«مسد» لـ«المجلة»: نسعى لأفضل العلاقات مع الإقليم رغم الخلافات

إقليم كردستان العراق يحتجز ممثّل «الإدارة الذاتية» في أربيل

جهاد حسن، ممثّل «الإدارة الذاتية» لشمال سوريا وشرقها

«مسد» لـ«المجلة»: نسعى لأفضل العلاقات مع الإقليم رغم الخلافات

القامشلي: تحتجز السلطات الأمنية في إقليم كردستان العراق، جهاد حسن، ممثّل «الإدارة الذاتية» لشمال سوريا وشرقها في أربيل عاصمة الإقليم، منذ العاشر من يونيو (حزيران) الجاري، رفقة شخصين آخرين أحدهما مصطفى خليل، والآخر مصطفى عزيز، وكلاهما عضوان في لجنة علاقات ممثّلية حزب الاتحاد الديمقراطي، السوري الذي يعد واحداً من أبرز مؤسسي «الإدارة الذاتية» التي تشمل مناطقها كامل محافظتي الحسكة والرقة، إضافة لأجزاء من محافظتي حلب ودير الزور.

وأكدت نورشان حسين، ممثّلة «الإدارة الذاتية» في إقليم كردستان، احتجاز زميلها داخل مطار أربيل الدولي يوم العاشر من الشهر الجاري بين الساعة الثالثة والخامسة فجراً حينما كان متواجداً هناك لاستقبال وفدٍ أجنبي يضم برلمانيين أوربيين كان قد وصل مطار العاصمة للتضامن مع الإقليم ضد الهجمات العسكرية التركية الأخيرة التي تقول أنقرة إنها «تستهدف من خلالها مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وكذلك للتضامن مع روجآفا (الاسم الكردي لمناطق الإدارة الذاتية) ضد الاحتلال التركي أيضاً».

وقالت حسين لـ«المجلة» إن «زميلي جهاد حسن (35 عاماً) كان في مهمة اعتيادية لاستقبال وفد أجنبي كان قد طلب منه القدوم إلى المطار، وكان معه شخصان آخران من أعضاء لجنة علاقات ممثّلية حزب الاتحاد الديمقراطي في الإقليم، لكن السلطات الأمنية داخل المطار احتجزتهم جميعاً».

وأضافت أن «الوفد الذي كان من المفترض أن يستقبله زملائي كانوا أكاديميين وحقوقيين وكان بينهم أيضاً شخصيات من جبهة (السلام والحرية) وهم جاءوا إلى الإقليم للتضامن معه ضد الاحتلال التركي»، موضّحة أن «زملائي احتجزوا في البداية لدى أمن المطار، لكن لاحقاً تأكدنا أنهم لدى قوات حزب الديمقراطي الكردستاني وقد أكدت قوات الأسايش (الأمن العام بالكردية) في الإقليم هذا الأمر وكذلك الحزب نفسه».
والديمقراطي الكردستاني هو حزب رئيسي في إقليم كردستان ويسيطر على نحو نصف مدن الإقليم بينها العاصمة التي تعرف في اللغة الكردية بـ«هولير»، إضافة لمحافظة دهوك وبلدة زاخو الحدودية مع تركيا، إضافة لبلدات تقع على الحدود مع سوريا. بينما يسيطر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على نصف المدن الأخرى وبينها السليمانية أكبرها، إلى جانب حلبجة وكويا وبلدات أخرى تقع معظمها على الحدود مع إيران، وهو الحزب الذي تزعّمه الرئيس العراقي الأسبق والراحل جلال طالباني حتى وفاته.

ومنذ تأسيس «الإدارة الذاتية» لشمال سوريا وشرقها قبل سنوات، توترت العلاقات مراراً بينها وبين الحزب الحاكم في أربيل، لكن علاقة الأولى كانت مستقرة على الدوام مع السليمانية والحزب الحاكم فيها، حيث افتتحت «الإدارة» أول ممثّلية لها في الخارج في المدينة الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، في 15 أغسطس (آب) 2015. في حين أن جهاد حسن تم تعيينه قبل نحو شهر من قِبل دائرة العلاقات الخارجية لدى «الإدارة الذاتية» كممثّل للأخيرة في أربيل فقط.

* يشنُّ الجيش التركي منذ أيام هجوماً برّياً وجوياً واسعاً على مواقع لحزب العمال الكردستاني
 

وتتعدد أسباب التوترات بين «الإدارة الذاتية» وأربيل، لكن أبرزها متعلقة بدعم الأخيرة لأحزاب وتيارات كردية سورية تعارض مشروع «الإدارة» وتنشط ضمن «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» المدعوم من تركيا والذي يؤيد الهجمات العسكرية للجيش التركي على المناطق السورية التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي تعد بمثابة «جيش» الإدارة وتعرف اختصاراً بـ«قسد».

ولم تعلن أربيل حتى الآن عن أسباب احتجاز جهاد حسن وزميليه، لكن ممثّلة «الإدارة الذاتية» في الإقليم قالت إن «أسباب احتجاز زملائنا مرتبطة بسياسات حزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقف ضد الإدارة الذاتية منذ بدايتها وأن احتجازهم رسالة تفيد بعدم رغبته في العمل ممثّلا للإدارة بشكلٍ مباشر في أربيل، حتى إن الأخيرة لا تعترف بهذه الإدارة، ولا تكتفي بذلك وإنما تتعاون مع تركيا بدلاً من دعم هذه التجربة».

وأضافت أن «سلطات أربيل لم تكشف عن أسباب احتجاز زملائنا ولذلك لم نتمكن من توكيل محامين لهم حتى الآن، لكننا ندعو كل الأحزاب الكردستانية للمطالبة بإطلاق سراحهم».

ولم يتسنّ لـ«المجلة»، التواصل مع مسؤولين أمنيين في إقليم كردستان لمعرفة الأسباب التي دعتها لاحتجاز حسن واثنين من زملائه في مطار العاصمة الدولي.

نورشان حسين، ممثلة «الإدارة الذاتية» في إقليم كردستان

وقال هوشنك درويش، ممثّل مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) في الإقليم، والذي يعد بمثابة المظلة السياسية لـ«قسد»: «منذ بداية الإعلان عن الإدارة الذاتية لم يكن هناك موقف واضح من حزب الديمقراطي الكردستاني من هذه الإدارة، وحتى اليوم ليس هناك ممثّلية بشكل رسمي للإدارة في أربيل رغم وجو ممثّليات لها في عدد من الدول الأوروبية والعربية».

وأضاف لـ«المجلة» أن «مواقف هذا الحزب في أربيل لا تخدم المصلحة الكردية في روجآفا ولا تخدم كذلك المكتسبات التاريخية التي رأت النور بفضل التضحيات الكبيرة لوحدات حماية الشعب والمرأة و(قسد)، ولذلك لا نستغرب من احتجاز ممثّل الإدارة وزميليه، لكننا نددنا بذلك وقلنا إنه يجب إطلاق سراح المعتقلين، لأننا لا نرى أي مبرر أو أساس لهذا الاعتقال»، مشدداً على أن «أعضاءنا وكوادرنا الذين تمّ اعتقالهم يقيمون في الإقليم ولديهم إقامات رسمية مع عائلاتهم وكانوا في مهام رسمية عند الاحتجاز. لقد كانوا يستقبلون وفداً قادماً من الخارج في المطار».

وانتقد ممثّل «مسد» في الإقليم، استقبال حزب الديمقراطي الكردستاني لشخصيات بارزة في «الائتلاف» السوري ومنها رئيسه نصر الحريري الذي اتهمه درويش، بارتكاب جرائم بحق الأكراد في مناطقٍ سورية سيطرت عليها تركيا بتأييد من الائتلاف الذي يرأسه الحريري.

وقال في هذا الصدد: «قبل أشهر استقبل الديمقراطي الكردستاني الحريري في أربيل، والكل يعرف من يمثّل هذا الشخص. إنه يرأّس الائتلاف ونعرف ماذا فعل جناحه العسكري المكون من مرتزقة وجماعات مسلّحة موالية لأنقرة في عفرين وسري كانييه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) من سلب ونهب وسرقة وسطو على الممتلكات وهو مسؤول عن كل هذه الجرائم وغيرها. لكن أربيل مع الأسف تستقبل هذا الشخص استقبال الأبطال، بينما تعتقل ممثّل الإدارة وزميليه».

* تتعدد أسباب التوترات بين «الإدارة الذاتية» وأربيل، لكن أبرزها متعلق بدعم الأخيرة لأحزاب وتيارات كردية سورية تعارض مشروع «الإدارة»

وأضاف أن «هذا الاعتقال لا يعد غريباً، فسياسات الديمقراطي الكردستاني تتناغم مع أنقرة، ومع ذلك يجب أن ننظر للأمر من زاوية أخرى. هذا الاعتقال متمم للعدوان التركي على حزب العمال الكردستاني. يجب أن ندرك أن ما قام به الجيش التركي في عفرين وسري كانييه وكري سبي يتكرر في الإقليم والهدف التركي واحد وهو ضرب المكتسبات الكردية في إقليم كردستان وروجآفا وأيضاً في روجهلات (كردستان إيران)».

كما اعتبر ممثّل «مسد» أن العلاقة بين «الإدارة الذاتية» وأربيل، «متوقفة» على رؤية حزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعّمه مسعود بارزاني الرئيس السابق للإقليم للموقف التركي من «الإدارة الذاتية».

وقال أيضاً إن «علاقة الديمقراطي الكردستاني معنا أو مع شمال وشرق سوريا، متوقفة على رؤية وسياسة أردوغان وتركيا تجاه هذه المنطقة. للأسف هذا الحزب غير قادر على التخلص أو الخلاص من السياسة التركية وضغوط أنقرة عليه بعدما وضع رقبته بين أصابعها».

وأضاف أن «الجيش التركي يتقدم كل يوم في أراضي الإقليم ويتوغل فيها أكثر ويحتل أراضيه، والديمقراطي الكردستاني لا يستطيع أن يرفض ذلك أو أن يقول لا، لتركيا. هناك عشرات القواعد العسكرية للجيش التركي في الإقليم. هناك احتلال اقتصادي تركي للعاصمة أربيل. بمعنى آخر، هذه هي سياسة الديمقراطي الكردستاني وهو ما يجعل المسافة بعيدة بينه وبين الإدارة الذاتية».

* ما قام به الجيش التركي في عفرين وسري كانييه وكري سبي يتكرر في الإقليم والهدف التركي ضرب المكتسبات الكردية

كما شدد على أنه «يجب الدفاع عن المكتسبات الكردية والمحافظة عليها، خاصة وأن عدم وجود حزب العمال الكردستاني في الإقليم كان يعني سيطرة الفاشية التركية على الموصل وكركوك. لولا مقاومة العمال الكردستاني، لرأينا الجيش التركي في هاتين المدينتين. لكن للأسف تتناغم سياسات أنقرة مع الديمقراطي الكردستاني، وهي موجهة ضد روجآفا والإقليم والمكتسبات الكردية أينما كانت، إضافة للعمال الكردستاني».

هوشنك درويش، ممثّل مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) في الإقليم


وتابع: «رغم هذا كله، نسعى لأفضل وأمتن العلاقات مع إقليم كردستان. ونطمح لذلك في واقع الأمر، وكنا ننتظر من الديمقراطي الكردستاني أن يكون داعماً وسنداً لتجربة الإدارة الذاتية ومدافعاً عنها. لقد قدمت هذه الإدارة آلاف الشهداء وآلاف الجرحى. لكن للأسف الشديد كل مواقف هذا الحزب تجاه تجربتنا تنسجم مع الموقف التركي. ومع ذلك نتمنى أن لا تتأزم العلاقة في اتجاه آخر، نرجو أن لا تكون هناك شرارة حرب كردية-كردية، وهي فتنة تهدف إليها أنقرة بعد هجماتها على مقاتلي حزب العمال الكردستاني وتأييد الديمقراطي الكردستاني لها».

* انتقد ممثّل «مسد» في الإقليم، استقبال الحزب الديمقراطي الكردستاني لشخصيات بارزة في «الائتلاف» السوري

ويشنُّ الجيش التركي منذ أيام، هجوماً برّياً وجوياً واسعاً على مواقع لحزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق، ضمن عمليّة عسكرية جديدة تأتي بعد أشهر من مقتل جنودٍ أتراك في عمليةٍ سابقة، وتشتد حدّة المعارك في منطقتي متينا وآفاشين على الحدود بين إقليم كردستان وتركيا. وكلتا المنطقتين يتمركز فيها مقاتلون من الحزب الذي يخوض تمرّداً مسلّحاً ضد أنقرة منذ عام 1984.

وألقت وزارة الداخلية في الإقليم، مسؤولية ما يجري من مواجهاتٍ مسلّحة على عاتق حزب العمال الكردستاني وذلك في بيانٍ نشرته قبل أيام وكشفت فيه أيضاً عن إحباطها لمخططٍ للحزب كان يهدف لضرب الأمن والاستقرار في الإقليم عبر جماعاتٍ محلية لم تسمّها مع رعايا أوربيين.

وتعرّضت عشرات القرى والبلدات الواقعة في ريف محافظة دهوك للتدمير وهُجِر منها سكانها نتيجة القصف التركي العنيف الذي استهدف تجمعاتٍ سكنية مدنية في تلك المناطق، ونزح آلاف المدنيين من المنطقة الحدوديّة بين الإقليم وتركيا التي تشهد اشتباكاتٍ بين الجيش التركي ومقاتلي العمال الكردستاني. والنازحون أغلبهم أكراد، ومعهم أيضاً سريان آشوريون يعيشون في تلك المناطق.

وقد اتهمت جهات حقوقية عديدة، أنقرة بمحاولات إحداث تغيير ديموغرافي تلك المناطق على غرار ما جرى في المناطق السورية التي سيطرت عليها أنقرة، حيث تمّ طرد معظم سكانها الأكراد منها وكذلك الأرمن والسريان.

* هذا الاعتقال لا يعد غريباً، فسياسات الديمقراطي الكردستاني تتناغم مع أنقرة... وهذا الاعتقال متمم للعدوان التركي على حزب العمال الكردستاني

وأدى الهجوم التركي الأخير، لمزيد من التوتر في العلاقة بين حزب الديمقراطي الكردستاني، والعمال الكردستاني. وهما أكبر حزبين كرديين في كل مناطق التواجد الكردي في تركيا والعراق وسوريا وإيران، بعد أن اتّهمت أطراف مقرّبة من العمال الكردستاني، الحزب الأول بالتعاون مع القوات التركية في هذه الهجمات. وكذلك بعد مطالبة الديمقراطي الكردستاني، بانسحاب مقاتلي العمال الكردستاني من الإقليم.

وينظّم أنصار حزب العمال الكردستاني احتجاجات وفعاليات واسعة رافضة للهجمات التركية على مواقع الحزب في الإقليم الكردي.

وعادةً ما تنفذ تركيا بشكلٍ متكرر، هجماتٍ متعددة على مناطق حدودية ضمن إقليم كردستان. وتقول إنها تستهدف مواقع الحزب الذي يقبع زعيمه ومؤسسه عبد الله أوجلان في سجونها منذ نحو 22 عاماً.

 

font change