حكم الإخوان:عادت السلطة مؤسسات الدولة وأجهزتها السيادية

حكم الإخوان:عادت السلطة مؤسسات الدولة وأجهزتها السيادية


[caption id="attachment_55247106" align="aligncenter" width="620"]المرشد العام للاخوان المسلمين الدكتور محمد بديع ومن خلفه رئيس الجمهورية المعزول محمد مرسي-يونيه 2012 المرشد العام للاخوان المسلمين الدكتور محمد بديع ومن خلفه رئيس الجمهورية المعزول محمد مرسي-يونيه 2012[/caption]

وصل الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم في مصر في 30 يونيو 2012م بانتخاب الرئيس محمد مرسي بعد أن تغلب على منافسه الفريق أحمد شفيق بفارق ضئيل. جاء كأول رئيس منتخب بعد ثورة شعبية. البعض انتخبه عن اقتناع، والبعض الآخر رأى أنه البديل الأوفق لقطع الطريق على من يطلق عليهم «فلول» النظام السابق، وكانت هناك مباركة أميركية واضحة لانتخابه لعدة أسباب، منها أن الإخوان المسلمين استطاعوا الفوز أو على الأقل التقدم على بقية القوى السياسية في الاستفتاءات والانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أعقبت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011م، وتفضل واشنطن أن تدعم نظام حكم له شعبية، يحقق مصالحها، وتبرم معه اتفاقا طويل الأمد. ولعبت السفيرة الأميركية آن باترسون دورا في هندسة وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، لكنها نالت نصيبها من معاداة المصريين على نحو لم يحدث مع أي سفير أميركي من قبل، وتعيش أيامها الأخيرة في مصر شبه معزولة.



البيروقراطية الموازية





وصل الدكتور محمد مرسي إلى سدة الحكم، وكان هناك «مجلس شورى» غالبيته من الإخوان المسلمين حصن بقاءه في دستور 2012م الذي لم يرُق لقطاعات واسعة من المجتمع، وشكل حكومة برئاسة هشام قنديل لم يسعد أداؤها حلفاء الإخوان المسلمين قبل خصومهم، وتكاثرت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن السياسية مما عجل من سقوط نظام محمد مرسي، ولكن ظاهر الأسباب التي أدت إلى حنق وثورة ملايين المصريين، هي انعكاس لأسباب بنيوية عميقة جعلت من بقاء نظام الإخوان المسلمين أمرا لا يمكن توقعه، وهو ما يحتاج إلى نقاش مفصل.

أولا: بنى الإخوان المسلمون نظرتهم إلى جهاز الدولة (State Apparatus) على أنه «غنيمة حرب» ينبغي الاستيلاء عليها في أعقاب الفوز في «غزوة الصناديق» - وهو تعبير استخدم من قبل أحد المشايخ السلفيين المتحالفين مع الإخوان المسلمين لوصف النصر في الاستفتاء على تعديل الدستور في 19 مارس (آذار) 2011م - وهو ما تنبأ به الكاتب المعروف وحيد حامد في النص السينمائي المبدع لفيلم «طيور الظلام» في النقاش بين أحد قيادات الإسلام السياسي مع قيادة سياسية فاسدة محسوبة على نظام مبارك من أن الإخوان المسلمين – الجماعة التي كانت تبحث عن حزب آنذاك - تنظر إلى المسألة برمتها على أنها «نزاع على ملكية». تصور الإخوان المسلمون أن الدولة دانت لهم، وجاء دور «التمكين»، أي إخضاع جهاز الدولة لقيادات الإخوان المسلمين بنفس الشروط التي كانت سائدة في عهد نظام مبارك.



[caption id="attachment_55247108" align="alignleft" width="300"]عمرو موسى ومحمد البرادعي عمرو موسى ومحمد البرادعي[/caption]

هنا ظهر مصطلح «أخونة الدولة»، وهو تعبير استخدمته المعارضة لوصف عملية زرع قيادات إخوانية في مفاصل جهاز الدولة، وأكد ذلك حزب النور «السلفي» الذي تحدث عن آلاف الوظائف الحكومية، وبخاصة في الإدارة المحلية التي كان يجرى أخونتها على قدم وساق. الأخونة التي اعتبرها القيادي الإخواني محمد البلتاجي «قمة الديمقراطية» شكلت ليس فقط استمرارا لنهج «الولاء» في شغل المواقع على حساب «الكفاءة»، ولكن شكلت أيضا تبشيرا بصيغة استبدادية تلوح في الأفق تمسك بمفاصل الدولة، وتقبض على مفاتيح الموارد الحكومية، وتتحكم في مخرجات العملية الانتخابية على النحو الذي يروق للجماعة الغالبة. وفي هذا لجأ الإخوان المسلمون إلى ما يطلق عليه «البيروقراطية الموازية»، وتعني استخلاص العناصر التي يمكن الاعتماد عليها، ووضع قيادات إخوانية تدير شؤونها تحل - في الهيمنة والنفوذ - بديلا عن البيروقراطية الحكومية المستقرة بدعوى مكافحة الفساد، والاستعانة بالقيادات الكفء. ذكر ذلك صراحة القيادي الإخواني جهاد الحداد في ندوة عقدها «كارنيغي» أوروبا في مقر البرلمان الأوروبي يوم 6 مايو (أيار) 2013.

وإزاء تهميش عناصر وقطاعات واسعة من البيروقراطية، وفرض نمط موازٍ عليها يقوم على تمكين الإخوان المسلمين، جاء رد الفعل الانتفاضي من جانبها برفض التعاون مع الإخوان المسلمين حينا، وبالاحتجاج أحيانا، وبدعم ثورة 30 يونيو لاحقا. الرئيس محمد مرسي، الذي نفى أخونة الدولة في حديث إعلامي، كان معزولا شعبيا. أحد أقرب مستشاريه قال له يوما: «لماذا لا تراهن على الشعب المصري؟»، فجاءت إجابته: «لا أستطيع أن أدير ظهري للجماعة».



مكتب الإرشاد.. وصناعة القرار





ثانيا: الغموض في صناعة القرار السياسي. بعد تولي الرئيس محمد مرسي السلطة رسميا كون فريقا رئاسيا من أربعة مساعدين، وعدد من المستشارين يعكسون انتماءات سياسية ودينية متنوعة. شكل ذلك فكرة خلاقة لتوسيع نطاق صناعة القرار في مؤسسة الرئاسة دون الركون فقط إلى الرئيس الفرعون. ولكن مع مرور الوقت بات واضحا أن هناك غرفا مغلقة تصنع خلفها القرارات الرئاسية، لا يعرف عنها شيئا المساعدون أو المستشارون، وأشار كثيرون إلى دور «مكتب إرشاد» جماعة الإخوان المسلمين في صناعة القرارات الحاسمة التي لا يملك الرئيس حيالها سوى الاعتماد والموافقة. يشار في هذا الصدد إلى الإعلان الدستوري الذي صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012م، الذي فجر موجة غضب عارمة في صفوف المصريين نظرا لأنه دشن الرئيس الفرعون دستوريا الذي يمتلك السلطتين التنفيذية والتشريعية (نظرا لغياب مجلس الشعب)، ثم حصن قراراته حتى لا تخضع لمراجعة السلطة القضائية.


[inset_right]
• ممثل الحرية والعدالة أعلن في آخر جلسات الحوار الوطني لمناقشة التعديلات الدستورية أن حزبه لا يرى ضرورة لتعديل الدستور، وهو ما نسف الحوار الوطني في جوهره[/inset_right]



كان صدور هذا الإعلان المباغت سببا في استقالة مساعدين ومستشارين للرئيس. أتذكر أنني كنت يوم صدور الإعلان الدستوري (23 نوفمبر) في لقاء مع السيد سمير مرقس، مساعد رئيس الجمهورية للتحول الديمقراطي، للتخطيط لعقد ندوة موسعة في يناير 2013م في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، ولم يكن على علم بما يحدث بالقرب منه في مؤسسة الرئاسة رغم أنه – نظريا - مسؤول عن التحول الديمقراطي، وصدور هذا الإعلان في صميم عمله، وما إن انتهيت من الاجتماع وعدت إلى المنزل حتى أذاع المتحدث باسم رئاسة الجمهورية الإعلان الدستوري، وبعد ساعات علمت بنبأ استقالة السيد سمير مرقس الذي لم يترك مكتبه في ذلك اليوم قبل أن يقدمها بعد أن تلقى النبأ، وهو في مكتبه، وقد وصف في استقالته الإعلان الدستوري بأنه «انحراف عن التراث الدستوري المصري»، وأضاف أنه «لم يستشر بشأنه مطلقا، مما يعكس إشكالية حقيقية حول جدوى الفريق الرئاسي». وأكد مساعدو ومستشارو الرئيس الآخرون نفس الأمر، ونفوا أية معرفة لهم بالإعلان الدستوري.


وقد أشار المستشار محمد فؤاد جاد الله المستشار القانوني للرئيس الذي استقال في أبريل (نيسان) 2013م - في خطاب الاستقالة إلى أنه لم يشارك في صناعة الكثير من القرارات، وكانت له اعتراضات على بعض مواد الإعلان الدستوري، وعلل ذلك بالاعتماد على أصحاب الثقة فقط، وتهميش وإقصاء باقي التيارات. أصحاب الثقة هم مكتب الإرشاد، ومستشاروه، الذين كانوا يحددون الأجندة التشريعية لمجلس الشورى، ويعدون ملفات لخصومهم فيه، وتحولت المؤسسات سواء كانت الرئاسة أو المجلس التشريعي أو الحكومة إلى كيانات سياسية تدار بواسطة مكتب سياسي ليس له أية صفة في النظام السياسي والقانوني للدولة، وهو الأمر الذي وصفه على استحياء أحد الكتاب الإسلاميين بأن الإخوان المسلمين لم يستطيعوا التفرقة بين إدارة الدولة، وإدارة الجماعة. الغموض في صناعة القرار على مستوى مؤسسة الرئاسة، وبقية مؤسسات الدولة الأخرى، وصفه خالد علم الدين، مستشار الرئيس السلفي الذي أقيل وسط اتهامات صدرت في حقه نفاها الرجل وأرجع ذلك إلى تصفية حسابات بين الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي، قال عبارات نقدية قاسية قبل إقالته بأيام، وصف فيها استشاراته بأنها «حبر على ورق»، وأعرب عن «تخوفه على الثورة المصرية»، وانتقد ما سماه «تعثر الرئاسة في تحقيق توافق وطني بين أبناء الشعب بجميع اتجاهاته لبناء نهضة الوطن، وإرساء دولة مؤسسات حقيقية لا دولة أسرار خفية واجتماعات سرية وقرارات مضطربة».



مشروع النهضة.. وغياب الرؤية





ثالثا: افتقد الإخوان المسلمون الرؤية الواضحة لإدارة شؤون البلاد. لم يمتلك كوادرهم خبرة إدارة مؤسسات الدولة، ولم يستعينوا بخبرات غيرهم، بما في ذلك قيادات فكرية وتكنوقراط محسوبة على التيار الإسلامي على اتساعه. لم يستيقظ المصريون فقط على وهم ما روجه الإخوان المسلمون بوصفه «مشروع النهضة»، ولكن أيضا وجدوا محدودية قدرات القيادات التي يجري الاستعانة بها. وتعد مسألة اختيار القيادات من الأهمية في رعاية برامج التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهو ما أكده المفكر العالمي فرنسيس فوكوياما من أن اليابان لم تبن بعد الحرب العالمية الثانية بفضل الأموال فقط، ولكن أيضا نتيجة وجود قيادات تسلمت زمام المؤسسات العامة، آمنت برسالتها، ونقلت روحا من الجدية والمسؤولية والنزاهة في العمل. لم يمتلك الإخوان المسلمون الكفاءات، وجاءت التشكيلات الوزارية في عهد الرئيس محمد مرسي خالية من الكفاءة، يرأسها رئيس وزراء، تمسك به على نحو كان محل انتقاد من الإخوان المسلمين أنفسهم، ولم يثبت كفاءة في عمله الحكومي، بما في ذلك الملف الذي كان متخصصا فيه، حوض النيل. لم يكن مستغربا أن يعلل المستشار محمد فؤاد جاد الله المستشار القانوني لرئيس الجمهورية استقالته في أبريل 2013م بما سماه «عدم وجود رؤية واضحة لإدارة الدولة وبناء مستقبل مصر، وتحقيق أهداف الثورة»، وأضاف مفصلا: «الإصرار على استمرار حكومة قنديل رغم فشلها سياسيا واقتصاديا وأمنيا، واعتراض الغالبية عليها».



[inset_right]
• كان تعيين القيادي الإخواني عصام حداد، مساعدا لرئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، نقطة تحول في التعاطي مع السياسة الخارجية[/inset_right]


واللافت أن قيادات الإخوان المسلمين، رغم تواضع إمكاناتها كما أثبتت التجربة، محدودون في العدد مما يجعل نفس الوجوه تتكرر في نفس المجالس والمنتديات. دليل على ذلك أنه عندما قام رئيس الجمهورية بتعيين تسعين عضوا بمجلس الشورى، عين عددا من قيادات الإخوان المسلمين الذين كانوا أعضاء في مجلس الشعب الذي حل قضائيا، والسبب الذي ذكر أن أعضاء مجلس الشورى من الإخوان المسلمين رغم أنهم يشكلون أغلبية لا يستطيعون مواجهة متطلبات التشريع مما يجعل من الضروري «تطعيمهم» بأعضاء خارج المجلس. وتكشف الممارسة أن الوجوه التي تصدت لممارسة العمل البرلماني لم تزد على عشرة أعضاء من نحو مائة وعشرين عضوا محسوبين على الإخوان المسلمين شكلوا أغلبية ميكانيكية. وقد اقترن بغياب الرؤية في إدارة شؤون البلاد عدة ظواهر خطيرة: التوسع في الاستدانة الدولية عن طريق الإفراط في طلب القروض، وفرض الانقسام على المجتمع الذي لم يخلُ من فرز على أساس ديني، والارتباك في إدارة المشهد، وعدم إدراك غضب شرائح اجتماعية صاعدة ولا سيما الشباب، وتعزيز استقطاب سياسي حاد ضرب وحدة المجتمع، وجعل لرئيس الجمهورية «أهلا وعشيرة» - حسب تعبيره - يخطب فيهم، ويتظاهرون دعما له، في حين أن غالبية المجتمع في وادٍ آخر. لخص المشهد الكاتب الصحافي أيمن الصياد - الذي استقال من منصبه مستشارا لرئيس الجمهورية بقوله: «هناك استقطاب حاد بات يضرب أطناب الوطن، ويهدد بتفككه، نستشعر للأسف استهانة بالأمر في دوائر صناعة القرار، كما لا نستشعر اهتماما جديا في مساعدتنا على معالجة داء نراه لن يضرب ثورة كل الشعب في جوهرها الأصيل فقط، بل سيضرب وحدة هذا الشعب في الصميم».



الحوار الوطني.. وجبهة الإنقاذ





رابعا: سوء الإدارة السياسية. تسلم محمد مرسي مقاليد الحكم بفارق واحد في المائة عن منافسة الفريق أحمد شفيق، وهو ما يعني أن ما يقرب من نصف الناخبين لم يرغب فيه، وكان ينبغي أن يكون ذلك دافعا له كي يتبنى سياسات عامة أكثر استيعابية للقوى السياسية، والتيارات الفكرية المتنوعة التي يختلف معها. لم يفعل ذلك، بل أدت سياساته وقراراته إلى مزيد من الاستقطاب، وقلصت من الدوائر المتحالفة والمتعاطفة معه. وشكل ما عرف بـ«الحوار الوطني» نموذجا للإدارة السياسية الرديئة، والمراوغة، ومحاولات كسب الوقت على حساب تبني سياسات رشيدة ترسي دعائم نظام ديمقراطي. ظهر «الحوار الوطني» في أعقاب إصدار الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012م، وما تلاه من احتجاجات شعبية عارمة تعرف بأحداث «الاتحادية» - أي قصر الرئاسة الذي كان يقبع فيه مرسي - وتعرض للاعتداء من قبل المتظاهرين الغاضبين. رأس الحوار الوطني الذي تبنته مؤسسة الرئاسة نائب رئيس الجمهورية وقتئذ المستشار محمود مكي - الذي استقال بعد أن ألغى الدستور الجديد منصبه، وسار الحوار في دروب شتى، لم تشارك فيه جبهة الإنقاذ - التحالف المعارض الرئيس - ورغم ذلك كانت تقدم مقترحاتها عبر بعض الشخصيات المشاركة في جلسات الحوار الوطني.


[caption id="attachment_55247114" align="alignleft" width="300"]وزير الداخلية محمد ابراهيم وعبد الفتاح السيسي وزير الداخلية محمد ابراهيم وعبد الفتاح السيسي[/caption]

ورغم أن جلسات الحوار ضمت عددا من الأحزاب والشخصيات العامة، وكنت مشاركا فيها ممثلا عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، انتهت إلى مسودة قانون للانتخاب، وعقدت مؤسسة الرئاسة مؤتمرا صحافيا يوم الأول من يناير 2013م لإعلان اتفاق الأحزاب المشاركة في الحوار على هذه المسودة، إلا أنه ما لبث أن تخلى حزب الحرية والعدالة - الذراع السياسية للإخوان المسلمين - عنها في مجلس الشورى. ليس هذا فحسب، بل إن ممثل الحزب في الحوار الوطني الدكتور فريد إسماعيل أعلن في آخر جلسات الحوار الوطني - حضر إليها متأخرا بأربع ساعات متعللا بسوء الأحوال الجوية - التي خصصت لمناقشة التعديلات الدستورية موقف حزبه الذي لا يرى ضرورة لتعديل الدستور، وهو ما نسف الحوار الوطني في جوهره، نظرا لأن تعديل الدستور كان يمثل أحد المبررات الأساسية التي قام عليها. ترتب على ذلك انسحاب غالبية المشاركين في الحوار الوطني، ومن بينها الأحزاب والكنائس المصرية، وبمرور الوقت اقتصر الحوار الوطني على الأحزاب والقوى الإسلامية المتحالفة مع الإخوان المسلمين.

يشكل ما حدث في «الحوار الوطني» نموذجا على سوء الإدارة السياسية في العلاقة مع مختلف مكونات المجتمع السياسي. وقد لجأ الإخوان المسلمون إلى عدة وسائل لتقويض المعارضة، منها محاولة تفجيرها من الداخل بتفكيك تماسك جبهة الإنقاذ، أو تشكيل تكوينات لمحاربتها مثل «جبهة الضمير» التي ضمت عناصر من الإخوان والمتحالفين معهم من القوى السياسية، أو استغلال قيادات الجماعة الإسلامية في تفزيع المعارضين، وتخويفهم، ولا سيما المسيحيين الذين رأى الإخوان المسلمون أنهم يشكلون جبهة معارضة لمشروعهم السياسي.



[inset_right]• أشار المستشار القانوني للرئيس في خطاب الاستقالة إلى أنه لم يشارك في صناعة الكثير من القرارات
[/inset_right]



ومن اللافت أن يتصل رئيس الجمهورية محمد مرسي بالبابا تواضروس إبان أحداث الاعتداء على الكاتدرائية بالحجارة والمولوتوف، معلنا أن الاعتداء على الكاتدرائية اعتداء عليه شخصيا، ثم يستمر الاعتداء لساعات، وتكشف الأحداث أن الاتصال جرى في أعقاب تنديد كاثرين أشتون الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية بالاتحاد الأوروبي بما يحدث في محيط الكاتدرائية، ولم يرَ السفير رفاعة الطهطاوي رئيس ديوان رئيس الجمهورية تحولا خطيرا في طبيعة العنف في المجتمع، إذ ذكر لبعض المسؤولين في الكاتدرائية المرقسية أنه لا ينبغي الاستغراب مما حدث، فقد سبق أن اعتدي على قصر الاتحادية بنفس الطريقة، لكن فاته أن المقارنة ليست في محلها ولا سيما أن الكاتدرائية رمز ديني، ولم يكن الاعتداء عليها إلا لأنها فتحت أبوابها للصلاة على ضحايا عنف طائفي في منطقة الخصوص. وبالمناسبة لم يكن الاعتداء على الكنيسة متفردا، فقط سبق التعدي على الأزهر الشريف قبل ذلك بأيام وسط محاولات مستميتة بذلها الإخوان المسلمون لعزل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.



صناعة القرار الخارجي





خامسا: غموض السياسات الخارجية. الغموض الذي غلف صناعة القرار الداخلي رافقه غموض مماثل في صناعة القرار الخارجي. اهتز المحور التقليدي الذي يربط كلا من مصر ببعض دول الخليج وسوريا، فقد عادى نظام الإخوان دولا خليجية كبرى، وقطع الرئيس مرسي العلاقات بشكل مفاجئ - دون علم مسبق من مؤسسات سيادية مهمة - مع سوريا، ورغم أن رفض ممارسات نظام بشار الأسد محل إجماع من النخب المصرية على اختلاف ألوانها وأطيافها السياسية، فإن هناك تقديرات للموقف من العلاقة مع سوريا. حلت قطر داعمة وراعية لمصر، وهو ما أقلق المصريين، ومس شعاب كبريائهم الوطنية، وسط أنباء وأخبار عن سعي قطر لامتلاك مشروعات تمس السيادة المصرية، ولم يكن غريبا أن تتصدر صحيفة الأخبار، اليومية، وهي صحيفة حكومية، عبارة «ماما قطر»، مما دفع القائمين على الصحافية إلى الإسراع بحذفه في الطبعة الثانية بعد موجة تنديد عنيف من مؤسسات مهمة في الدولة المصرية. بالطبع الغموض في السياسة الخارجية فتح المجال أمام أنصاف المعلومات، والشائعات، والروايات التي تفتقر إلى المصداقية للرواج والتداول، ولكن كانت هناك إشارات لا تنكر من أن الإخوان المسلمين لا يدركون المفهوم المتعارف عليه للأمن القومي كما هو مستقر في دوائر المؤسسات السيادية المصرية.


[caption id="attachment_55247111" align="alignleft" width="150"]سمير مرقص سمير مرقص[/caption]


وقد كان لتعيين عصام حداد، مساعدا لرئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، نقطة تحول في التعاطي مع السياسة الخارجية. ورغم أن الرجل في حوار تلفزيوني ذكر أن منصبه هو أقرب إلى مستشار الأمن القومي الذي تصب عنده كل خيوط مؤسسات السياسة الخارجية (وزارة الخارجية، وزارة التعاون الدولي، المخابرات... إلخ)، فإن الظاهر أنه كان يشكل حلقة الوصل بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، ويلعب دورا موازيا لوزارة الخارجية المصرية. وأثارت البيانات التي اعتاد نشرها - واعتبرتها الرئاسة أحيانا موقفا شخصيا له - غضب واستنكار المصريين لما فيها من افتراءات واستدعاء للتدخل الخارجي في الشأن المصري. وقد ذكر كثير من الدبلوماسيين الغربيين في القاهرة أنهم لم يعودوا يعرفون على وجه التحديد ماهية الطرف المنوط به صناعة السياسة الخارجية، وطبيعة علاقاتهم بوزارة الخارجية المصرية. كان ذلك مبعث تذمر قطاعات واسعة من الدبلوماسيين المصريين، ولا سيما أن الدبلوماسية المصرية مدرسة عريقة، تضم كفاءات وخبرات، وأدى تذمر الدبلوماسيين الذين رفضوا تنفيذ كثير من مطالب مؤسسة الرئاسة عبر وزير الخارجية ومنها دعم الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012م إلى تعيين نبيل فهمي وزيرا للخارجية في التشكيل الحكومي الذي أعقب عزل الرئيس محمد مرسي. ولم يكن الأمر أقل حدة في دوائر مؤسسات سيادية تقوم على رعاية مفهوم الأمن القومي كانت تشعر بأن مخرج عملها قد يصب في صالح أطراف أخرى تتحالف معها جماعة الإخوان المسلمين في إطار التنظيم الدولي للجماعة لا يخدم المصالح العليا المصرية.



ثورة يونيو





صفوة القول، إن جماعة الإخوان المسلمين قضت في قصر الرئاسة عاما كاملا عادت السلطة مؤسسات الدولة (القضاء، الجيش، الشرطة، أجهزة سيادية وبيروقراطية)، كما دخلت في عداء مع مؤسسات المجتمع الحديث (الإعلام، النشطاء الشباب... إلخ)، ولم تستطع أن تدير علاقاتها بالمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية على نحو كفء، هذا في الوقت الذي لم تمتلك فيه رؤية واضحة لإدارة البلاد، وسارت بتشوهات على نهج النظام السابق، مفضلة الرأسمالية الريعية على الإنتاج، متخذة سياسات تحابي الأغنياء على حساب الفقراء، ولجأت إلى قيادات تدين لها بالولاء أقل كفاءة وقدرة على مواجهة مطالب متزايدة ومتنامية، وكان لتحالفاتها مع الجماعات الراديكالية الإسلامية - التي على يمين الإخوان المسلمين - مثل الجماعة الإسلامية والجبهة السلفية دورا مهما في انصراف المجتمع عنهم، ولم تعد الجماعة تمتلك في الشهور الأخيرة القابلية للحكم بعد أن تخلى المحكومون عن قابليتهم للمحكومية في صورة ملايين هادرة خرجت إلى الشوارع في نهاية يونيو الماضي، سبقها استقالات أعضاء التيار المدني في مجلس الشورى، واتساع دائرة الاحتجاج في إطار حركة «تمرد» الشبابية التي تلقت دعما في أطراف كثيرة في المجتمع، وغاص المجتمع في مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة.


font change