جين آن فيلبس الفائزة بجائزة "بوليتزر" لـ"المجلة": يبدو أننا نعيد التاريخ ولا نتعلم منه

قلقة على مستقبل الإنسانية

AFP
AFP
جين آن فيلبس

جين آن فيلبس الفائزة بجائزة "بوليتزر" لـ"المجلة": يبدو أننا نعيد التاريخ ولا نتعلم منه

جين آن فيليبس، روائية وكاتبة قصة قصيرة أميركية. ولدت في 19 يوليو/ تموز 1952 في بوكانون، ويست فرجينيا. حصلت على البكالوريوس عام 1974 من جامعة وست فرجينيا، عملت محاضرة في جامعات عدة، من بينها هارفارد، كلية ويليامز، جامعة برانديز، وجامعة بوسطن، وهي مؤسسة ومديرة برنامج ماجستير الفنون الجميلة في الكتابة الإبداعية بجامعة روتجرز.

تستكشف أعمالها الأدبية تعقيدات العلاقات الإنسانية واللحظات المؤثرة في حياة البشر. حصلت على العديد من الجوائز والزمالات لمساهماتها في الأدب، بما في ذلك زمالة غوغنهايم، وزمالتان من الصندوق الوطني للفنون. كما حصلت أخيرا على جائزة "بوليتزر" للرواية عن روايتها الأحدث، "حراسة ليلية".

  • تناولت موضوع الحرب الأهلية بالولايات المتحدة الأميركية في رواية "حراسة ليلية"، ما الذي ألهمك؟

هذه رواية حرب، ليس لأنها تدور حول الحرب ولكن لأن الشخصيات يجب أن تتعامل مع عالم ينهار من حولها. شهد العقد الماضي في الولايات المتحدة حقبة مشابهة لحقبة الحرب الأهلية: الانقسامات القبلية، وتفشي نظريات المؤامرة، والبحث عن الموارد الشحيحة، والهجرات في مواجهة الصراع، والعائلات التي تفككت أو انفصلت وتكافح من أجل البقاء. يبدو أن البشر يعيدون التاريخ بدلا من التعلم منه. والآن يبدو أننا نعيش في نهاية العالم التي تتكشف ببطء: الانقسامات القبلية، والموارد الشحيحة بالنسبة إلى كثيرين، والهجرات بسبب ظروف الحرب في بعض الدول، والتي قد تتشتت فيها الأسر لفترات طويلة. بالإضافة إلى التغيرات المناخية المستمرة، ولاهوت المؤامرة المتفشي على الإنترنت، والفيروسات المتجدّدة باستمرار. قد يكون من المطمئن الدخول في ماضٍ روائي مضطرب تتكيف فيه الشخصيات المتغيرة، وتنجو، بل ويجد بعضها بعضا مرة أخرى، بغض النظر عن المدة التي يستغرقها ذلك.

يبدو أننا نعيش في نهاية العالم التي تتكشف ببطء

  • ما التحديات التي واجهتك خلال هذه العملية؟

الجزء الأول من الرواية كان في ذهني تماما كما ظهر في الرواية. لم تكن لديّ أي فكرة عن نهاية الرواية، أو ماذا سيحدث لهذه الشخصيات، لكنهم كانوا أحياء تماما على الصفحة، بأصواتهم وزمنهم. كنت في حاجة إلى متابعتهم والحفاظ على كتابة الرواية على مر السنين. تعلمني رواياتي كيف أكتبها، كما تعلم القارئ كيف يقرأها.

  • كيف استطعت خلق حالة الصدق في النص وإشراك القراء في معرفة مصائر الشخصيات؟

لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، إلا القول إنني كاتبة ذات توجهات لغوية، وأدرك تماما القوة الحسية واللاواعية للكلمات. كنت شاعرة قبل أن أبدأ في كتابة الرواية، لذلك أحافظ على إيقاع كل جملة. أخبرني أحدهم ذات مرة أنه عندما يقرأ كتبي، يشعر أنه داخل الكلمات وليس مجرد قارئ لها. هذه هي قوة اللغة. لطالما قلت إن التاريخ يخبرنا بالحقائق، لكن الأدب يخبرنا بالقصة. القصة التي تروي الحقائق هي مفتاح التعاطف. نحن كائنات سردية، ونفكر من خلال السرد. ومن خلال السرد، يمكننا أن نشعر بأنفسنا وكأننا نعيش زمنا آخر.

  • استخدمت السرد في الانتقال بين الفترات الزمنية ووجهات النظر المختلفة في "حراسة ليلية"... حدثينا عن ذلك.

أبدأ الرواية عام 1874، بعد 9 سنوات من الحرب، في الأزمة التي تسبّبت في ذهاب إليزا وكونالي إلى الملجأ، كما رأينا من خلال عيني كونالي. تدور أحداث الجزء الأوسط في عام 1864 نرى كيف تكوّنت الشخصيات، وما الذي جعلها الشخصيات التي نواجهها للمرة الأولى. ثم نمضي قدما. إنها رواية عن الرحلات والفراق الطويل والقوة الهائلة التي يمكن أن يمتلكها البشر عندما ينجون ويعملون على حماية من يحبون، حتى في مواجهة الأحداث المتفجرة والأفراد المتضرّرين للغاية.

الصدمة والتعافي

  • كيف ناقشت الصدمة والتعافي من خلال الرواية؟

نحن لا نتعافى دائما من الصدمة، لكن الأمل هو أن نتعايش معها بطرق نفيد بها أنفسنا والآخرين. الحب، والحاجة إلى حماية الأشخاص الأقرب إلينا، وخاصة خلال مرحلة فوضى ما بعد الحرب، يمكن أن يساعدنا على البقاء والصمود. التعافي في كل جوانبه، قوة. تواجه شخصيات الرواية أحداث مؤلمة، كما هو الحال مع أي إنسان في زمن الحرب، لكنني أريد أن أظهر الحقبة التاريخية وأصواتهم ووجهات نظرهم كأنها تسكن ذهن القارئ وعواطفه. نحن نفكر في المصحّات باعتبارها مكانا مرعبا، لكن المفارقة هي أن ملجأ المجانين كان يوفر مكانا للجوء من العالم الوحشي في ذلك الوقت. ليس من السهل دائما قراءةهذه الرواية، كما ليس من السهل كتابة المواقف المؤلمة، لكنني آمل أن يظلّ القارئ داخل التجربة. إن المشاعر التي نختبرها مع الشخصيات تلعب دورا في انتصار البقاء والدافع لحماية ما نحبه. 

  • لا بد من أنك أجريت عملية بحث مكثفة لتتمكني من وصف التفاصيل التاريخية بشكل دقيق... حدثينا عن ذلك.

عملت على كتابة الرواية لمدة ثماني سنوات، وكان جزء من هذا العمل عبارة عن بحث بحت حول الحرب، وفي أسلوب الكلام والحياة اليومية، في الطب الشعبي، وإعداد الطعام. كتب من الصور الفوتوغرافية، وسلسلة الحرب الأهلية التي صنعها كين بيرنز على قناة  PBS ومذكرات محفوظة من طرفي الصراع.

  • هل تشعرين أن  أسلوبك السردي في الرواية الأخيرة اختلف عن أعمالك السابقة؟

أعتبر كتبي سلسلة متصلة، كل كتاب يمهد الطريق للكتاب التالي. كتبت ثلاثية تتعلق بالحروب الأهلية: في "أحلام الآلة"، هي الحرب بين فيتنام الشمالية والجنوبية، وفي رواية "قبرة ونمل أبيض"، الحرب بين كوريا الشمالية والجنوبية، وفي "حراسة ليلية"، الحرب الأهلية الأميركية، أما رواية "ديل الهادئة" فتدور أحداثها خلال فترة الكساد العظيم في ثلاثينات القرن العشرين، هذه الرواية الأخيرة تتمحور حول قاتل يكتب إلى أكثر من 250 امرأة من خلال "نوادي المراسلة". يتتبع القارئ تطور جريمة قتل متعددة حقيقية حدثت في ديل، وهي قرية صغيرة. إنها رواية عن إيذاء المرأة، وقوة المرأة على إحداث التغيير وتحقيق العدالة. أعتقد أن الموضوع هو الذي يصنع الشكل السردي للنص، أي أن شخصيات الرواية وأصواتها تظهر لتحدد كيفية كتابة الكتاب. يتكيف أسلوب كتابتي مع القصة التي أحاول سردها.

المترجم الممتاز هو الذي يلتقط الفروق الدقيقة في كل صوت ونبرة

  • صدرت روايتك الأحدث "حراسة ليلية"بعد عشر سنوات من نشر "ديل الهادئة". ماذا تفعلين عندما لا تكتبين؟

لا أتوقف عن الكتابة أبدا، لكنني قمت بتدريس الكتابة لما يقرب من أربعين عاما في جامعات مختلفة، وقمت بتصميم وإدارة برنامج الماجستير في الفنون الجميلة لمدة أربعة عشر عاما. وربيت ولدين واهتممت بشؤون الأسرة. كنت مواطنة أدبية تهتم بالكتاب، وما زلت كذلك. كل هذا يستغرق وقتا.

  • هل يمكنك وصف طقوس كتابتك وكيف تحافظين على الزخم في عملية الكتابة؟

تلك هي الصعوبة، إذ تتدخل أشياء أخرى مثل الأسرة، والعمل، والحياة اليومية والعامة، والأخبار نفسها، والقلق المؤلم في شأن ما إذا كان أحفادي سيعيشون حياتهم قبل أن يغير المناخ أو الطوارئ السياسية حياتهم بشكل جذري. باعتباري كاتبة، يجب أن أكون منجذبة تماما لموضوع الرواية، والأصوات والشخصيات، حتى أتمكن من مواصلة كتابتها.

  • تُرجمت رواياتك إلى لغات عدة. ما مدى أهمية الترجمة الأدبية بالنسبة الى الكتاب؟

الترجمة أمر بالغ الأهمية، إنها الفرق بين أن يتم سماعك في عالم واحد، أو في عوالم متعددة. المترجم هو من يستقبل العمل وهو يولد من جديد على يديه، والمترجم الممتاز هو الذي يلتقط الفروق الدقيقة في كل صوت ونبرة. لذلك، فإن دوره لا يقل أهمية عن الكاتب نفسه. تعاونت مع بعض المترجمين الممتازين الذين ترجموا العديد من كتبي إلى لغاتهم، لقد كانت نعمة وامتيازا.

  • من هم كتابك المفضلون؟

لديّ قائمة طويلة، لكنني سأشارك فقط أسماء الكتاب الذين رحلوا ولكن بقيت أعمالهم خالدة. تشيخوف، كاثرين آن بورتر، وليام فوكنر  الذي كانت روايته "الصوت والغضب" رفيقي الدائم أثناء كتابة رواية "قبرة ونمل أبيض"، فلانيري أوكونور، ستيفن كرين، يودورا ويلتي، أوكتافيا بتلر، نادين غورديمير، توني موريسون، وجيمس أجي، الذي علمني أن أكتب للأطفال باعتبارهم الروحيين الخارجين عن القانون ووليام بوروز، لقدرته على تكثيف اللغة، الشعراء إليزابيث بيشوب ودبليو إس ميروين وتي إس إليوت.

  • حصلت "حراسة ليلية" على جائزة "بوليتزر" المرموقة لهذا العام ،هل يمكنك أن تشاركينا مشاعرك؟

بدا الأمر لا يصدق. أعيش في جامايكا بلين في بوسطن، وكنت على وشك الخروج إلى حديقة شرفتي وزرع زهور الفاوانيا الخاصة بي. تصادف أنني قمت بمراجعة بريدي الإلكتروني وقرأت رسالة حول جائزة "بوليتزر" من مساعد المحرر الخاص بي. اعتقدت أنه ربما كان يمزح لكنني لاحظت وجود رسائل أخرى تتبعه. ثم اتصلت بي آن كلوز، محررتي من دار النشر، وكانت متحمسة للغاية. رغم أنها تقاعدت بعد مسيرة مهنية طويلة ولكنها بقيت لمدة عام إضافي لتشرف على نشر  الرواية. فرحنا كثيرا بالخبر. أنا سعيدة للغاية بنجاح الرواية الذي يبدو الآن منفصلا تماما عني، هذه الجائزة ستمنح الرواية مزيدا من القراء.

font change

مقالات ذات صلة