الفتاة السعودية.. الحياة الإنسانية المعطلة

الفتاة السعودية.. الحياة الإنسانية المعطلة

[caption id="attachment_55245518" align="aligncenter" width="620"]الزواج ليس هو المشروع المعطل، بل الحالة الاجتماعية التي لا تعترف بوجود جنسين إلا في مشروع زواج الزواج ليس هو المشروع المعطل، بل الحالة الاجتماعية التي لا تعترف بوجود جنسين إلا في مشروع زواج[/caption]

تعرف الفتاة السعودية أن حرمانها من حريتها الشخصية في اختيار الزوج هو حرمان يشاركها فيه غالبية عظمى من النساء في العالم العربي، لكنها تعرف أيضًا أن الشروط التي تعرقل زواجها لا ترتبط فقط بعجز الشباب عن الزواج بسبب الحالة الاقتصادية كما يحدث في مختلف الدول العربية، ولا بالقيد المشترك بين النساء العربيات المرتبط بقبول الأهل للعريس، بل بما هو يسبق كل ذلك، إنها فسحة التعرف على رجل، مجرد فسحة التعارف، لا فرصة الحصول على عريس .

وبينما تنتظر المرأة العربية التعرف على الرجل المناسب، وتعاني في الوصول إليه، ومن ثم تعيش صراع العلاقة الجادة من عدمها، حتى تصل إلى مشروع الزواج بأركانه الصعبة والكثيرة، والذي تدخل فيه شروط المجتمع، مثل رضى العائلة، أو قدرة الرجل الاقتصادية، تبدو الفتاة في مجتمعنا تعيش على ضفة منعزلة عن كل هذه التسويات المختلفة، إنها تنتظر كل هذه المراحل من الزمن في لحظة وحيدة مكثفة لا تتجاوز رنين هاتف المنزل معلنًا وصول عريس.

الفرق هنا لا يعطي أفضلية لبقية النساء العربيات؛ لأنهن قطعًا يرزحن تحت قيود قضائية واجتماعية واقتصادية لا يسهل التعامل معها، لكن الفرق يعطي دلالة مخيفة عن حقيقة حياة الفتاة في مجتمعنا، وعن معنى وجودها في هذه الحياة، فرصة تعرف الفتاة على رجل في السعودية تعادل فرصة مشروع زواج بالنسبة لسيدة عربية، في مجتمعنا تضيق دائرة الفتاة عن مجرد فسحة لقاء رجل، أي رجل، تمامًا بما يعادل -عند بقية النساء- ضيق فرصة مشروع زواج بكل أركانه الصعبة.

الفتاة في مجتمعنا ليست معلقة عن مشروع الزواج بسبب ضيق فرصه كما يحدث في كل العالم العربي، إنها هنا تعاني مما هو أبسط وأصعب من ذلك، هي تعاني فسحة وجودها مع جنس آخر، في الشارع، في المكتبة في الجامعة، في الوظيفة، في المقهى، في السينما، وحتى في الأسواق -التي تحتلها النساء بالكامل-، في كل هذا الذي لا يمكن أن يكون فسحة لتعارفها مع الرجل، بينما هذا كله لا يسهل أن يكون فرصة التعرف -فقط- على زوج "مكتمل الشروط" بالنسبة لبقية النساء العربيات.

هل المسألة هنا عالقة بشرط القبيلة والمنطقة والحالة الاجتماعية والمستوى الاقتصادي والالتزام الديني والمهر المناسب والمنزل والسيارة، أم أنها عالقة قبل كل هذا في حقيقة أكثر بساطة، هي حقيقة وجود الجنسين في المجتمع، فسحة التقاء المرأة بالرجل، فسحة التعرف على إنسان بجنس مختلف قبل الوصول معه إلى مشروع زواج وغرفة مغلقة، المسألة هنا ليست في تعليق فرصة الزواج بالنسبة للفتاة، بل في رفض الطبيعة الإنسانية بكل غرائزها ورغباتها ودوافعها لمجرد التعايش مع رجل.

لا معنى في مجتمعنا لإحصاء نسبة العازبات أو العازبين عن الزواج؛ ذلك لأن الزواج ليس هو المشروع المعطل، المعنى هنا في الحالة الاجتماعية التي لا تعترف بوجود جنسين إلا في مشروع زواج، ولا تجد أي صورة للمشاركة بينهما إلا البيت والعقد الشرعي.

مجتمعنا الذي يبدي ترحيبًا بعمل المرأة، وقبولاً أوليًّا للاختلاط، هل يؤمن بحقيقة التعايش والمشاركة بين الجنسين في علاقات إنسانية طبيعية تسمح بفرص تعارف، وفرص زواج، وفرص أخرى للحب، أو أنه يرحب فقط بالضوابط التي تؤمن للفتاة العمل دون فسحة التعايش الحقيقية مع الجنس الآخر، هل نقبل عمل المرأة كمثال فقط لأنه حقها في الاستقلال الشخصي والكفاية المادية، أو لأننا أيضًا نؤمن بضرورة إحياء العلاقة الإنسانية بين الجنسين، وبحقيقة تعايشهما ضمن علاقات مختلفة، علاقات صداقة، عمل وحب، زواج ومنافسة، أو حتى عداء.

الزواج إذن ليس هو المشروع المعطل الذي تعانيه الفتاة السعودية، بل هي الحياة الإنسانية الطبيعية هي الحقيقة المعطلة في مجتمعنا، المسألة هنا لا تتعلق بالأنثى فقط وفرصها في مشروع العقد الثنائي "الشرعي"، المسألة ترتبط بما هو أوسع وأهم، بالفضاء الاجتماعي عمومًا الذي يغيب المرأة كجنس كامل منه، قبل أن تغيب فرصتها من مجرد مشروع واحد للمشاركة مثل مشروع الزواج.

font change