ثورات الربيع العربي.. من الحزب الواحد إلى التيّار الواحد

ثورات الربيع العربي.. من الحزب الواحد إلى التيّار الواحد

[caption id="attachment_55243731" align="aligncenter" width="620"]بوادر ثورة جديدة في مصر على حكم الإخوان المسلمين بوادر ثورة جديدة في مصر على حكم الإخوان المسلمين[/caption]





لا أحد ينكر أن هذه الثورات جاءت لتغيير واقع الشعوب العربية التي رزحت تحت ضغوط الفقر، البطالة، تفشي الفساد المالي والإداري، وتدهور الحياة المعيشية للمواطن في هذه الدول، واندلعت شرارة هذه الثورات السلمية في بادئ الأمر للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في تونس بعد مقتل البوعزيزي، ثم انتقلت إلى مصر، ليبيا، اليمن، وسوريا. وتفاءل الكثيرون من أبناء هذه الدول، خاصة تلك التي سقطت أنظمتها أو لم تطل فيها حدة المواجهات الدامية عكس ما حدث في ليبيا، وما يحدث الآن بشكل صارخ ومستفذ في سوريا التي طالت فيها عملية التغيير، وسيكون ثمنها باهظا في حال تحقيقها، وكانت تأمل شعوب هذه الدول في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وإقرار دساتير جديدة، تضمن وتحقق إفساح المجال أمام حرية الرأي والتعبير، ثم الانطلاق إلى المستقبل بخطى أكثر ديمقراطية لتعويض ما فات، وتحقيق المأمول من الانجازات، وهذا حق مشروع لأبناء هذه الدول التي تأخرت كثيراً عن اللحاق بركب الحضارة الحديثة التي تكفل العيش بكرامة، خاصة في ظل التطور الذي يشهده العالم أو حتى دول العالم الثالث التي قطعت شوطاً كبيراً من النهضة في شتى مجالات الحياة.



كشف الحساب





بعد أكثر من عامين من اندلاع هذه الثورات نعود لقراءة كشف الحساب أو التدقيق في فاتورة الأرباح والخسائر لدى شعوب هذه الدول وتفحص ما تحقق، وما تعثر والتعرف على أسباب هذا التعثر.
الحقائق على الأرض تقول إن ثورات "الربيع العربي" حققت انجازات بالفعل، وإذا أوجزناها نجدها تتمثل في إزاحة الأنظمة الحاكمة، التي كانت ضاربة في القدم أو القوة والهيمنة، وصعود أنظمة جديدة كانت غير موجودة من قبل على المسرح السياسي، بل كان رموز الأنظمة الجديدة في السجون، وخاصة رموز تيار الإسلام السياسي أو جماعة الاخوان المسلمين، الذين يحكمون الآن في مصر، تونس ، وليبيا، ولكن بقية الأحلام الأخرى للشعوب لم تتحقق بعد، بل ان بعض هذه الأحلام تحول إلى كوابيس مزعجة أو مشكلات صعبة ومعقدة، إضافة إلى ظهور تحديات جديدة ربما أكثر شدة وضراوة مما كانت عليه الأحوال قبل اندلاع هذه الثورات وعلى أكثر من صعيد ومنها:

على الصعيد السياسي، استهدفت ثورات "الربيع العربي" إزاحة ظاهرة "الحزب الواحد" الذي ظل جاثما منفرداً في حكم هذه الدول لسنوات طويلة تصل في أكثرها إلى أكثر من نصف قرن تقريبا، وجميعها كانت تحكم بآليات ديمقراطية شكلية ولافتات براقة تسبغ الشرعية على انقلابات عسكرية في ظاهرها الديمقراطية والتعددية الحزبية، ولكن في حقيقتها الشخصانية التي تصل إلى حد الديكتاتورية كما هو الحال في ليبيا القذافي أو سوريا الأسد على وجه الخصوص، لكن ثورات "الربيع العربي" أتت بحزب واحد أيضا وهو تيار الإسلام السياسي، الذي أعد نموذجاً سلطوياً للانفراد بالحكم واستبعد الآخر، بل يسعى لاستئصاله باسم الدين أو تحت شعار ديمقراطية صناديق الانتخابات، وهي ديمقراطية تسمح بالاختيار بين أعضاء الحزب الواحد على النموذج الديمقراطي الإيراني، وليس الانتخاب بمعناه المعروف الحر المباشر، في ظل منافسة تعتمد على البرامج لا على الاختيار بين تيار بعينه، وهذا النموذج يقطع الطريق على تداول السلطة باسم الشرعية الإسلامية، والإسلام بريء من هذه الشرعية براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وهذا أخطر تحد يواجه شعوب هذه الدول، حيث تختلط السياسة بالدين في محيط من الأمية التعليمية والثقافية، ناهيك عن الفقر، بل الفقر المدقع المخيف في كثير من دول "الربيع العربي".



تكتيف المتظاهرين





الأمر لا يتوقف عند ذلك، بل ان ديمقراطية ثورات "الربيع العربي" تجيز التصفية الجسدية للمعارضة، من خلال إصدار فتاوى رسمية وعلنية عبر الفضائيات تبيح قتل المعارضة والمشاركين في المظاهرات المناهضة للأنظمة الحاكمة، رغم أن هذه المظاهرات هي التي أتت بجماعة الاخوان المسلمين إلى السلطة بعد ثورات "الربيع العربي"، ولعل فتوى الدكتور محمود شعبان الأستاذ بجامعة الأزهر والمنتمي لتيار الإسلام السياسي في مصر بقتل قادة جبهة الانقاذ المعارضة، التي ينتمي إليها البرادعي، وعمرو موسى، وحمدين صباحي، ونقيب المحامين سامح عاشور وغيرهم، خير شاهد، بل إن أحد زعماء الجماعة الإسلامية، وهو عبود الزمر هدد بتكتيف المتظاهرين، مهدداً بأن الأسود سوف تلتهم كل من يتظاهر في ميادين مصر وشوارعها، ملوحاً باستيراد أسود حماس ضد المتظاهرين المصريين، كما أن حزب النهضة الحاكم في تونس، متهم بقتل المعارض التونسي شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطي، المنتمي لتحالف الجبهة الشعبية اليسارية في تونس، ما أشعل الغضب في الشارع التونسي، وأدى إلى انقسام الحزب الحاكم نفسه وارتباكه، وجعل البلاد تدخل في أزمة دستورية بعد الفشل في تشكيل حكومة الجديدة على الأسس التي دعا إليها رئيس الحكومة المستقيل حمادي الجبالي، حيث رفض حزب النهضة الإسلامي تشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة كفاءات وطنية، كما أطلقوا عليها في تونس، والصورة في تونس حالياً لا تختلف كثيراً عن المشهد إبان نشوب "ثورة الياسمين" على الرغم من تشكيل حكومة جديدة يرأسها نهضوي آخر هو علي العريض، ما قد يهدد بنشوب ثورة جديدة ضد حزب النهضة الإسلامي الحاكم.




[blockquote]
خسائر الاقتصاد العربي، جراء "ثورات الربيع"، بلغت 120 مليار دولار أميركي، وجاء في التقرير نفسه أن معدل البطالة بين القوى العاملة العربية سيبلغ 52 مليون عاطل عن العمل عام 2015، بدلاً من 32 مليوناً عام 2010
[/blockquote]





أما الوضع في سوريا فيسيطر عليه القتل الذي يعد وسيلة النظام الوحيدة التي يستخدمها يومياً، ما اسفر عن مقتل قرابة 70 ألف مواطن سوري، إضافة إلى تشريد الملايين إلى دول الجوار، واعتقال الآلاف في سجون بشار الأسد في وضع مأساوي لم تتعرض له سوريا أو المنطقة العربية من قبل، حيث يحترف النظام قتل مواطنيه وتشريدهم في ظل تراخي المجتمع الدولي، وتأييد إقليمي متمثل في إيران وحزب الله اللبناني لنظام الأسد، الذي يناور لكسب المزيد من الوقت أملاً في إنهاء الأزمة السورية بقتل كل من يعترض على نظامه، وفي اليمن تحولت "القاعدة" إلى كتائب للقتل والتصفية الجسدية مع خطر الحراك الجنوبي والتدخل الإيراني، الذي يهدد بتقسيم اليمن وتحويله إلى ساحة للحرب الأهلية والطائفية، وفي ليبيا تحولت الدولة إلى دويلات صغيرة متنافسة ومتناحرة ما يهدد بغياب الدولة المركزية، بل هناك مخاوف من أن تكون ليبيا ملجأً آمناً لعناصر "القاعدة" والجماعات الجهادية الأخرى العائدة من أفغانستان والعراق وغيرها، وكذلك سوقاً لبيع وتهريب السلاح إلى الدول المجاورة.




[blockquote]الوضع الآن تجاوز مرحلة محاولة احتكار السلطة في دول "الربيع العربي" إلى التأسيس لأنظمة ممتدة في هذه الدول من خلال وضع دساتير تضمن بقاء الأنظمة السياسية الحاكمة فترة طويلة من دون منازعة من التيارات والأحزاب الأخرى[/blockquote]



الوضع الآن تجاوز مرحلة محاولة احتكار السلطة في دول "الربيع العربي" إلى التأسيس لأنظمة ممتدة في هذه الدول من خلال وضع دساتير تضمن بقاء الأنظمة السياسية الحاكمة فترة طويلة من دون منازعة من التيارات والأحزاب الأخرى، تحت إطار قانوني يقره الدستور المعمول به في البلاد، وبل وصل الأمر بالأنظمة الحاكمة الجديدة إلى اعتبار المعارضة خروجا على النظام وجرمت المظاهرات التي كانت وسيلة لوصول هذه الأنظمة للحكم على أنقاض الأنظمة السابقة، بل تقر قتل المتظاهرين لحماية الثورة ومكتسباتها، كما حدث بعد مقتل متظاهرين مصريين أمام قصر الاتحادية وفي ميدان التحرير مؤخراً، ولعل ظاهرة سحل المواطن المصري المدعو حمادة صابر وما تلاها من رد فعل شعبي ومن المعارضة، والحكومة المصرية خير شاهد على التناقض الذي يعيشه النظام الحاكم في القاهرة، وهذا ما انطبق على حادثة مقتل بلعيد في تونس.

[caption id="attachment_55243732" align="alignleft" width="300"]عامان بعد "الربيع" الشعوب ازدادت فقرا! عامان بعد "الربيع" الشعوب ازدادت فقرا![/caption]

إزالة الدكتاتور والإبقاء على سياسته





ثورات "الربيع العربي" أيضا جاءت بحكومات عديمة الخبرة في إدارة شؤون الدولة، بل اعترفت هذه الحكومات بفشلها، فلم تقدم هذه الحكومات الحد الأدنى المطلوب منها في تحقيق النذر اليسير من طموحات شعوبها، فرئيس الوزراء المصري هشام قنديل اعترف بعد أن طرده المتظاهرين في ميدان التحرير بعد حادثة سحل حمادة صابر بـ"بفشل حكومته" وأكد أن حكومته عاجزة عن إدارة البلاد في مثل هذه الظروف، كما أن ما حدث لحكومة حماد الجبالي بعد مقتل شكري بلعيد، أصاب الحياة السياسية بشلل تام وانقسام حاد، ليس بين الحكومة والشعب، بل بين أعضاء حزب النهضة الحاكم نفسه، ما أدى إلى استقالة الجبالي مطالباً بتعديل الدستور، وعدم سيطرة حزب النهضة على الحكومة بمفرده، وهذه المطالب تقترب من مطالب المعارضة في الشارع التونسي، والوضع في اليمن لا يختلف كثيراً. ففي أغسطس (آب) الماضي طلب محمد سالم باسندوة رئيس الحكومة اليمنية ـ الذي جاء من المعارضة اليمنية التي كانت مناوئة للرئيس السابق على عبد الله صالح ـ بالاستقالة من منصبه من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إعفاءه من منصبه، معللاً ذلك بعدم قدرته على مواصلة عمله في ظل التباينات والعراقيل المفتعلة، التي تؤدي إلى عرقلة عمل حكومته.

على الصعيد الاقتصادي، جاء في تقرير صادر عن جامعة الدول العربية أن خسائر الاقتصاد العربي، جراء "ثورات الربيع"، بلغت 120 مليار دولار أميركي، وجاء في التقرير نفسه أن معدل البطالة بين القوى العاملة العربية سيبلغ 52 مليون عاطل عن العمل عام 2015، بدلاً من 32 مليوناً عام 2010، وجاء في تقرير دولي أن نسبة الفقراء في مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) تجاوزت 60 في المائة، وأن نسبة الفقر المدقع (ممن يحصلون على دولار واحد يوميا) بلغت 25 في المائة من مجموع الشعب المصري، ونسبة من يحصلون على دولارين في اليوم، بلغت ما بين 65 في المائة إلى 70 في المائة، استناداً لدراسات مصرية موثقة، وأن نسبة البطالة في مصر بلغت 26 في المائة، كما تراجعت مكانة مصر في دليل التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتحتل المرتبة الـ114 من بين 160 دولة، وفيما يتعلق بمعدل نمو الاقتصاد المصري، فقد توقع البنك الدولي أن تبلغ هذه النسبة للعام الحالي 2013، 2.6 في المائة، و3.8 للعام المقبل، و4.7 لعام 2015، وهذا المعدل لا يستطيع أن يوفر 800 ألف فرصة عمل سنوياً للخريجين المصريين، أو تحمل أعباء خدمة الدين العام الذي بلغ 1240 مليار جنيه مع نهاية السنة المالية الحالية، طبقاً لتقرير البنك المركزي المصري.

الوضع الأمني لا يقل خطورة عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، خاصة أن المنطقة العربية مستهدفة، ولها أعداء كثر، بل إن الملف الأمني يأتي في مقدمة الملفات الخطيرة التي تهدد الأمني الوطني الداخلي لكل دولة عربية من دول "الربيع العربي"، كما أنها تهدد الأمن العربي بأكمله، خاصة في ظل التربص الإقليمي، ومحاولة الاستقطاب الدولي التي تستهدف الدول العربية، كما أن هناك محاولات علنية من دول الجوار الإقليمي للتدخل في الشأن العربي، ولعل رسالة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي للرئيس المصري مرسي مؤخراً، التي يطالبه من خلالها بتطبيق نظام حكم ولاية الفقيه في مصر، تكشف محاولة مقيتة وسافرة للتدخل في الشأن العربي الداخلي، ومحاولة لفرض النموذج الإيراني على الدول العربية، على الرغم من الاختلاف الحضاري والتاريخي والمذهبي، باعتبار أن ولاية الفقيه نموذج إيراني لا يصلح في المجتمعات العربية السنية ذات التنوع الثقافي والحضاري والسكاني والديني.



[blockquote]أحلام شعوب دول "الربيع العربي" تحولت إلى كوابيس مزعجة أو مشكلات صعبة ومعقدة، إضافة إلى ظهور تحديات جديدة ربما أكثر شدة وضراوة مما كانت عليه الأحوال قبل اندلاع هذه الثورات وعلى أكثر من صعيد[/blockquote]



يتبقى القول إن المنطقة العربية تموج بأحداث غامضة وغير معلومة التوجه أو الوجهة، وتهدد بتدحرج كرة الثلج، خاصة مع تمسك أنظمة التيار الإسلامي بمواقفها الرافضة لمشاركة التيارات والأحزاب الأخرى في الحكم، وعدم قدرتها على النهوض بأعباء الحكم وتلبية احتياجات شعوبها، خصوصاً في ظل أوضاع اقتصادية تزداد تدهوراً، مقابل رفض أطراف عديدة لهذا النمط من الحكم وخروج الفقراء والعاطلين عن العمل، إضافة إلى الأحزاب الليبرالية وغيرها، ما يهدد بانقسام المجتمعات وتحولها إلى كنتونات متصارعة، مع وجود مؤامرات كبرى لتقسيم المنطقة وتفكيكها، أو ما تطلق عليه الولايات المتحدة "الحرب من الجيل الرابع أي إشغال شعوب الدول العربية في ذاتها، ما يهدد بتأخر هذه الشعوب وتحويلها إلى فرق متناحرة متشاحنة".



حلول





أما عن الحلول، فلا سبيل أمام تيارات الإسلام السياسي إلا المصالحة مع شعوبها، وتطبيق النموذج الديمقراطي التشاركي التصالحي الذي يضمن مشاركة كل تيارات وفئات المجتمع في الحكم، وأن تؤمن وتلتزم بتداول السلطة بشفافية لضمان عدم إغراق شعوبها في الخلاف والاختلاف والتناحر.
وعلى هذه الأنظمة أن تلجأ إلى الحلول الاقتصادية الواقعية التي تعتمد على الاستقرار أولاً، ثم التوسع في الاستثمارات وبناء قاعدة اقتصادية سليمة دون رسم لوحات ملونة حول نمو متوقع في الاقتصاد غير قابل للتحقيق، وعلى هذه الأنظمة أن تستمع لشعوبها بمختلف تياراتها، وعليها أن تعدل من سياساتها إذا ثبت أنها خاطئة، وأن تعتمد على شعوبها في مواجهة المحن والمصاعب وألا تستقوي بالخارج الذي تكمن مصلحته في تمزيق هذه الشعوب وإضعافها لحساب مصالحه الذاتية وأجندته المعلنة أو الخفية والتي تختلف وتتعارض بالطبع مع مصالح الشعوب العربية.

والمطلوب من هذه الأنظمة احترام القانون والدستور وأنظمة القضاء والشرطة والدفاع، والمؤسسة الدبلوماسية ذات الخبرة في رسم السياسة الخارجية، وألا تتغول أو تستأسد على الأجهزة الحكومية أو الأمنية أو تهمشها وتسند الملفات المهمة للهواة والسياسيين الجدد، الذين دخلوا الحياة العامة من باب الولاء والثقة أو القناعات الايدلوجية، أي على هذه الأنظمة أن تنصاع وتنحاز لمصلحة الشعوب وليس لمصالح جماعة أو حزب أو فئة، فبناء الدول يعتمد على التوافق وعطاء كل أبناء الشعب، والالتفاف حول راية الوطن ومصالحه، وعلى حسابات الأرباح والخسائر من منظور وطني، فالطائفة لا تبني دولة، والحزب لا يؤسس كيان دولة، والجماعة لا تقود أمة، والتنظيمات الأممية مجرد سراب في عالم السياسة، فالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين يجب أن يكون وسيلة للدعوة والنصح وخدمة المسلمين الجدد، أو يكشف الوجه الحقيقي للإسلام المتسامح الذي يحترم الجميع في دولته وفي خارجها، ويرتقي بقيم العدل والحرية والمساواة، وألا يكون أداة لتغذية الصراعات الداخلية أو تأليب الأمم الأخرى على الإسلام، أو تخريب بيوتنا بأيدينا كما يحدث اليوم في تونس ومصر من انقسامات واحتجاجات وعصيان مدني غير مسبوق، والعصيان المدني الذي تشهده مدينة الإسماعيلية المصرية الساحلية، التي شهدت ميلاد جماعة الاخوان المسلمين عام 1928، على يد مؤسسها الأول الشيخ حسن البنا، يؤكد أن الجماعة تخسر ليس في معقلها مصر، بل في الغرفة التي شهدت ميلادها في البيت المصري وهي مدينة الإسماعيلية.
على حكومات الإسلام السياسي أن تعلم أن سر النجاح أو الفشل هو "الشعب" وليس وعود الأنظمة الإقليمية الطامعة الطامحة، أو القوى الكبرى المراهنة المداهنة وأن الشعب هو السند وهو الملجأ.


















المنطقة العربية تموج بأحداث غامضة وغير معلومة التوجه أو الوجهة، وتهدد بتدحرج كرة الثلج، خاصة مع تمسك أنظمة التيار الإسلامي بمواقفها الرافضة لمشاركة التيارات والأحزاب الأخرى في الحكم، وعدم قدرتها على النهوض بأعباء الحكم وتلبية احتياجات شعوبها
font change