المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.. ومعادلة تيارات الإسلام السياسي

المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.. ومعادلة تيارات الإسلام السياسي

[caption id="attachment_55240687" align="aligncenter" width="620"]الرئيس الأميركي باراك أوباما الرئيس الأميركي باراك أوباما[/caption]



كشفت أحداث وتبعات عرض الفيلم الذي أساء للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أخيراً، دلالات ومؤشرات مهمة على الصعيد السياسي في المنطقة، والعالم الإسلامي خصوصا، على صعيد علاقة الولايات المتحدة الأميركية بنظم الإسلام السياسي التي صعدت إلى السلطة في بعض الدول العربية حديثاً، وعلى وجه الخصوص في مصر وتونس وليبيا غيرها.

كذلك أثارت تلك الأحداث علامات استفهام عديدة حول واقع هذه العلاقة ومستقبلها، وطرحت أيضا تساؤلات حول حقيقة الأجندة الأميركية تجاه جماعات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً أن الولايات المتحدة دولة عظمى ولها مصالح استراتيجية ووجود مهم في هذه المنطقة الحيوية والملتهبة في الوقت نفسه، ليس لواشنطن فقط بل للعالم بأسره، نظراً لأهمية الموقع الجغرافي والممرات المائية، والمخزون النفطي الهائل الموجود في المنطقة، وغيرها من المزايا التي تمثل مصالح استراتيجية للولايات المتحدة.

كما أن الأمن بمفهومه الحديث الشامل الذي يتجاوز الحدود القطرية للدول، والضربات الموجعة التي تلقاها العالم وخاصة الولايات المتحدة الأميركية من الجماعات الإرهابية خلال السنوات العشرين الأخيرة، جعلوا واشنطن تهتم بالأمن الخارجي، وخصوصاً الأمن في منطقة الشرق الأوسط، بل تعتبره جزءًا مهماً من منظومة الأمن القومي الأميركي، كما أنه من الثوابت في السياسة الأميركية أن واشنطن لا تستطيع أن تتخلى عن سياسة صناعة العدو الوهمي، إن لم يكن هناك العدو الحقيقي، لتحفيز الشعب الأميركي وضمان التفافه وتوحده وانصهاره في البوتقة الأميركية، التي يتجاذبها تنوع العرقيات، الأصول، الديانات، والقوميات، وقد وجدت واشنطن في أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ضالتها لإذكاء هذا التوجه بعد أن سقط واختفى العدو التقليدي وهو الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو.



أوراق ضغط





من بديهيات السياسة الأميركية أيضا أن واشنطن تحتفظ لنفسها دائماً بأوراق ضغط على الدول الأخرى، وهي لا تتردد مطلقاً في استخدام هذه الأوراق في الوقت المناسب من أجل الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في العالم، وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تغييرات في سياساتها وتوجهاتها وزادت حدتها بعد أحداث "الربيع العربي"، فالمعلوم أن دول "الربيع العربي" تمر بمرحلة مخاض سياسي لم تكتمل بعد، ولم تتضح معالمها الرئيسية بشكل نهائي، في حين واكب ذلك تأييد واشنطن لوصول تيار الإسلام السياسي للحكم في هذه الدول، وهذا التأييد سوف يظل مثار تساؤلات ونقاش إلى أن تتضح دوافعه والنتائج التي تسعى إليها الولايات المتحدة من خلال هذا التوجه، وهناك آراء مختلفة حول سلوك الولايات المتحدة تجاه أنظمة الإسلام السياسي الصاعدة في المنطقة العربية، فثمة من يعتقد أن واشنطن دعمت وصول هذا التيار إلى الحكم لكونه يجد رغبة شعبية وتأييداً في الشارع العربي، وهي لا تريد الاصطدام بهذه الرغبة، حيث أثبتت التجارب السابقة أن المطاردات الأمنية والملاحقات القضائية خلال السنوات الستين الماضية زادت من تعاطف الشعوب مع جماعات تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية وليس العكس، لذلك أرادت واشنطن ألا تخسر تعاطف الشعوب، وألا تخسر اللحاق بركب الحكام الجدد، ليأخذ هذا التيار فرصته الطبيعة التي أوجدتها الرغبة الشعبية على أن يقدم أوراق اعتماده لهذه الشعوب أولاً ثم للعالم ثانياً من خلال سياسات ناجحة في اطار منطق الدولة، وليس منطق جماعات أو أحزاب المعارضة المحظورة أو المهمشة، كما أرادت واشنطن أن تمحو أو تقلل من الصورة الذهنية الموجودة عنها لدى الشعوب الإسلامية والتي تصنفها على أنها الداعم لإسرائيل بالحق والباطل، ومن ثم تريد واشنطن تهدئة خواطر الشعوب الإسلامية أو تقلل من حالة الكراهية ضدها.

في الوقت نفسه هناك من يراهن على أن بقاء هذه الأنظمة الصاعدة من عدمه، مرتبط بقدراتها على توفير مطالب الشعوب التي تئن تحت وطأة ظروف اقتصادية صعبة وتعاني من الفقر، البطالة، والفساد الإداري، وهنا يتوقع البعض فشل تجربة الإسلام السياسي مستقبلاً وسوف تنهار من داخلها وعبر انفضاض الشعوب عن هذا التيار، ويذهب هؤلاء إلى أن واشنطن سوف تستخدم الاقتصاد كوسيلة للضغط على هذه الأنظمة من أجل الحصول على أكثر ما تستطيع الحصول عليه، خصوصاً لتأمين إسرائيل من تداعيات "الربيع العربي"، واستمرار فرض العزلة الإقليمية على إيران، إضافة إلى تأمين المصالح الأميركية في المنطقة.



بالونات اختبار





في هذا الخضم من الأحداث والسيناريوهات ظهرت بالونات اختبار أميركية لأنظمة الإسلام السياسي في المنطقة العربية، ومنها أحداث قصة الفيلم المسيء للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وتداعياتها على العلاقات الأميركية مع دول "الربيع العربي" أخيراً، حيث عمت المظاهرات العديد من دول العالم العربي والإسلامي وفي مجملها اتهمت أميركا بأنها وراء هذا الفيلم، باعتبار أن منتجه قبطي مصري الأصل، وهو من أقباط المهجر ويعيش في الولايات المتحدة، وأن هذا الفيلم ما كان ليطهر إلا بموافقة أميركية، خاصة أن موعد بثه كان مواكباً لذكرى 11 سبتمبر الدامية.




واكب عرض هذا الفيلم سلسلة من الإشارات الأميركية المقلقة لعدد من الدول العربية والإسلامية، فسرها البعض على انها أوراق ضغط على أنظمة تيارات الإسلام السياسي في دول "الربيع العربي" واختبار رد فعلها، وأنها تحمل شبهة الرغبة الأميركية في توسيع الخلافات بين هذه الأنظمة وبين شعوبها، أو هز ثقة الشارع العربي في هذه الأنظمة، أو اختبار مدى استجابتها للضغوط الأميركية.
وفي كل الأحوال ستكون النتيجة واحدة، وهي ضرب التفاف شريحة كبرى من هذه الشعوب حول الأنظمة الصاعدة، وافقادها أهم عناصر قوتها وهو الشارع العربي، وعلى العموم ففي كل الأحوال سيكون الخاسر هذه الأنظمة، فإذا حدث قمع للمتظاهرين المحتجين المعارضين لأميركا في الشوارع والميادين، سيكون ذلك بمثابة بداية صراعات ومواجهات بين الشعوب وهذه الأنظمة التي جاءت أصلا عبر المظاهرات الشعبية، بينما إذا سمحت هذه الحكومات للمظاهرات، فقد يؤدي ذلك إلى فوضى قد تقود إلى حالة من الصراع الطائفي أو خروج الوضع الأمني عن السيطرة.

وفي حال عدم إعلان هذه الأنظمة معارضتها وصمتها حيال المواقف الأميركي، فستدخل في دائرة الاتهام بموالاة البيت الأبيض، ويأتي ذلك في دول تعاني من الانفلات الأمني وضعف قبضة الدولة حديثة التكوين بعد انهيار النظم القديمة ذات الطبيعة الأمنية القوية، إضافة إلى مشاكل الفقر، البطالة، والاقتصاديات الهشة مما يعني فتح أبواب الاحتمالات على مصرعيها.

ومن بين هذه الإشارات غير المريحة أو المحرجة للأنظمة العربية الصاعدة هي أن الحزب الديمقراطي، تبنى لأول مرة في تاريخه، أن القدس المحتلة، عاصمة أبدية لإسرائيل، في اطار الحملة الانتخابية للرئيس باراك اوباما الذي أراد أن يزايد على منافسه الجمهوري في ذلك، بل ان أوباما أرسل رسالة قوية وغير مسبوقة لمصر، عندما رد على المظاهرات أمام السفارة الأميركية في القاهرة بقوله "إن مصر ليست عدوة، لكنها ليست حليفة للولايات المتحدة الأميركية"، وهذه الرسالة تعكس تطوراً له دلالة ومغزى في العلاقات بين الدولتين.

حتى وإن لم تكن مصر حليفة لواشنطن بالمعنى القانوني الذي برره البيت الأبيض لاحقاً إلا أن العلاقات الثنائية منذ أن أرساها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، ونظيره الأميركي جيمي كارتر لم تشهد مثل هذا الفتور المعلن، كما أن الصحف الأميركية ذكرت أن أوباما وجه تحذيرات للقيادة المصرية في اتصال تليفوني مع الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، بعد احتدام المظاهرات الشعبية أمام السفارة الأميركية في القاهرة في وقت سابق، وهذه التسريبات الإعلامية تغضب الشعب المصري، ويعتبرها نوعاً من الاستعلاء الأميركي أو عدم اللياقة في مخاطبة رئيسه، حتى وإن كانت العلاقات غير المعلنة تحمل أشياء أخرى.
واكب هذه التطورات أيضاً تلكؤ الإدارة الأميركية في دعم مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي لاقتراض مبلغ الـ 4.8 مليار دولار، وقد يكون ذلك لحث القاهرة على تطبيق اصلاحات اقتصادية، وفي حال تطبيقها سوف يزداد الاحتقان الشعبي ضد حكومة القاهرة لما لهذه الاصلاحات المرتقبة من تداعيات على تعويم الجنيه وتخفيض قيمته التي تراجعت بشكل ملحوظ خلال العامين الأخيرين، ورفع الدعم الحكومي للسلع الاساسية كالمحروقات والخبز والمواد التموينية، وزيادة أسعار السلع والخدمات في دولة تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة مع تهاوي الاحتياطي النقدي المصري من العملة الأجنبية إلى ما دون 14 مليار دولار.

كما أن إرسال قوات مارينز لحماية السفارة ومقار البعثات الدبلوماسية والقنصلية الأميركية في ليبيا، ومحاولة إرسال عناصر مشابهة إلى السودان أيضا، بل إن طائرة أميركية من دون طيار، جابت الأجواء الليبية بحثاً عن قتلة السفير الأميركي في بنغازي حمل دلالات معينة على صعيد العلاقات بين واشنطن وهذه الدول، مفادها أن العلاقات الثنائية ليست قائمة على الندية والتكافؤ.



العملية الديمقراطية





في المقابل فإن التريث الأميركي في توفير الدعم الاقتصادي الكبير لهذه الأنظمة مرده أن واشنطن تريد أن تتيقن من سلامة العملية الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الحكم، وعدم استئصال طائفة أو تيار بعينه لاعتبارات دينية، أو عرقية، أو أيديولوجية أو الضغط على هذه الأنظمة لإحراجها ومن ثم إفشالها بأي شعوبها، وهذا السيناريو بدأ يؤتي ثماره حالياً.

البعض يذهب بعيداً في قراءة أو تفسير نوايا واشنطن، ويغالي في نظرية المؤامرة، ويرى أن واشنطن لن تكف عن استخدام أوراق ضغط على أنظمة الإسلام السياسي بهدف ضمان حماية المصالح الأميركية في المنطقة واختبار قدرة هذه الأنظمة على الصمود من عدمه، ومن بين هذه الأوراق تغذية الانقسامات في ليبيا، والصراع بين أجنحة التيار الإسلامي في تونس، أما في مصر فيأتي الاقتصاد أولاً، فهو العقبة الكؤود أمام الحكومة المصرية برئاسة الإخوان المسلمين، إضافة إلى ذلك فإن ورقة المعونات الاقتصادية والعسكرية التي تقدمها واشنطن للقاهرة التي تضمنتها اتفاقية كامب ديفيد وجاءت لتحفيز الجانب المصري على المضي قدما على طريق السلام مع إسرائيل منذ نهاية عقد السبعينيات من القرن، تعد ورقة مهمة في يد الجانب الأميركي وطفت على سطح العلاقات الثنائية في الآونة الأخيرة.
وبالفعل قررت واشنطن وقف مفاوضات المساعدات لمصر رداً على أحداث السفارة في القاهرة، وكذلك إيقاف بحث إسقاط مليار دولار من الديون المستحقة على مصر للولايات المتحدة، بل ان الكونغرس سيبحث خلال الأسبوعين المقبلين مصير المساعدات طويلة الأجل لمصر.




الأمر يتجاوز ذلك بالنسبة لمصر، فهناك عدة مشاكل تواجه النظام المصري وتتطلب مساعدة أميركا على تجاوزها، وهذه القضايا خطيرة ومنها: مطالب وضغوط أقباط المهجر، وأهالي النوبة، مياه النيل، والفراغ الأمني في سيناء مع نشاط التنظيمات الارهابية التي أحرجت الإخوان المسلمين كثيراً، فكثير من أعضائها أفرجت عنهم حكومة الإخوان ثم تمترسوا في سيناء ونفذوا هجمات إرهابية مؤلمة للدولة المصرية، وبما أثر على سلبا على صورة الإخوان المسلمين الذي أصبحوا في وضع شديد الحساسية مع التنظيمات الإسلامية المتطرفة، التي كانت مقربة منهم قبل وصولهم إلى السلطة، وسوف تتضح في الفترة المقبلة طبيعة العلاقات المصرية ـ الأميركية في ظل الأوضاع الحالية ومدى رغبة القاهرة وقدرتها في استمرار ومستوى العلاقات مع واشنطن، وهل ستلجأ القاهرة إلى اتباع سياسات جديدة أو بديلة للتعاون مع واشنطن، ومدى قدرتها على تنويع الصداقات الدولية، مصادر الاستثمارات، المبادلات التجارية، وتتبنى علاقات أكثر انفتاحاً مع الدول الصاعدة، وسد العجز في الموازنة العامة للدولة.

الواضح أن القاهرة لجأت إلى التهدئة في التعامل مع تداعيات أحداث الفيلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام، حيث قاطعت جماعة الإخوان المسلمين مظاهرات الاحتجاج ضد الفيلم، كما طوقت قوات الأمن المتظاهرين تحسباً لاشتعال الموقف وخروج الوضع عن السيطرة الأمنية، وخشية أن يتحول الأمر إلى مخاطرة أمنية ضد النظام الحاكم نفسه، لذلك قد تكون طبيعة الصعوبات التي تواجه مصر تحتم عليها تقوية المصالح مع الولايات المتحدة، وليس الابتعاد عنها رغم الضغوطات التي تمارسها واشنطن على القاهرة، فليس أمام النظام المصري فرص أكبر للمناورة السياسية أمام الإدارة الأميركية.



وضع غامض





الوضع في ليبيا لا يقل خطورة عن نظيره في مصر، حيث توجد انقسامات على الأرض، ومازال الوضع غامضاً، فالدولة الليبية المركزية مؤجلة، ولم تعد هيبتها وسيطرتها على كامل التراب الليبي، مع الخشية من شبح التقسيم في ظل حالة التشاحن بين الشرق الليبي الغني بالنفط والغرب معقل القبائل القريبة من النظام السابق، لذلك فالوجود العسكري الأميركي في ليبيا لحماية السفارة الأميركية ومقار البعثة الدبلوماسية الأميركية، وإرسال طائرات من دون طيار للبحث عن قتلة السفير الأميركي في بنغازي يحمل مخاطر على الأمن الوطني الليبي، وقد يستمر هذا الوجود لفترة زمنية طويلة، بسبب عدم اكتمال المنظومة الأمنية على الأرض، وعدم انصهار القوي الحاكمة هناك في بوتقة حكم واحدة، وهنا تكمن الخطورة حيث قد يتحول الوجود الأميركي هناك إلى وجود دائم على غرار كوريا الجنوبية واليابان وغيرهما.
الرغبة الأميركية التي عارضتها السودان بإرسال عناصر من المارينز إلى الخرطوم لحماية المقار الدبلوماسية في السودان، لا تقل خطورة عن الوجود العسكري الأميركي في ليبيا، خاصة أن هناك عدم وفاق بين شمال السودان وجنوبه، ناهيك عن التمرد المزمن في دار فور، إضافة إلى مطالبة المحكمة الدولية بمثول الرئيس السوداني البشير بالمثول أمامها استنادا إلى تقرير موريس اوكامبو، كل ذلك يجعل من وجود المارينز في السودان، خطراً كبيراً على الأمن الوطني السوداني وعلى النظام الحاكم في الخرطوم.



ذر الرماد في العيون






الوضع في سوريا يمثل قنبلة في منطقة الشرق الأوسط بين انتفاضة شعبية وثورة عارمة، وبين نظام متسلط لا يعرف إلا لغة القوة والإبادة الجماعية بصفة يومية، ويقابل ذلك استرخاء دولي، وحراك أميركي لا يرقى إلى مستوى الحدث، وهو بمثابة ذر الرماد في العيون ليس أكثر، فهو حتى الآن لا يسمن ولا يغني من جوع، في حين يوجد دعم روسي ـ صيني ـ إيراني لنظام الأسد بغرض الحفاظ عليه، أو على الأقل لإطالة أمده لإنهاك المعارضة السورية، خاصة الإسلامية باعتبارها القوى المهمة والمنظمة بين صفوف المعارضة السورية، والتي يمكن أن تجمع بين طياتها عرقيات مختلفة، كما أن إطالة أمد الصراع في سوريا يعطي القوى الخارجية المؤيدة لنظام الأسد الفرصة لترتيب الأوضاع على الأرض وتوفير البديل المناسب أو الاتفاق على قيادة عسكرية أو مدنية لا تمثل خطورة على إسرائيل وأمنها ووجودها مع محاولة استبعاد جماعة الإخوان المسلمين بقدر الإمكان من الوصول إلى الحكم في سوريا، كما أن إطالة أمد الحرب الداخلية في سوريا سوف يلتهم مخزون السلاح السوري، ولن يجد النظام القادم أي أسلحة هجومية أو دفاعية، وبذلك تكون سياسة الأرض المحروقة في صالح إسرائيل.



التباس وغموض





من جهة أخرى، العلاقات الأميركية ـ الإيرانية ملتبسة وغامضة وتحمل من غير المعلن أكثر مما هو معلن، فالواضح أن هناك خلافاً بين الجانبين على البرنامج النووي الإيراني، وفرض عقوبات اقتصادية على طهران، وهجوم إعلامي وتلاسن متبادل، لكن المؤكد أن الولايات المتحدة أهدت طهران مفتاح العراق وأفغانستان على طبق من ذهب، مما أحدث خللاً في منظومة الأمن الاستراتيجي في منطقة الخليج، فقد استأصلت أميركا أخطر نظامين معاديين لطهران في المنطقة، وهما البعث في العراق وطالبان في أفغانستان.
العداء أو الخلاف الأميركي ـ الإيراني يظل حتى الآن في طور الخلاف الإعلامي والدبلوماسي، حيث تريد واشنطن ضمان وجودها في مياه الخليج لحماية مصالحها من دون الاصطدام بإيران، أو الدخول في حرب مباشرة معها، خاصة بعد الصعوبات التي كلفت الولايات المتحدة الكثير في العراق وأفغانستان، ما يجعلها لن تكرر التجربة في إيران بسهولة.

يأتي ذلك مع تغير موازيين القوى مقارنة بالظروف التي كانت موجودة في العام 2003، عندما غزت الولايات المتحدة ودول التحالف بغداد، وأسقطت نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وأنهت حكم حزب البعث، ففي المرحلة الحالية برز الآن الفيتو الروسي ـ الصيني بقوة، بل هو الذي يوفر الحماية للنظام السوري، رغم ما يرتكب من جرائم وفظائع غير مسبوقة منذ أن وضعت الحرب العالمية أوزارها في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، وإبادة المسلمين في حرب البلقان الأخيرة، لذلك لن تستطيع واشنطن أن تتخذ قراراً للدخول في حرب مع إيران بسهولة، كما فعلت ضد نظام صدام حسين.

هذه المعطيات تؤكد أن الولايات المتحدة تتجه وبقوة لمحاولة استعادة هيبتها، والحفاظ على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وتأجيل أفول نجم امبراطوريتها في هذه المنطقة، والإبقاء على حالة التوان الاستراتيجي لضمان بقاء إسرائيل والحفاظ على أمنها، وبقاء الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط من دون تكاليف جديدة أو خسائر كبيرة، ومن الواضح أن "الربيع العربي" سوف يمنحها هذه الفرصة وليس العكس، كما تصور البعض عند هبوب رياح هذا الربيع في نهاية العام 2010 وبداية عام 2011، كما أن واشنطن أجادت التعامل مع متغيرات هذا الربيع، وأرادت أن تجني ثماره إن لم تكن قطفتها مبكرا.
ستظل الأيام حبلى بكثير من المفاجآت التي ستلدها السياسات الأميركية في الشرق الأوسط.

* نشر الموضوع في عدد المجلة الورقي لشهر ديسمبر
font change