"حرب أهلية" يتنبأ بالأسوأ قبيل انتخابات الرئاسة الأميركية

مشهديات تستحضر الفوضى والخراب في بلاد أخرى

AP
AP
مشهد من "حرب أهلية"

"حرب أهلية" يتنبأ بالأسوأ قبيل انتخابات الرئاسة الأميركية

مع اكتساب حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية زخما متزايدا، يشعر كثير من الأميركيين بالقلق من خطر العنف السياسي. فقد أشار استطلاع للرأي أجرته محطة "إن بي آر-ماريست" في نهاية شهر مارس/آذار إلى أن 20% من المشاركين اتفقوا مع القول بأن على الأميركيين استخدام العنف لوضع البلاد على الطريق الصحيح. وأيّد ذلك 28% من الجمهوريين المشاركين في هذا الاستطلاع.

وفي مارس/آذار، قال دونالد ترمب، مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة لدورة ثانية أمام حشد انتخابي، إن أولئك الذين اقتحموا مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021 بغية منع التصديق على فوز جوزيف بايدن في الانتخابات هم أشخاص وطنيون، محذرا من أن "دما سيسفك" إذا لم يفز في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2024. وفي مقابلة أجريت معه أخيرا، قال ترمب إنه لا يعرف هل سينشب صراع خطير أم لا، لكنه أوضح أن "هناك الكثير من الكراهية والعاطفة، وهذا مزيج سيء".

على الرغم من أن تصريحات ترمب أثارت جدالا، فإن 41% من الأميركيين يعتقدون أن البلاد في حاجة إلى زعيم يخرق القوانين كي يضع البلاد على مسار جيد، بما في ذلك 56% من الجمهوريين ممن شملهم الاستطلاع الذي أجرته محطة "إن بي آر-ماريست". في الوقت نفسه، أشار استطلاع للرأي أجرته وكالة "أسوشييتد برس" في نهاية شهر مارس/آذار إلى أن 30% فقط من الأميركيين يعتقدون أن الديمقراطية الأميركية تعمل بشكل جيد.

الفيلم الأكثر شعبية

إن المخاوف من العنف السياسي والاستقطاب وعدم الاستقرار، بل وحتى من الحرب الأهلية، منتشرة على نطاق واسع وتكاد تشف من وراء الكثير من السياسات الأميركية الحالية. وقد ساهمت هذه المخاوف في إقبال ملايين الأميركيين ابتداء من أبريل/نيسان الماضي على مشاهدة فيلم "حرب أهلية" الذي يتخيّل حربا من هذا القبيل ستقع في السنوات المقبلة. وقد تخطت مبيعات تذاكر الفيلم في دور السينما خلال الأسابيع الأولى من عرضه، مبيعات تذاكر فيلم عن فريق من الكوماندوس في الحرب العالمية الثانية، وفيلم عن مصاص دماء مراهق. ومن المثير للاهتمام أن الشركة المنتجة للفيلم أجرت استطلاعا لآراء الأشخاص الذين خرجوا من دور السينما بعد مشاهدتهم الفيلم، ووجدت أن المشاهدين منقسمون بالتساوي بين الليبيراليين والمحافظين. وحظي الفيلم بحضور قوي في مدن معروفة بليبراليتها القوية مثل لوس أنجليس وسان فرانسيسكو ونيويورك وشيكاغو، والأمر كذلك أيضا في المدن المعروفة بأنها محافظة بشدة مثل دالاس وأوكلاهوما سيتي وكانساس سيتي. أراد ملايين الأميركيين أن يروا اليوم كيف يمكن أن تبدو الحرب الأهلية في بلدهم.

ساهمت هذه المخاوف في إقبال ملايين الأميركيين على مشاهدة الفيلم الذي يتخيّل حربا من هذا القبيل ستقع في السنوات المقبلة

يلبي الفيلم هذا الفضول من خلال تصوير مشاهد مثل طريق بنسلفانيا السريع المليء بالعشرات من السيارات المحطمة بعد غارة جوية حكومية، إلى جانب صور لاحقة للمدن المهجورة والطرق المتضررة مع جثث الأفراد الذين أعدموا معلقة على الجسور والأشجار. وفي وقت لاحق، وفي مركز قصة الفيلم، تصل مجموعة الصحافيين المسافرين إلى موقف السيارات الخاص بمركز التسوق، بعد انتهاء معركة دارت في المكان، فيظهر حطام متجر "جي سي بني" المدمر وحطام سيارات "همفي" والدبابات والمروحيات المدمرة. ثم بعد ذلك يقضي الصحافيون ليلة في مخيم آمن نسبيا للاجئين أقيم على أرض ملعب بمدينة صغيرة أخرى، لا بل ضم المشهد أيضا منظمة إغاثة دولية تدير المخيم وتخصص للاجئين الأميركيين مواقعهم فيه.

فيلم سياسي بلا سياسة

أثار الفيلم الجدال والنقاش كما كان يأمل مخرجه أليكس غاردنر وطاقمه من الممثلين. جاء واحد من الانتقادات من الكتّاب في الصحف الليبيرالية على الأخص، بأن الفيلم لا يبين كيف سقطت أميركا في أتون هذه الحرب الأهلية.

AFP
أليكس جارلاند، نيك أوفرمان، كايلي سبايني، فاغنر مورا، كيرستن دونست، جيسي بليمونز، وجوجو تي جيبس ​​يحضرون العرض الأول لفيلم "حرب أهلية" في لوس أنجليس، كاليفورنيا

تقال في بداية الفيلم بعض الجمل عن رئيس بقي في البيت الأبيض لولاية ثالثة (وهذا غير قانوني حسب الدستور الأميركي) وحلّ مكتبَ التحقيقات الفيديرالي (من المثير للاهتمام حقا أن نتذكر أن بعض أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس اقترحوا حل مكتب التحقيقات الفيديرالي). يلقي هذا الرئيس في مطلع الفيلم خطابا يستخدم فيه لغة منمقة طنانة، تشبه لغة ترمب، وهو يتحدث عن "أعظم نصر عسكري في تاريخ البشرية." ومع ذلك، يتجنب الفيلم بعناية أن يأتي على ذكر الأحزاب السياسية أو الكونغرس أو المحاكم. وقد كتبت ناقدة الشؤون الثقافية في "لوس أنجليس تايمز" ماري ماكنمارا في 22 أبريل/نيسان أن عدم توضيح الفيلم من هي القوى السياسية التي تسببت في الحرب الأهلية يجعل كلا الحزبين السياسيين الرئيسين يبدوان مسؤولين عن الحرب الأهلية، وهو حكم متهور إذا وضعنا في الحسبان تصرفات الحزب الجمهوري ودونالد ترمب. كما أن فرضية الفيلم القائمة على اتحاد تكساس وكاليفورنيا معا لمحاربة الرئيس والاستيلاء على العاصمة، هي على الأخص أمر يصعب تصوره تقريبا، نظرا إلى الخلافات السياسية الحادة بين الولايتين حاليا. وتتساءل ماكنمارا ما الذي يمكن أن يدفع هاتين الولايتين إلى التعاون سوى غزو من كوكب آخر.

دافع كتاب آخرون بالقول إن الفيلم تجنب النقاش السياسي العميق كي يتسنى له التركيز على حالة الفوضى، وعلى العنف الذي لا يمكن التنبؤ به ولا ضبطه. ويظهر في وقت مبكر من الفيلم حشد من الناس في أحد أحياء نيويورك المتضررة وهم يحيطون بصهريج يوزع ماء الشرب، عندما تنفجر قنبلة زرعها ارهابيون، فتقتل العشرات من الناس دون أي سبب سياسي واضح. وفي مشهد آخر، يسأل الصحافيون المسافرون الذين يؤدون دورا مركزيا في القصة، رجلين مسلحين يطلقان النار على منزل، من هو قائدهما. يجيب أحدهما، وهو شاب ذو شعر أزرق لامع ولا يبدو عضوا شابا في الحزب الجمهوري، أن لا أحد يعطيهما الأوامر. وهما يطلقان النار لأن في المنزل ثمة من يحاول قتلهما، وهما بدورهما يحاولان قتل القناصين في المنزل. السياسة ليست هي القضية.

 الميليشيات تسيطر على المدن

يتضاءل اليوم قلق المحللين الأميركيين المختصين في مكافحة الإرهاب والميليشيات المحلية من خطر تفكك الجيش الأميركي السابق على بدء حرب أهلية. بينما أكثر ما يثير قلقهم هو احتمال وقوع أعمال عنف سياسي تطلقها مجموعات صغيرة من المسلحين والأفراد المتطرفين. هذا القلق هو ما يستكشفه الفيلم بمزيد من التفصيل.

REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب

في العراق في سبتمبر/أيلول 2003، وفيما السلطة الأميركية تتضاءل هناك، اعتقلتني مجموعة من المراهقين من "فيلق بدر" واحتجزتني تحت تهديد السلاح مدة ثلاث ساعات. لهذا فأنا أكثر حساسية من كثير من الناس من خطر سيطرة الميليشيات على حي أو مدينة. والفيلم في أشد أجزائه رعبا، يسلط الضوء على المسلحين المحليين الذين يسيطرون على الأحياء والبلدات ويريدون هذه السيطرة لتعزيز سلطتهم. في أحد المشاهد، يتوقف الصحافيون عند محطة وقود في بلدة مهجورة، ليجدوا فيها شابين مسلحين يعذبان رجلين معلقين بالسلاسل في مغسل السيارات. وما من قوات للشرطة أو الأمن حتى توقفهما. ولا يوضحان سبب تعذيبهما لهذين السجينين، فيسارع الصحافيون إلى الهرب بعد شرائهما الوقود بثمن باهظ (فالمسلحان لا يقبلان سوى الدولار الكندي).

يشعر المخرج أليكس غاردنر بالقلق من أن الناس يتعاملون باسترخاء شديد مع خطر نشوب حرب أهلية في أميركا

وفي أقوى مشاهد الفيلم، يملأ مسلحان مقبرة جماعية بالجثث ويتأهبان لقتل اثنين من الصحافيين، حينما يصل الاثنان الآخران فيحاولان إقناع المسلحين بألا يقتلا زميليهما. أحد المسلحين يضع على عينيه نظارة شمسية حمراء ويشبه إلتون جون في شبابه، يسأل الصحافيين: "أي نوع من الأميركيين أنتم؟". ذكّرني السؤال على الفور بنقاط التفتيش في الحرب الأهلية الجزائرية في تسعينات القرن الماضي، وفي بغداد أثناء الحرب الأهلية هناك، وفي سوريا بعدما أصبحت الثورة عنيفة في كل مكان. من هم هؤلاء المسلحون ومن يقاتلون؟ وكما يتذكر مواطنو تلك البلدان أنفسهم، فهذا السؤال مرعب لأن الإجابة الصحيحة والآمنة عنه ليست بالواضحة دوما وعلى الفور. كما أن هذا السؤال يربك المواطن الأميركي العادي ويخيفه في الوقت نفسه، فلا أحد يسألنا أي نوع من الأميركيين نحن. وفي تلك الحروب الأهلية، وفي هذا الفيلم أيضا، الجواب أحيانا لا يهم: المسلحون يمارسون ببساطة القتل على الهوية وعلى مظهر الشخص.

ينتهي الفيلم بمشاهد درامية للمتمردين الذين يستولون على واشنطن العاصمة، حيث تخوض الدبابات والجنود والمروحيات معارك ضارية في شوارع مهجورة. تشهد الذروة قيام المتمردين باقتحام البيت الأبيض وتنفيذ عملية قتل الرئيس خارج نطاق القضاء. على عكس الأفلام الأميركية النموذجية، ينتهي هذا الفيلم دون نهاية سعيدة واضحة. وعلى الرغم من أنه يسلط الضوء على أهمية الصحافيين، فإنه يفتقر إلى الأبطال الواضحين، وتظل النيات السياسية للمتمردين المنتصرين غامضة، مما يجعل المشاهدين في حالة من عدم اليقين في شأن مستقبل أميركا في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. يؤكد صانعو الفيلم أن هدفهم ليس التنبؤ بالأحداث السياسية المستقبلية، بل تسليط الضوء على أخطار الاستقطاب السياسي الحالي في الولايات المتحدة.

AP
مشهد من "حرب أهلية"

يدور بين المحللين الأميركيين جدال متواصل حول مدى اقتراب البلاد من حرب أهلية كالتي شاهدناها في الفيلم. ويرى كثير منهم أن نشوب حرب بهذين الاتساع والحجم أمر غير وارد. إلا أن المحللة السياسية باربرا والترز، مستشارة وكالة المخابرات المركزية الأميركية في قضايا المجتمعات غير المستقرة في الخارج، ومؤلفة كتاب صدر عام 2022 عن الخطر المتزايد للحرب الأهلية في الولايات المتحدة، ليست متأكدة تماما من هذا الأمر. إذ أكدت أن من قابلتهم في تلك البلدان التي اندلعت فيها حروب أهلية، أخبروها أنهم ما كانوا يتوقعون أن الحرب مقبلة. كما يشعر المخرج السينمائي أليكس غاردنر بالقلق من أن الناس يتعاملون باسترخاء شديد مع خطر نشوب حرب أهلية في الولايات المتحدة. وقال لوكالة "أسوشييتد برس" في مارس/آذار: "عندما تنهار الأشياء، فإن سرعة انهيارها تفاجئ الناس، بمن فيهم حتى ضباط في المخابرات... الأمور دائما في وضع خطر أكثر قليلا مما قد تبدو عليه". وللتذكير، فإن الانتخابات الرئاسية هي على مسافة ستة أشهر فقط.

font change

مقالات ذات صلة