قطر "تصارع" من أجل استمرار الوضع الراهن

قطر "تصارع" من أجل استمرار الوضع الراهن

[caption id="attachment_55240985" align="aligncenter" width="620"]قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم[/caption]



استعدوا لطفرة غاز الاردواز. تنتشر هذه العبارة في جميع الصحف الكبرى حول العالم بما لها من تأثير كبير. ليست الصحف بمفردها بل يتوقع خبراء الطاقة المخضرمون أيضا انتصار منتجي الغاز غير التقليدي على الحرس القديم في قطاع الطاقة بحلول نهاية هذا العقد. كما بدأ يتردد أن مجال الغاز سيشهد تراجع الدوحة وموسكو أمام واشنطن دي سي وكنبرة.

تتركز غالبية الغاز في الشرق الأوسط في تكوينات صخرية رملية تقليدية، من السهل نسبيا الحصول عليها. منذ عقد مضى، لم يكن من الممكن الحصول على الغاز الاحتياطي غير التقليدي – الموجود في التكوينات الصخرية التي تجعل استخراجه أكثر صعوبة وتكلفة – بأسعار معقولة. جعلت التكنولوجيا الحديثة من الممكن استغلال الاحتياطي غير التقليدي، مما أثمر غالبا طفرات في مراكز جديدة لإنتاج الغاز. أثار هذا الارتفاع في إنتاج الغاز غير التقليدي في دول ليست أعضاء في منظمة الدول غير المصدرة للنفط حالة من الهستيريا من جميع الأطراف. وأثارت الأطراف المنتجة والمستهلكة في الأسواق الغربية والآسيوية والشرق أوسطية تيارا لا ينتهي من التوقعات بشأن ما قد تعنيه زيادة استثمارات الغاز غير التقليدي والجديد بالنسبة إلى مستقبل الشرق الأوسط والأوبك والمستقبل السياسي والاقتصادي لهما. بالنسبة إلى قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، تقود مخاطر الاعتماد على صناعة ذات ربح منكمش تغييرا في الإستراتيجية الوطنية والسلوك الاقتصادي.

تتوقف مثل هذه الإجراءات القاسية بصورة كبيرة على توقعات بأن هناك تحولا أساسيا وشيكا في مسار التجارة العالمية، مع توقع بزيادة حصة الغاز غير التقليدي في السوق. ربما تستطيع الدول التي لا تملك خطوطا لتوصيل الغاز الطبيعي غير المسال – مثل المجر – أن تعتبر توريد الغاز غير التقليدي تهديدا، إلا أن المشترين الأوروبيين والآسيويين الذين يشعرون بمخاوف الاعتماد على الغير لن يروا أن المنتجين التقليديين العالمين سيخرجون من السوق قريبا. يتفق معظم المحللين على أن أكبر الموردين اليوم قد يستطيعون إفراغ كميات من الغاز على مدار العقد المقبل. وسوف يشجع إغراق الغاز على زيادة الطلب العالمي، لا سيما في الأسواق المترددة في تشجيع التحول إلى استخدام الغاز كوقود. ولكن تسببت زيادة المبيعات التي يتحدد سعرها وفقا للسوق والنهاية الوشيكة لآلية تحديد سعر الغاز وفقا لمؤشر النفط، وبعد أن أعاد عدد من المرافق الأوروبية الكبيرة التفاوض على عقود الغاز طويلة الأجل من أجل ربط الأسعار بدلا من ذلك بأسواق الغاز الأقل سعرا، في قلق الموردين بشأن انكماش هامش الربح.

لا تتعلق مخاوف الدوحة من تضاؤل حصتها في السوق أو القيود على قدراتها. على الرغم من هذه الضجة، من المتوقع أن يشهد العالم تنامي دور قطر كمصدر للغاز العالمي من الوزن الثقيل بعد عام 2015، إلى جانب أستراليا. وفقا لوكالة معلومات الطاقة الأميركية، سوف يستمر أقوى معدل للنمو في إنتاج الغاز داخل الشرق الأوسط في قطر على مدار العقدين المقبلين، مع زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بمقدار 5.4 تريليون قدم مكعب.

ووفقا لما صرح به خبير إستراتيجي في شركة قطر للبترول، "تقدر السعة الأسترالية ما بين 60 و160 مليون طن على المدى البعيد. هناك شكوك كثيرة في السوق التي تعتمد عليها الحكومات". لذلك تشعر الحكومات الأجنبية بالتردد في إعادة التفاوض بشأن تعاقدات الغاز القطري القائمة طويلة الأجل. حتى إذا حدث ما هو غير مرجح ودخلت جميع مشروعات الغاز الطبيعي المسال في أستراليا وعددها سبعة في مرحلة الإنتاج في 2017، سوف تظل قطر واحدة من أكبر موردي الغاز الطبيعي المسال بأقل تكلفة إنتاج في العالم حتى عام 2040. ربما لا تتغلب أستراليا على سوق الغاز القطرية في الأعوام الأربعة المقبلة، إلا أن تنامي الطلب على الغاز في الصين والهند سوف يفتح في النهاية أسواقا جديدة أكبر؛ إذ تستهدف أستراليا بقوة السوق الآسيوية المربحة، بينما يبدو أن قطر تلعب دورا محوريا في الحد من الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.




حتى إذا استطاعت الدوحة تهدئة مخاوفها بشأن حصتها في السوق، يجب عليها أن تواجه الخوف الأكبر من التسعير. بالنسبة للمشترين الآسيويين والأوروبيين، يثير المزج بين واردات الغاز الطبيعي المسال لتشمل الغاز غير التقليدي من أستراليا وكندا والنرويج بل وحتى أميركا المنافسة في السوق التي تجذب الموردين، ويسمح لهؤلاء المشترين بمقايضة العقود وطلب إنهاء ارتفاع أسعار الغاز المعتمدة على النفط. تملك أطراف الغاز الطبيعي المسال الناشئة مصلحة مشتركة في الحفاظ على فرق الأسعار المحددة وفقا للنفط. على عكس شركتي راس غاز أو قطر غاز، قد يواجه المنتجون غير التقليديين الإفلاس إذا أجبروا على توريد الغاز بأسعار تقل عن نحو 8 دولارات لكل وحدة حرارية بريطانية. يشير ديفيد نوكس المدير التنفيذي لشركة سانتوس، إلى أن أستراليا هي "أكثر موقع استكشاف وإنتاج مكلف في العالم اليوم". ولكن في صراعهم على الحصة السوقية، يبدو أن مؤامرة الأسعار بين كبار الموردين أمر غير قابل للشك. على الرغم من أنه في إمكان الدوحة الحصول على غاز أقل تكلفة بكثير من الموردين غير التقليديين، فإن هذه الآلية في التسعير التنافسي تثير قلق الدوحة بشأن الحفاظ على صافي ربح كاف من فروق الأسعار.




تحديات خطيرة





ربما لا تتعرض صناعة الغاز القطري للإفلاس في أي وقت قريب، ولكن من المرجح أن تواجه الدوحة تحديات خطيرة تتعلق بالموازنة. إذا لم تتمكن مبيعات الغاز القطري من الاعتماد على فروق أسعار السوق الأوروبية والآسيوية الحالية، قد تبدأ الدولة في مواجهة مخاطر مالية رئيسية. وفي ضوء النماذج الأخيرة من الإنفاق العام واستهلاك الكهرباء، اتسمت قطر بالصرامة في محاولتها تثبيت عقود أكبر وأطول أجلا مع مستهلكين أوروبيين وآسيويين، بينما تقبل عقود قصيرة الأجل لمبيعات غاز جديدة مع مشترين آسيويين مثل كوغاز، تحسبا لتعليق العرض.

ما يجب أن يقلق بشأنه صناع السياسات القطريون هو توقعات نمو استهلاك الكهرباء، والتي يرتفع معدل نموها السنوي المركب إلى 10%. من أجل تلبية توقعات النمو في المنطقة، يجب أن تزداد متطلبات سعة توليد الطاقة القائمة على مدار العقود المقبلة لتصل إلى ضعفي معدل السعة القائمة حاليا بحلول 2020. وبالنسبة لدولة تعتمد كلية تقريبا على الغاز الطبيعي في تلبية احتياجاتها من الطاقة، تشير فجوات العرض الناشئة إلى زيادة الحاجة إلى إستراتيجيات استثمار أكثر صرامة. تخطط الدوحة لتطوير قطاعي البتروكيماويات والصناعات الثقيلة وإقامة بنية تحتية ترقبا لتنظيم بطولة كأس العالم لعام 2022.

ربما يفسر الخوف من مستقبل تنخفض فيه العائدات وتثار فيه توترات داخلية ظهور النشاط المحموم للدولة الخليجية في أسواق الحديد والصلب والأسمدة وإضافات الوقود والبولي سيليكون والبتروكيماويات ورأس المال. كما يشير إلى إستراتيجية قطر التحوطية في مشروعات الغاز الطبيعي المسال في الخارج واهتمامها المتزايد بمشروع غاز برزان، المقرر إنجازه في عام 2015. بعد برزان، لا توجد مشروعات استكشافية كبرى مرتبطة بالغاز. جدير بالذكر أن عائدات قطر من مبيعات الغاز الطبيعي المسال تبلغ أكثر من ضعفي ما تحققه من صادرات النفط الخام. يجب أن تضمن قطر اتباع مخطط سليم لعرض وطلب الغاز المحلي لكي لا تتعرض صادراتها من الغاز للخطر في المستقبل بسبب استهلاكها المحلي غير المنضبط.

في إستراتيجية تخفيف أخرى، يمكن ضبط استهلاك الغاز المحلي باستخدام بدائل للوقود بدلا من الغاز في قطاع الكهرباء. أمام ارتفاع تكلفة حرق النفط الخام وتوليد الغاز بدورة واحدة، وتوفر الأشعة الشمسية بكثافة في قطر، تصبح الطاقة الشمسية آلية رئيسية لتخفيض تكاليف الطاقة المحلية مما يعزز من الأرباح الوطنية. تفوق تكلفة الحرق المباشر للنفط الثقيل – حيث تبلغ 0,30 دولار لكل كيلووات في الساعة – كلا من توليد الكهرباء عبر الحرارة الشمسية والألواح الضوئية.
في دولة مثل قطر، تتحمل فيها الحكومة مسؤولية الحفاظ على نظام رخاء اجتماعي عام، يصبح التنوع الصناعي هو شعار المرحلة. سوف تسمح العمالة زهيدة الأجر والمواد الأولية للدوحة بخوض المنافسة العالمية في مجموعة من الصناعات المتركزة على الوقود والتي يبدو أنها تسعى إليها. في الوقت الذي تخرج فيه سياسات حمائية في الولايات المتحدة وأوروبا وربما آسيا، تزداد استجابة قطر لإشارات الأسواق الجديدة. وفي حين تجبر هوامش الربح المنخفضة على مستويات متزايدة من التعزيز لكل صناعة كبرى تبتعد عن مجال الغاز والنفط، يضع قرب قطر من الأسواق الأوروبية والمواد الأولية منخفضة التكلفة البلاد في مكانة تنافسية بصفتها المصدر الرئيسي للمنتجات الصناعية. ولكن على الرغم من الحديث المنتشر بأن هناك ثورة في الطريق، فإن أيام صناعة الغاز القطري ليست معدودة.
font change