ستايسي ليفين تعود إلى الحرب الباردة لتروي قصص الاغتراب والألفة

روايتها "مايس 61" رشحت لجائزة "بوليتزر"

غلاف "مايس 1961"

ستايسي ليفين تعود إلى الحرب الباردة لتروي قصص الاغتراب والألفة

ولدت الكاتبة الأميركية ستايسي ليفين في سانت لويس بولاية ميزوري، حيث تخرجت في كلية الصحافة. اتسمت أعمالها بالسرد المبتكر والأسلوب القصصي غير التقليدي، من خلال كتابتها عن التجربة الإنسانية بمزيج رائع من الصور الشعرية والصدق اللاذع. بدأت مسيرتها الأدبية بمجموعة قصصية "حصاني وقصص أخرى" (1992)، التي فازت بجائزة PEN الأدبية عام 1994. ومن أبرز أعمالها "درا" و"الفتاة ذات الفرو البني: حكايات وقصص"، كما دخلت روايتها الأحدث "مايس 1961" الصادرة عام 2024 ضمن القائمة القصيرة لجائزة "بوليتزر" عام 2025. هنا حوار "المجلة" معها.

تستكشف روايتك "مايس 1961" موضوعات الشعور بالاغتراب والألفة. كيف تتعاملين مع بناء شخصيات تبدو سوريالية وواقعية في آنٍ واحد؟

الشخصيات في الرواية سطحية، وأحيانا بدائية نفسيا. مع ذلك، قد أبالغ في سماتها المتطرفة. أثناء ابتكاري لها، حرصت على خلوها من التحفظ أو الرقابة الذاتية، فهي تعبر عن أفكارها الحقيقية صراحة ودون أي حياء اجتماعي، كأنهم أطفال صغار أو أشخاص ثملون، مع أنهم ليسوا كذلك. في الواقع، تدور أحداث رواية "مايس 1961" حول مشهد حفلة طويل، والمشروب الوحيد الذي يستمتع به الضيوف هو عصير الفاكهة. هذا لتسليط الضوء على أننا كبالغين نحتفظ داخلنا بطمع طفولي شديد، وغضب وفضول ورغبات.

أماكن سرية

تناقشين في الرواية موضوع الاختباء والكتمان، حيث تبحث الشخصيات عن أماكن سرية للهروب. كيف طورت هذا الموضوع، وماذا يكشف عن القوى النفسية أو المجتمعية التي تشكل عوالم الشخصيات؟

تميل شخصيتان رئيستان في هذه الرواية إلى الاختباء والكتمان، إما لحماية نفسيهما من المتنمرين في منطقتهما أو كرد فعل طبيعي على انتهاكات طفولتيهما اللتين عانتا منها منذ زمن طويل. وهذا رد فعل معروف للشعور بالغضب الشديد.

أسرت رئاسة كينيدي الأنيقة قلوب الأميركيين آنذاك، رغم أن الكثيرين كانوا يكرهون الرئيس ويشوهونه خلف الكواليس

تقوم غيرتل بدور الراوية التي تقدم الى القارئ منظورا آخر لقصة مايس، وتفكر باستمرار في مكانتها فيها. ما الذي جذبكِ لاختيارها كراوية، وكيف يؤثر صوتها على فهم القارئ لرحلة مايس؟

 نشأت غيرتل في دار للأيتام وكانت حياتها قاسية. أثناء كتابة الرواية، لم تكن هي الراوية في الأصل. لكنني أدركت أن دورها أهم بالنسبة إلي أكثر مما ظننت. اختفت دور أيتام الأطفال في الولايات المتحدة في أواخر ثمانينات القرن الماضي تقريبا، مع ازدياد شيوع نموذج الرعاية البديلة.

Bromberger Hoover Photography/Getty Images
بورتريه للكاتبة الأميركية ستايسي ليفين وهي تنظر من نافذة، سياتل، واشنطن، 25 يناير 1995

كانت دور الأيتام أماكن باردة والحياة فيها قاسية. نشأت امرأة مقربة مني في واحدة منها، وأثناء الكتابة، أدركت أن جعل نشأة الشخصية في دار للأيتام هو وسيلة لاستكشاف جزء مما قد يكون قد مر به ذلك الشخص. غيرتل شخصية ذات بصيرة، وتعي الصراعات التي تواجهها مايس لتكون مستقلة.

زمن كينيدي

تدور أحداث الرواية في فلوريدا، أثناء فترة الحرب الباردة. ما الذي جذبك للكتابة عن تلك الفترة، وكيف أثرت على موضوع الرواية؟

في الولايات المتحدة، يهتم الكثيرون، بل ويتعلقون بفترة رئاسة كينيدي. ربما يعود ذلك إلى اغتياله، وما يحيط بذلك من غموض. إضافة إلى ذلك، أسرت رئاسة كينيدي الأنيقة قلوب الأميركيين آنذاك، رغم أن الكثيرين كانوا يكرهون الرئيس ويشوهونه خلف الكواليس.

يتفاعل القراء مع أعمالي وأعمال الشعراء وغيرهم من الكتاب المبدعين لأننا نعمل بالقوة الترابطية والدلالية الهائلة للغة

بحثت مليا وتعمقت في تلك الفترة، وركزت على الاتجاهات والأساليب، وحتى على المصطلحات الإنكليزية العامية القديمة من تلك الفترة. على سبيل المثل، لم أسمع كلمة "fream " من قبل. إنها كلمة مهجورة تعني على ما يبدو "مهووس".

غالبا ما يوصف أسلوبكِ السردي في "الفتاة ذات الفرو البني" بالسوريالية والشاعرية، إذ تمزجين بين عناصر حالمة والنثر الحاد. حدثينا عن تجربتك في كتابة القصة القصيرة.

كتاباتي ليست خيالية بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنها تضفي لمسة من الواقعية. على سبيل المثل، في إحدى القصص القصيرة، ظهرت للبطلة فجأة حدبة على ظهرها جعلتها تشبه قطعة لحم، ليس لها علاج. يتفاعل الفنانون وغير الفنانين على حد سواء مع الأعمال الإبداعية التي تشوه الواقع. تدور حياتنا تحت وطأة المنطق الخطي الإعلامي المستمر، وهو أمر يحظى لسبب ما بتقدير كبير، وثقافتنا هي التجارة. مع ذلك، فإن التفكير في العالم من منظور ترابطي، لا من خلال منظور خطي أو منطقي، أمر صحيح تماما. إنها عدسة إنسانية كأي عدسة أخرى.

Lynn Pelham/Getty Images
منفيون كوبيون يرتدون بزات عسكرية ويحملون بنادق جونسون M1941 نصف أوتوماتيكية خلال تدريبات في معسكر أميركي استعدادا لثورة ضد فيدل كاسترو بدعم من الولايات المتحدة

يتفاعل القراء مع أعمالي وأعمال الشعراء وغيرهم من الكتاب المبدعين لأننا نعمل بالقوة الترابطية والدلالية الهائلة للغة، بدلا من استخدامها مجرد أداة لنقل المعلومات أو تسلسل الأحداث. لذا، أتناول الكتابة بشكل أقل من خلال حبكة مثيرة، وأكثر من خلال النبرة الذاتية واللغة الترابطية.

الطبيعة البشرية

يتناول العديد من قصص مجموعتك مواضيع الهوية والتحول والطبيعة البشرية. هل كان هناك مصدر إلهام أو تجربة معينة شكلت قصص هذا الكتاب؟

كتبت مجموعتين قصصيتين قصيرتين، "حصاني: وقصص أخرى"، و"الفتاة ذات الفرو البني: حكايات وقصص".

تمنحنا الحياة نفسها تجارب مليئة بالفكاهة والوقار والرعب، ولا أبذل جهدا كبيرا لموازنة هذه العناصر

لم يكن هناك إلهام أو حدث واحد شكل هذه الكتابات، بل حياتي بأكملها هي التي شكلتها. وتمتلئ معظم الحيوات بالدهشة والصدمة وملايين الجروح. ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في ذلك دراسة علم النفس، والحركات الفنية، وحدود الخيال القائم على الحبكة مقابل الخيال القائم على الصوت، وقراءة أعمال كبار الأدباء مثل فرانز كافكا، وجين بولز، وباربرا كومينز.

هل تعتقدين أن القراءة، وخاصة الانخراط في السرديات غير التقليدية، يمكن أن يؤثرا في فهم القارئ لنفسه وللعالم من حوله؟

الكتابة الإبداعية، أشبه بالطين، تحمل بصمة مبدعها البشري. من خلال اختيار الكلمات، وطول الجمل، ونبرة الصوت، وعوامل أخرى، تجسد شيئا من إنسانية الفرد. هذا ما يتفاعل معه القارئ، فيخفف عنه شعور الوحدة، أو يحسن مزاجه بالتفكير في وجهات نظر جديدة، أو طرق جديدة للتعامل مع منعطفات الحياة ومتاعبها.

وصف أسلوبك السردي بأنه يجمع بين الكوميديا السوداء والتأمل العميق. كيف توازنين بين هذه العناصر لخلق أسلوب سردي مميز؟

أستمتع بمزج الأساليب السردية في القصص أو الروايات، وأحرص على أن تتمتع شخصيات كتبي بروح الدعابة. علاوة على ذلك، تمنحنا الحياة نفسها تجارب مليئة بالفكاهة والوقار والرعب، ولا أبذل جهدا كبيرا لموازنة هذه العناصر، لأنها نابعة مما وهبنا الله إياه، وقيمة تجارب الحياة.

font change

مقالات ذات صلة