الخضر: أغلب الدراسات التي تتناول الشأن السعودي "سطحية"

الخضر: أغلب الدراسات التي تتناول الشأن السعودي "سطحية"

[caption id="attachment_55243394" align="aligncenter" width="620"]الكاتب السعودي عبدالعزيز الخضر الكاتب السعودي عبدالعزيز الخضر[/caption]

مجلة (المجلة) التقت الكاتب والباحث السعودي عبد العزيز الخضر على هامش معرض الرياض الدولي للكتاب، وناقشت معه واقع ومستوى المؤلفات والدراسات التي تتناول الشأن السعودي، استمر في تأكيده أن هذه الدراسات حتى وهي تركِّز على العامل الديني فإنها تبدو "سطحية، تتجه اتجاهًا صراعيًّا يطمع في الجاذبية الجماهيرية المؤقتة".
الخضر يرى أن الأدب قد سيطر على المجال الثقافي السعودي لعدة عقود،"ولم ينجح الأدب والنقد الأدبي في صناعة أرضية ثقافية صلبة للحراك الفكري السعودي، وحتى الصراعات الفكرية التي أحدثها كانت مجرد فقاعات ثقافية".
يعترف الخضر بأن المثقف المخضرم والتقليدي في السعودية قد تأخر كثيرًا في تأسيس خطاب ثقافي وفكري, في مقابل تقدم واضح لجيل الشباب، لكنه يؤكد بأن "بعض المخضرمين حاولوا في السنوات الأخيرة استدراك أخطائهم الماضية بطرح آرائهم بجرأة وشفافية".
إلى تفاصيل الحوار..

قبل خمس سنوات تقريبًا كانت الدراسات والمؤلفات عن السعودية شحيحة، ولكن فجأة، ولمحة من معرض الكتاب بالرياض هذه السنة وقبلها نجد انتشارًا واضحًا في الكتب السعودية التي تتناول الشأن السعودي في كافة المجالات .. كيف تقرأ هذه الظاهرة أولاً، وكيف تقيمها؟

سيطر الأدب على المجال الثقافي السعودي لعدة عقود بأشكاله التقليدية حتى في كتابة مقالة الرأي قبل أن يتطور إلى شكله الحالي. ولم ينجح الأدب والنقد الأدبي في صناعة أرضية ثقافية صلبة للحراك الفكري السعودي, أو الإسهام في معالجات اجتماعية محددة. وحتى الصراعات الفكرية التي أحدثها كانت مجرد فقاعات ثقافية استفاد منها التيار المحافظ كما في معركة الحداثة. شعر المثقف السعودي بهذا الفشل، وبدأت مرحلة التحولات في الكتابة حتى في المقالة الصحفية.
كانت الرواية جزءًا من هذه التحولات في مرحلة وسيطة؛ لأنها الأقدر على تناول الشأن الاجتماعي والديني والسياسي، والأفضل في تجاوز مشكلات الرقابة وعدم تحمل مسؤولية الأفكار التي تتضمنها هذه الأعمال, والرواية استهلكت حول أفكار محددة ومتشابهة. جزء من هذه الظاهرة أيضًا التقليد بوضع عناوين عن السعودية حتى وإن كانت أعمالاً رديئة، فبمجرد تعبئة هذا الفراغ بأي موضوع ( .......... في السعودية) حتى يصبح العنوان جذابًا. بعض الجهات كانت تحصر أبحاثها ودراساتها على الفئة المشتركة بأسعار باهظة, ثم أصبح بعضها يباع حتى في السوبر ماركت.. إنه التنافس.

إذن هل يمكننا أن نقول الكلام نفسه عن الدراسات السياسية والفكرية التي تتناول الشأن السعودي، بأنها موضة وفقاعة كما وُصفت بذلك الرواية السعودية؟

وصف ازدهار الرواية بأنها مجرد موضة ربما كان مقبولاً, لدخول شرائح متنوعة, وأعمار مختلفة من مخضرمين ومبتدئين، لكن المجال الفكري والسياسي يحتاج مقومات أخرى يصعب على الكثيرين تحقيقها, ومن التصفح الأولي يتضح قيمة بعض الأعمال مباشرة من حيث رداءتها وجودتها، بعكس الرواية التي لا يمكن الحكم عليها من خلال التصفح فقط. فتقييم هذه الظاهرة لا زال مبكرًا, وآمل أن لا تستهلك بمجرد عناوين كما حدث في الرواية, وتصبح فقاعة أخرى.

books[blockquote]يكفيك أن تضع كلمة (السعودية) على غلاف الكتاب ليصبح جذاباً، وبهذه الطريقة سُوقت أعمال رديئة ![/blockquote]

هناك من يقول بأن القوة الشرائية في السعودية لها دور مؤثر في إغراء دور النشر كي تتنازل عن رصانتها وتنشر كتبًا هزيلة ميزتها الوحيدة أنها تتناول الشأن السعودي، ما رأيك؟

إغراء القوة الشرائية على دور النشر يبدو واضحًا منذ سنوات, مما أضعف شروط النشر لديها, لكن الذي لا يعرفه الكثيرون أن كثيرًا من المؤلفين يبدون صيدًا ثمينًا لهذه الدور, فهم يقبضون ثمن الطباعة من المؤلف نفسه, ومن الصعب أن يحصلوا على عائد من الناشر. والمشكلة ليست في دور النشر وإنما في المثقف الذي يحاول إغراء هذه الدور لنشر مواد رديئة من أجل البحث عن وجاهة ثقافية. في هذه المرحلة لم تعد هذه الدور التي تنازلت عن معاييرها المادية كافية؛ لأن القارئ أصبح بنفسه يميز بين كتاب وآخر بعيدًا عن سمعة هذه الدور.

البارز في الكتب الأكثر انتشارًا والتي تتناول الشأن السعودي هي كتب لمؤلفين شباب، هل يعد هذا مؤشرًا على جمود خطاب المثقفين التقليديين والمخضرمين؟

تأخر المثقف المخضرم والتقليدي كثيرًا في تأسيس خطاب ثقافي وفكري نقدي منهجي لظروف تاريخية عديدة, لكن بعض المخضرمين حاولوا في السنوات الأخيرة استدراك أخطائهم الماضية بطرح آرائهم بجرأة وشفافية. لا زال القارئ المحلي يحترم الأعمال الجيدة بغض النظر عن الجيل.. لكن لا شك أن الكثير من النخب المخضرمة يشعرون بكلفة تأخرهم عن تأسيس خطاب ثقافي أكثر عمقًا عبر مشروعات فكرية, ومدى حاجة الأجيال الجديدة لمثل هذه الأعمال.

تعتني كثير من دراسات تحليل الواقع السعودي على الظاهرة الدينية مبتدأ ومنتهى، ألا ترى أن تكثيف العامل الديني في المؤلفات والدراسات قد ساهم بشكل كبير في إهمال الجوانب الاجتماعية والثقافية، وتصوير السعودية على أنها حالة دينية فقط؟

وحتى هذا التركيز على البعد الديني لا زال في كثير من مظاهره سطحيًّا وغير محدّد المعالم, فالدين حاضر في كل المجتمعات, وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية يبدو أكثر حضورًا. فتحديد الذي يميز التجربة المحلية ومدى تأثير البعد الديني يحتاج أسئلة مختلفة، وطريقة معالجة أكثر وعيًا بالفكر الديني نفسه من داخله وليس من المظاهر العامة, ونوعية العوامل المؤثرة والتطورات التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وبدت المشكلة أن التركيز على هذا الجانب في بعض الكتابات المتأخرة جاء مع مشكلة العنف والتشدد, فأخذ اتجاهًا صراعيًّا مع بريق الجاذبية الجماهيرية المؤقتة.

[blockquote]إغراء القوة الشرائية في السعودية ساهم في إضعاف شروط بعض دور النشر فتنازلت عن معاييرها ورصانتها، وبعض المثقفين يبحث عن الوجاهة، لكن القارئ المحلي أصبح يميز الأعمال الجيدة[/blockquote]

قال الكاتب الصحفي علي العميم ذات مرة: (ويل للسعودية حين يكتب أهل الحسبة تاريخها) .. هل توافق أن التيار الديني ساهم بقوة في صبغ التاريخ السعودي بهويته، فهو بوجه أو بآخر يكتب هذا التاريخ لوحده؟

لا يُكتب تاريخ أيِّ مجتمع من خلال مجلات الحوادث، وإحصاءات الجرائم، ومراكز الشرطة فقط، وإلا ستكون الرؤية مضللة. التيار الديني جزء من المجتمع وهويته, لكن الاهتمام التاريخي لديه عادة بالتاريخ الإسلامي القديم أكثر من رصد التحولات المعاصرة, ولم تكن من ضمن المفكر فيه محليًّا, بأن يدون ما يحدث في الماضي القريب وهو جزء من نقض الوعي بالتاريخ وفلسفته.. ولهذا لاحظت بعض الارتباك من البعض وهم يطالعون محاولات أولية في هذا الجانب, وتبدو المشكلة عندما يكون الرصد ليس مجرد سرد خبري تقليدي لما حدث, وإنما يرافقه تحليل وتفسير وإظهار جوانب مختلفة للصورة للتخفيف من حدة التلاعب بالماضي.

قلت في مقدمة كتابك (السعودية سيرة دولة ومجتمع) : "أسهمت عوامل مختلفة في تقصير ذاكرة المجتمع السعودي والتشويش على وعيه"، ما هي تلك العوامل؟

عوامل كثيرة أشرت لها في بعض فصول الكتاب خاصة في الجانب الثقافي والصحفي, حيث وجدت عوائق ضد التوثيق والملفات الصحفية المطولة. الطفرة النفطية أثَّرت كثيرًا على الاهتمامات الثقافية العميقة.. فقد تحولت الثقافة في حالات كثيرة إلى جزء من "البريستيج" الاجتماعي والرسمي, وحتى الجانب الأكاديمي لم يقم بدوره المفترض في مجتمع مرَّ بتحولات كبيرة تغري أي باحث بتناولها.

قلت أيضًا في معرض حديثك عن صعوبات البحث: إن الصعوبة التقليدية في الكتابة عن السعودية هي في عدم توفر المعلومات، وحتى في حال توفرها فإنها ستكون مشوهة، ويصعب الاعتماد عليها وضررها أكثر من نفعها !.. ما هي ملامح وأسباب هذا التشوه في المصادر؟

من أسباب التشوه أننا تأخرنا كثيرًا في العمليات الإحصائية في متغيرات كثيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية ودينية، وقراءتها وفحصها، وإقامة ندوات حولها ومناقشتها، وتطوير أدواتنا الخاصة بمجتمعنا, فهذه المجالات يصعب نقلها من بيئات علمية أخرى كما هي دون تطوير يناسب طبيعة المجتمع والناس والظروف المحيطة بهم. فهذه الاستبانات التي تحاول رصد بعض الظواهر الاجتماعية مثلاً تعاني ضعفًا في كثير من الدراسات، وتفتقد للحس الثقافي والفكري والخبرة المعرفية, فتبدو مباشرة وغير قادرة على كشف تلاعب رجل الشارع وذهنيته التي تقدم إجابات مثالية دون أن يكون هو مقتنع بها حقيقة.

في بدايات المرحلة الجامعية حاولت مساعدة باحث بتوزيع استبانات على مجموعة في المدينة التي أسكن فيها, وأخذت أوراقًا كثيرة، ووزعت مجموعات على بعض من أعرفهم ليقوموا هم بدورهم بتوزيعها على آخرين, أحدهم أتى بالأوراق كاملة ومكتملة الإجابات، فتعجبت وحاولت التأكد من ذلك؛ فصارحني أنه قام بتعبئة بقية الأوراق بنفسه عشوائيًّا؛ لأنه خجل أن يرجعها دون إجابات! الأكثر غرابة عندما نبهت الباحث لهذا الخلل لم يهتم بذلك.. فالمهم أن يخلص بحثه بأي طريقه وبأسرع وقت! فثقافة "مَشِّ حالك" تبتكر أساليب عديدة في هذا الجانب, وهناك في العمل الصحفي من يزوِّر استطلاعات الشارع، ويختلق إجابات من عنده وهو في مكتبه!

adabi[blockquote]الصراعات التي نشأت من رحم السجال الأدبي في السعودية لم تؤسس لحراك فكري حقيقي، هي مجرد فقاعة ثقافية.[/blockquote]

تحدَّث "رياض الريس" عن مشكلة الكتابة عن السعودية قائلاً بأنك إن كتبت مادحًا اتهمت بالنفاق والوصولية، وإن كتبت منتقدًا اتهمت بالابتزاز.. إلى أي مدى أثَّرت هذه المعادلة في الإنتاج الثقافي الذي يدرس الحالة السعودية؟

الريس هنا يكتب معبِّراً عن مشكلة الكاتب العربي عندما يريد تناول الشأن السعودي بموضوعية, وهو فعلاً مأزق حتى بالنسبة للكاتب السعودي.. ولا زالت هذه تؤثر على الرؤية خوفًا من هذه التهم التقليدية، وقد أثَّرت فعلاً في أزمنة سابقة لأسباب تاريخية ربما تراجع حضورها في هذه المرحلة.

المرأة السعودية/ الإرهاب/ الصحوة... تكاد تكون هذه هي القضايا الأبرز في الدراسات عن السعودية، مع ذلك هل ترى التشبع في بحث هذه القضايا قد أثراها بشكلٍ وافٍ؟

لا أجد أن هناك ثراءً كبيرًا خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة.. ربما كان موضوع الصحوة والإرهاب أسهل لدى البعض, بعكس مسألة المرأة التي تحتاج عمقًا في تفاصيل المجتمع ودقَّة منهجية.. لها علاقة بكشف المجتمع كما هو وليس كما ينبغي، والحاجة أكبر للاعتراف بالواقع وما تتطلبه من كشف لتفاصيل عديدة داخل البيوت.
font change