مكافحة الفساد في التعليم ..استثمار لمستقبل الدول

مكافحة الفساد في التعليم ..استثمار لمستقبل الدول

[caption id="attachment_55248911" align="aligncenter" width="626"]عدة آلاف من المتظاهرين الشباب احتشدوا في مظاهرات سلمية خارج جامعة ولاية سيارا في فورتاليزا- رابع اهم عاصمة في البرازيل احتجاجا على الفساد ونقص الاستثمار في التعليم والصحة عدة آلاف من المتظاهرين الشباب احتشدوا في مظاهرات سلمية خارج جامعة ولاية سيارا في فورتاليزا- رابع اهم عاصمة في البرازيل احتجاجا على الفساد ونقص الاستثمار في التعليم والصحة[/caption]

من الضروري أن يحدث تطور، حيث إن هذا النهج الجديد وهذا الأسلوب الجديد في التعليم سوف يشجع الجيل الأصغر على الأخذ بزمام المبادرة وتحمل مزيد من المسؤولية.. يمكننا فقط من خلال تحمل مسؤولية أفعالنا أن نحقق تغييرا بالفعل. من خلال خبرتي لمدة أكثر من 15 عاما من العمل في مجال الحكم الرشيد، أحيانا ما كنت أواجه مواقف يقال فيها: «حسنا، لدينا فساد ولكن ليس هنا». دائما ما كان الفساد في مكان آخر؛ في وزارة أخرى، أو إدارة أخرى أو منطقة أخرى من البلاد أو حتى في دولة مجاورة. كان هناك قلة من الأشخاص المستعدين لتحمل المسؤولية، ودون هذه المسؤولية لا توجد مساءلة.

إن تعليم النزاهة في سن مبكرة هو استثمار لمستقبل البلاد، تماما مثل الأهمية التي تشكلها بنيتها التحتية المادية. ربما لا يحمل الأطفال الذين يواجهون فسادا وإهمالا لحقوق الإنسان في مرحلة مبكرة من طفولتهم، وفي المدرسة شعورا بالنزاهة والاحترام لحقوق الإنسان. وقد يعتادون على الفساد وإهمال حقوق الإنسان ويعتبرون ممارسات الفساد جزءا طبيعيا من التعاملات الاجتماعية.
يتعلق مجال التعليم بمشروعات كبرى. في كثير من دول العالم، يشكل التعليم أكبر عنصر في القطاع العام، وفي بعض الحالات يصل حجمه إلى خمس إجمالي الإنفاق العام في القطاع الحكومي. وتخصص مبالغ كبيرة عبر تسلسل إداري معقد، غير خاضعة لإشراف ملائم من الحكومة المركزية في الأعلى، وحتى تصل إلى المدارس في نهاية المطاف.


الفساد في المدارس




توجد نماذج كثيرة على وجود فساد في التعليم في جميع أنحاء العالم. في نيجيريا، على سبيل المثال، سمحت الإجراءات الإدارية المعقدة غير النزيهة بخسارة نحو 21 مليون دولار أميركي على مدار عامين، بينما ضاع ضعف هذا المبلغ في كينيا على مدار خمسة أعوام. وتتدفق مساعدات أجنبية مخصصة من أجل التعليم الأساسي بقيمة نحو 5.8 مليار دولار أميركي سنويا إلى الدول التي تعاني من سوء الإمكانيات من أجل إدارة هذه الأموال وضمان وصولها إلى أكثر مستحقيها احتياجا.


[inset_left]
يحتاج المواطنون إلى المطالبة بحقهم في تعليم خال من الفساد[/inset_left]


قد يتضمن الفساد في المدارس عمليات تحصيل فاسدة في أعمال الإنشاء، ووجود «مدارس أشباح» و«معلمين خياليين»، ورشى من أجل الالتحاق بالتعليم، ومحسوبية في تعيين المعلمين، ودروس خصوصية بدلا من التعليم النظامي، واستغلال جنسي في الفصول الدراسية، وتلك أمثلة على بعض مما يحدث.
في باكستان مثلا تثير ظاهرة «المدارس الأشباح» المشكلات على وجه الخصوص. المقصود منها أن توجد «مدرسة» على الأوراق الحكومية، ولكنها لا تقدم أي خدمات إلى الطلاب، على الرغم من أن المعلمين أو الإداريين المكلفين بالعمل بها مستمرون في الحصول على رواتبهم. وفي عام 2009، أصدر جهاز حكومي في باكستان تقديرات بوجود 6000 «مدرسة أشباح» في إقليم السند فقط. في بعض الحالات، يكون هناك خطأ متعمد خلف وجود عدد كبير من هذه المدارس؛ ولكن في حالات أخرى يقع الخطأ بسبب سوء الإدارة، مثلا عندما يؤدي عدم وجود دراسة ميدانية مناسبة إلى إقامة مدارس لا يمكن أن تصل إليها المجتمعات المجاورة نتيجة انعدام الأمن أو سوء البنية التحتية للطرق أو عدم وجود وسائل مواصلات عامة.

في العالم العربي، تنتشر على نطاق واسع مشكلة الدروس الخصوصية التي يتلقاها طلاب المدارس بديلا للتعليم الأصلي في الفصول المدرسية. يمكن أن يتخذ ذلك صورا كثيرة، فقد يمتنع المعلمون عن تدريس المناهج كاملة في الصف الدراسي، بينما يقدمون دروسا محددة للطلاب الذين يدفعون لهم مقابل الحصول على دروس خصوصية خارج الصف. ويحصل بعض المعلمين على مزيد من المال من طلابهم من أجل إرشادهم إلى الموضوعات التي سوف تتناولها الاختبارات، وبذلك يضمنون أن هؤلاء الطلاب الذين يدفعون المال سيحصلون على ميزة غير عادلة عندما يخضعون للامتحان.


الجامعات العربية




في الجامعات العربية، يظهر الفساد أيضا. يتنوع ذلك ما بين استخدام الطلاب للواسطة أو المحسوبية من أجل الحصول على أماكن مرموقة في الجامعات وحتى ممارسة الضغوط على الأساتذة لإنجاح الطلاب ذوي الأداء السيئ لمجرد أنهم ينحدرون من عائلات رفيعة المستوى.

أدت التطورات الأخيرة، مثل زيادة أعداد طلاب التعليم العالي حول العالم من 32 مليون طالب في عام 1970 إلى 159 مليون طالب في عام 2008، إلى ظهور تحديات ومخاطر جديدة. ولم تستطع الموارد العامة مواكبة سرعة هذا التغيير، ومارست المنافسة المتزايدة من أجل الحصول على أماكن في الجامعات ضغوطا على المؤسسات والعاملين بها، مما يؤثر حتما على الإشراف والمراقبة.

ما الذي يمكن فعله من أجل معالجة هذه التحديات؟
توجد إمكانيات هائلة لمكافحة الفساد في التعليم.. في التعليم ذاته؛ أي تدريس رؤية معادية للفساد في الفصول الدراسية وقاعات المحاضرات. تبلغ أعمار نحو خمس سكان العالم من 15 إلى 24 عاما، ويملك الشباب إمكانية إيقاف الفساد بصفتهم مواطني اليوم والأهم أنهم قادة المستقبل.
من الضروري تحديد الفساد في قطاع التعليم والتخلص منه لضمان عدم تقويض فرص التعلم. ومن جانبهم، يطلق النشطاء مجموعة متنوعة من المبادرات التي تكافح الفساد في المدارس والجامعات. في فيجي، قدمت منظمات المجتمع المدني مساعدات قانونية للشهود على الفساد في التعليم العالي؛ وفي رواندا، خصص بند إنفاق حكومي للرقابة على المدارس، وفي البوسنة والهرسك، وضعت خطط لتحقيق النزاهة في الجامعات.


[inset_right]في كثير من دول العالم، يشكل التعليم أكبر عنصر في القطاع العام، ويصل حجمه إلى خمس إجمالي الإنفاق العام في القطاع الحكومي[/inset_right]


وكما هو الحال في أي قطاع، تقل احتمالات وجود فساد في التعليم في المجتمعات التي يسود فيها الالتزام بسلطة القانون، حيث تطبق آليات مساءلة قوية وتوجد وسائل إعلام مستقلة ومجتمع مدني نشط.
أحد العوامل الرئيسة في هذه المعادلة هو الحاجة إلى استيعاب التعليم بصورة أفضل كأداة ضرورية في حد ذاتها من أجل مكافحة الفساد. يجب أن يكون الدور والقيمة الاجتماعية اللذان تقدمهما المدرسة والمعلم في مقدمة سياسة التعليم وجهود مكافحة الفساد. أحيانا ما يكون المعلمون الأهداف الأولى لادعاءات الفساد، ولكن ذلك هو سبب الفساد على المستوى الأعلى. من بين العناصر التي يمكن أن تساعد على تحقيق مزيد من النزاهة في التعليم إرادة القيادات والساسة، ووضع أطر كبرى للشفافية، والسماح بالاطلاع على قوانين المعلومات التي تغطي بيانات التعليم العامة، وإقامة نظم المساءلة في المؤسسات العامة، وتطبيق قواعد السلوك في المدارس والجامعات.

يلزم أيضا الاهتمام بالتنفيذ، مثل تعزيز سلطات اللجان البرلمانية لاتخاذ إجراءات وقائية، وإصدار تشريع لحماية من يبلغ عن الفساد. كما يحتاج المواطنون إلى المطالبة بحقهم في تعليم خال من الفساد. لا يوجد حل واحد فقط لعلاج التحدي الهائل الذي يشكله الفساد في قطاع التعليم. يجب وضع استراتيجيات مكافحة الفساد وفقا للسياق الوطني، وينبغي أن يعمل جميع الأطراف المعنيين معا من أجل إحداث تغيير حقيقي ومستدام على المدى البعيد.

font change