أنقرة تنهب المحاصيل الزراعية السورية وتستولي على اقتصاد الشمال

سطو اقتصادي تمارسه تركيا في مناطق سيطرتها

زراعة البطاطا بالقرب من بلدة بنش في محافظة إدلب شمال غربي سوريا (غيتي)

أنقرة تنهب المحاصيل الزراعية السورية وتستولي على اقتصاد الشمال

* حجم الصادرات السورية إلى تركيا خلال 2019 تجاوز 117 مليون دولارٍ أميركي وهو رقم صغير مقارنة بالأعوام السابقة

* الصادرات السورية إلى تركيا لا يمكن تعريفها كاستيراد من قبل أنقرة وإنما هي نوع من الاستيلاء، خاصة أنها لا تكشف أي بياناتٍ رسمية حيال ذلك

* أنقرة تستفيد وحدها اقتصادياً من المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها

* المرصد السوري لحقوق الإنسان: أنقرة تعمل على نهب المحاصيل الزراعية في المناطق التي سيطرت عليها

 

أنقرة: مع تفاقم الأزمة الاقتصادية الراهنة في تركيا، يبدو أن المناطق السورية الخاضعة لسيطرة أنقرة والواقعة شمال شرقي البلاد وغربها، تساهم إلى حدٍ كبير في تخطي العجز المالي الذي تعاني منه تركيا، خاصة أن تلك المناطق قد تحوّلت إلى سوقٍ جديدة لمنتجاتها، وكذلك تستورد منها بعض الصادرات كالحبوب والمواد الزراعية والغذائية.

وقد بلغ حجم الصادرات السورية إلى تركيا خلال عام 2019 أكثر من 117 مليون دولارٍ أميركي، وفقاً للأرقام الواردة في بيانات مراكز التجارة الدولية التي لم تصدر بعد تقريرها السنوي لعام 2020 الماضي، وهو رقم صغير مقارنة بالأعوام السابقة، لذلك يشكك فيه بعض الخبراء الاقتصاديين لا سيما وأن أنقرة لا تصدر بياناتٍ حول الصادرات السورية إلى أراضيها.

وقال جلنك عمر الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري إن «الصادرات السورية إلى تركيا لا يمكن تعريفها كاستيراد من قبل أنقرة وإنما هي نوع من الاستيلاء، خاصة أنها لا تكشف عن أي بياناتٍ رسمية حيال ذلك»، لافتاً إلى أن «قيمة صادرات زيت الزيتون من عفرين وحدها إلى الداخل التركي بلغت 100 مليون دولار في عام 2019، فكيف يكون إجمالي الاستيراد السوري إلى تركيا 117 مليوناً فقط في العام نفسه؟».

وأضاف لـ«المجلة»أن «المواد السورية التي تُصدّر إلى تركيا لا يمكن وضعها في خانة الصادرات، ذلك أنه يتم الاستيلاء عليها وشراؤها بأسعارٍ منخفضة، هذا ناهيك عن أن أنقرة تلحق الاقتصاد السوري في المناطق التي سيطرت عليها في السنوات الأخيرة، باقتصادها المحلي، إذ لا تخضع تلك المنتجات عند نقلها من الأراضي السورية إلى التركية لأي رسومٍ جمركية، ويتمّ ذلك بشكل مباشر عبر تجّارٍ أتراك، ولذلك هي لا تندرج ضمن الاستيراد من الجانب السوري».

قطاف الزيتون في حقل بمنطقة البادنلي، شمال محافظة حلب، بالقرب من الحدود مع تركيا (غيتي)

وكشف عمر أن «وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية لا تبيّن حجم التبادل التجاري بين دمشق وأنقرة في بياناتها»، معتبراً أن «أنقرة تربط رسمياً بين اقتصادها المحلي واقتصاد المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها مثل إدلب والباب وجرابلس وعفرين ورأس العين (سري كانييه) وتل أبيض».

وتابع الخبير الاقتصادي أن «هذه المناطق السورية المحتلة باتت ملحقة اقتصادياً بتركيا بشكل كامل، ويظهر هذا الأمر بشكل واضح من خلال تداول الليرة التركية فيها حصراً، إضافة إلى أن كل القرارات الاقتصادية والخدماتية تتخذها أنقرة عبر ولاياتها التي ألحقت بها المدن السورية الخاضعة لسيطرتها، وعلى سبيل المثال تتبع مدينتا رأس العين وتل أبيض السوريتان لولاية شانلي أورفا التركية، بينما تتبع عفرين لهاتاي، وأعزاز لولاية كلّس، وهو أمر لا تخفيه أنقرة، إلى جانب أن مختلف المشاريع الخدمية في هذه المناطق استحوذت عليها شركات تركية».

ويبدو أن تركيا وجدت في المناطق السورية الخاضعة لنفوذها منفذاً جديداً لمنتجاتها، فقد بلغ حجم الصادرات التركية إليها في العام 2019، نحو 1.8 مليار دولارٍ أميركي، رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وأنقرة، فيما بلغ حجم صادراتها بين يناير (كانون الثاني) 2020 وأكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه نحو 670 مليونا و895 ألف دولار.

وقال عمر في هذا الصدد إن «الأرقام التي توفرها مراكز التجارة الدولية تؤكد أن حجم الصادرات التركية إلى سوريا قد بلغ في عام 2019 نحو 1.8 مليار دولار تقريباً، وبالتالي فإن المنتجات التركية تدخل أسواق الشمال السوري عبر 7 معابرٍ حدودية ومنها إلى المناطق الأخرى في البلاد، وهي في مجملها مواد غذائية وقطع غيار سيارات ومواد بناء».

وأضاف أن «أنقرة تستفيد وحدها اقتصادياً من المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها، فتداول العملة التركية فيها يصب لصالح سعر صرف الليرة، كما أن معظم تلك المناطق مناطق زراعية، ولذلك تدخل منتجاتها بأسعارٍ زهيدة إلى الأسواق التركية وهي مواد أولية تستفيد منها أنقرة، بالإضافة إلى أنها تحوّلت في الوقت عينه لسوقٍ لتصريف البضائع التركية، وساحةٍ جديدة للشركات التركية في ظل غيابٍ تام لرجال الأعمال السوريين وشركاتهم».

ومن جهته، قال موسى أوزغورلو المحلل السياسي التركي المختص بالعلاقات الدولية إن «فرض استخدام الليرة التركية في المناطق السورية التي سيطرت عليها أنقرة، وتحويلها إلى سوقٍ للمواد التركية، يخفي خلفه أهدافا سياسية على المدى البعيد».

وأضاف أوزغورلو لـ«المجلة»أن «الاقتصاد التركي في تلك المناطق بمثابة خطوة لتأسيس شبه دولة لتتحكم فيها أنقرة هناك في المستقبل، وباعتقادي أن المشروع التركي في تلك المنطقة يتجاوز الجانب الاقتصادي، حيث إن لديها شرطة ومدارس وجامعات ومؤسسات خدمية، وكأنها تريد أن تقنع سكانها بكلّ ما هو تركي».

وشدد على أن «المشروع التركي كبير، لكن الجانب الاقتصادي يساعدها في النمو أكثر في تلك المنطقة، إذ إن تدهور الليرة السورية وكذلك تراجع الليرة التركية، يشكلان سبباً لسهولة دخول الشركات التركية إليها خاصة وأن ذلك لا يتطلب الكثير من الأموال مقارنة بالأسواق الأخرى».

ومع أن الحرب السورية ساهمت في إبطاء الحركة الاقتصادية مع الخارج، فإن الاقتصاد التركي يبرز بقوة في الأسواق السورية، وبلغ حجم الصادرات التركية إلى سوريا 1.8 مليار دولار عام 2019، وهو ما يعادل حجم الصادرات التركية إلى الأردن ولبنان مجتمعين. لكن أنقرة لا تكشف عن حجم الصادرات السورية إلى أراضيها رغم أنها تستورد منها القمح وزيت الزيتون.

 

تاجر سوري ينقل بضائع تركية في منطقة عفرين الخاضعة للسيطرة التركية، في محافظة حلب (غيتي)

والشهر الماضي، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن أنقرة تعمل على نهب المحاصيل الزراعية في المناطق التي سيطرت عليها. وقال المرصد في تقرير له إن «المجموعات المسلّحة الموالية لتركيا نقلت 20 ألف طن من القمح إلى ولاية شانلي أورفا من مدينة تل أبيض»، بعدما استولت في وقتٍ سابق على كمياتٍ كبيرة منه.

وبحسب المرصد السوري فإن شركة «Öz-Duy»هي التي قامت بنقل القمح إلى داخل الأراضي التركية، حيث تم تخزينها لدى هيئة الحبوب التركية (TMO).

وخلال السنوات الخمس الماضية، سيطرت أنقرة على أجزاء جغرافية كبيرة من سوريا بعد 3 عملياتٍ عسكرية شنّها الجيش التركي، واستهدف في اثنتين منها مناطق كانت تخضع لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم «داعش».

ومع سيطرة تركيا على شريطٍ جغرافي يمتد من إدلب إلى جرابلس، بالإضافة لمدينتي رأس العين وتل أبيض، بدت تلك المناطق كما لو أنها تتبع لأنقرة رسمياً، حيث تستخدم فيها العملة التركية، ويُرفع فيها العلم التركي، إلى جانب استخدام اللغة التركية في مدارسها وجامعاتها. علاوة على افتتاح مؤسسات تركية حكومية فيها كمؤسسة البريد.

ومطلع شهر فبراير (شباط) الحالي، وصفت منظمة «هيومان رايتس ووتش»الدولية، الوجود التركي في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة أنقرة على أنه «احتلال»، وهي المرة الأولى التي تقدم فيها مؤسسة دولية على استخدام هذا الوصف.

font change