر إزعاج للرئيس المصري محمد مرسي، وأوضحت الصحيفة أن مرسي سعى خلال أول ثلاثة أشهر من ولايته إلى تهدئة الأوضاع الأمنية مع إسرائيل وتدفئة العلاقات ومحاولة التعايش والاستقرار على ضوء الاتفاقيات الدولية وتعهده بالالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل، حتى يتسنى لمصر أن تعزز اقتصادها وتبني مجدها من جديد، في الوقت الذى تدعو فيه الجماعة ومرشدها محمد بديع إلى الجهاد والقتال ضد اليهود وإسرائيل.
"جماعة الإخوان المسلمين أصبحت عبئاً على الرئيس مرسي بصورة كبيرة"، هذا ما يؤكده أيضاً نائب رئيس الوزراء المصري الأسبق الدكتور يحيى الجمل، الذي قال إن الشعب يتقبل مرسي أكثر من تقبله للجماعة.

أما المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح فقد ذهب في تصريح لقناة الجزيرة القطرية إلى أن الرئيس مرسي يجتهد في التحرر من قيود الجماعة، "لأن الخضوع لها ليس في صالح الجماعة أو مصر أو الرئيس".
لكن الكاتب السياسي بصحيفة التحرير المصرية عمرو عزت كامل، يذهب إلى أبعد من ذلك، ويؤكد بأن نهاية الإخوان ستكون على يد مرسي، وأن صدور قرار حل جماعة الإخوان المسلمين، والقبض على خيرت الشاطر سيكون موقعا من الرئيس مرسي.

ويضيف معللاً: "لم يستوعب الإخوان المسلمون دروس التاريخ جيدا، وهم يبذلون كل جهودهم لتمرير ممثلهم السيد محمد مرسى إلى كرسي رئاسة الجمهورية، ثم يحتفلون بنجاحهم في تحقيق هذا الهدف، لأنهم لو فهموا هذه الدروس لخافوا أن يكون وصول مرسى إلى قمة النظام هو المسمار الأول في نعش الجماعة".
ويقول كامل: "هل سأل الإخوان أنفسهم عن أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين استمروا إلى جانب الرئيس جمال عبد الناصر بعد سنوات قليلة من توليه الحكم، وقد كانوا جميعا أصدقاء ورفقاء سلاح وشركاء تنظيم سرى واحد، وهل تذكروا مشهد انقلاب الرئيس السادات في مايو (أيار) عام 1971 على أقطاب السلطة الذين وضعوه على عرش مصر قبل سبعة أشهر فقط".


[caption id="attachment_55240216" align="alignright" width="210"]مرسي مع مرشد الاخوان المسلمين محمد بديع مرسي مع مرشد الاخوان المسلمين محمد بديع[/caption]


لكن يختلف بشدة مع هذا التوجه الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع، الذي وصف الرئيس محمد مرسي بـ ''الرئيس الضعيف الذي تتحكم فيه جماعة الإخوان المسلمين الفاشية''، وأن أعضاءها يتنازعون على كعكة السلطة المسمومة، ويكون الرئيس هو المسؤول في نفس الوقت أمام القانون. وأشار السعيد إلى أن الإخوان أثبتوا بأنهم ''جماعة فاشية'' مثلها مثل جماعة الرئيس الألماني هتلر والذي ضم الغوغاء والبلطجية إلى حزبه، وعندما وصل إلى السلطة كان يخرجهم في مظاهرات، ويخرج ليقول إن أصوات الجماهير هي التي تطالب.

في حين يؤكد مختار نوح - القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين - أن الدكتور محمد مرسي لا يزال مقيدًا بفكر جماعة الإخوان وتابع وخاضع لها، فهو يعاني من أعباء وضغوط نفسية تنظيمية، وتجعل صورته تظهر كمجرد مدير عام لشركة إخوانية وليس رئيسًا لمصر، خاصة أن أسلوب إدارته للدولة يؤكد أنه يرجع لجماعته في كل شيء، ولا يتحرك إلا بعد أن يأخذ ضوءًا أخضر منها، نظرًا لأن إمكانيات مرسي محدودة.



واجب الإخوان التاريخي





إذا سلمنا بأن الرئيس محمد مرسي الذي يقول عن نفسه بأنه رئيس لكل المصريين، لم يعد منتمياً لجماعة الإخوان المسلمين، فإن ذلك يعني أن أي محاسبة أو مراجعة موضوعية لأدائه، ستكون بناء على مشروعه وخطابه السياسي الذي يعبر عنه بصفته رئيساً للجمهورية يجب عليه أن يقف على مسافة واحدة من جميع الفصائل والقوى السياسية والاجتماعية.

لكن رفاقه في جماعة الإخوان المسلمين أمام مساءلة تاريخية وهم يخوضون المعترك السياسي بكل ضراوة، للسيطرة على مفاصل الدولة عبر أذرعتها السياسية والنقابية والاجتماعية، هم أمام واجب تاريخي لمراجعة إنتاجهم الفكري المتطرف، وتقديم إجابات واضحة حول تراثهم المشحون بأدبيات الانقلاب والعزلة والتكفير!

إن هذا الموقف المتناقض بين المرجعية الفكرية والعقائدية للإخوان المسلمين، وبين الشعارات والبرامج السياسية المطروحة على الواقع يؤكد قلق الخائفين من انقلاب جماعة الإخوان المسلمين على العملية الديمقراطية، ويدعم بقوة الموقف المرتاب المتشكك من حقيقة إيمان الجماعة وأفرادها بالقيم الديمقراطية، وأسس الدولة المدنية، وقواعد اللعبة السياسية، والتداول السلمي للسلطة، وهي ترفع شعارات لا ضمان لها حين ترفض قياداتها أي مراجعة لتراث الجماعة المتطرف، بل على العكس من ذلك تقدم قياداتها أوضح وأجلى شهادات المباركة والاعتماد لتراث فكري، أقل ما يقال عنه إنه ملتبس، وأصرح ما يقال فيه أنه وقود للجماعات الجهادية المتطرفة في العالم الإسلامي.
font change